أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بشارة - خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 1 -















المزيد.....

خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 1 -


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 5120 - 2016 / 4 / 1 - 17:40
المحور: الادب والفن
    


خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 1 -
من دروس قسم الإخراج في كلية السينما
د. جواد بشارة

عندما كنا شباباً متحمسين لفن السينما ونرغب بدراسته والتخصص فيه على أصوله العلمية والتقنية والجمالية الصحيحة، كانت الكتب والمصادر السينمائية الجادة شحيحة ونادرة ،عدا بضعة كتب كانت تصدر في مصر مترجمة أو بقلم فناني السينما المصريين في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي. كان أهم هذه المصادر كتاب اللغة السينمائية للمنظر الفرنسي مارسيل مارتان والذي كنت مسحوراً به ووضعت تحت، وبجانب كل جملة فيه خطاً أو إشارة أو تعليق أو تنويه أو استشهاد بمصدر أو مرجع آخر يتحدث عن نفس الموضوع.
سبق أن تناولنا في كتابات سابقة بعض خصائص ومزايا اللغة السينمائية وأدواتها الأساسية التي نستخدمها بدلاً من القلم والحروف والورق التي تلجأ إليها اللغة الأدبية والبحثية كأداة للتعبير. فأدوات اللغة السينمائية هي الكاميرا والفيلم الخام والميكرفون ومسجل الصوت والإنارة والضوء والعاكسات والشاشة والديكورات وأجهزة التقطيع والمونتاج والمكساج أو المزج الصوتي والمؤثرات الخاصة الصوتية والمرئية وبالطبع الكومبيوتر والوسائل الرقمية في وقتنا الحاضر. وكل هذه الأشياء هي أدوات واقعية ملموسة وكل من ينوي استخدامها دون أن يأخذ في الاعتبار الواقع المرتبط بها فسوف يصطدم بعقبات كأداء . وللتوضيح أكثر إن وجود آلة تصوير سينمائي " كاميرا" داخل غرفة مغلقة ومعتمة لا قيمة ولا أهمية لها في ذاتها ولايمكنها أن تعمل وتقدم نتاجاً إلا إذا تواجد معها من يشغلها وأمام شيء لتصوره وهذا الشيء يمتلك مقومات وجوده المادي وتسلط عليه الإنارة اللازمة من قبل مصدر ضوئي طبيعي أو صناعي الخ .. عند ذلك تكون الكاميرا أداة تعبير لغوية تستخدمها لغة السينما.
وانطلاقاً من أدوات وعهالم مرئي مضاء ومدرك ومحسوس ، بوسع الفنان أن يبدأ بعملية اختيار وتنظيم وتفاعل وترتيب بين العناصر التي في حوزته ليباشر في خلق شيء خاص به يعبر عنه وعن رؤيته وينقل رسالته ويحمل ختم وبصمات شخصيته. وهذا الشيء الذي يبدعه بلغة الصورة واللقطات والمشاهد وفق ترتيب معين، ليس مختلقاً لأنه مبني على عناصر موجودة مسبقاً، في حين أن ما هو جديد في هذه العملية هو تفسير وترجمة وتأويل المبدع للواقع وإعادة رسمه من قبل المبدع المخرج وفريقه وأدواته التعبيرية التي تعكس رؤيته وحساسيته للأشياء والعالم المحيط به سواء كان ذلك على نحو واقعي أو رمزي أو تعبيري .
إن فنان السينما، شأنه كباقي الفنانين، مدفوع ومحاط وموجه بطبيعة وماهية وجوهر وقوالب وقواعد مهنته ومهمته الجمالية ليثري قيمة أثره الفني والإبداعي وتحميله ما يرغب من مضامين ومعاني وإشارات ورموز وكنايات مباشرة أو غير مباشرة ، صريحة أو مقنعة، وهو متأثر و محكوم بتجربته وخبرته ومعرفته بباقي الفنون وأدوات التعبير الفني والجمالي الأخرى لأنها جزء من إرثه الثقافي والمعرفي والموسوعي وأيضاً معرفته بنفسه وأعماق ذاته وتقديره الصحيح لإمكانياته ووعيه بهذا العالم بكل تعقيداته. والفنان السينمائي عندما يختار السينما كطريقة وأداة للتعبير فذلك لأن للسينما ميزة وسحر خاص يميزها عن باقي الفنون وتمتلك إمكانيات هائلة تفتقدها باقي الفنون هي الوحيدة القادرة على النفاذ إلى عمق الواقع وسبر أغواره الخفية ، المرئية وغير المرئية.
فالمخرج السينمائي الحقيقي يتعاطى مع الواقع كحقيقة ظاهرية لكنها تمتلك ابعاد باطنية وخفية سيكولوجية ومجازية. وأمامه طيف واسع من الاختيارات اللامحدودة ليغترف منها مواضيعه. فرحابة اللغة السينمائية تستند على المفهوم الذي يصيغه المبدع الفنان المخرج فيما يخص العلاقات بين أداته التعبيرية وموضوعه الموجودة على أرضية الواقع ، أي معرفة طبيعة علاقة السينما بالواقع المعالج سينمائياً. وعليه أن يربط كل لقطة ومشهد وصورة وصوت بفكرة أو شعور أو إحساس قابل للترجمة العملية بواسطة العناصر الملوسة التي بين يديه، وإذا لم ينجح في كيفية استخدام واستغلال ذلك فسوف بكم هائل من الضوضاء والفوضى الصورية العشوائية ، والحال إن ما يفكر به ويشعر به المخرج يمكن أن يتبلور على نحو ذاتي وشخصي وينطوي على موقف تجاه ما سيعرض باسمه على الشاشة والذي هو عبارة عن تمثل أو تجلي وتعبير عما يوجد في أرض الواقع ولكن على نحو انتقائي.
