أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف














المزيد.....


عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5124 - 2016 / 4 / 5 - 08:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عنوان هذا المقال ربما يذكّر القارئ بعنوان كتاب: "جنّة العبيط" للمفكر المصري الكبير زكي نجيب محمود. وأقرّ فيلسوفنا في بداية المقال الحامل لعنوان الكتاب: “أما العبيط فهو أنا. وأما جنّتي فهي أحلام نسجتُها على مر الأعوام عريشةً ظليلة، تهبُّ فيها النسائمُ عليلةً بليلة، فإذا ما خطوتُ عنها خطوة إلى يمين أو شمال او أمام أو وراء، ولفحتني الشمسُ بوقدتها الكاوية، عدتُ إلى جنتي، أنعم فيها بعُزلتي، كأنما أنا الصقر الهرِم، تغفو عيناه، فيتوهم أن بغاث الطير تخشاه، ويفتح عينيه، فإذا بغاث الطير تفري جناحيه، ويعود فيغفو، ليتم في غفوته بحلاوة غفلته.”
وكأنما أديبنا الكبير زكي نجيب محمود في جلسة اعتراف إلى كهنته وقرّائه وأصفيائه على الورق. يعترف لنا أنه صنع جنته من خياله الذي يحصّنه من مادية الكون من حوله. يهرع إلى جنّته الخاصة يستنجد بها لكي لا تتشوه روحه وتتصدّع بنيته الداخلية التي صنعها من فكره ورؤاه التي لا تشبه إلا نفسه. وكأنما يحتمي "بعبطه" الطوباوي، من "ذكاء" العالم وخبثه. لا يريد أن أن يتعلّم المكرَ ليحتمي من مكر الماكرين، بل أن يتعلم مزيدًا من "العبط" لينجو. يحلم أنه قوي، وهو موغلٌ في الضعف. وهل ضعفه ضعفٌ؟! الشرُّ سهل، لكن كامل القوة في نبذ الشر والاحتماء بما يراه الناسُ ضعفًا، وهو ترفّعٌ عن الشر.
لكنه في نهاية المقال يقول: “لكن لكل جنة إبليسها، وإبليس جنتي وسواس خنّاس، ما ينفك يوسوس في صدري هاتفًا: يا ويح نفسك، لقد ضلّت ضلالين، ضلالاً بغفلتها، وضلالاً بتضليل قادتها.” كأنما يقرّ الفيلسوف ويعترف أنه حتى في لجّة استمتاعه بجنته وعبطه لا يأمن وساوس الوسواس أن تخترق عالمه الآمن وتدنّس طهر جنّته الطوباوية العبيطة.
لا أدري لماذا تذكّرتُ كل هذا وأنا أسرح بأفكاري حول خبث الخبثاء وعبط الأبرياء في هذا العالم. من يفوز بالمغانم في نهاية النهار: المكرة أم الغافلون؟
حكى لي أحد الأصدقاء المصريين اسمه "ناروز" ونحن نحتسي القهوة على مشارف مارينا "باب البحر" في دبي عن السائح الأجنبي الذي زار مصر وسأل أحد المارة عن الطريق إلى الهرم. فما كان من الرجل الذي لا يعرف في الإنجليزية إلا كلمة GO إلا أن طوّع الكلمة الوحيدة التي يعرفها لكي يصف الطريق للرجل بكل دقّة. حقن الكلمة بالنغم والتطويل والإشباع والإضغام مستعينا بحنجرته وذراعه. فأشار الرجل البسيط بيده للسائح في خط مستقيم وقال: Go، ثم أردف الكلمة بنفس الكلمة طويلة Gooooooo بما يعني أن يسير السائح في خط مستقيم مسافة كبيرة. وبعدها حرف ذراعه يمينًا قائلا: وبعدين Go، ففهم السائح أن عليه الانعطاف يمينًا. ثم أردف البسيطُ: Goooooooooooooo طويلة، ففهم الأجنبي أن عليه السيران مسافة كبيرة، تختلف في طولها عن طول المسافة الأولى، فهي أطول، وهكذا يمينًا ويسارًا، طولا وقصرًا، حتى اكتملت الوصفة في ذهن السائح، وعرف الطريق إلى الهرم من كوبري الجامعة الذي يواجه جامعة القاهرة بالجيزة.
هذا الرجل البسيط الفذّ، استخدم إمكاناته المحدودة لغويًّا ليشرح للرجل الغريب لغزًا لم يستطع حلّه جهار دليل الملاحة: GPS (Global Positionnig System).
وها هو المقال قد أوشك أن ينتهي، كما ترون، ولم يجب بعد على السؤال المحيّر: مَن أكثر سعادة: الفيلسوف الذي اختار أن يكون عبيطًا لكي ينجو، أم البسيط العبقري الذي اختار أن يكون فيلسوفًا ليعيش وسط عالم حاشد بالماكرين الأذكياء؟
عليك الآن أن تختار بين بديلين لا ثالث لهما:
أن تكون "عبيطًا" كما فعل زكي نجيب محمود وتحتمي بجنّتك "العبيطة" الخاصة من مكر الماكرين، فتنجو بنقائك من خبث العالم.
أو أن تختار أن تكون "ماركي دو ساد" كما فعل الماركيز الساديّ، وتحتمي من مكر الماكرين بمكر أشد ودهاء أدهى، فتنجو أيضًا من خبث العالم.
لا، لا يجب أن ينتهي المقال عن الأبيض والأسود على هذا النحو الحدّي. ربما عند القارئ الفطِن بديلٌ ثالث، أو رابع، أو مليون. هذا مقالٌ لا يجيبُ، بل يسأل.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوطٌ لكل امرأة
- كُن مرآةً ولا تكن عكازًا
- البيض الأرجنتيني
- الست فضة والست ماري
- لقاء الرئيس الذي لم أحضره
- هل نلغي الدستور؟
- الكود الإنساني للأطفال
- تيمور السبكي... ونحن والدستور
- اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!
- الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!
- لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)
- سأهربُ إلى قبر جدتي
- قانون -نيوتن- الرابع
- ماذا قال لي برنارد شو
- رسالة إلى الله
- اسجنوا أولئك الثلاثة


المزيد.....




- الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي ...
- القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي ...
- الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين ...
- وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي ...
- سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
- سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق ...
- قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
- خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز ...
- القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام ...
- البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف