أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد علي ياس - السّرديات المصطنعة















المزيد.....


السّرديات المصطنعة


خالد علي ياس

الحوار المتمدن-العدد: 5115 - 2016 / 3 / 27 - 03:20
المحور: الادب والفن
    


السّردياتُ المُصْطَنَعةُ
خالد علي ياس


لم يَعدْ خفيا على النّاقد المتمرس الذي يتتبع قضايا الرّواية وتحولاتها البنائية والرؤيوية ,منذُ نشأتها الفنيّة حتى وصولها إلى مرحلة مميزة من النضوج المعرفي والجمالي؛ أقول: لم يعدْ خفيا عليه إنّها مُنذُ مطلع العصر الصناعي من القرن العشرين بدأتْ تستقر على نمط من الاتجاه الإنتاجي المدعوم بدرجة كتابية واعية تترصد أهم التحولات في الذّاكرة السّردية المواكبة لإرهاصات الحداثة وما بعدها ,بوصف الرّواية إحدى النتاجات المعرفيّة للجمال الأدبي المعبرة عن سرديات العصر الحديث ,مما تمظهر على شكل تجاوب سريع مع مقصديات إنتاجية مدركة لأهمية خرق السّائد واليقيني, بابتكار أنماط مغايرة تتناسب ومركزية الاندفاع بقوة نحو المفاهيم التجديدية التي رسختْها المعاصرةُ في ثقافة المجتمعات ما بعد الصناعية, المجتمعات التي كان لها دورٌ واسع في ترسيخ هذه المقصديات في ذاكرة النّصوص الرّوائية المعاصرة للتحولات المعرفيّة الكبرى في الإبداع.

وإذا كان الجزءُ الأعظم من الأعمال الرّوائية قد انساق معرفيا ومفاهيميا في ضمن ما يمكن توصيفه بحسب طروحات فلسفة ما بعد الحداثة بــ (السّرديات الكبرى) حيث الانغلاق على رصد أيديولوجيات اجتماعية مثل التقدم والتنوير والثورة والتحرر والعدالة وغيرها وقد تمثل ذلك في عوالم كبار الروائيين المؤسسين مثل تولستوي وبلزاك وهوغو ....الخ,في الوقت الذي كان فيه الجزءُ الآخر مبهورا بيوتوبيا الذات والانهمام بها والسّعي الحثيث لإثبات زمن (السّرديات الصغرى) حيث التمتع بفردية السّلعة وتأمين جودة عالية للحياة والانعزال بمنأى عن الجماعات بحثا عن خصوصية نرجسية في الأداء الحياتي ,وهو مسعى حداثي نضج على يد كبار الروائيين ممن تبنوا مرحلة التجديد والمغايرة مثل دستويفسكي وكافكا وجيمس جويس ومارسيل بروست وأندريه جيد ....الخ , فإنّنا يمكن أنْ نشخص جزءاً نزراً من هذه الأعمال يندرج تحت ما يمكن تسميته بــ (السّرديات المُصْطَنَعة) السّرديات التي خضعتْ لمدار تنسيق المكونات المصطنعة عن النّسخة الأصل ونقلها إلى النّسخة المنتجة ,وقد حاولتْ القفز مفارقة الكثير مما سبقها من نتاج ,مع أنّها انطلقتْ منه؛مؤسسة بذلك ذاكرتها الخاصة في بناء مقولاتها وتفوهاتها لتغادر الواقعية المباشرة والحدث التأريخي وأدلجة البطل المطلق بصوره الثقافية كلها , ولتبني على وفق ذلك تقاناتها الخاصة مع وعيها بمفاهيم راسخة في أرض الرّواية الغربية والموروث القديم والواقع المعاصر والتحولات الفكرية الكبرى والتغيرات السّياسية ورمزية الحدث ودلالته التي حولتْ الفرد / برجوازي الرّواية إلى مجرد خرافة تتشكك أزاءها الميتا حكايات ــ السّرديات الكبرى بحسب ليوتارــ,الأمر الذي يمكن تشخيصه في رواية فنتازية مثل (The Lord of the Rings) لتولكين والسّينما الافتراضية التي أنتجت بإشراف مباشر من جان بودريار ممثلة بفلم (matrix) وبعض أعمال المخرجين الشهيرين ستيفن سبيلبيرك وكوبولا مخرج فيلم (القيامة الآن) وعالم دزني لاند وأعمال بورخس والتناول الأسطوري للدين في روايات دان براون....الخ, فصار ضروريا العودة إلى ما رسختْه الكولينيالية وما أثمرتْ عنها من نتائج لما بعد الكولينيالية , وغدا النّصُ مفتونا بسرد حكايته للوصول إلى ما وراء الذاكرة الأنسانية وما وراء الرّواية ,ولم يكتفِ بذلك فقط بل راح يبحث عن واقع جديد مغاير كسرا للقناعات ويقينيات التلقي, فسعى بذلك لصناعة واقعه الافتراضي من خلال إعادة صوغ الواقع المعيش لغرض إلغائه, محققا بذلك نمطا من التبادل المستحيل مع السّرديات الكلاسيكية جميعا,حيث العودة إلى الذّاكرة الثقافية للرواية محاولا تصنيعها من جديد مذيبا في ضمن ذلك أنماطا راسخة من الحكاية الشعبية والخرافة والسّيرة وهويّة الأفراد وعنف الحرب وتأريخ الفئات المقموعة ,لإنتاج (مسوّدة) من أطراس مغايرة / مضادة تقود الوعي المبدع نحو آليات جديدة ,وتأسس لدرجة كتابية مغايرة تتناسب مع الحساسية الجديدة لسرديات ما بعد الحداثة التي تقمصتْ شفرات التغاير الإجناسية المتشكلة بتأثير التجدد الهائل في إنتاج المنظومة المعرفية العالمية.
من هنا يمكننا البوح بأنّ هذه المقالة معنية بتقصي قضية معرفيّة ,بدأتْ تتبنين في نماذج روائية معاصرة ,أخذتْ على عاتقها أهمية الإبداع والنزوع نحو نمط سردي خاص بإنتاج المعرفة فضلا عن التخييل ولذة القراءة, محاولة منها بالتعبيرعن المعاصرة ومواكبة الانتقالات العميقة في التفكير الحضاري الذي يسعى تحت هيمنة العالمية إلى ترسيخ مشروع ثقافة الــ (ما بعد) المنتجة بتأثير ما بعد صناعية المجتمعات ,والثقافة المؤثرة التي تثير الشك أمام اليقينيات والثوابت جميعا,بمعنى أنّ (الرّواية المعاصرة) استطاعت بسبب هذه التحولات الكبرى ـــ بنائيا ورؤيا ومعرفيا ـــ الوصول إلى مرحلة ما بعد الحداثة (postmodernity) بوصفها مرحلة تأريخية معبرة عن سمات فكرية خاصة,والتحول جماليا نحو مرحلة ما بعد الحداثية (postmodernism) بوصفها نمطا معرفيا جديدا يتقصد رفض السّائد والمقنن والرتيب, والعمل على اصطناع عالم خيالي مغاير في قوانينه التي انتقلت من الواقع إلى ما ــ فوق الواقع ؛بسبب أفول العلاقة بين الدال والمدلول لأنّ نمط الحياة المعاصر والأجهزة التكنولوجية والإعلام وعوالم السينما والتلفاز وغيرها عملتْ جميعا على مشروعية (اختفاء الواقع) وتكسير قوانينه المباشرة أو كما يرى(بودريار) ذوبان للتلفاز في الحياة وذوبان للحياة في التلفاز,مما حفز الكثير من الفنون ومنها الرّواية على الانتقال إلى فعالية جديدة تغدو السوسيولوجية إثرها مجرد صورة مقدمة وليستْ السوسيولوجية كما هي بقوانينها المعهودة,صورة أخرى متولدة عن صور مغايرة مذابة في ذاكرة المؤلف تقترب تارة من الواقع المعيش وتبتعد تارات كثيرة حتى يتداعى في ضوء ذلك الاعتيادي والسّائد حد الانمحاء النهائي لغرض إعادة صوغ الواقع غرضا بمحيه.

