|
الصهيونية الأمريكية فكراً وعاطفة
سارة بيصر
الحوار المتمدن-العدد: 5125 - 2016 / 4 / 6 - 03:59
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لقد تشبعت أمريكا منذ نشأتها الأولى بالصهيونية كحركة روحية ؛ فلقد شكلت عنصراً هاماً في الفكر الأمريكي والحياة السياسية منذ الأيام الأولى للاستيطان الأوروبي في العالم الجديد ، خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر .
وكانت العناصر اليهودية في الواقع أكثر وضوحاً في العالم الجديد ؛ فلقد كان المهاجرون إلى العالم الجديد يحملون معهم الثقافة العبرية ، فنشأ عندهم إيمان راسخ أن الفكر العبري ، هو الذي قوى أسس الدولة الأمريكية .
ولقد كان اللاهوت البيوريتاني عندهم ، يعتمد على التفسير الحرفي والتسليم بما في العهد القديم (أسفار التوراة) ، جعلهم ذلك يدركون أن تجاربهم الأمريكية تجعلهم متماثلين مع المنفيين والمقيمين العبرانيين اللذين ذكرتهم التوراة . فقد أصبحت أمريكا "كنعان الجديدة" ، كما أن هؤلاء فروا كالعبرانيين القدامى من عبودية "فرعون" ( الملك جيمس الأول ملك إنجلترا) ، من أرض مصر (إنجلترا) ، بحثاً عن ملاذ في الأرض الجديدة الموعودة من الاضطهاد الديني .
وعندما أعلنوا الحرب على أصحاب البلاد (الهنود الحمر) ، كانوا يستحضرون العهد القديم عندما أعلن العبرانيين الحرب على العماليق وسكان فلسطين ، وأصبحت التوراة أي : (العهد القديم) مصدراً لأسمائهم ودليلاً لتشريعاتهم ، فغدوا يطلقون على أطفالهم أسماءً عبرانية ؛ وأضحت مدنهم ومستوطانتهم الأولى تحمل أسماء (بيت لحم ويهودا وصهيون وسالم ، بل وأورشليم ) . وأخذت أسماء أماكن فلسطين التي ذكرت في التوراة ، تطلق من جديد على المستعمرات المحتلة حديثاً .
وعنما انتهى عصر لاهوت القرن السابع عشر ، بدأت فلسطين كوطن اليهود ، يحمل مكانة خاصة في الثقافة الأمريكية ، وبقيت عودة اليهود إلى هذا الوطن التقليدي ، فكرة محببة ومبدأ مسلم به ، في كل من الأدبين الديني والشعبي .
ومع نهاية القرن الثامن عشر أصبح الاعتقاد بالبعث اليهودي يشكل جانباً مهماً من اللاهوت البروتستانتي الأمريكي ، حيث احتلت معتقدات المسيح المنتظر ، والعصر الألفي السعيد (1) مكانة بارزة.
واتخذت الإنجيلية في الولايات الأمريكية شكلاً أكثر هيمنة مما كان عليه الحال في إنجلترا ، وبلغت ذروتها في الثقافة الشعبية التي تضمنت الكثير من تعاليم الصهيونية الروحية والدينية .
وعلى ذلك فمنذ فجر التاريخ الأمريكي ، كان هناك ميل قوي للاعتقاد بأن مجئ المسيح المنتظر ، يجب أن يسبقه عودة الدولة اليهودية .
ولم يكن هذا الرأي اجماعاً بين اللاهوتيين المسيحيين . ولكنه كان يشكل جزءاً من مصفوفة التاريخ الفكري الأمريكي ، التي كانت تتضمن دائماً خيطاً من العصر الألفي السعيد في الفكر الأمريكي.
لذا فقد جعلوا كل النبوءات المتعلقة باليهود ، إشارة إلى (إسرائيل (الأمة الدنيوية )) ، مقابل إسرائيل الروحية أي : الكنيسة المسيحية .
وكانوا يعتقدون أن الله كان يهدف طوال الوقت إلى غرضين متميزين : إحداهما متعلق بالأرض وشعبها وأهدافها الأرضية ، وهي : اليهودية. وثانيهما مرتبط بالسماء وأهلها وأهدافها السماوية ، وهي : المسيحية.
وبالتالي اعتقدوا أن حدود الأرض الموعودة لإبراهيم ستعاد ، في شكل دولة إسرائيل ، قبل العصر الألفي السعيد ، وسيعود المسيح إلى مملكة سياسية قائمة على الأرض ، ولها حكومة على غرار الحكومات الوطنية القائمة.
هذا الشكل من التفكير لم يجعل الطوائف الأمريكية ، التي تؤمن بالعصمة الحرفية للكتاب المقدس صهيونية فحسب . ولكنه أوجد من بينهم زعماء يطالبون بعمل شعبي لإعادة اليهود إلى فلسطين .
