|
الممنوع من النشر في الصحافة الفلسطينية !
عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)
الحوار المتمدن-العدد: 5120 - 2016 / 4 / 1 - 17:37
المحور:
القضية الفلسطينية
الممنوع من النشر في الصحافة الفلسطينية !
" ليست وظيفة الفكر أن يلعن الشر الكامن في الموجودات، بل أن يستشعر الخطر الكامن في كل ما هو مألوف وأن يجعل من كل ما هو راسخ موضع إشكال ! " --- ميشيل فوكو.
------------------------------------------------------
ربما يلاحظ بعض قرائي القلائل، أنها ليست المرة الأولى التي أستهل فيها مقالاً مهماً بنفس مقولة فوكو السابقة، حيث أستخدمها عندما أعقد العزم على تحطيم أمور وقضايا تبدو بديهيات ومسلمات في الوعي الجمعي. هذا المقال أكتبه بوصفي كنت معاصراً لدولة الاحتلال منذ احتلال غزة المباشر عام 1967 ثم احتلالها بالوكالة عن إسرائيل من سلطة أوسلو من العام 1993 ثم وقوعها في براثن حماس والإخوان المسلمين من العام 2007 وحتى اللحظة ! من حق الأجيال الصاعدة والشابة أن تعرف كل شيء. أن تفكر وتقارن وتختار مصيرها بحرية، ولذلك سوف أدعي أن المعلومات الواردة في هذا المقال، وإن كانت بديهية ومعتادة بالنسبة لمواليد الستينات والخمسينات، إلا أنها جديدة كلياً على أجيالنا الشابة الحالية التي ترضع من وسائل إعلام مستبدة تحتكر الرأي صالح متنفذين يعيشون برفاهية وبذخ على حساب مصير 5 ملايين مضطهد في الضفة وغزة، بضمنهم شباب حماس وفتح وحتى موظفي السلطتين ( رام الله وغزة ).
وكم يؤلمني أن أنبش في الذاكرة أسباب عدم نشر مقالاتي في الصحافة الفلسطينية، فأنا ضد اتفاق أوسلو من حيث المبدأ، ولكن النهاية المأساوية للزعيم عرفات كما فهمتها، حدثت بسبب دعمه لانتفاضة مسلحة ضد دولة الاحتلال، في خيار انتحاري أدى إلى حصاره ثم اغتياله، وكان على الشهيد الراحل أن يصارح شعبه بعد انهيار مباحثات كامب ديفيد 2000 بفشل اتفاق أوسلو ويعلن عن حل السلطة ويجعل الشعب يواجه إسرائيل بدون قيود التنسيق الأمني، ولكنه لم يفعل وفضل المواجهة الخاسرة بسلاح الأجهزة الأمنية البسيط والمتواضع، ودخلت حماس والجهاد على خط الانتفاضة، وفي الغالب بدعم من المرحوم عرفات، فخسرنا آلاف الشهداء والقادة الميدانيين ومعهم بالطبع كوارث الأيتام والثكالى والأرامل حتى دخل الحزن كل بيت فلسطيني بلا استثناء .. وماذا حققنا ؟؟؟ الإجابة صفر كبير، مثلما كانت نتيجة الانتفاضة الأولى، ومثلما كانت نتيجة الحروب الثلاثة الأخيرة في غزة، ومثل مجازر أيلول في الأردن 1970 وحرب لبنان 1982، هذا خلاف هزيمتنا المزلزلة في 1967 ! ( ما يسمونه الآن بانتفاضة السكاكين هي صرخة انتحارية أخرى في واد غير ذي زرع، وعلى الشعب في الضفة أن يحقن دماء هؤلاء الفتية الذين لا نشك في بطولتهم كما لم نشك في بطولة شعبنا وصموده منذ النكبة ) !
منذ العام 1947، لم تدرك القيادة الفلسطينية طبيعة الصراع مع العصابات الصهيونية القادمة من أوروبا إلى فلسطين بقرار من الدول العظمى التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية، بل وأجزم أن القيادة الفلسطينية الحالية بشقيها ( رام الله وغزة / المهادن والمقاوم معاً )، لم يدركوا طبيعة الدولة الصهيونية ولا طبيعة الصراع معها. في العام 1988 بدأت شركة الفضاء الإسرائيلية بإطلاق سلسلة أقمار صناعية ( أفق ) لأجل أغراض الاتصالات والتجسس ومهام عسكرية أخرى، فشلت منها 3 عمليات، وفي العام 2010 تم إطلاق " أفق 8 " لمراقبة البرنامج النووي الإيراني. عندما بدأت إسرائيل إطلاق أقمارها الصناعية عام 1988 كنا نحن مشغولين بانتفاضة الحجارة وقصيدة نزار العاطفية " يا تلاميذ غزة علمونا " !
هل تعلمون أن الجامعة العبرية في القدس قد تأسست عام 1925، وأنها الآن في المرتبة 64 عالمياً وفق تصنيف شنغهاي وأن 8 من خريجها وباحثيها قد حصلوا على جوائز نوبل ؟؟! بالمقابل أعطوني دولة عربية واحدة تمتلك برنامجاً للفضاء .. إيران بالمناسبة تمتلك برنامج فضاء تمكن من إطلاق 4 أقمار صناعية .. إيران شيعية " كافرة " ! الصراع بطبيعته مع هذه الدولة هو صراع حضاري علمي بالدرجة الأولى. ألمانيا العظمى تحكمها سيدة ( ناقصة عقل ) كانت أستاذة فيزياء لمدة 12 عاماً في إحدى جامعات ألمانيا قبل أن تتوجه للعمل السياسي. طيب بالمقابل يا شعب التضحيات والبطولات والشهداء وشلالات الدماء، هل قرأ أحدكم مقالاً باسم المرحوم عرفات ؟؟! هل تعلمون أن نسبة كبيرة من رجال منظمة التحرير في لبنان قبل 1982 كانوا عبارة عن تجمع من الفاشلين وراسبوا المدارس والجامعات ؟؟! عندما كان يتعرض الشاب الفلسطيني الذاهب إلى أوروبا للصعقة الحضارية مقارنة ببلاده البائسة، كان يدمن الخمر والنساء وربما القمار، وقلة قليلة منهم كانت تنجح في التخرج وبالذات من الدول الغربية كألمانيا، أما الدول الشرقية فكان الحاصل على توجيهي 55 % يقبل لدراسة الطب في رومانيا وبولندا، وفي نهاية الصعلكة يقوم بشراء شهادته ليأتينا طبيباً فاشلاً. أما في ألمانيا الغربية فكان الوضع معقداً، لغة صعبة ومصاريف جهنمية ومواجهة مع امتحان القدرات الألماني. بعد أن يستنزف الفاشل أهله مادياً سيفقد القدرة على العودة للبلاد لمواجهة أباه الذي كان يعمل في إسرائيل في العمل " الأسود " المحرم على اليهود وهو قطاع البناء وقطاع الزراعة، فالأشغال الشاقة كانت دوماً من نصيب العرب ! ما الحل ؟ كيف يواجه أهله بعد ضياع وصياعة 4 سنوات أهدر خلالها آلاف الدولارات ؟؟غالبيتهم كانت تتلحف " بالثورة " التي كانت ملاذاً آمناً لهؤلاء. أعرف شاباً ذهب إلى رومانيا لدراسة الهندسة الكيميائية، وفي نهاية المدة " الثورية " اشترى الشهادة ب 300 دولار وعاد إلى غزة والتحق بالسلطة عام 1996 بوصفه " مناضلاً " في ساحات أوروبا وهو الآن عقيد في السلطة يتقاضى راتباً فخماً على حساب الشعب الفلسطيني ودافعي الضرائب، دون أن تكون له أية فائدة، ومثله مئات !!
