|
شعراء الواحدة ، وشعراء اشتهروا بواحدة...!!
كريم مرزة الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 5111 - 2016 / 3 / 22 - 10:31
المحور:
الادب والفن
الحلقة الأولى (المقدمة ) من هم شعراء الواحدة ؟ هل هم الشعراء الذين خلّفوا لنا قصيدة يتيمة واحدة شهرتهم ، فاشتهروا بها ، وسلّمتهم صكوك الخلود ، ولم تكن لهم قصائد أخرى ، كتوبة بن الحمير، و مالك بن الريب ، وسحيم عبد بني الحسحاس ، وابن زريق البغدادي ، والمَنخًّل اليشكري، و دوقلة بن العبد المنبجي ، أم نضمً إليهم مَن يملكون ديواناً ، كعمرو بن هند ، وطرفة بن العبد ، وأبي الحسن التهامي ، والطغرّائي والحصري القيرواني ، وغيرهم ، ممن ذاع صيتهم ، وسجّلهم التاريخ الأدبي في سجل الخالدين بقصيدة عصماء واحدة من قصائدهم ، لولاها لطواهم النسيان مع من طوى ، أو كاد !! لا ريب أن ابن سلام الجمحي ( توفي 232هـ / 847 م) ، هو أول من دوّن مصطلح ( شعراء الواحدة ) في مؤلفه النقدي القديم القيّم ، والأول في تاريخ الأدب العربي في هذا المجال ، ألا وهو : ( طبقات فحول الشعراء ) ، ولكن على ما يستدل من تدوينه ليس هو أول من أطلق هذا المصطلح على الشعراء ، وما كان يريد بـ ( الواحدة ) الحصر ، وإنما التغليب لشهرة قصيدة واحدة ، وخلودها على ألسنة العرب ، اقرأ معي ما يقول عن الطبقة السادسة في ( طبقاته ج 1 / ص 151 - 153 ) موجزين : الطبقة السادسة : أربعة رهط لكل واحد منهم واحدة ، أولهم عمرو بن كلثوم بن تغلب ، وله قصيدة التى أولها : ألاهبّى بصحنك فاصبحينا *** ولا تبقى خمور الأندرينا والحارث بن حلزة بن يشكر ،وله قصيدة التى أولها: آذنتنا ببينها أسماء *** ربّ ثاوٍ يملّ منه الثواءُ وله شعر سوى هذا . وعنترة بن شداد بن عبس ، وله قصيدة وهى : دار عبلة بالجواء تكلمى ... وعمى صباحا دار عبلة واسلمى وله شعر كثير إلا أن هذه نادرة فألحقوها مع أصحاب الواحدة . وسويد بن أبى كاهل بن يشكر بن بكر ، وله قصيدة أولها بسطت رابعة الحبل لنا ... فمددنا الحبل منها ما اتسع وله شعر كثير ولكن برزت هذه على شعره. نقلتُ إليك هذا النص المجتزأ من (الطبقات الجمحية ) ، لأشير لنقطة مهمة ، لم ينتبه إليها النقاد ، ممن وقع بصري على كتاباتهم عن شعراء الواحدة ، تتضمنه هذه العبارة في معرض كلامه عن عنترة وقصيدته: " وله شعر كثير إلا أن هذه نادرة فألحقوها مع أصحاب الواحدة ." من هم الذين ألحقوها مع أصحاب الواحدة ؟!! إذاً ليس هو أول من أطلق هذا المصطلح ، بل كان شائعاً بين جماعة من الأدباء والرواة ، ويعود إليه فضل التدوين ، تذكرني هذه العبارة الجمحية لقول امرئ القيس : عوجا على الطلل المُحيل لأننا *** نبكي الديار كما بكى ابن حِذامِ من هذا ابن حذام الذي سبق امرئ القيس