أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - ماذا لو تشرق الشمس من الغرب؟















المزيد.....

ماذا لو تشرق الشمس من الغرب؟


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5110 - 2016 / 3 / 21 - 00:07
المحور: الادب والفن
    


ماذا لو تشرق الشمس من الغرب؟

لم يكن عقيد (فرج) حازماً مع جنوده فقط بل ومع ضباطه أيضاً، وهو آمر كتيبة مدفعية ميدان في قاطع عمليات مندلي، وكان شديداً لدرجة القسوة وألحاق الأذى وحرمانهم من الأجازات الدورية لو (عطس) أحدهم في بهو الضباط يوماً...
وكان هذا الرجل ليس سوياً، فيختار الجندي الوسيم من بين جنود المقر بتأني، ويقوم بالإختلاء به بغرفته. عندها يكون أمام الجندي المغلوب على أمرهِ أحد خيارين مُرين بشدة، فإما البهذلة والسجن وعقوبة أشغال شاقة وتحمّل قذارة عملية تنظيف الحمامات لأيام لا تحتسب ضمن الخدمة العسكرية أو الأنصياع لرغبة (فرج) الشاذة، عندها سيتمتع بالإجازات كما يحلو له.
لهذا الآمر سيارة (لاند روفر) سائقها (وصفي) من أهل مدينة (الحرية) وهو إبن خلوق وإبن عرب، صنْعته بيع (اللبلبي) بعربة أنيقة ملونة يسميها (توكلتُ على الله) ملأها عبارات شكر الرب على نعمته. كان جنود البدالة يتصنطون على مكالمات الآمر، وكان يعلم بذلك، لكن ليس بيده من مستمسك، فما أن يتصل بزوجته التي تسكن بمدينة قريبة من كتيبته (ليزورها) ويقضي ليلته هناك بحجة أنه في مهمة تفتيش عند الحدود، حتى يناول جنوده المخابرين بذئ الكلام من خلال سماعة الهاتف لأنه متأكد بأن تلك الشتائم تصلهم وليس بإمكانهم تحريك ساكن، كل ذلك على مسمع من زوجته التي لم تعرف شيئاً من زواجها به سوى لغة وسلوك الحيوانات!
كان في الوحدة العسكرية شاحنة (كاز66) روسية الصنع، وهذه شاحنة تسير بالبنزين، فتكون ذات قدرة وكفاءة قليلة، وسيارتهم هذه كثيرة الأعطال بسبب أساءة أستخدامها من قبل سائقها (ساهي) الذي يلمعها من الخارج بينما تعاني هذه السيارة كافة الأعطال من الداخل. نائب ضابط (بليبل) في قلم الخلفيات، هو الآخر رجل مسالم جداً وسعيد كونه بعيد عن الآمر وقرفه، فيزوره مرة واحدة كل صباح لتوقيع البريد الصادر والإطلاع على الوارد والتعليق عليه وهي المهمة التي تقوم بها شعبة (القلم) التابعة للمقر.
جاء ن. ض. (بليبل) يوماً وتوسل بالسائق (ساهي) لإعادته لمقر الوحدة الخلفي بسبب عطل (الواز) التي أقلته، وكان فيما يبدو مستعجل الرحيل قبل أن يقوم الآمر بجولة تفتيشية داخل الوحدة، فبهذه الحالة، لو لم تطله عقوبة، فالشتائم هي أقل ما سيتلقاه. وحين رفض السائق (ساهي) طلبْ ن. ض. (بليبل)، ثارت ثائرة الأخير أمام الجنود لأن السائق أحطّ من قدره، فأمره أن ينصاع لأمره وإلا سيشكوه للآمر، لكن السائق بقي يتجاهله بشدة...
(مادام ذلك) قال (ساهي) وأكمل بصوت مسموع (عليك بنزع زوج بسطالك وربط قيطانيهما وتعليقهما برقبتك والمشي حافي القدمين)! فثارت ثائرة السائق وهجم (بالويل أسبانة) وأوشك أن يشطر رأس (ساهي) لولا صوت الآمر الذي تقدم من ن. ض. (بليبل) وأغرقه شتائم وضربه بعصاه، بينما التفت على الجندي (ساهي) وتشكر منه لعزة نفسه وكبرياءه وأمر بمنحه ترفيعاً (خيط واحد) على اليد ليصبح جندي أول...
× × ×