كل هذا لا يعني أن الثورة قد احتوت المفكرين والمثقفين والأدباء المبدعين أمثال غسان كنفاني وماجد أبو شرار ومعين بسيسو ومحمود درويش وغيرهم، لكن صفات الفشل والبلطجة والفساد كانت هي الطاغية ! الثورة الفلسطينية كانت تشبه بحراً هائجاً يبتلع الطاقات كلها، "ولهذا ساهم في الثورة أطباء أذكياء أمثال جورج حبش ووديع حداد، كما احتوت الأبطال الصناديد أمثال دلال المغربي وليلى خالد، ولاحقاً وحديثاً أبطال حماس والجهاد الذين كانوا بحق يعتقدون أن تحرير فلسطين ضمن المعطيات والفوارق الحضارية والعلمية ما زال ممكناً، مثلما اعتقدوا من قبلهم رجال منظمة التحرير ! لكن للأسف ماذا كانت المحصلة النهائية ؟؟؟ جدار وكانتونات ومستوطنات في الضفة مع تهويد للقدس والأغوار وحصار وموت ودمار وجوع وسرطان في غزة !!
لا سبيل ضمن ميزان القوى المنكسر والمختل بصورة رهيبة لصالح إسرائيل إلى تحرير فلسطين بالقوة المسلحة، فقوة إسرائيل من قوة الحضارة الغربية التي تحكم الكوكب، ولهذا فإن على الشعب الفلسطيني أن ينتهي أولاً من اتفاق أوسلو وما نجم عنه من اتفاقيات أمنية خدمت إسرائيل ومشاريعها الاستيطانية في المقام الأول، ولم تقدم لشعبنا سوى الموت والدمار والجوع والحصار !
وجود السلطة هو ضرورة صهيونية بدليل أن جميع أحزاب اليسار الصهيوني ما زالت تنظر ( بتشديد الظاء ) لدولة فلسطينية مستقلة ( بدون سيادة )، بالطبع الصهاينة واضحون لماذا يؤيدون الدويلة الفلسطينية، فهي ستقام في غزة وبعض مناطق الضفة على مساحة لا تزيد عن 18 % من فلسطين التاريخية، مع بقاء جدار الفصل والكتل الاستيطانية الكبرى الآخذة في التوسع بشكل يومي وبالطبع كما صرح الرئيس عباس بأنه لا يطمح للعودة إلى صفد، في إشارة إلى تنازله عن حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم المحتلة عام 1948 .. وماذا تريد القوى الصهيونية أفضل من هذه الدولة التي لن تمارس سوى سجن الشعب الفلسطيني في معازل ومخانق ومستوى معيشة مرهق جدا مع انتشار الفقر بنسبة تزيد عن 90 % بضمنهم موظفي السلطة وحماس، ذلك أن سعر السلة الغذائية في الضفة وغزة هو الأعلى عالمياً إذ يبلغ 86.8 % من متوسط الرواتب ( في إسرائيل يبلغ سعر السلة الغذائية 12 % من الراتب )، وهنا أشير إلى عاملين أساسيين هما السبب المباشر في الغلاء الفاحش، أما الأول فهو اتفاق باريس الاقتصادي الذي يحدد أسعار الوقود والمواد الغذائية في مناطق السلطة بمثيلاتها في إسرائيل، علماً أن متوسط دخل الفرد في إسرائيل يبلغ 41 ألف دولار سنوياً، مقابل ما يعادل ألف دولار فقط في غزة، ولن نتحدث عن 150 ألف خريج في غزة وحدها لا يجدون عملاً، أو 300 ألف عامل يعانون وحش البطالة، الذي انعكس بدوره على ارتفاع خرافي لنسبة العنوسة بين فتيات قطاع غزة، فالشاب الذي لا يجد شيكلاً واحداً ثمناً للمواصلات كيف له أن يتزوج ويؤسس أسرة ؟؟؟ بعكس ما كان عليه الحال قبل الانتفاضات والثورات، حيث كان العامل العادي يتزوج ويشتري قطعة أرض ويبني بيت الأحلام في سنوات قليلة ! أم العامل الثاني في الغلاء فهو تغول السلطتين ( رام الله وغزة ) في فرض الضرائب الباهظة رغم البطالة وضلوعهما في سياسات حماية رأس المال الخاص مثل شركات الكهرباء والاتصالات والجوال والبنوك التي تنهب ملايين الدولارات يومياً دون حسيب أو رقيب، والحكومات تكتفي بحصتها من الضرائب والتي تقدر بملايين أيضاً ! أما ما يسمى بالمجلس التشريعي فهو لم يمارس أي دور رقابي على عمل تلك الشركات ولم يسن قانون الحد الأعلى للربح، وهؤلاء يكتفون " بزلط " راتب 3000 دولار غير النثرية وبدل الاتصالات والسفريات والمنح الدراسية لأولادهم على أمريكا وبريطانيا، وعندما نقول 3000 دولار يجب أن نحسب أن هذا الراتب مستمر لـ 132 عضواً × 12 شهر × 9 سنوات وهو مبلغ مهول جدا يتم إهداره بلا أي فائدة على الإطلاق، أي أن المؤسسة التي يفترض أن تمارس دورها الرقابي على أداء الحكومات والشركات لصالح حماية الناخبين، هي مؤسسة فاسدة ! كيف يستمرون في مناصبهم لتبرير كل فساد الحكومات ؟ً ولماذا هم مصرون على توفير غطاء " شبه قانوني " للفساد ؟؟! ولماذا لم يستقيلوا بعد انقضاء السنوات الأربع لإجبار القوى الحاكمة على تجديد الشرعية من خلال انتخابات جديدة ؟؟!
بالطبع هذه أكبر عملية فساد في تاريخ الشعب الفلسطيني، أما فساد الإعلام وأقلام الكتاب فهي لا تقل فساداً إن لم تكن أخطر، فقد تعرضت مقالاتي الناقدة للحجب وعدم النشر منذ العام 2000، حيث كتبت مقالاً ( مثلا ) يعبر عن وجهة نظري من انتفاضة الأقصى ( المسلحة )، وتوقعت في المقال الفشل الذريع للانتفاضة وعنوان المقال على ما أذكر كان ( إسرائيل والعرب: من يهدد من ؟؟! )، لكن المحرر في جريدة الأيام قال أن السيد أكرم هنية مسافر إلى الخارج، وكأنه لا يوجد اتصالات ولا فاكس لكي يأخذوا رأيه !! المهم المقال منع من النشر وكانت كارثة الانتفاضة الثانية كما كارثة الانتفاضة الأولى. أستغرب يا قراء هذا المقال، كيف قرر القائد عرفات أن يخوض انتفاضة مسلحة بأسلحة شخصية، كما أستغرب أكثر قيام القائد مروان البرغوثي بالانفعال والحماس والمشاركة في الانتفاضة ؟؟ وهو بالمناسبة خريج نفس الجامعة التي تخرجت منها ( بيرزيت ) وكان وقتها هو المنظر الرئيس لحركة الشبيبة الطلابية !
مقال آخر لا يقل أهمية منع من النشر عام 1997 في جريدة الرسالة التابعة لحماس، وكان المقال تعقيباً على مادة فكرية ( فقهية ) نشرتها الرسالة نقلاً عن مجلة العربي الكويتية، ولأني كنت متابعاً للشاردة والواردة، فقد لاحظت أن جريدة الرسالة قد حذفت جملة " حرية الاعتقاد " من المقال الأصلي، فأخذت القلم وكتبت رداً وافياً على أمانة النشر، وتعليقاً على المادة التي طلبوا هم من الجمهور حواراً بشأنها، ويبدو أن الجماعة كانوا يقصدون حواراً " حمساوياً " وليس فكريا عاماً لمواطن مثلي كما فهمت أنا. المهم كشفت ملعوب الرسالة وهم بدورهم قاموا بالواجب ولم ينشروا ردي على مقالهم المنسوخ، وكانت المرة الأولى والأخيرة التي أكتب فيها شيئاً للرسالة !
وبما أن المقال يتناول الممنوع من النشر في الصحافة الفلسطينية، فقد منع الزعيم الراحل عرفات – بمرسوم رئاسي - نشر كتاب إدوارد سعيد بعنوان " نهاية عملية السلام " والذي كتبه بعد زيارته للضفة الغربية عام 1999برفقة الكاتب هشام شرابي. طيب إذا كان القائد العام للثورة يرفض العمل بما يقوله مفكر عالمي وقومي عربي ووطني فلسطيني، ثم يمنع نشر الكتاب، ويصر على المضي قدماً بمشروع السلطة، ثم يختم حياته بانتفاضة مسلحة فاشلة، لكي أتساءل ويتساءل معي من شاء، كيف فشلت الثورة في الأردن ولم تحاسب القيادة، وكيف فشلنا في لبنان وكررنا أخطاء الأردن ذاتها وربما على أوسخ، ولم تحاسب القيادة أيضاً بل تم تصويرها بأنها بطلة وأسطورية وعبقرية، وفشلنا في أوسلو ولم يحاسب أحد وما زال الفاشلون يجلسون على قمة الهرم يبيعون وهم الدولة والعلم والجيش الوطني الرئاسي طوال 22 عاماً .. لماذا ظل عرفات ( رغم احترامنا لشجاعته ) منذ العام 1969رئيسا للمنظمة لغاية استشهاده عام 2004 ؟؟! ولكي لا يبدو الأمر وكأني أتهم عرفات شخصياً أضيف السؤال، لماذا افتقرت الثورة للفكر الديمقراطي والعلمي والحداثي بشكل عام ؟؟! علام استندت القيادة العربية والفلسطينية عام 1947 في رفضها للتقسيم ورفضها قيام إسرائيل وإعلان الحرب بلا سلاح فكانت النكبة والتهجير ؟؟!
أما حماس التي انطلقت عام 1987 مساهمة منها في الانتفاضة الأولى، فقد انتهت إلى ما انتهت إليه المنظمة. خاضت ثلاثة حروب في 2008 و 2012 و 2014 كانت نتيجتها موت الآلاف ودمار أكثر من 100 ألف منزل مقابل موت 73 إسرائيلياً معظمهم من المدنيين، والآن تقوم حكومة حماس بغزوة المياه التي يحالون من خلالها جباية المزيد والمزيد من الأموال في ظل الفقر والحصار كما سيأتي.
ولكي لا ينطلي على أحد أن غزة محررة بالانسحاب الأحادي عام 2005، نذكر أن آلية البناء المستخدمة في غزة هي إحضار مسّاح لقطعة الأرض لكي يرفع المواطن طلب الأسمنت استناداً على تصوير القمر الصناعي الإسرائيلي GBS الذي يتأكد ويراقب أن كمية الإسمنت هذه سوف تذهب لبناء هذا المنزل تحديداً ! إذن لمن السلطة الحقيقية في غزة ؟؟؟ وهل يستطيع بحار من غزة أن ينزل إلى البحر دون إذن وتصريح من البحرية الإسرائيلية التي تفرض طوقاً جنونياً حول غزة ؟؟!
وأعيد تكرار نفس التساؤلات التي أطقلناها في أمور غياب أي شكل من أشكال محاسبة القيادات بعد الفشل ولكن هذه المرة لحماس والجهاد والشعبية .. كيف لم نتعلم من خبرة 68 عاماً كم اللجوء والكفاح بينما ظل أقصى طموحنا هو قتل مدنيين إسرائيليين كما فعلنا في الانتفاضة الثانية وقبلها ؟؟! وكيف استمرت الثورة طوال هذه العقود بلا انتخابات وبلا صحافة حرة ؟؟! وكيف حلت بنا الهزائم والكوارث مرة تلو المرة دون أن ندرك أن إمكانياتنا المتواضعة ( وغالباً البدائية ) سوف تهزم حلف الناتو دون سند من دولة عظمى ؟؟! ولماذا لم تحاسب القيادة على فشلها في كل مرة ؟؟! ولماذا كانت جائزة نوبل الوحيدة التي حصل عليها الشعب الفلسطيني هي جائزة عرفات السياسية بعد أوسلو ؟؟ كيف سمحنا لأنفسنا بتأسيس الجامعة العبرية عام 1925 بينما نفتقر حتى الآن إلى جامعة وطنية رائدة تضع نصب أعينها التصنيف الدولي وجوائز نوبل والأبحاث العلمية ؟؟؟ وحتى عندما أنشأ الراحل عرفات جامعة في غزة لمنافسة الجامعة الإسلامية، كانت جامعة الأزهر والتي تحرم الفلسفة وعلوم المنطق كما الجامعة الإسلامية تماماً ؟؟! وهل نواجه إسرائيل بجامعات فاسدة ورشاوى ومحسوبيات و " وهمبكة " وتواكل ودروشة ؟؟!
حاشية ضرورية راجعوا في غوغل مقالات د. أيوب عثمان أحد مؤسسي جامعة الأزهر بغزة وكذلك مقالات ومنشورات د. صلاح جاد الله عن الجامعة الإسلامية وهما من الكفاءات العلمية النادرة والنزاهة المشهود لها !
إنه لمن العار والأسف أن تقوم دولة الاحتلال بمحاسبة رئيس وزراء سابق بتهمة تلقي رشاوى بينما لم يأتينا تاريخ الثورة الفلسطينية طوال 68 عاماً بأي شفافية أو محاسبة رغم تفشي الفساد والبيروقراطية، وهو ما يؤكد أننا كفلسطينيين لم نصل بعد لمستوى حضاري لائق يمكن أن يؤدي إلى توازن نوعي مع دولة الاحتلال. ثم لماذا " تلهط " حكومتي غزة والضفة الضرائب والأتاوات والباهظة التي أفقرت الناس ؟؟؟ من أجل إهدار الأموال رواتب وامتيازات للوزراء السابقون ؟؟ ما الذي يعود على إنسان دفع ضريبة القيمة المضافة للسلطة طيلة 22 عاماً ؟؟ هل تقدم السلطة مجانية التعليم والصحة مقابل الضرائب ؟؟ هل يقدمون الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل والمرضى ؟؟! ولماذا الفساد والواسطات في تحويلات وزارة الصحة للعلاج بالخارج ؟؟!
