أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - بغداد لن تتزوج الجنرال















المزيد.....

بغداد لن تتزوج الجنرال


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 379 - 2003 / 1 / 27 - 04:36
المحور: الادب والفن
    



         

  هناك محاولات تجري في السر وفي العلن لعقد قران بين بغداد وبين جنرال جديد. ومن يعرف هذه العاصمة جيدا يعرف انها  ترفض زواج الاكراه سواء كان الجنرال إبن البلد أم جنرالا أجنبيا.

 لا فرق في تقاليد هذه المدينة العنيدة بين مغتصب محلي أو قادم من مكان بعيد. فلقد سبق لها ان رفضت كل العرسان الذين جاؤوا على ظهور الخيل أو ظهور الدبابات أو ظهور القطارات أو ظهور الحمير أو ظهور الجماهير أو ظهور الطائرات.

بغداد طردت من قبل هولاكو حينما دخل عليها بالاكراه وكانت جريحة تنزف على مرمى حجر من النهر. طردته وبصقت في وجهه في ليلة الدخلة. صحيح انه شوه وجهها بالدم، وشوه وجه نهرها بالحبر والجريمة، و حاول اغتصابها بقوة السيف، لكن هذه الساحرة المدهشة العصية أعلنت الاضراب عن النبض والحياة واستلم الوحش مجرد جثة.

 هولاكو نام مع جثة في أروع انتصار تسجله مدينة على غاز ومغتصب. خرج السفاح من غرفة العرس وهو يبحث عن بغداد المرأة والعاصمة والاسطورة.
 لم يجدها في أي مكان.

 قيل له لقد دخلت النهر واعتصمت به  لأنه حبيبها الابدي، فهذه مدينة منذورة للعشق والجمال والصداقة والخير. وقيل له ان هذه المدينة حرونة وهي ترفض زواج المتعة أو زواج القوة أو زواج الاكراه حتى لو كان العريس هو من صنف الملوك أو الامراء أو الجنرالات.

   هذه المدينة، قالوا للغازي، تفضل ان تتزوج من بائع جوال أو من متصوف زاهد وحكيم في مرقد موسى بن جعفر أو فقير  ينام في دروب الكاظمية أو راع في برية، أو يتيم ينام على الرصيف، ولا تقبل هذا النوع من الزواج القسري.

  خرج هولاكو من المدينة مهزوما وترك خلفه عاصمة محطمة لكنها حية في عفتها وفي جمالها وفي شراستها أمام الجنون والقسوة والجريمة. تعلم الوحش الدرس جيدا وخرج لكن الذين قدموا بعده نسوا الدرس والعبرة.

  آخر الغزاة هو جندي هارب من الجيش صار جنرالا  نتيجة غفلة التاريخ والاحزاب والناس قدم من الصحراء وحاول خلال 34 سنة اذلالها بكل انواع الاسلحة والاغراءات فلم ينجح.

 قال لها انه ابن هذا البلد وانها عاصمة دولته العريقة والعتيقة وانه سيجلعها أم الدنيا، وسيخوض من اجلها الاهوال. وبغداد ترفض الكلام، وترفض الحياة، وترفض قبول وعد الزواج من سفاح حتى لو كان من العائلة.

 قال لها انه سيجعل المغنين كلهم ينشدون لها ولمجدها الغابر ولنهرها الخالد وارضها الخصبة، بل وجعل الشعراء، والراقصين، والراقصات، والمداحين، والزمارين، كلهم ينشدون على ابوابها الاربع وبغداد صامتة تنظر نحو النهر.

قال له الندماء هذه مدينة، ياسيدي، مصنوعة من رايات الحداد، ومواكب الشهداء، والكتب، والحكايات، وهي ترفض الحوار مع اي عريس جميل أو غير جميل، غني أو فقير، اذا كان لا يعجبها.

  وقيل له هذه مدينة الفراشات والاضرحة ومواسم الاراجيح والشعر والعشق، وهي مدنية للفقراء والمعوزين والمهمشمين والمحرومين والعزل، وهي تكره القسوة والوحشية والجنون.

 قيل له هذه، ياسيدي، تعشق انشودة المطر وليس انشودة الدم.
شهر الحب فيها هو نيسان، شهر الخصب البابلي، وليس عيد ميلادك.
هذه مدينة لملوك الليل والعشق والصلاة ينام على أرصفتها الفقراء في تمام الغبطة والامان، وليست مدينة  للشنق والاسلاك والمنع والسجون السرية والعلنية.

 قيل له هذه المدينة قد تقع في عشق بائع طيور من  حاج عمران أو ميركه سور أو بائع عربة جوال من سوق الشيوخ أو الصويرة وتتزوجه وتهيم به، لكنها تكره الملوك والطغاة والتجار والمقاولين سواء كانوا مقاولي سياسة أم تجارة أم ثقافة أم ضمائر.
 
لم يفهم  الجنرال الحاكم هذا الكلام واطلق كلابه وجنده ومخبريه ووحوشه في شوارع بغداد قتلا وذبحا وسبيا.
 ويوم  سيطر عليها واخذها عنوة الى الفراش، لم يعثر إلا على قطرة دمع على وسادة.

 هربت مرة اخرى وغاصت في النهر.

 قال له الندماء مرة اخرى وهو في نشوة قرد:
  هذه مدينة ملعونة وساحرة وقاتلة لمن تكره، ولم ترفض ملكا أو قائدا إلا وكانت هزيمته ساحقة مهما تعاقبت الايام والاعوام والقرون.

