|
أمراء الخليج في منعرج اللوى
مالك جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 5112 - 2016 / 3 / 24 - 08:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أمراء الخليج في منعرج اللوى (1)
لنبدأ بتلخيص ما أدلى به أوباما لمجلة (ذي اتلانتك):
آن الأوان للسعودية أن تتقاسم الشرق الأوسط مع إيران. لا يمكن للخليجيين الاستمرار في إشعال حروب بالوكالة في اليمن والعراق وسورية معتمدين على الحليف الأميركي أن يأتي دائما لإنقاذهم وتثبيت عروشهم. أكبر سلاح مدمر في منطقة الشرق الأوسط هو القبلية، بكل أنواعها العرقية والطائفية والدينية والعائلية. لا أحد يقوى على مجابهة دمار القبلية الشرق أوسطية. فالدول التي تروج فيها القبلية في عداد الدول الفاشلة التي تحتمي بالقبلية لتغطية سوءآتها واخفاقاتها. نجاح وتقدم المجتمع يقاس بنوعية معاملة المجتمع لنسائه، فالمجتمع الذي يحتقر ويهين المرأة ليس جديرا بالاحترام. بل لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور ونصفه مشلول وغائب. أميركا والدول الغربية فشلت في ليبيا. لكن لا أوباما ولا أي رئيس أميركي بعده سيتمكن من تفكيك المعضل الشرق أوسطي. لذا الأفضل، في رأي الرئيس الأميركي، الابتعاد عن مستنقع الشرق الأوسط برفع اليد. المنطقة ما عادت تهم أميركا استراتيجيا. والسعودية، لم تعد حليفا استراتيجيا لواشنطن مثلما ظلت طوال ما يقارب الثمانين عاما. الشكر للتكنولوجيا التي قلصت تأثير نفط الشرق الأوسط على الاقتصاد الأميركي إلى أدنى درجة حاليا.
هكذا إذن أسدل أوباما الستار على ثماني سنوات من رئاسته. معلنا فك الارتباط بين الاقتصادين الأميركي والخليجي، ومنذرا ببدء مرحلة أميركية جديدة في الشرق الأوسط. واطلاق هذه القنابل الموقوتة في هذا الوقت بالذات, ليس بالشيء السهل، ولا يجب أن يستهان به. فالتبعات جسيمة، والآثار المترتبة ستكون سالبة وستخيم على منطقة الشرق الأوسط لسنوات عديدة مقبلة. تعني التصريحات أن أميركا سوف لن تأتي لتخليص أمراء الخليج من بشار الأسد، ناهيك عن إيران. خاصة وهناك الآن شبه اتفاق بين روسيا وأميركا على تفادي المواجهة. والأمل أن تهدأ قطر والسعودية ودولة الإمارات والأردن.
أولا ليهدأ ملك الأردن عبد الله الثاني الذي قال لخاصته من أعضاء الكونغرس الأميركي "أنني أعتقد أنني مؤمن بالقوة الأميركية أكثر من ايمان أوباما". قال ذلك مستنكرا تراجع أوباما عن توجيه ضربة عسكرية حاسمة لبشار الأسد. ومتسائلا عما يدفع الرئيس الأميركي لتفضيل إيران الشيعية على حلفائه التقليديين من عرب الخليج السنة. الملك عبد الله الثاني لم يكن يتوقع أن يصل قوله الساخر أعتاب البيت الأبيض. لذلك أنكر حين واجهه أوباما بالأمر. ورغم إنكاره، لم يتحرج الرئيس الأميركي عن نصحه: (إذا كان لديك اعتراض على سياساتي فمن الأفضل أن تبلغني مباشرة بدلا من أن تشتكي لأصدقائك في الكونغرس).
نأمل أيضا أن يهدأ شيخ محمد بن زايد ولي عهد الإمارات الذي أعلن غاضبا لوفد أميركي عالي المستوى يزور بلاده، ان الولايات المتحدة يقودها رئيس لا يمكن الوثوق به. لماذا؟ لأنه لم يتدخل لحماية مبارك من "ثورة الربيع العربي"، لأنه تباطأ في إزالة القذافي ولأنه تراجع عن ضرب سورية.
يبقى السؤال المحير: ماذا تستفيد دولتا الأردن والإمارات من تدمير سورية؟!!