بطبيعة الحال هناك فنانون ومخرجون عظام تمردوا على هيمنة الواقع وطغيان النزعة الواقعية في الفن السينمائي وقادوا مدارس وتيارات شهيرة كالتجريدية والسوريالية والتجريبية والتعبيرية التي ظهرت ونمت وتطورت في أعقاب الحرب العالمية الأولى وأغلبها حاربت مفهوم الظاهر وحاولت الغوص في ما وراء الظواهر الواقعية باللجوء إلى التورية والترميز وكان من أوائل السينمائيين الثائرين على النمط الكلاسيكي للتعبير السينمائي هو هانس ريشتر Hans Richter في بداية عشرينات القرن الماضي وكرس جهده وعمله لما سماه" الاستخدام الحر لوسائل التعبير السينمائية" ولم يتحدث عن تقاليد راسخة أو أسلوب ونمط سائد ومتعارف عليه ومعترف به لمدرسته لأنها كانت ما تزال مبتدئة وشابة . ولقد كتب سنة 1955 أنه لا يدافع عن أسلوب محدد ولا يهتم بالاختلافات بين الفن الصافي أو الصرف والنقي وشطحات السوريالية بقدر ما يهمه الكشف عن النقاط المشتركة بينهما وتمردهما على الواقعية. وأضاف هانس ريشتر :" إن مشاكل الفن الحديث أو المعاصر تقود على نحو مباشر إلى السينما فتنظيم وترتيب الأشكار والتمكن من ديناميكية الحركات والتزامنية هي مشاكل كان يهتم بها سيزان ومعظم الرسامين التكعيبيين والمستقبليين". وكان على السينما ، حسب وجهة نظر هانس ريشتر أن تقطع صلاتها كلياً مع المسرح والأدب. وأشار إلى أن عدد من الرسامين تحول إلى السينما لتوسيع إطار لوحاتهم مستكشفين عالم الديناميكية ومتأثرين بالحركة الكوريغرافية كما فعل الفنان أد إمسشويلر Ed Emschwiller في فيلمه رقص كروماتي أو لوني Dans chromatique الذي وصفه بأنه محاولة للربط بين الرسم والرقص بعدة طرق " ، وأضاف:" وأنا بصفتي رسام أجد أن السينما بأبعادها الزمانية توفر لي مدى ومستوى أكثر اتساعاً وامتداداً للتعبير مما يوفره لي إطار اللوحة المحدود". ونفس الشيء قام به المنظر السينمائي الراحل جان ميتري المشرف على أطروحتي للدكتوراه، في فيلمه التجريبي " باسيفيك 231" ليربط بين إيقاع الصورة وحركات البيستونات والعجلات في القطار التي تتحرك على وقع السيمفونية المسماة باسيفيك 231 ، والذي طلب مني في إحدى الاختبارات أن أنقل كل كادر في فيلمه من الصورة إلى الورق وكتابة ديكوباج تقني دقيق ومرقم للفيلم عكس ما هو متبع في العادة ، أي كتابة الديكوباج ومن ثم تنفيذه حرفياً من خلال التصوير . فيما تحدث الفنان التشكيلي الشهير فيرناند ليجيه Frenand Léger عن " نوع جديد من الواقعية أسماه الواقعية الرمزية التي تسعى لإخراج القيمة الحقيقية للشيء إلى خارجه. وأضاف :" قبل اختراع السينما، لم يكن بوسع أحد أن يعرف الإمكانات الخفية والكامنة في الأعضاء البشرية على سبيل المثال كالقدم واليد والكف والقبعة وغيرها، ولو أخذن قدر من الألمنيوم وأسقطنا عليه حزم من الأضواء والإنارة المتنوعة والألوان المختلفة وحركناه بكافة الاتجاهات والزوايا أما عدسة الكاميرا التي تصوره وتخترقه وتحوله أمام أنظارنا إلى أشكال تجريدية جميلة غير محددة وغير موجودة في القدر بحالته الجامدة الواقعية ، ولن يكون بوسع المشاهدين أن يدركوا إن تأثير الأضواء والإنارة المسلطة على القدر هي التي أعطتنا هذه المشاهد الصورية الرائعة وليس قدر الألمنيوم وحده كما كان عليه حاله قبل تحويله سينمائياً إلى موضوع ". إنه تشويه للواقع المرئي كما وصفه فيرناند ليجيه وأنتج لنا الوهم بالواقع. ومن هنا فإن دور الكاميرا السينمائية الأساسي ليس فقط تسجيل الواقع بما هو واقع كما يبدو أو يظهر لنا فحسب، بل إحتواء وشمل كل التنويعات والتغييرات والتحولات والتقلبات الممكنة في المكان والزمان ".والمشكلة إذن هي ليست في تصوير الواقع بل في كيفية تصور الواقع ومنحه مفهوماً آخر مختلف عن ظاهره. أو التعبير بالصورة عن حالة سيكولوجية ناجمة عن تلقي الواقع قد تكون ميتافيزيقية وهذا ينطبق على الأفلام الشعرية والأفلام ذات الشكلية التجريدية أو التعبيرية ويعتبر ثورة على السينما السردية. والحال إن أغلب المدارس الطليعية في الفن التشكيلي والسينما تلتقي بنقطة تعطي الأهمية للرؤية الذاتية على حساب الموضوعية وتضفي قيمة على جزيئات الواقع المحرفة صورياً بدل الواقع المسجل صورياً كما هو . وهناك من يعترض من المنظرين على مثل هذا الطرح ويقول أننا لا يمكن أن نحكم على أو نفهم أثراً سينمائياً إذا لم يكن فيه أي معنى خارج أعماق وروح مبدعه . ويعارض السينمائيون التجريبيون والتجريديون ذلك ويقولون إن التجربة والرؤية الذاتية للأشياء يمكن أن تكون أكثر واقعية مما نراه بأعيننا وهي تنظر للواقع. وبالتالي فهم يعتقدون أن التواصل ممكن ولو تعذر عليهم ذلك لتوقفوا عن الإبداع والإنتاج الفني. وهم يسعون إلى عزل العنصر الجمالي عن سياقه في التجربة المعاشة والملموسة ومن هنا يبتعدون عن معالجة المواضيع الاجتماعية والأخلاقية بذريعة أنها مشاكل مادية في حين لا يهمهم سوى ما تعانيه الأنفس وأعماق البشر من مشاعر وانفعالات وأحاسيس ومعاناة معنوية.
يتبع



