|
اللغة بين الشكل والمضمون في كتاب -كأنها نصف الحقيقة- فراس حج محمد
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5111 - 2016 / 3 / 22 - 01:03
المحور:
الادب والفن
اللغة بين الشكل والمضمون في كتاب "كأنها نصف الحقيقة" فراس حج محمد أراد الكاتب في هذا النصوص أن يقدم نفسه ككاتب نص نثري، متجاهل قدرته على خوض عالم الرواية أو القصة، علما بأنه يمتلك كل المقومات لخوض تجربة روائية، وقد وجدنا في هذه المجموعة ما يبرر للكاتب هذا الأمر ـ الكتابة النثرية ـ بكل تجرد استطاع أن يقنعنا بأهمية هذا النوع من الأدب الذي نفتقده خاصة بعد ظاهرة جبران خليل جبران ومخائيل نعيمة. فهو يقنعنا بمضمون النصوص التي تنحاز للمرأة وتأثيرها الفاعل، فهي الملهمة لهذا الابداع الأدبي، غالبية النصوص تتحدث عنها وتجعلها القمر المنير والشمس الهادية للكاتب، فبدونها يحل الظلام ويحل الجدب، فالمرأة عنده تتقارب في هذه النصوص بصفات الربة عشتار التي تمنح الخصب والحب، وبدونها يكون القحط والموت. من ميزات "فراس حج محمد" قدرته على استحضار النص القرآني في كتاباته بطريقة مميزة، بحيث تأتي تلك الإستحضارات بشكل عفوي غير مقصود، مما يجعل النص أكثر جمالا واقناعا، وكمثل على هذا الاستخدام نقتبس هذه النص كاملا، "مربى الورد" "أربي الورد فإذا استوى على سوقه لسعني شوقه، وتغلغل عطره في خلايا غيري" ص 141، فاستخدام اللفظ "استوى على سوقه" يتماثل في مضمونة ومعاناه مع ما جاءت به الآية القرآنية تماما، مما يجعل النص يقربنا من المعنى في الآية القرآنية، وفي ذات الوقت اعطنا صورة أدبية جميلة، فمثل هذا الاستخدام يكاد ينفرد به "فراس حج محمد"، ومن هنا نريد الدخول إلى هذه النصوص، علاقة اللفظ بالمضمون واللغة بالشكل، فهل هناك انسجام بين اللغة واللفظ من جهة وبين المضمون؟، أم أن الكاتب كان يريد تطرح مضمون بلغة بعيدة ولا تتناسب مع فحوى النص؟. لكي نوضح هذه المسألة نقدم هذا الاقتباس من الكتاب: "حد الجنون" "كم تأملتك في صباحي كأنك كأس خمر، نشوة متجددة، تأخذني تلك الابتسامة الناعمة، ذلك الجسم النقي، ذلك الكبرياء الملفع بالأنوثة الطازجة التي تكسر القواعد الثابتة والمتحركة! يا لك من امرأة فاتنة حد الجنون" ص 7، إذا عدنا إلى الالفاظ المستخدمة نجدها كلها تخدم فكرة النص، ونجد كافة الالفاظ ناعمة وهادئة "صباحي، كأس خمر، نشوة متجددة، الابتسامة، النقي، الكبرياء، بالأنوثة، الطازجة" كل هذه الألفاظ تنسجم مع المضمون وتخدم النص، فهنا كان المضمون واللفظ وللغة كلها تعطينا لمسة من النعومة والهدوء، وتخدم الفكرة، لكن وجود لفظ "تكسر" جاء كتكسير للاستخدام الناعم والهادئ السابق، وكأن الكاتب أراد بها أن خلخل لدى المتلقي الانسجام اللغوي السابق بوجد لفظ "تكسر" ف"كسر القواعد الثابتة والمتحركة:، ليس عند المرأة وحسب بل عند المتلقي أيضا، وجاء لفظ "الجنون" في آخر الفقرة وكأنه تأكيد على أصرار الكاتب على الخروج من حالة النعومة والهدوء إلى حالة مغايرة. لا شك أن الفقرة تخدم فكرة النص، وتعمق المضمون عن القارئ، لكن هذا الشكل من الاستخدام يشير إلى أن هناك شيء غير مكتمل في العقل الباطن، من هنا نجده (ينحرف) إلى استخدام الالفاظ المتطرفة في نص لغته في مجملها ناعمة وهادئة، ومضمونه كذلك. حالة الانحراف عن مساق لغة النص كان واضحا في "الحب والحياة" فنجد العديد من الالفاظ القاسية التي أراد من خلالها الكاتب أن يقدم فكرة إنسانية، ناعمة ونبيلة، لكنه كن غير