أما قطر فحدث ولا حرج. انغماس على كل الجبهات في تفكيك الدول، نشر الإرهاب وتحقيق الحلم الأميركي في تمكين الأخوان المسلمين. بل رغم مشاركتها ايران حدود أكبر حقل غاز في العالم، ما زالت قطر والغة في زعزعة سورية. لماذا؟ لرفض دمشق بيع الحليف الروسي في مشروع غربي يسمح بمرور أنبوب غاز مقترح من قطر عبر تركيا الى أوروبا. وهو أنبوب إذا اكتمل، سيدر المليارات لتركيا والملايين لسورية ويخرج أوروبا من قبضة خناق الغاز الروسي الحالية.
السعودية ردت على أوباما عبر رجل السياسة والمخابرات السابق الأمير تركي الفيصل. قال تركي: (نحن لسنا من يمتطي ظهور الآخرين لنبلغ مقاصدنا). ثم فصَل كم المعلومات الاستخباراتية الهائل الذي مررته الرياض الى واشنطن عبر السنين وجنبت بفضله أميركا الكوارث. و أوضح جهود بلاده المبذولة حاليا لفك الضيق عن اللاجئين في سورية واليمن والعراق. لكن هل غفل الأمير تركي عن أنه لولا السعودية لما كان هناك لاجئين أصلا في الدول الثلاث؟ مثل هذه الشطحات الفاضحات تكشف مدى انعدام البوصلة وغياب الرؤية في أوساط ساسة الشرق الأوسط والخليجيين، في ظرف تاريخي دقيق تتبدل فيه قطع شطرنج السياسة الدولية بتسارعات مجنونة. ما قاله أوباما ميكافيلية من طراز نادر. لا يحتاج ردا. بل يستوجب إعادة نظر كاملة شاملة في مجمل أسس الدبلوماسية الخليجية تجاه العالم بأسره . إبان ما أطلق عليه جزافا إسم الربيع العربي، كان أمراء الخليج حريصين على بقاء حسني مبارك في الحكم. خذلتهم واشنطن بمخطط مدروس وموضوع أصلا لتمكين الاخوان المسلمين من مقاليد الحكم في سائر دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا. لم يفطن الخليجيون الى أن المخطط الذي تقوده هيلاري كلينتون بضراوة سوف لن يقتصر على مصر وتونس فقط، بل سيتمدد ويعبر ويهدد عروشهم. بدأواالتآمر بمعية ساركوزي وكاميرون لإسقاط القذافي. استخدموا عناصر القاعدة ودبلوماسية الشيكات، وبسقوط القذافي انفتحت شهيتهم. تجرأوا على الأسد كمعبر يسقطونه وينفذون منه للالتفاف على إيران. تقاسموا الأدوار، حسب إملاءات سادتهم غير المعلنين في واشنطن ولندن وباريس. احتضنوا الأخوان المسلمين فترة، ثم نبذوهم بعد انتفاضة السيسي. استعانوا بالقاعدة مجددا بعد أن تخلوا عنها بعد هجمات الأبراج في نيويورك. وأنشأوا حاليا جبهة النصرة وارهابيي سيناء واخيرا داعش الكبرى. خلقوا أكبر مأساة لجوء وتشريد ودمار لشعوب بلدان بأكملها في العراق وسورية وليبيا واليمن. دمروا اقتصادات المنطقة بما فيها اقتصاد صديقتهم اللدود مصر. ظنوا أن البترودولار هو الفيصل، وسعر النفط المحلق في سماوات المائة دولار، سيستمر الى ما لا نهاية بما يضمن تمويل مخططهم. أغرقوا الأسواق بالنفط لإفقار روسيا وإيران الداعمتين الأساسيتين لنظام الأسد. نسوا في غمرة اندفاعهم أن الاقتصاد العالمي دورات. رواج وكساد, نمو وانكماش. قصر النظر والتفكير في حدود أرنبة الأنف جعلهم الأن في وضع لا يحسدون عليه.
حين بدأ التآمر كانت عائدات النفط الخليجية تريليونات الدولارات تصب شهريا في خزائن البنوك الغربية. تستفيد منها شركات السلاح العالمية (وعملاؤها من أمراء العرب). تستفيد منها دبلوماسية الشيكات الخليجية المسخرة لشراء الولاء والبراء والذمم. وفوائضها الضخمة تحقق لكبريات البنوك الغربية مليارات الدولارات من الأرباح سنويا. غير أن الوضع اختلف الآن. كساد يعصف بالاقتصاد العالمي بأكمله، وبصفة خاصة بالصين قاطرة الاقتصاد العالمي. انهارت اسعار النفط والتوقعات أن تظل منهارة على المدى المنظور. ذلك يهدد دبلوماسية الشيكات وينسف أس الاستراتيجية المعدة لإزالة بشار الأسد.
