عبد الحسين العتطواني
الحوار المتمدن-العدد: 5115 - 2016 / 3 / 27 - 11:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حزب الله بين المقاومة والإرهاب
عبد الحسين العطواني
مهما تكن أوجه الخلاف وعدم الاتفاق في البلدان العربية بشكل عام , ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص , ونوع الحكم السائد فيها , سواء جاء عبر القنوات الشرعية أو غير ذلك كالانقلاب العسكري , , أو الثورات , أو التوارث , ومهما يكن استخدامهم لمختلف الأساليب القمعية , والتعسفية , والعنصرية , والطائفية تجاه شعوبهم لضمان بقاءهم على كرسي الحكم , أمر مقبول ولا اعتراض عليه , بوصف أن من يخالف الحاكم هو خارج عن الشرعية , وهذا ما تعانيه بعض الشعوب العربية , كالشعب البحريني مثلا , من سياسة التمييز على أساس طائفي, ومن تدخل عسكري سعودي , وتهميش وإذلال تمارسه السلطة البحرينية بسبب مطالبة الشعب لأبسط حقوقه , وكذلك ما يتعرض له الشعب اليمني من جرائم التحالف العسكري بقيادة السعودية , بأحدث الأسلحة الجوية والصاروخية , والبحرية , وقوات برية, وإيقاع ألاف القتلى والجرحى , فضلا عن الخسائر المادية , وتدمير كامل للبنى التحتية , وتهجير الملايين من شعبه وهم يعيشون في أسوء حياتهم المعيشية والصحية .
لكن الأمر يختلف تماما عندما يتعلق ببلدان أخرى كسورية مثلا , حين تظهر عصابات متمردة على الدولة وخارجة عن القانون , بهدف الانقلاب على نظام الحكم , بدواعي المعارضة أو الثورات الشعبية , مع أن حقيقتها تتحرك بأجندة خارجية وتمويل ومساعدات سعودية , وقطرية , وبأساليب إرهابية , تقتل الأبرياء , وتنتهك الحرمات , وتهجر السكان , وتروج لها وسائل إعلام عربية وعالمية مضللة لا تستند على أسس موضوعية ولا على حوادث وحقائق واقعية , فالإشارة إلى هذا التباين في طبيعة السلوك السياسي المتبع من قبل بعض حكام الخليج ليس الغرض منه تسويق الاتهامات , بل هو واقع له من الانعكاسات الإجرامية التي ابتليت بها الشعوب , وامتدت سمومها لتشمل الأحزاب المناضلة , والتنظيمات الشعبية المقاومة والمناهضة للاحتلال كحزب الله في لبنان , والحشد الشعبي في العراق وتصنيفهما بالإرهاب .
فقرار مجلس التعاون الخليجي بتصنيف حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية في 2 آذار 2016 , كمحاولة لدرج القرار على جدول اجتماع وزراء الداخلية العرب المنعقد في تونس بعد ساعات من التاريخ المذكور , وكسب التأييد العربي , باستثناء العراق ولبنان , عندما ادعى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف بن راشد الزياني بقوله: ( أن دول مجلس التعاون تعد ممارسات حزب الله في كل من سوريا , واليمن , والعراق تتنافى مع المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية , والقوانين الدولية ويشكل تهديدا للأمن القومي العربي ) , ومع أن التأييد العربي لم يكن مفاجئا ,لأنه كان وما يزال سباقا ولم يتوان باتخاذ وتنفيذ القرارات الطائفية الخاضعة للإرادة الإسرائيلية والأمريكية , على الرغم من أن اغلب دول مجلس التعاون الخليجي أعدت حزب الله منظمة إرهابية منذ عام 2013 بسبب إعلان الحزب تدخله عسكريا في الحرب على سوريا , في حين أن التعاون بين حزب الله , وسوريا كان منذ اتفاق الطائف في ت1 1989, الذي تم بموجبه نزع أسلحة الفصائل اللبنانية المتصارعة وحل المليشيات العسكرية , وأبقت على الأسلحة بحوزة حزب الله الذي لم يكن طرفا في الحرب الأهلية .
وإذا نمعن النظر في تصريح ( الزياني ) , عن مدى ملائمته وجديته لأرض الواقع , فهل جاء لتحديد من هو الأخطر والاشمل الذي يشكل تهديداً للأمن القومي العربي كما يدعي , أم هو يتمحور على أساس المكاسب الطائفية , نرى أن هذا التصريح يتفق تماما مع سلوكيات بعض دول مجلس التعاون تجاه الشعوب في سوريا , والبحرين , واليمن , والعراق , والمنطقة الشرقية في السعودية التي أخرها إعدام الشيخ النمر , بل مطابق تماما لعمل( الإرهاب ) الذي وضعت تعريفه الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة في القاهرة بتاريخ 22 نيسان 1998 في اجتماع مشترك لمجلسي وزراء الداخلية , والعدل العرب والذي نص على: ( كل فعل من أفعال العنف , أو التهديد به آيا كانت بواعثه , أو أغراضه , يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس , أو ترويعهم , أو تعريض حياتهم , أو حريتهم , أو أمنهم للخطر , أو إلحاق الضرر بالبنية , أو بأحد المرافق , أو الأملاك العامة , أو الخاصة أو احتلالها , أو الاستيلاء عليها , أو تعريض احد الموارد الوطنية للخطر ) .