ثم لماذا تصر سلطتي رام الله وغزة على جباية ثمن المياه الملوثة من الناس بملايين الدولارات ؟؟! بالمناسبة عندما زرت بريطانيا عام 1998 خطر ببالي أن أسألهم عن ثمن فاتورة المياه، فكان الرد مذهلاً، الإنجليز سخروا مني وقالوا ( وهل يوجد دول في العالم تبيع الماء لمواطنيها ؟؟؟ )، وهم يقصدون أن الماء الخارج من باطن الأرض هو ملك عام مجاني لجميع الناس كالهواء تماماً !!! الآن نحن في غزة ندفع 30 شيكلاً كحد أدنى ( ما يعادل 30 كوب ) ولا يسأل أحد، وماذا إذا كان الاستهلاك لا يتجاوز 15 كوباً في حالات كثيرة ؟؟؟ هل تعلمون أن مبلغ 30 شيكل كبدل مياه قد فرضته دولة الاحتلال كعقوبة للناس في الانتفاضة الأولى ؟؟؟ بمعنى أن مبلغ 30 شيكل هو في الأصل عقوبة احتلالية، فكيف استمرت العقوبة والجباية دون تغيير أو محاسبة ؟؟ ولماذا تقوم حكومة حماس هذه الأيام بغزوة " المياه " ؟؟ وهل سحب خط لري شجرة يعتبر " حراماً " بينما قرصنة الماء من باطن الأرض وهو ملك عام ومن ثم بيعها للناس بهذه الأسعار يعتبر " حلالاً " ؟؟؟ ثم إن المياه الجوفية التي تبيعها بلديات غزة للناس هي مياه ملوثة أو مالحة الأمر الذي يجبر جميع الناس إلى شراء المياه المفلترة من شركات خاصة بحيث يدفع رب الأسرة مبلغ 30 شيكل للبلدية بدل مياه ملوثة غير صالحة للشرب أو الطهي، ثم يضطر أن يدفع أضعاف هذا المبلغ ثمناُ للمياه المعالجة، وبذلك تصل قيمة إجمالي فاتورة المياه في غزة إلى 70 شيكل شهرياً. طبعا لابد من التنويه أنه يحق للبلديات تقاضي رسوم إدارية وثمن رمزي للمياه كبدل سولار وعمال وصيانة، أما أن نضطر لدفع مبلغ كهذا لخزينة حماس فهو لا يزيد عن أتاوة وتجارة ربحية ممنوعة وغير مشروعة ويجب أن تتوقف ! ملاحظة: خطوط المياه في غزة لا تعمل أكثر من ساعتين أو ثلاثة في اليوم الواحد، فكم سيأخذون لو كانت المياه مستمرة 24 ساعة كما هو مفروض ؟؟! وثمة سؤال عرضي: لمن تعود ملكية شركات المياه في ظل تغول حكومة حماس على كافة مفاصل الحياة في غزة ؟؟؟ مجرد سؤال !
أما عن الفساد في الكهرباء فحدث ولا حرج .. نحن باختصار شديد ندفع 350 شيكل مقابل 6 ساعات وصل و 12 قطع، بينما كنا ندفع للبلدية أيام الاحتلال مبلغ 70 شيكل لكهرباء 24 ساعة !!! هذا يعني بلغة الأرقام الجافة، أن حكومة الاحتلال الصهيوني كانت أرحم من حكومتي رام الله وغزة بسبع مرات، وتظل الكفة راجحة لصالح الاحتلال فيما يخص مدة الوصل ! والسؤال الذي يظل نازفاً: طالما أن معظم الناس تدفع ثمن فواتير كهرباء مضاعفة 7 أو 5 مرات، فلماذا لا يتم تزويدنا بكهرباء مستمرة 24 ساعة ؟؟؟ الدفع كامل ومضاعف فلماذا لا يكون الوصل كاملاً ؟؟؟ هل ستظل غزة تعيش القرون الوسطى بما فيها من ظلم واضطهاد واستغلال ؟؟!