روسيا لم تنهار ولا ايران. ولا الرهان على واشنطن آتي ثماره رغم تشنج هيلاري كلينتون. روسيا وقفت بصلابة الى جانب الأسد, وخذلهم أوباما برفضه توجيه الضربة العسكرية القاضية لسورية.
ما المخرج إذن؟
في رده على أوباما، تحسر تركي الفيصل على بوش الأب وأيام بوش التي لن تعود. لكن حتى وإن عادت فإن نفط الخليج وتأمينه لم يعد اولوية ولا استراتيجية للاقتصاد الأميركي. السعودية الآن منتج منافس للنفط الأميركي، لا تسيل من أجله دماء الأميركان خاصة في وجود الفكر الوهابي المتخلف الذي ما فتئ يفرخ الانتحاريين والتفجيريين والداعشيين بلا هوادة. وعداء إيران لن يفيد. وفتح أربع جبهات من النزاعات الدموية المروعة في اليمن، سورية، ليبيا والعراق لترويج الخلاف السني الشيعي ضحك على الذقون. بل وكلفته باهظة من عائدات الثلاثين دولار للبرميل. سيدفع أمثال الرئيس الفرنسي اولاند ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون، وحتما هيلاري كلينتون عما قريب، أمراء الخليج الى حواف المواجهة مع إيران. كلهم كانوا متحمسين لتوجيه الضربة العسكرية لدمشق. هيلاري كلينتون هاجمت الرئيس الأميركي حين تراجع عن الضربة، قبل أن تعود لتعتذر. وقد بلغ من غلوائها وإصرارها على مهاجمة سورية أن قال فيها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لاحقا: "هيلاري تصر دائما أن تكون غولدا مائير".
يحتاج أمراء الخليج أن يعوا أن أكبر معدلات نمو حققها الاقتصاد الأميركي كانت خلال حرب فيتنام. لذا من المتوقع، في إطار مرحلة الكساد الاقتصادي المرتقبة وتلاشي فوائض البترودولار وانعدام السيولة بصفة عامة، أن يلجأ الغرب لتنشيط الحروب والدمار في الشرق الأوسط. ستروج تجارة السلاح، وستُنهب الموارد بما فيها النفط. ثم ستأتي الشركات الغربية لاحقا لإعادة بناء ما دمرته الحروب. حدث ذلك في العراق ويجري تنفيذه الآن على قدم وساق في ليبيا. وننبه أن هناك 1.4 تريليون دولار من الأرصدة الخليجية الحكومية موجودة حاليا في سجلات البنوك الغربية. وربما مثلها يملكه الأفراد ورجال المال والأعمال العرب. هذه الأرصدة مرتهنة وسوف لن تعود. وكلما عمت الحروب والدمار كلم تيسر إعادة تدويرها لمصلحة الاقتصادات الغربية. يحتاج أمراء الخليج الى وقفة مع النفس لمراجعة مرتكزات وأسس بناء دويلاتهم الاسلامية. لا سلفية تجدي في القرن الحادي والعشرين. يحتاج أمراء الخليج لنبذ الأجندة الغربية وخلع حلل التآمر ضد ليبيا وسورية واليمن والعراق وايران. ربما يحتاجون لتبني المثال الماليزي الذي يعيش تحت كنفه الهندوس والبوذيين وكافة الأقليات في تناغم وتعايش سلميين. أما المراهنة على كلينتون كأفضل خيار رئيس قادم لأميركا، فمحفوف بمخاطر التفكيك والتقسيم والتشرذم الذي سيطال الجميع في (الشرق الأوسط الجديد).
(1): بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا (ضحى الغد)
من حكم الشاعر دريد بن الصمة في رثاء أخيه عبد الله بعد إغتياله وهزيمة جيش قبيلتهما في معركة منعرج اللوى أمام جيش قبيلة غطفان. وكان دريد قد نصح قومه وشقيقه بمغادرة موقع المعركة (منعرج اللوى) حتى لا تباغتهم غطفان وهم في غفلة من أمرها، فرفضوا النصح ثم إستبانوا بعد الهزيمة ومصرع قائد القبيلة ، أي ( ضحى الغد) .. فصارت القصة من الحكم ..!!
#مالك_جعفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات
...
-
من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة
...
-
ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق
...
-
سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو
...
-
تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم
...
-
تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في
...
-
مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
-
أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط
...
-
شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|