 اتركها ياسيدي.
 هذه لا تفهم لغتك ولا تفهم لغتها.
 أنت تتكلم بلغة الرصاص وهي تتكلم بلغة الحب.
 انت تتكلم بلغة السيف، وهي تتكلم بلغة الفراشات.
انت تتكلم بلغة الموت وهي تتكلم بلغة العشق والموج والريح.
ليس من الرجولة أن تركض خلف امرأة تكرهك.
 قد تنتصر في ميدان حرب على كل جيوش العالم، لكنك لن تنتصر على قلب امرأة عاشقة أو عاصمة متمردة  مثل بغداد.
 اتركها ياسيدي.
 جاء قبلك عرسان كثيرون من الشرق ومن الغرب رفضتهم جميعا وفضلت عليهم بائع عربة جوال من بغداد ومزارع فقير من السليمانية  وعامل طابوق من النجف، فهذه مدينة للغواية والسحر والموت.

هذه مدينة تنتحر، اذا اجبرت، على زواج الاكراه، وتموت تحت انفاس العريس، وتهرب الى النجوم والموج والابدية، ويظل العريس ماسكا الهواء والندم.

 هذه مدينة الاغواء وصيد الملوك والوحوش والقتلة في كل عصور التاريخ. اتركها ياسيدي.

 واليوم يجري الاعداد لعقد قران بغداد من جنرال أجنبي أو عريس محلي صنع في الخارج. وبغداد صامتة بين نارين:

  بين عريس أسمر وجلاد محلي حكمها بالنار والحديد وحكمته هي بالكراهية والنفور. شوه جسدها بالسجون والحروب والمشانق، وشوهت أعماقه بالرفض والاذلال والتمرد، وبين عريس اجنبي بعيون زرق أو عريس محلي مجلوب من الخارج كالاحذية والمكانس والالبسة الداخلية.

  والذين يعدون طبخة العرس الجديد نسوا هذه العاصمة المتوحشة والمتمردة. نسوا انها كلما جاء طالب يد على ظهر دبابة أو قطار غطست في النهر وتركته يحكم الوهم.

  ومن لا يصدق عليه ان يسأل الجنرال المخصي والجندي السابق الهارب من الجيش  ومغتصبها الان والحي.

 قالوا لها من باب الاغواء والاغراء ان الجنرال الاشقر الجديد مثقف ومتنور ويجيد التعامل مع النهر والشجر والارض والكتب وانه خريج مدرسة حربية ومدرسة سياسية وليس خريج اصلاحية كما هو الرئيس الأخير.

 قالوا لها انه لا يمانع من ان تخرج هذه العاصمة العنيفة الطبع لوحدها وتتبضع من اسواق نيويورك وباريس وتشتري عطورا من دلهي أو لندن وتراجع أمهر اطباء التجميل بعد ان تشوه وجهها عبر العصور من حكم المجانين والغزاة والطغاة.

 قالوا لها لا تخافي لأن طبخة العرس تتم سرا وفي لندن ونيويورك حيث حضر الشهود الستة على هذا الاغتصاب التاريخي والسياسي والادبي والديني والوطني.

 وبغداد صامتة لا تتكلم.

 قيل لها ان الجنرال الجديد حالم ورومانسي وشفاف وهو ليس جلفا أو غليظ القلب أو قادم من صحراء الدم والجراد وبلا تقاليد في العشق والحكم والذوق.

 وبغداد صامتة.

 قيل لها ان العصمة في يدها. ترفض متى تشاء. وتطرده متى تشاء. وهو لن يبقى معها في سرير واحد اكثر من خمس سنوات لكي يعيد الشباب والفتوة الى وجهها الذي داست عليه سنابك خيول التاريخ، ودبابات العقداء الغجر في الستينات، وقطارات الخيانة، وجنود البدو الخصيان، ولكي يحفظ لها مالها وعرضها وآبار دمعها ونفطها كأمانة.

 لكن بغداد هذه المرة  صرخت أمام النهر والقمر والريح:
 لن أتزوج الجنرال!
 لن أتزوج الجنرال!
 لن أتزوج الجنرال!

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروائي محسن الرملي ـ الحرب والفتيت المبعثر
- الروائي صدام حسين ـ مسخ الكائنات
- الروائي حيدر حيدر ـ وليمة لأعشاب الظلام!
- الشاعر دينيس دوهاميل ـ كيفية مساعدة الاطفال اثناء الحرب
- الروائي صنع الله ابراهيم ـ رواية وردة والمسكوت عنه
- الى المتماوت رعد عبد القادر ـ مات طائر بغداد المغرد
- الشاعر الشيلي بابلو نيرودا ـ تعالوا انظروا الدم في الشوارع
- الشاعر ولتر تونيتو ـ كفن لبلاد الرافدين
- الروائي الالماني هرمان هيسه ـ اذا ما إستمرت الحرب
- الشاعر عباس خضير ـ الحرب والاعتقال والمنفى والذهول
- الشاعرة اليزابث. ر . كري ـ عشية الحرب
- الشاعر ديفد ري،David Ray ـ الى طفل في بغداد
- الشعر الاجنبي والحرب ـ موسم قتل العراقيين
- القاص مهدي جبر ـ وداعا طائر التم
- الروائي نوري المرادي ـ خضرمة ـ الموسم الخامس.
- إحتفالية بالروائي عبد الخالق الركابي ـ سابع ايام الخلق
- الروائي مهدي عيسى الصقر..و.. ـ أشواق طائر الليل
- الروائي الطاهر بن جلون و ـ تلك العتمة الباهرة
- الروائي المغربي محمد شكري و ـ زمن الاخطاء
- عبد الله القصيمي، المتمرد القادم من الصحراء


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - بغداد لن تتزوج الجنرال