بالبكاء على الديار ؟!! لا ندري ، ولا المنجم يدري...!! والعقبى جرى الشعر في مجراه ، وسار( شعراء الواحدة ) من بعد على خطاه .... والمهم نستطيع أن نجتهد نحن بمفهومين لهذه الإشكالية ، المفهوم الأول ( شعراء الواحدة) ، وهم أصحاب القصيدة الوحيدة الباقية لهم التي اخترقت كلّ العصور بوهج شديد ، لم تستطع الأيام أن تخفت إشعاعه الخارق، لأنه انعكاس عن خوالج نفس متألمة ، متغربة عن ناسها المعاصرين ، أو غريبة عن مكانها الأمين ، أو داهمها الموت الرهيب على غير موعد قريب ، أو رمتها زينة الحياة بسهم الممات ، وما نالت منها إلا البؤس والحرمان ، وبث الشكوى المريرة ، وما في الوجدان !!! ومع ذلك كلّه من المحال أنّ هؤلاء الشعراء قد نزل عليهم الإلهام الشعري دفعة واحدة بزخم الخلود ، وانقطع عليهم أو عنهم بقدرة قادر من قبل ومن بعد ، الشعر موهبة وراثية ، وثقافة حياتية ، وتعليمية متدرجة ، تتراكم في النفس الشاعرة بوعيها ولا وعيها ، ولا بد لها أن تفيض بشكل من الأشكال إبان الخوالج المتألمة الحزينة ، أو لحظات النشوة المتلذذة ، ولكن انقرضت ، لعدم اهتمام الرواة بها ، أو كان الروي ضعيفاً ، ضاع من بين الألسن ، فأكلته الأيام !!! وربما يتنازع عدة شعراء على هذه الواحدة الواحدة ، وقد تتداخل أبياتها مع أبياتٍ من قصيدة شاعر آخر حسب ذاكرة الرواة ، وقابلية حفظهم ، وأمانة نقلهم ، ولا يمكننا أن نلوم الرواة على رواياتهم الضعيفة ، والمتعددة سيان على مستوى صحة نسب القصائد الواحدة لقائليها الأصليين ، أم سلامة أبيات كلً قصيدة كما جاءت على لسان شاعرها الحقيقي ، لأن معظم شعراء الواحدة غير مشهورين في عصرهم ، فلا هم من المتنفذين ، ولا من وجوه المجتمع ، ولا من أصحاب السلاطين وجلساء بلاطاتهم ، وهذه هي المراكز الإعلامية التي تشع منها الأخبار ، وتنتشر على الآفاق ، فتصبح على كلّ لسان ، وتصك سمع كل آذان !! ، بل قد تراهم من الموسوسين ، أو المكدين ، أو الصعاليك ... ولكن هذا لا يُبرئ ذمّة كلّ الرواة ، فهنالك من ينحل الشعر ، ويحرّفه ويضيف إليه ، ويرتزق به كحماد الراوية ...!! والمفهوم الثاني (شعراء اشتهروا بقصيدة واحدة) ، أي ما كانت قصيدتهم الفريدة المخلّدة إلا مائزة عن بقية قصائدهم ومقطوعاتهم ...!! والناس تعشق كلّ جميل ومن وجهة نظري ، هذا المصطلح ، لا يمكننا أن نطلقه على شاعر معاصر على قيد الحياة ، كما يرتأي بعض الكتاب ، لأن ربما في لحظات الموت ينظم الشاعر قصيدة على أروع ما يكون، فتشطب على كل ما كان من نظمٍ فتان ، قالهى الشاعر نفسه الفنان !! كما خلجت به نفس مالك بن الريب آخر أيامه ، فرثى نفسه ، وأبكى وجدانه ، وقد نجتهد أن نحسب شاعراً مشهوراً من أصحاب (اشتهروا بواحدة) ، ولم يشر إليه أحد من قبل ، وأنا - ولا أدري أحداً سبقني - أعدُّ أبا الشمقمق منهم لقصيدته الشهيرة : (برزت من المنازل والقبابِ)..... خلود الذكرى في هذه الدنيا حظوظ وقسم ، تذكرت قول حافظ إبراهيم : فإذا رزقت خليقةً محمودةً **** فقد إصطفاك مقسم الأرزاقِ فالناس هذا حظه مال وذا ***** علمٍ وذاك مكارم الأخلاق لا تعرف الدنيا كيف تسير ؟!! هل أنت تحسب كل من خُلقوا عباقرة عمالقة في هذه الدنيا على امتداد تاريخها ، برزوا ، وخلدوا ؟!! كلاّ وألف كلّا ، هنالك أضعاف ممن سحقهم الدهر ، وناسه ، لأنهم ولدوا في زمانٍ غير زمانهم ، ومكان غير مكانهم ، فالأيام الأخرى ، تتطلب صفاتٍ أخرى ...إلى أين أريد أن أصل ؟!!! أقول ليس بكثرة القصائد ، وغزارة الشعر ، والإفاضة في الإطالة يخلّد الشعر والشاعر ، ربّما تأكل التخمة الدرّة ، وعندما يغربل النقّاد يفوت عليهم الفتات ، والشعر ذوق وفن وإحساس ، يقول الناشىء الأكبر عن شعره : يتحيرُ الشعراءُ إنْ سمعوا بهِ ***في حُسن ِ صنعتهِ وفي تأليفــهِ شجرٌ بدا للعين ِحُســـنُ نباتهِ ***ونأى عن الأيدي جنى مقطوفهِ نكتفي بهذه المقدمة ، لندخل بزيارة حضرة الشعراء للواحدة لهم ، أو بواحدة ندرت منهم ...!!! ولله أمرهم وأمرنا ، وإنّ غداً لناظره قريبُ .
#كريم_مرزة_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رائعة ابن الرومي بين ثورة الزنج وخراب البصرة
-
بِنْتُ الجَّمّالِ ، وَفِي الصَّدْرَيْنِ إيْثَارُ
-
انتصاراً للمرأة العربية في عيدها العالمي / ملف 8 آذار
-
الثقافة العربية جعجعةٌ بلا طحين،والعراقية ضيّعت المشيتين...!
...
-
مقاطع من قصائدي بين الذوق العربي وذمّة التاريخ..!!
-
جولة نحوية بين ابن السكيت والمبرد وثعلب
-
3 - الجَّوَاهِرِي خَطْفَاً... صِرَاعَاتُهُ مَعَ مَوْلِدِهِ و
...
-
8 - هذا ابن زيدون أخيراً :أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ
...
-
2 - الجواهري:أجب أيها القلبُ ،وأزح عن صدرك الزّبدا....!!
-
7 - ابن زيدون : يَجْرَحُ الدَّهْرُ وَيَأسُو
-
1 - الجواهري ب-ذكرياتي- يجرّني إلى ابن الرومي وبودلير !!
-
البحرالخفيف : يَا خَفِيْفَاً كَمْ رِقَّةٍ مِنْ خَفِيْفِ
-
اشْدُدْ بِأزْرِكَ كَيْ تَكُوْنَ الْغَالِبَا
-
6 -ابن زيدون بين موقفٍ ضيّعهُ وشعرٍ أبدعهُ
-
5 -انتصاراً للمرأة العربية،المجتمع الذكوري إلى أين ؟!!
-
قصيدتان للشهيدة البطلة أشواق النعيمي وحدبائها :
-
قلمي يحاورني،و(رملٌ) بحرُهُ * (متوفّرٌ) كالرملِ ، فتحٌ ضرّهُ
-
ليسقط العراق، قرار قرن من الزمان ...!!
-
5 - ابن زيدون بين ابن عبدوس والولّادة ،الخاطفُ والمخطوف...!!
-
البياتي إلماماً بين باب الشيخ والحلاج وابن عربي فمقبرته !
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|