|
النص الأسود في-حديث النهر- شوقي عبد الأمير
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5115 - 2016 / 3 / 27 - 14:49
المحور:
الادب والفن
النص الأسود في "حديث النهر" شوقي عبد الأمير. يمثل هذا الكتاب نموذج لنص أدبي يعمه السواد، اللغة التي استخدمها الراوي في مجملها تحد من الفضاء، وتجعل الأشياء مبتور أو مجزأة، وكأنه بهذا يردنا أن نعرف بأن كل شيء في الحياة محدود الرؤية، او ناقص/مبتور، فلا يوجد ما هو كامل في واقعنا، ونجد المشاعر الجياشة التي يحملها الراوي، فهي حاضرة في النصوص مما يجعل المتلقي يعترف على حجم والمعاناة التي يعيشها الشعراء في منطقتنا، فالحرمان من الوطن، والجوع للحرية، مسائل لا يمكن أن يهملها أي كاتب عانا من الاضطهاد والقمع والتشرد. "شوفي عبد الأمير" يتحفنا ـ أدبيا ـ بهذه النصوص رغم قسوتها عليه وعلينا، فكلنا نعاني مما يعانيه الشاعر، وهذا ما جعل من هذا الكاتب شيء مميز، فهو يتحدث نيابة عنا، يحدثنا ويتحدث عنا، يذكرنا بالحنين إلى الجغرافيا، إلى الماضي ومن سقطوا ظلما على يد الأنظمة الرسمية، يخبرنا عن صبرا وشاتيلا، عن الفرات والسماوة والناصرية، عن بغداد، وعن اليمن، عن الجزيرة العربية، فهو شاعر لكل المنطقة العربية، وليس لقطر واحد، بهذا الألم العابر للحدود وللجغرافيا يجعلنا الكاتب نتوحد ونتآخا معا، فلا فرق بيننا، كنا يعاني عين الألم ومصيبتنا واحدة، وأملنا واحد. الألفاظ المستخدمة في النص الفاظ أدبية، فقد وضعت في سياق رائع وجميل، لكن المعنى قاسي وصعد، ويجعل المتلقي يأزر الكاتب ويشاركه في معاناته، ففي حديث الوهم نجد هذه الألفاظ، "تمحو، وتهدم، دمي، لا أصرخ إلا في ألسنة النار، وتابوتي، وطن ناء، فتعريت، ظلماتي، أو أهجر أرضك، وتوار، صليبي، رمادا، للجمر، فأنا قبر غسقي، والصحراء نبي أصحر، والطين، الحق يلوذ" كل هذه الألفاظ توحي بالسواد وفقدان الحياة السوية، وهذا الأجواء جعلت الشاعر يفقد مفهوم الكمال، وأخذ يتحدث عن الأجزاء، فهو لم يعد يؤمن بالكمال، من هنا نجد هذا المقطع: "...كانت بعضي وسواي تركت يدي للغمر فأوهمت بأن ضلوعي سفن وبقاياي حدود فطغى زبد وتمارى" ص 11، في المقطر السابق نجد التشظي والأجزاء، فلا نجد لفظ لجسم كامل، وهذا الانعكاس للواقع الأسود الذي يحيشه الشاعر. لكن رغم هذا السواد يصر الشاعر على إيجاد الأبداع والتألق، فوسيلته لقهر الواقع البائس والتمرد على الواقع كان من خلال الكتابة الابداعية فيقول: "قلت بلا قافلة أبدع صحرائي وبلا شمس أنثر فجري وبلا موت أحفر أقداري" ص 15، فكأن الشاعر في حالة صراع سرمدي مع القدر، الواقع الأسود، فهو لا رغم حجم السواد نجده لا يستسلم له، يقاومه بالكتابة الأدبية والشعر. كلنا يعلم بأن الطبيعة والمرأة يمنحان الكاتب/الشاعر الراحة والسكينة، لكن "شوفي عبد الأمير" حدثنا عن الطبيعة وكأنها جدار اسمتي يحجب عنه الأفق: "لا يرح إلا اجتياحي لا أفق إلا ارتطامي لا صوت إلا رياح تهب على كاهلي وأنا قرية للطيور إحتماء من الماء بالغمر خارطة للحطام الذي صار مرسى" ص21، وهنا نجد الشاعر يحيطه الحصار من كافة الجهات، الأفق معدوم، والأمل مفقود، ولا يوجد أي جدوى أي عمل سوى الكتابة الابداعية. الشاعر يتقدم من التاريخ بشكل مغاير للرواية الرسمية للتاريخ، فنجده يتحدث عن القرامطة بشكل إيجابي، وكأنه بهذا الحديث عن التاريخ يريدنا أن نعرف الحقيقة وأن لا نصدق ما يقوله السلطان الحاكم: "أنا الحجر الأسيود المتخثر في وطن شائخ هدمته القبائل في رحلة الأنبياء أنا الحجر المتمدن كالظل في راية للخليفة أنا الفرس المتوارث أصهل عبر المدائن" ص25،فهذه النظرة لأحداث التاريخ تؤكد للشاعر عقم التغير فيه، فواقعنا البائس يمتد إلى الماضي وما زال حاضرا إلى غاية الآن. "تابوتك المشرقي مساميره رصعت بالنبوءات والشرق حائطك المنحني ترتقيه صليبا لك الموت تعويذة وسلام هو الشرق مئذنة للخراب غلال وأغلال ما أصحر الأفق موت الطيور تشيخ المآذن في الخندق" ص27 و28، بهذا الشكل يختم الشاعر حديثه عن القرامطة، فالأفق مسدود، موصد إلى الأبد ولا يمكن أن يفتح لما هو جديد. استخدام الرموز