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينما والأثر الأدبي وجهاً لوجه
- تطورات الكون المرئي فيزيائياً وثيولوجياً
- قراءات في كتب
- الله بين العلم والدين
- أنشودة الكون الأنيق
- الكون المرئي من كافة جوانبه
- تيار السينما الذاتية عند شاعر السينما الراحل اندريه تاركوفسك ...
- وقفة مع شاعر السينما الراحل كريستوف كيسلوفسكي:
- الإستراتيجيات الدولية في الشرق الأوسط وصراع الدول العظمى سور ...
- شرخ كبير في نسيج العلاقات بين الجالية العراقية والسفارة العر ...
- حتى لا يدعي العالم بالقول أنه لم يكن يعلم الحقيقة عن داعش
- السينما عندما كانت فن ورسالة
- هنا حوارية اليوم مع الأستاذ د. جواد بشارة حول ( الانسان بين ...
- الحقيقة الظاهرة والحقيقة الخفية لداعش 2-1
- كون واحد أم عدد لامتناهي من الأكوان؟
- فرنسا بين نارين
- الله والكون جدل العلم والدين
- كمبيوتر المستقبل : هل هو الحاسوب الكمومي أو الكوانتي ؟
- الكون المرئي في سطور خلال قرن
- هل سيتعرى الكون أمام أعين البشر يوما ما ويكشف عن نفسه؟


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بشارة - خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 1 -