وعليه فإنّ تدقيق النظر في مقولات السّرديات المُصطنعة وذاكرة إنتاجها المفترضة,لا يعني القفز على المراحل السّابقة , بل يعني بداية كتابية جديدة نظرتْ إلى متغيرات العصر بوعي مضاعف محاولة منها للخروج عن المألوف بتنصيص جديد يعيد صوغ ذاكرة الذّات والمجتمع والواقع والتأريخ والخيال والخرافة , ويحطم التقانات ويعيد بناءها متاثرا بالبنى الوهمية واليوتوبية , الأمر الذي يمكن رصده إجرائيا في الأعمال الرّوائية العربيّة من خلال رصد الزمن المستعاد من تأريخ المقموعين وصناعة الخرافة وافتراض الخيال والبحث في ذاكرة الأطراس في ما وراء الحكاية والسرد, في عوالم كتّاب معاصرين مثل جمال الغيطاني ومحمد برادة وجابرخليفة جابر ورؤوف مسعد وعباس عبد جاسم ومحمد خضير وطه حامد الشبيب وغيرهم ,ولكنْ تبقى الإعاقة الكبرى التي تواجها هذه السّرديات المعاصرة في أدبنا الحديث والمأزق المحيط بالروائيين, هو (سمة القطيعة) بين الظروف المعرفيّة والسّوسيولوجية التي أنتجتْ مثل هذه السّرديات وبين النّصوص السّردية نفسها , ففي المجتمعات ما بعد الصناعية في العالم الغربي نضجتْ المعرفة فتحولتْ بعدها إلى هذه العوالم الافتراضية بوصفها نتيجة طبيعية لما بعد الحداثة,أما لدينا ـــ أعني في ثقافتنا العربيّة ـــ فلم يتحقق ذلك؛ لأنّه تمَّ على مستوى الوعي الفردي فقط ــ ذهنية ورؤى المبدع ـــ ولم يرسخْ عن طريق المنظومة السّوسيولوجية المتحولة نحو الازدهار الصناعي والرقمي كونها تعيش نكوصا معرفيا واضحا,وهذا مكمن المأزق الذي لا يمكن التكهن بتحولاته المعرفيّة في الوقت الحاضر.



#خالد_علي_ياس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية فرانكشتاين-كيف يصطنعُ الواقع خرافة؟
- صنعة الشعر


المزيد.....




- روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم ...
- كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا ...
- مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م ...
- “نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma ...
- مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- فنانة مصرية تصدم الجمهور بعد عمليات تجميل غيرت ملامحها
- شاهد.. جولة في منزل شارلي شابلن في ذكرى وفاة عبقري السينما ا ...
- منعها الاحتلال من السفر لليبيا.. فلسطينية تتوّج بجائزة صحفية ...
- ليلة رأس السنة.. التلفزيون الروسي يعرض نسخة مرممة للفيلم الك ...
- حكاية امرأة عصفت بها الحياة


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد علي ياس - السّرديات المصطنعة