الدينية بشكل سلبي، وجعلها تأخذ معني الخراب، يشير إلى حالة التحالف ما بين الرسمي والديني، فكلاهما يسهمان في الخراب الحاصل. الوطن والتاريخ الوطن والتاريخ الناصع يحث الشاعر على التمسك بهما وعدم التفريط، فرغم ما يمر به وجع، إلا أنه وجد فيهما ما يدفعه للاستمرار في البحث عن الحياة، فالحضارة السومرية وما انتجته من أدب وقدمته من ثقافة تمد الشاعر بعناصر الاصرار وعدم التسليم لما هو كائن، مما يجعله يتكلم عن الوجع والألم الحاصل وكأنه بهذا الكلام يستنهضنا للعمل، يعدونا للتقدم للأمام، رغم ما يحمله من بؤس فيقول في "حديث الحلم" : "بينما في العلى"ص29 افتتاح القصيدة بهذا المقطع يربطنا ببداية الملحمة السومرية "في العلا عندما" والتي تعتبر أقدم ملحمة أدبية تاريخية أنتجتها البشرية، وكأنه بها يردنا أن نتقدم من المستقبل، فنحن أول من أنتج أدبيا ثوريا يتمرد فيه على النظام السائد، فالملحمة تحدثنا عن الثورة التي يقدم عليها الإله "مردوخ" ضد "أبسو وتعامة" فتاريخنا حافل بالثورات التي ترفض الانصياع لما هو كائن. "وما كان لي سغب غير مائي وبيارتي وطن ومنافي أغلقها في الحدود وأمنحها موطنا في عرائي غير أني ارتضيت لها شاطئا وعبرت له العمر علمتها إن تكون جمرة لن تكون سواها" ص31، مما لا شك فيه أن الوطن يأخذ مساحة كبيرة عند الشاعر، فهو المانح والمحفز لهذا الابداع وهذا التألق، ما يميز هذا المقطع أن الصراع فيه سرمدي، فحب الوطن، والعمل للمستقبل، والتألق الأدبي شعلة مستديمة، لا تتوقف عن الإنارة، وهنا الشاعر يربط الفكرة التي يقدمها مع الفكرة السومرية حول الصراع الدائر بين الخصب والقحط، فهو بكتابته الابداعية يمثل استمرار للفكرة العراقية القديمة بديمومة الصراع بين الحياة والموت، وما عليه إلا أن يتقبل هذا الواقع. "وما كنت الفرات نحيب وجرف" ص33، قبل بضعت أيام قرأت عن الكاتب العراقي "سامي مخائيل" الذي أجبر على الهجرة من العراق، وكيف أنه حاول العودة مشيا على الأقدام متجاوز كافة الأخطار لتلك العودة للوطن، وقرأت أيضا أنه وقف ضد احتلال العراق من قبل القوات الأميركية، كل هذا يؤكد بأن العراقي يتميز بالأصالة والاخلاص لوطنه، رغم ما مر به من قهر وظلم، فالوطن شيء سامي، شيء لا يمكن أن نتركه دون ذكر، فهو يعيش في وجداننا، في عقلنا الواعي وفي العقل الباطن، من هنا نجد هذا الحضور للجغرافيا العراقية، فهي كالهواء للعراقي، لا يمكنه أن يكون بدونها، وهي من تمنحه القوة والطاقة لإظهار هذا الابداع وهذا التألق الأدبي. ويقول: "يجوب الخريطة حزن قديم تأبد لا وطن في المنافي يدرك أسراره" ص44، بهذه الكلمات يحسم الشاعر تعلقه بالوطن، فلا حياة خارج الوطن، ولا وطن خارج الوطن، ولا يوجد ما يحفز على الابداع خارج الوطن. نذكر بأن الكتاب من منشورات دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 1986.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من مظاهر الفساد
-
الواقع والرمز والفانتازيا في رواية -الأبلة ومنسية وياسمين- ا
...
-
اللغة بين الشكل والمضمون في كتاب -كأنها نصف الحقيقة- فراس حج
...
-
كتاب -في ذكرى محمود درويش- فراس حج محمد
-
البطل والمرأة في رواية -الشراع والعاصفة- حنا مينة
-
الانذهال بالغرب
-
الكآبة في ديوان -فهرس الأخطاء- عبود الجابري
-
العرض الجيد في سلسلة -أعلام الشعر العربي الحديث- ريتا عوض
-
حصار الشاعر في ديوان -حالة حصار- محمود درويش
-
الرواية البائسة -آه يا حضن أمي- سامي محريز
-
الإيحاءات الجنسية في ديوان -منكِ أسقي منديل الغيم- ليلى مقدس
...
-
شركات الفساد
-
السواد المميت في رواية -البوكس- قاسم توفيق
-
اليأس والجنون في -غرفة بملايين الجدران- محمد الماغوط
-
المرأة في مجموعة - دم بارد- جميلة عمايرة
-
الحي الشعبي التركي في رواية -الهزيل بائع السجائر المهربة- رف
...
-
الفلسطيني وأشكال النضال
-
النص المقدس في رواية -أولاد حارتنا- نجيب محفوظ
-
إلغاء الذات في مجموعة -كيف صار الأخضر حجرا- فوزية رشيد
-
حالنا في رواية -مجانين بيت لحم- أسامة العيسة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|