وعودة إلى مشروع حل الدولتين الذي تقزم ليصبح مشروعاً تنادي به الصهيونية تسيبي ليفني. هل حقاً نحن نكافح طوال 68 عاماً من الموت والتشرد والمعاناة والبؤس بين شهداء وثكالى ويتامى وأرامل وجوعى وفقراء يشكلون أكثر من 90 % من سكان غزة، فقط من أجل دولة على خمس فلسطين بلا سيادة ومع تنازل عن حق العودة وبقاء المستوطنات وتهويد القدس ؟؟ وهل سيظل مخطط التهجير الاقتصادي والمعيشي والغلاء الفاحش مستمراً ؟؟؟ وهل يعي الشعب الفلسطيني أن وجود السلطة وتنسيقها الأمني، وتنافس حماس وفتح على مغانمها وامتيازاتها هو ما يمنع فرض وقائع دولة واحدة على الأرض ؟؟؟ دولة أبارتهايد عنصري بنظامين، نظام ديمقراطي لليهود، ونظام تمييز عنصري ضد الفلسطينيين. فلسطين ليست لهم وحدهم. نحن موجودون رغماً عن أنوفهم وقنابلهم النووية. موجودون في حيفا ويافا وصفد وسخنين والناصرة وغزة والقدس ونابلس وجنين وطولكرم. إذا حلت السلطة ستضطر إسرائيل إلى مواجهة حقيقتها البشعة كدولة فصل عنصري تعادي منطق العصر وحقوق الإنسان. الدولة على كامل فلسطين التاريخية، ولكنها لن تكون دولة اليهود وحدهم. الدولة الديمقراطية الواحدة هو الهدف الذي يجب أن يتبناه المثقف الفلسطيني، دولة واحدة بحقوق متساوية للجميع بما في ذلك حق العودة إلى البلاد الأصلية، وهو ما تناضل لأجله حركة BDS التي تعاظمت خلال السنوات الأخيرة حتى دشنت جريدة يديعوت ( الأكثر انتشاراً ) حملة لمقاومة هذه الحركة الفلسطينية وامتدادها العالمي، على اعتبار أن المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض الحصار على إسرائيل هو أكبر خطر وجودي على دولة الاحتلال ! ملاحظة: اقترح ضباط إسرائيليون اللجوء لمنطق الاغتيالات لتصفية قيادة ال BDS، ما يعني أن على الشعب الفلسطيني أن يدعم توجه هذه الحركة العصرية المناضلة والتي نجح منطقها في هزيمة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بقيادة الراحل نيلسون مانديلا.
أخيراً نقول، لا معنى لحل السلطة والتخلص من اتفاقية أوسلو، دون حل حركة حماس وفصائل المقاومة، وتسليم غزة بشكل مؤقت للأمم المتحدة أو للجامعة العربية أو لأي جهة حيادية أخرى، ذلك أن الفشل الرهيب لنا نحن الفلسطينيين في تجربة الحكم لا يمكن أن تؤدي إلى أي نجاح في القضية الوطنية بالمعطيات الراهنة. يجب تحويل حركة ال BDS إلى حركة وطنية ذات عمق عالمي متجذر وفاعل، فما فعلته هذه الحركة خلال السنوات العشر الأخيرة، لم تفعله الفصائل الوطنية والإسلامية مجتمعة طوال 68 عاماً !
دمتم بخير
01 / 04 / 2016
#عبدالله_أبو_شرخ (هاشتاغ)
Abdallah_M_Abusharekh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صمت غزة عن الذل والفقر والفساد .. إلى متى يدوم ؟؟!
-
لهذه الأسباب انهارت الحركة الوطنية أمام التيارات الدينية !
-
الفساد في العالم العربي .. رؤية العقل الجمعي !
-
التعايش مع الفقر والذل .. لماذا وكيف يحدث ؟؟!
-
الأرنب السعيد !
-
بخصوص تدخل كتائب الأقصى في إضراب المعلمين
-
حماس وبائعات الفجل !
-
إلى من يهمه الأمر: لا نريد دولة فلسطينية !!!
-
الفصائل وتزييف وعي الجماهير !
-
ماذا بعد فشل سلطتي فتح وحماس ؟!
-
ما يحدث لنا سببه الأول فساد التعليم !
-
لماذا لا تثور غزة ضد حماس ؟؟!
-
الشذوذ العقلي بين المرض النفسي والإبداع !
-
بلاغ عاجل لمن يهمه أمر غزة !
-
فاطمة ناعوت وزهرة البيلسان !
-
نحو تفكيك أمبراطورية المال والفساد في فلسطين !
-
لا سلام مع العنصريات !
-
لماذا تجبى الضرائب ؟!
-
بين مارك زوكربيرغ والوليد بن طلال !
-
عندما تصبح ( الجعلصة ) ثقافة شعب !
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|