|
-عساكر قوس قزح- لأندريا هيراتا.. قصة المنسيين
منير ابراهيم تايه
الحوار المتمدن-العدد: 5121 - 2016 / 4 / 2 - 09:47
المحور:
الادب والفن
بينما كانوا ينتظرون معملتهم في المدرسة المحمدية ليبدأوا دروسهم رآها من شقوق الحائط وهي تحتمي من الامطار بورقة شجرة موز، وبين وحين وآخر تتوقف تحت شجرة اخرى، فقطع وعدا على نفسه بأنه سيكتب لمعلمته كتابا يخلط فيه جهودها ومثابرتها ، لتمر السنين وتذكره تلك المعلمة والتي رآها مرة اخرى اثناء عمله التطوعي في منطقة تدعى اتشيه ضربها تسونامي، كانت ترتدي جلبابا وتحمل لوحة كتب عليها "تعالوا لا تتخلوا عن المدرسة" ذكرته بوعده الذي قطعه على نفسه، فكان عساكر قوس قزح بو مس التي بدأت التدريس وعمرها خمسة عشر عاما فقط، فضلت التدريس بلا مقابل على أن تعمل بوظيفة بمرتب جيد وقالت: أريد أن أصبح معلمة، تعمل بالخياطة ليلا وصباحا في مدرسة المحمدية ، يقول أندريا عنها " لم أر في حياتِي قط أحدا يعشق التدريس كعشق بو مُس لها و لم أر احدا سعيدا بعمله مثلها... في إحدى الأمسيات. بعد يوم حافل بالمطر الغزير، افترش السماء من ناحية الغرب قوس قزح مثالي، تجلى على شكل نصف دائرة باهرة الإشراق تضم سبعة أطياف من اللون. انبثق من دلتا الجينتانغ مثل سجادة متلألئة وامتد ليزرع نفسه في غابة الصنوبر عند جبل سوليمار. وأصبحت عادة لدينا أن نتسلق الشجرة بعد كل عاصفة ماطرة بحثا عن قوس قزح. ولهذا السبب، أطلقت علينا بو مس اسم "عساكر قوس قزح". الرواية تحملنا إلى أجواء بلاد جنوب شرق آسيا، البلاد التي تمتزج فيها الأساطير بالأديان، غير انها مبنية على أحداث حقيقية، انها رواية انسانية ملهمة، بكل معنى الكلمة، ورائعة في بساطتها لصدقها وغرابة واقعها.. والصراع من أجل البقاء انها تحكي قصة احد عشر طالبا في مدرسة المحمدية ومعلمهم باك هرفان، ومعلمتهم الصغيرة بو مس التي كتبت الرواية لأجلها واصرارها العجيب على تعليم الطلبة بشتى الطرق والتفاني في ذلك على الرغم انها تعمل بلا مقابل. كل طالب له حكايته، لينتانج العبقري الذي أرسله أبوه ومعه قلم من النوع الذي يستخدمه الخياطون ليحددوا العلامات على الأقمشة، ومع ذلك فان كل ما كتبه هو ثمرة ذهن متقد، اظهر عبقرية كبيرة في كل العلوم، اعجوبة في تعلم اللغة، الفيزياء، الرياضيات وهو في سن صغيرة جدا، اصراره ان يغير واقعه وان يكون شيئا تفتخر به اسرته على الرغم من فقرهم الشديد.. انه اكثر من تأثرت به، كوتشاي الصبي الوديع، صاحب الوجه اللطيف، والمظهر الذكي، المزيج الذي تتكون منه خصائص كوتشاي: الانتهازية، والأنانية والخداع، فضلا عن تصرف العارف والصفاقة، هذا المزيج استوفى جميع الشروط ليكون عريف الصف. وحين أدرك أن لديه هذه المميزات ، امتلك تطلعا ليكون عضوا في الجمعية التشريعية الإندونيسية وسهاري المزاجية، البنت الوحيدة في الصف، حازمة ومباشرة، ولا تكذب قط ، وتراباني الامير الوسيم يجلس دائما عند الزاوية، وجه وسيم، من الفتيان الذين تقع البنات في غرامهم من النظرة الأولى. شعره وبنطاله وحزامه وجواربه وحذاؤه اللامع لطالما بدا كل ذلك نظيفا ومرتبا. ومهار المهووس بعوالم الغيب الموهوب بالغناء، آكيونج، الفتى الكونفوشيوسي الذي يدرس في مدرسة المحمدية الإسلامية لأنه فقير جداً ويعجز بسبب فقره عن الذهاب لاي مدرسة أخرى! هارون المصاب بمتلازمة داون، بوريك المهووس بكمال الاجسام والذي يحمل لقب شمشون، و لن ننسى بالطبع اكال البطل الذي يروي القصة، كل منهم يحمل حلما، رغم أن الحياة لم تكن سهلة للجميع، من منهم حقق حلمه؟ وكيف؟ ومن منهم لم يفعل؟ ولماذا؟ هذا ما تحكيه الرواية.. انها قصة كفاح بالرغم من الفقر المدقع، والاصرار على العلم والرغبة في تغيير الواقع...انهم لم يتعلموا العلم لانه فرض عليهم بل تعلموه حبا وعشقا. المدرسة تقع في جزيرة بيليتونج الصغيرة والغنية في إندونيسيا بسبب كميات القصدير في أعماقها. (تحت البيوت القائمة على الركائز حيث عشنا حياتنا المحرومة، قبعت طبقات وطبقات من الثروة. وكنا نحن، أهالي بيليتونغ مثل مجموعة جرذان تتضور جوعا في مخزن يغص بالأرز جاء التهديد الأول الذي عرض مدرسة المحمدية لخطر الإغلاق بسبب قلة عدد الطلاب، أما التهديد الثاني، فتمثل في رغبة مفتش المدارس العام في إغلاق المدرسة بسبب حالتها المزرية اما ذروة القصة فتبدأ مع التهديد الثالث باغلاق المدرسة بعدما اشارت خرائط مكتب مسح الأراضي التابع لإحدى الشركات إلى مدرسة المحمدية. وتلقت المعلمة رسالة، عما قريب ستأتي الجرافات لتبدأ أعمال التنقيب عن القصدير تحت المدرسة إذ انتهجت الشركة أسلوب الاستغلال والابتزاز لكن رد فعل الطلبة والمدرسين لمواجهة الفساد والظلم ومحاربة الجهل يوما بعد يوم هو المذهل... بمعزل عن العاطفة وبلا تكلف في الرواية، ثمة مقاطع تستحق الوقوف عندها طويلا، والتأمل في فكرتها. كونها تتضمن قوة دافعة تدفعك لطرح العديد من التساؤلات.. وكأن لسان حال إكال هو لسان حال أي فرد منا إذا اختلى بنفسه وحاول رسم معالم الشخصية التي أصبح عليها مقارنة بالشخصية التي صبا إلى أن يكونها. يقول هيراتا عن روايته: "يشرفني حقا أن أضع روايتي عساكر قوس قزح بين أيديكم. وأتمنى لكم في رحلتكم أن تستمتعوا بقصة من قريتي في جزيرة بيليتونج الصغيرة، الجزيرة المجهولة التي لا تكاد من صغرها تظهر على الخريطة. قصتي هي قصة الناس المنسيين، وصوت من لا صوت لهم. آمل أن تجدوا ما يجذبكم في جمال الطفولة، في المعلمة الصبية المهمّشة وتلاميذها وهم يحاربون أعداء لا يقهرون، ويكافحون من أجل العلم، ومن أجل الكرامة. وأن تجدوا البهجة في أحلام أولئك الأطفال المفعمة بالطهر والبراءة، وفي مرارة الحب الأول الحلوة". أحداث الرواية وتيرتها ثابتة نوعا ما، تنقسم إلى 47 فصلا، كل فصل يحكي حدثا ما، رغم أنها ليست مشوقة وربما ستمل منها في البداية أو منتصفها الا انك لن تندم على قراءتها ابدا، عيبها الوحيد أنها كانت يمكن أن تترجم بأسلوب أفضل؟!!
#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحلاج.. مأساة عاشق؟!!
-
ابن باجة الاندلسي والمدن غير الفاضلة
-
ساق البامبو .. والبحث عن الوطن .. في غربة الانسان
-
-طوق الحمامة- لابن حزم ... الحب بمبضع الأدب
-
الخط العربي .. فن يتحدى الزمن
-
الناس كما هم / قصص قصيرة
-
قصص قصيرة بجدم راحة اليد 5
-
1984 لجورج اورويل.. مقاومة الديكتاتورية بالادب
-
حجي جابر في رواية -سمراويت-.. وازمة البحث عن هوية
-
قصص قصيرة بحجم راحة اليد 4
-
قصص قصيرة بحجم راحة اليد 3
-
للخيال جماله ولذته وسحره -رسالة التوابع والزوابع- لابن شهيد
-
قصص قصيرة بحجم راحة اليد (2)
-
قصص قصيرة بحجم راحة اليد
-
فرنسا تنعى انسانيتها
-
انا وظلي
-
انا وظلي/ اقاصيص صغيرة
-
ماسح الاحذية/ وقصص اخرى قصيرة
-
اسرائيل التي تخاف
-
الصدفة والضرورة/ قصص قصيرة
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|