*** والآن فعند النظر للتأييد الأمريكي لإسرائيل ، من زاوية التاريخ الطويل ، وتعاليم الصهيونية غير اليهودية يتضح أن : العامل الوحيد الثابت في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط هو تأييد الدولة اليهودية . وإذا ما أخذنا في الاعتبار مجموعة العوامل السياسية الفعالة داخل الولايات المتحدة الأمريكية ، يتضح أنه ليس هناك سبيل معقول ومنظور يمكن من خلاله حدوث تغيير في هذه السياسة .
ومن الواضح أن المواقف الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ، لا تعكس التحيز العاطفي الموالي لإسرائيل فحسب . ولكن تظهر كذلك أن ذلك التحيز مصحوب بكراهية متغلغلة ، وعدم ثقة في العرب .
والعامل المشترك بين الصهيونيين اليهود ، وغير اليهود ، هو تصويرهم للعرب ، على أنهم لا يملكون الصفات التي تروق للغربيين .
ولم تهيئ الصهيونية المجال للاستيطان الاستعماري في فلسطين فحسب ، بل أنها جلبت معها موقفاً سلبياً تجاه المواطنون العرب في فلسطين . فهناك تحامل ضد العرب يعود تاريخه لأوائل القرن التاسع عشر . وتصور الثقافة الشعبية العرب ، على أنهم العدو الأول للحضارة الغربية وقيمتها . ولا ينفصل ازدهار الصهيوينة غير اليهودية ، عن غرس مجموعة كاملة من الآراء والأهواء المعادية للعرب .
والمشكلة في كثير من الأحيان ناتجة عن الجهل ، أكثر منها من التحيز المكشوف ، فقد تناولت دراسات عديدة المواقف المعادية للعرب والمؤيدة لإسرائيل في كتب الثانوية الأمريكية . وتوصلت إلى أنه : ليس بين الكتب العشرين التي تدرس في الثانوية الأمريكية ما يمتدح العرب ، بينما كان الكثير منها مؤيداً لإسرائيل .
هذه المواقف التي يتشبث بها الرأي العام الأمريكي ، هي التي تشكل المؤشرات السياسية ، التي تحدد االسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ، لأن النظام السياسي في النهاية ، يشكل سياسته الخارجية ، تبعاً لمصالحه القومية ، وسعياً وراء مضاعفتها . وهذا ما دعا بعض الأمريكيين المعنيين ، إلى حث العالم العربي ، على سلوك الطريق الغير مباشر ، لتغيير السياسة ، عن طريق : تعزيز صورته داخل الولايات المتحدة الأمريكية .
ويمكن أن يتم هذا بنجاح ، لو تفهم الغرب ميوله الصهيونية ؛ فعلى الفرد الأمريكي والغربي أن يتفحص مواقفه وميوله الموالية لإسرائيل ، ويعترف بأنها نتيجة عملية تكيف اجتماعي ، وترسيخ روحي استمر قروناً ، مما أثر بشكل مباشر وغير مباشر على آراءه عن المشكلة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
فلقد سعت إسرائيل دائماً أن تضع صورة مألوفة ، ومقارنة توراتية بين داود وجالوت . فلقد صورت نفسها بداود الشجاع ، ورغم ذلك عاجز ومحاط بملايين العرب (جالوت) ، الراغبين في الانتقام منه.
ولقد كانت هذه مجرد أسطورة أخرى أوجدتها ونشرتها الصهيونية ، لكسب تأييد الرأي العام العالمي ، من أجل قضيتها الجغرافية والسياسية ، وهي توسيع الدولة اليهودية وترسيخها.
ولقد كانت إسرائيل المرة تلو المرة تثبت أن قوتها العسكرية ، التي ترعاها أمريكا وحلفاؤها الغربيين بكل اهتمام ، هي التي تهدد جيرانها ، وليس العكس ، وهو ما تريدنا إسرائيل أن نصدقه. فليست إسرائيل( داود )المحاط بملايين من العرب ، الراغبيين في الانتقام منه. ولم يبلغ العرب مبلغ (جالوت) ، لانقسامهم وضعفهم السياسي.
----------------------------- (1) العصر الألفي السعيد : هو اعتقاد بعودة المسيح المنتظر ، الذي سيقيم مملكة الله على الأرض ، والتي ستدوم ألف عام سعيدة ، يكون الحكم فيها لأتباع المسيح.
المراجع
* كتاب (الصهيونية غير اليهودية ، وجذورها في الفكر الغربي) د. ريجينا الشريف
- العالم الجديد باعتباره القدس الجديدة ، صفحة 183 - الرأي العام الأمريكي ، والقضية الصهيونية ، صفحة 216 - مستقبل فلسطين ، في مقابل ماضي أمريكا ، صفحة 279
سارة بيصر .
#سارة_بيصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وحدها العصافير هي التي تعرف الحب ، لأنها تعشق الحرية
-
العنف ضد المرأة طعنة في خصر المجتمع
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|