موفق في استخدام اللغة، التي كان قاسية وصعبة وتحمل الكثير من الغلاظة، فيقول: "لا احب الحب المنقوص والناقص، إذا لم يكن كاملا متكاملا، نديا جبارا متحديا فليس لي به حاجة، ... إذا لم تتفتح زهرته في دمي وتنبت أعضاؤه في تربة لحمي وتنغرس جذوره في أعضائي فلا داعي لحب يموج على سطح موجة تبعده النسائم في عرض البحر ليتوه هناك ويضيع" ص 16، في هذا النص أراد الكاتب أن يقدم فكرة تتمثل في (حرصه على الحب، وطبيعة/شكل هذا الحب) لكننا نجد حالة من الصراع في اللفظ المستخدم، مثل "نديا جبارا، زهرته في دمي، تربة لحمي، وتنغرس، ليتوه، ويضيع" كل هذه الالفاظ قاسية وتجعل القارئ يأخذ فكرة جيدة بلغة/بالفظ غير مناسبة، فكلمة "جبار" لا تتناسب مع مضمون فكرة الحب، فالحب والجمال له الفاظ ولغة تفرض ذاتها على الكاتب، بحيث تجعله يهيم بين المضمون واللفظ/اللغة. هذا المراد الذي نسعى لكي يصل إليه "فراس حج محمد" ويقنعنا بأنه كاتب منسجم في لغته والمضمون الذي أرد طرحه، فاستطاع أن يصل إليه ويتأكد لنا بأنه تجاوز (الانحراف) السابق وقدم لنا نصا يكاد أن يكون مدرستا في انسجام الشكل مع المضمون وللغة من الفكرة، في نص "فاكهة الصبح" التي يقول فيها: "صباحك الحب يا خلية العسل التي اشتاق تذوقها كل ليلة" ص17، النص حتى نهاية لا نجد فيه لفظ شاذ أو قاسي، وقدم لنا نص آخر "عاشق في ليلته الأخيرة" ص83، أيضا أبداعا متميزا يجعل القارئ يهيم باللغة الساحرة فيقول: "كان علي أن أتأمل ضحكتك كيف ستكون، وهي ترقص بين وردتين سنزرعهما في موعد قادم محتدم بنا! ...كشعاع الشمس متسلل إلى مساء معتمر مغتبق مكسو بلحن راقص على اهداب الوقت! لأنك الاجمل إشعاعا والأروع إبتهاجا والأندى صباحا" ص83، بهذا الشكل يكون الكاتب أكمل ابداعه واعطانا مضمونا متوحدا ومنسجما مع اللغة. أصعب وأقسى نص كان "الجثث المحنطة" ص13 فهو نص سوداوي ويمثل خروجا واستفزازا لبقية النصوص، فمن اللفاظ المستخدمة فيه "تصعد على جثثهم المحنطة، سفح الجثث المثلجة، انبعاج ذاكرتي، خطواتي اللاهثة، جثث الكتب" ص13، فهذا النص يشكل خروجا عن مسار النصوص ويكاد أن يشوهها، لكن بما أنه الوحيد نستطيع تجاوزه. الكتاب من منشورات الرقمية، القدس، فلسطين، الطبعة الأولى 2016
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب -في ذكرى محمود درويش- فراس حج محمد
-
البطل والمرأة في رواية -الشراع والعاصفة- حنا مينة
-
الانذهال بالغرب
-
الكآبة في ديوان -فهرس الأخطاء- عبود الجابري
-
العرض الجيد في سلسلة -أعلام الشعر العربي الحديث- ريتا عوض
-
حصار الشاعر في ديوان -حالة حصار- محمود درويش
-
الرواية البائسة -آه يا حضن أمي- سامي محريز
-
الإيحاءات الجنسية في ديوان -منكِ أسقي منديل الغيم- ليلى مقدس
...
-
شركات الفساد
-
السواد المميت في رواية -البوكس- قاسم توفيق
-
اليأس والجنون في -غرفة بملايين الجدران- محمد الماغوط
-
المرأة في مجموعة - دم بارد- جميلة عمايرة
-
الحي الشعبي التركي في رواية -الهزيل بائع السجائر المهربة- رف
...
-
الفلسطيني وأشكال النضال
-
النص المقدس في رواية -أولاد حارتنا- نجيب محفوظ
-
إلغاء الذات في مجموعة -كيف صار الأخضر حجرا- فوزية رشيد
-
حالنا في رواية -مجانين بيت لحم- أسامة العيسة
-
الشخصية الشعبية في مجموعة --إنثيالات الحنين والأسى- أسامة ال
...
-
الدولة الكردية
-
بناء الشخصية في رواية -رسل السلام- هاني أبو انعيم
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|