|
رحيل ملكة العمارة بعد رحيل شيخ العمارة
علي عبد الرضا
الحوار المتمدن-العدد: 5121 - 2016 / 4 / 2 - 09:47
المحور:
الادب والفن
رحيل الملكة بلا صخب ... كما كان رحيل شيخنا قبل أسابيع بلا صخب أيضا. لا اجد حقا الكلمات أو التعابير لحتى اطرق موضوع زها ... لا أتمكن فانا لديّ مشاعر وصعب علي الحديث الأن. سأتناول ذلك لاحقا. صادق العزاء والمواساة لعائلة واهل المرحومة وأقاربها وزملائها في العمل والكم الهائل من معارفها على كل امتداد كوكبنا الأزرق والذي سعت زها بحمية لا تصدق لتعطي كل مدينة سعارا وتعريفا جديدا لها. صرت اعرف اني لن التقيك بحفل استقبال أخر في بغدادنا الحبيبة. من ذكرياتي ... في العام 1959 وفي شهر تشرين الثاني أقامت سفارة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية حفل استقبال بمناسبة ثور أكتوبر 1917. تلك كانت المرة الأولى لي وليست الأخيرة بمرفقة والدي الشهيد الجليل المبجل لحضور حفل الاستقبال هذا. كنت في حينها في العاشرة من عمري. تبعت والدي وهو يطوف ويسلم على العشرات من الحضور وكنا قد سلمنا في بداية دخولنا إلى السفارة بأشخاص مهمين جدا في نظري حينذاك وجلب انتباهي الشخص اللابس للبدلة العسكرية الفخمة والمرصعة بكل أنواع الميداليات. من أين حصل عليها : الله هو العالم ! هكذا فسرت الأمر. لم الحظ وجود أطفال بعمري للعب معهم وان كان والدي قد حذرني جدا من اللعب ومشددا عليّ أن أكون دائما إلى جواره. مفهوم، هكذا هم الأباء ! وللحظة لمحت طفلة صغيرة جميلة تسير بجانب والدها والذي كان مشغولا جدا بتجاذب الاحاديث السياسية التي لم اكن افهم منها الكثير عدا إن الإنسان واجب عليه مساعدة المستضعفين : هذا كان احد دروس والدي لي ولإخوتي الستة الذين اعدمهم المجرم هام بعد عشرين عاما من تاريخ حفلة الاستقبال الفخمة والعامرة طاولاتها بالحلويات وهذا اهتمامي الأول والأطعمة الفاخرة واللذيذة جدا. رحت أراقب هذه الفتاة عسى أن احظى بمكالمتها فاحاديث الكبار كانت في واد وانا أريد الحديث عن واد أخر. سنحت الفرصة لي وعيني تتراقص على صحون الحلويات صعودا وهبوطا ولوعة أن يأكلها كلها الآخرون من قبل أن احظى بحصة الأسد منها وكان هذا ما وطدت نفسي عليه. كانت تلك هي الفتاة الصغيرة تقترب من الحلويات وعيناها تدوران بشكل مضحك وهي تقلب أنظارها لتعرف من أين تأكل الكتف ! واذكر جيدا إنها كانت تسترق النظر إلى والدها لكأنها تخاف أن يضيع عنها. هذا مفهوم فكل الفتيات هن كذلك أي وجلات خائفات خجولات. كانت تلك هي فرصتي للحديث معها وأيضا فلا اخفي عليكم اني وجدت فيها منافسا خطيرا على أطباق الحلويات وكنت اقلب في راسي كل الأفكار لأجعلها تتحدث وانا اكل الحلويات ! فكرة جهنمية حقا ! كانت في التاسعة من عمرها، وكانت خجولة جدا ووجلة وفيها الكثير من التردد. لم تكن تحب الحديث كثيرا. هكذا هن الفتيات ومن لا يعرفهم ؟ إن ما زاد من روعي وقلقي إن عيون هذه الفتاة الصغيرة ذات العينين السوداوين شبع الجاحظتين والباعة على الضحك وان كان بتكتم شديد جدا. انتم لا تعرفون إن بعض الفتيات الصغيرات يمكنهن توجيه لكمة موجعة، نعم فاحذروهن ! هذا درس مفيد لكم ! كانت عيناها لا تغادر صحون الحلويات وانا أثرثر لتشتيت نظرها وأبعاده عن الحلويات اللذيذة جدا. لم تنطلي خطتي على هذه الفتاة الصغيرة الجميلة ذان العينين السوداوين الكبيرتين شبه الجاحظتين وخشمها المعقوف قليلا، لا وبل قد وجدت فيها صرامة وحزم كبيرين على أن تنال ما تريديه من الحلويات وهذا ما ادخل الرعب إلى قلبي ! راحت عليّ حصتي ّ ولم تمض دقيقتين أو ثلاث إلا وفقدت منافستي الخطيرة على الحلويات شهيتها على ما يبدو فإنها وبخطوات قصيرة لا يسمع لها أي صوت، هذه خاصية خاصة توجد فقط عند الفتيات فمرات تسمع خطواتهن كأنها صرخات عالية حادة تهز المكان والشارع ومرات أخر بلا صوت : كيف يعملونها، لا ادري ؟ لقد توجهت لمنافسة العديدين على صحون الأطعمة المختلفة الفاخرة. أما أنا فحمدت ربي لتركها الحلويات وأيضا حسرتي البالغة لأننا لن نتعرف على بعضنا بشكل جيد. واذا بشعور غريب جدا وغير مفهوم أحسست في داخلي إن شخصا ما هناك وعلى الأرجح خلفي مثل هذه المشاعر حدثت معي مرات عديدة. ألا تشعرون انتم بها أيضا، وحتى انتم الذين تسخفون مثل هذه الروايات ؟ استدرت بحدة لأعرف من هذا ... انه والدي ونظرته المعبرة : لا تأكل الكثير من الحلوى واشرب بعض العصير المنعش وخذ قليلا من الطعام. طريقة والدي لتوجيهي كانت سهلة جدا وفي أحيان كثيرة تدخل البهجة إلى قلبي، انه يقوم أولا بتثبيت نظره عليّ ثم تدور عيناه باتجاه صحون الطعام ومن بعد ذلك يوجهها مرة أخرى علي ليديرها باتجاه مكان توزيع المشروبات المخصصة الأطفال. أخر ما رأيت منها هو خروجها برفقة والدها وكانت ترتسم على وجهها الجميل ابتسامة خفيفة تكاد لا ترى جميلة لا يحسن القيام بها إلا الفتيات الصغيرات. يا لهنّ من شقيات ! في الواحد والثلاثين من آذار وصلني الخبر الصاعقة بلا طلب ادن ومن دون أن يأبه بالأبواب. جمدت في مكاني زمنا زاد عن الساعة والنصف وأفكاري وذكرياتي في فوضى معذبة قاسية أحاول أن التقط منها ما يدلني على سبب وفاتها المفاجئ. أنا ما زلت اعتقد وأؤكد على منحى جديد لها بدأ بالتبلور عند زها وانها كانت ستفاجئ العالم كله بذلك. وانا على تمام اليقين من أن زها كانت ستقدم صفعة قاسية بوجوه كل أولئك الذين كنوا العداوة لها وعمقوا في داخلها الشعور القاسي الجارح بالغبن الذي كان باعتقادها قد مورس ضدها وبتصميم وإرادة مسبقة. لم تكن زها إنسانا لا يعير أراء الأخرين أية أهمية. زها كانت إنسانا رهيفا حساسا وتتألم بشدة مفرطة من احاديث الآخرين عنها وحتى محاربتها وعدم فسح المجال أمامها لقد وصل بها الأمر وأثناء تقديمها لخطاب الشك على منحا احدى الجوائز الأولى، وإذ هبت رياح نشطة جعلت الكثير من ملبسها يتطاير وليس ينفصل عنها وهنا حدث أن شجيرة صغيرة موضوعة للديكور أن دفعتها الرياح لتقلبها على زها. فقالت قولتها المشهورة : حتى المزروعات لا يحبوني ! هذا لعمري اعتراف صغير عن حجم الآلام والمعاناة والوحدة التي كانت زها تعاني منها وهي لم تخفي ابدا هذه المشاعر. جاء تنفيذ مشروع محطة إطفاء الحرائق فيترا في العام 1993 Vitra Fire Station on the Vitra Campus, Weil am Rhein, the first-ever built architectural work by Zaha Hadid إن تنفيذ هذا المشروع كان إعلانا لانطلاقة زها في الأوساط المعمارية رغم تشكيك الكثيرين بأفكارها التصميمية حتى أن مهندس معماري يهودي إسرائيلي صهيوني قد كرس جل طاقاته لإثبات فرضيته التي تقول أن وها حديد كانت قد تسرق التصاميم المعمارية لمهندسين معماريين سبقوها، ولهذا الموضوع عودة. ... - المعمار البروفيسور الدكتور علي عبد الرضا طبله الثاني من أبريل من العام 2016
#علي_عبد_الرضا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا للإرهاب لا للاستهتار بمصالح وحقوق الشعب !
-
ردا على مقالة د. صبحي الجميلي المنشورة في طريق الشعب بتاريخ
...
-
خاصة بعد زوال البعث ؟
-
خاصة بعد ز
...
-
قسماً ... أقسمنا ...
-
8 شباط 1963 الجريمة التي لا تغتفر ... ما قبلها وما بعدها
-
8 شباط 1963 الج
...
-
محاور ومحاورات ... مما كتب في كانون الثاني 2015
-
ملفان وجوديان يجب الوقوف عندهما
-
لأجل غد تصان به حرمة الإنسان والأرض
-
الماركسية : رفض الاستغلال أم رفض الدين ؟
-
من مقدمة : حول الاسلاميات
-
التشكيك بكل شيء هو الباب الوحيد لليقين بكل شيء
-
رسالة مفتوحة إلى سماحة المرجع الديني الأعلى سيدنا سيد علي ال
...
-
توجيهات ام ثورة ؟
-
رسالة مفتوحة الى السيد د. حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء الع
...
-
إما النصر ... أو الانتصار !
-
يجب اعادة كتابة كل الموروث الديني بصدق !
-
ايران الفرس وأمريكا والمعدان وحواضن العدوان
-
إما انتم مع الحق ... وإما انتم مع الباطل !
المزيد.....
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|