فهل أن تصريح ( الزياني ) , وتعريف ( الإرهاب ) يمت إلى واقع حزب الله بصلة, أم فيه تجني وإجحاف كبير لتنظيم مسلح يمتلك من التاريخ والنضال والشجاعة والوطنية قلما تجد نظيرها في شعوب العالم المتحررة , لا لدى شعوب دأبت على الذل والخنوع لمشايخ لن تمتلك من أمرها سوى التصريحات الفارغة .
ألم يكن أيضا أن حزب الله ظاهرة فريدة في العالم العربي كمقاومة استطاعت أن تلحق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي وتجبره على الانسحاب من جنوب لبنان , ويعقد عدد من الصفقات الناجحة لتبادل الأسرى , وان يحدث تكاملا بين العمل العسكري والسياسي والإعلامي , ولم يتردد في إعلان تأييده للعمليات الفدائية التي تستهدف إسرائيل وظل يعدها من أهم وسائل التحرير على الرغم من الضغوط الدولية.
فباستعراض مختصر لبعض مهمات وبطولات الحزب , تشير المصادر بأن مجموع العمليات التي نفذها الحزب ضد العدو الإسرائيلي من العام (1989 – 1997 ) بلغت (1693 ) عملية وبحصيلة بلغت (1200 ) قتيل إسرائيلي , ومئات الجرحى , وفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بالقضاء على الحزب حينما اجتاحت الحدود اللبنانية ومحاولة التوغل في جنوب لبنان بحرب استمرت أكثر من شهر على اثر قيام حزب الله بأسر جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية آخرين عام 2006 , الذي اعد الحزب على أثرها مقاومة وطنية لدى معظم العرب والمسلمين , إلا أن الوضع تغير بعد انتهاء الحرب باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري , وفي عام 2009 وضع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الحزب كمنظمة إرهابية .
لكن الأمر الذي لايمكن تجاهله هو أن حزب الله منذ تأسيسه في عام 1982 مثل إشكالية للوليات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية , حينما أدركت بأنه يشكل خطورة على إسرائيل بسبب عملياته الجهادية ضدها , واعتقادها بأن الحزب هو من قام بتفجير مقر القوات الأمريكية والفرنسية في ت1 1983 تلك العملية التي أسفرت عن مقتل ( 300 ) جندي أمريكي , وفرنسي , كما اتهم أيضا بالمسؤولية عن مسلسل خطف الرهائن الغربيين أبان حرب لبنان 1982, لذلك صنف الحزب في لائحة المنظمات الإرهابية منذ ذلك التاريخ , إلا أن ذاك لم ينه الملف وأكدت ممارسات الحزب الفعلية خلال السنوات الماضية والعمليات التي نفذها بأنها ( شكلت بداية حقبة تحرير لجنوب لبنان, وردا عمليا على المشروع السلمي للتطبيع مع العدو الإسرائيلي الذي يتبناه بعض المثقفين العرب ), كما قالها السيد حسن نصر الله في إحدى خطبه .
الحديث عن الحزب يخفي وراءه مآرب أخرى , مثل تبرير لممارسة الطائفية , وتكريس ثقافة المنهزم مقابل ثقافة المنتصر في المجتمع , التي كرسها الإعلام والخطاب الرسمي العربي , باستهداف مقصود لطمس تاريخ الحزب الذي تكشفه الإجراءات والممارسات المتخذة من منهج الحقد الذي مارس ضده بهدف طمس هويته وثقافته , وهي ممارسات لا تنم عن حرص العرب على الوحدة كما يدعون , أو احترام جزء من الكيان الواحد الذي يشكل الوطن , إذ هي اقرب إلى تصرف المحتل منها إلى لبنان وسيادته , وهي استخفاف بعقيدة الحزب الفلسفية المتطورة التي أقام عليها والتي تعتمد الجوهر وليس المظهر , فالمتابع لحزب الله والمهتم به عليه الإلمام والإطلاع بعمق على التهديد الممنهج الذي لحق به , وفي مقدمتها القوى العربية بتوظيف الطائفية لتأخذ شكلا جديدا حيث تحولت من شكل الطائفية الدينية إلى الطائفية السياسية , وأخذت تتغلب على مفهوم الأمن القومي العربي .
أن الصراع الداخلي على أساس الهوية الطائفية تحول إلى صراع إقليمي على أساس الولاءات الطائفية , وأصبح هذا معيار لقياس الحق والباطل , ومن المؤسف أن الطائفية تعمل في المجال ألغرائزي بعيدا عن الحكمة والعقل , ولا ندري ماهي الدوافع التي تقف وراء هذا التصرف المدمر الذي يهدف إلى تقسيط الحزب ؟ , هل لأنه حقق الانتصارات في لبنان ودخوله في صراع مع إسرائيل ؟ , كل ذلك سببا في تشكيل تحالف عربي تلقائي ضده , لكونه الحزب الذي يعد امتداد , واكبر القوى السياسية المؤيدة لقضية فلسطين والخصم الأبرز لإسرائيل , أصبح مبعثا للقلق لما يمكن أن يقوم به من عمليات فدائية , وهو عازما على مواصلة مسار المقاومة والتمسك بنهجها حتى النهاية , عبر اجتثاث ركائز الطغيان عن طريق إجراءات تنفيذية , على النحو الذي يفشل مخططاتهم الدنيئة, حتى تتجلى ملامح النصر النهائي ضد الكيان الصهيوني , مهما تكن محاولات الأعداء في أعاقة وخلط الأوراق .
#عبد_الحسين_العتطواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