كانت الطرق المبلطة تمتد بين التلال في منطقة مندلي وتتخللها بعض من واحات النخيل في طبيعة جميلة ومساحات ممدودة، وبينما تسير (اللاند روفر) بالآمر فجراً متجهة به نحو بيته (بمهمة خاصة)، كانت الشمس تشرق فتصفع خده وتسبب له شد عصبي لتزيد مما هو عليه من سفالة وسوقية تصرف، كان سائقه صامتاً لا يفتح فمه إلا لو سمح له (فرج) بالكلام. خروج الآمر منذ الصباح بمهمة (قتالية) نحو البيت لم تكن معتادة، والمخابرون الذين كانوا قد سمعوا ذك، كشفوا للكتيبة فتنفس الجميع الصعداء، وأخذ الضباط وجنودهم قسطاً من والأسترخاء والراحة داعين بالخير (لزوجة) الآمر وأن يُديم الله المعروف بينها وبين (بعلها)، عندها خرج (ساهي) بشاحنته بعد أن كلفه الضباط بجلب الحساء (شوربة العدس) والصمون الحار من مقر الفرقة واعدين جنودهم بأكلها حارة، فأصطف الجميع بإنتظار المأدبة يحملون أوانيهم المعدنية.
لم يطـُل الأمر كثيراُ بـ (فرج) حين صار يتذمر من الشمس أكثر كلما أشتدت حرارتها وفكر بأن يومه قد بد مشؤوماً. لكن (وصفي) ولأنه يريد التخلص من آمره، خرج عن صمته وليقول... (هذه إرادة الله، مَا تكدر تغيرها سيدي؟) وحين (بحلق) به، أستطرد القول بجملة تمنّي... (لو تشرق الشمس من جهة الغرب، لأكملتَ مهمتك سيدي!).
صمت (فرج) ووجد أن في كلام سائقه نبرة شماتة، فكـّر أن بأمكانه أن يقلب المعادلة ويجعل الشمس تضرب جهة السائق بدل جهته ويكون هو الغالب، فأمر أن يدور (وصفي) بالسيارة ويعود في الشارع بالأتجاه المعاكس لتصفع الشمس بقوّتها خده، ولأجل الحصول على نتيجة مضمونة، أشترط عليه عدم أستخدام واقية الشمس. لكن (وصفي) لم يفهم كيف سيصل بآمره للبيت، فقال (سنعود ـسيدي لمقر الوحدة ولا يمكن أن نصل بيتكم) أجابه بأنه هذا ما يريد وأنه غض النظر عن (مهمته) بهذا النهار (الأسود)!
... لما عاد جندي أول (ساهي) بشاحنته مثقلة بقزان (قدِر) الحساء والصمون الحار للوحدة، عطلتْ الشاحنة وأبت ان تتحرك خطوة واحدة، أتصلوا بالوحدة وظلوا بإنتظار وصول برّاد (ميكانيكي) الوحدة. خلال ذلك صعد (ساهي) على ظهرها مع جنديي المطعم وألتقطوا بعض الصمون قبل أن يبرد ويغدو قاسي جداً، ووضعوه بالقدر وأخذوا يتذوقون العصيدة الساخنة. وقبل أن يصل لهؤلاء الجنود المساكين من وحدتهم الفرج، جاءهم (فرج) فكان مشهد تراجيدي دراماتيكي أن يرى الشاحنة متوقفة على الطريق وقد أنشغل سائقها (ساهي) وجنديي المطعم بالطعام. أغمض سائقه عيناه متأملاً أن لا يرَهم الآمر، لكن هيهات فقد رصدهم وأمره بالتوقف ليترجل من سيارته. وبينما لاحظ الجنود والسائق أن وحشاً كاسراً قد أقترب منهم، أقتنعوا بأن فطور الأيام القادمة سيكون بسجن الوحدة وأن (زيان) نمرة صفر واقعاً لا محالة!
إيقاف الأجازات الدورية لأسبوع رضي به الجميع، كما أن ما كتبه (فرج) عن سبب العقوبة بأن جنوده قد تركوا الوحدة وتسكعوا بالشوارع قد رضوا به أيضاً، لكن عقوبة رفع (خيط) من السائق (ساهي) الذي منحه أياه قبل أسابيع وليعود مجرد جندي، قد ألمته كثيراً وأثلجت قلب العذول ن. ض. (بليبل)!
كانت مشكلة عدم تجهيز الطعام بسبب أيداع جنود المطعم السجن قد أقلقت الضباط والجنود على حد السواء، لكن الأمر الذي لم يستطع نائب ضابط قلم الوحدة (ساهي) تنفيذه هو العقوبة التي طالت جنديي المطعم برفع خيط (أي رتبة) منهما، لأنهما أصلاً كانا جنوداً وبدون (خيوط)! لكن متمرس بالإدارة العسكرية (أفتى) بأن الأمر بغاية البساطة، أن يتم أنتظار ترفيعهم الذي يجري كل ثلاث سنوات، وحالما يستحقوه، تنزل بهم العقوبة ويُحرَمون منه، وكان الله يحب (المحسنين)!
أحد الجنديين المعاقبين قال بأن العقيد ـ ربما ـ قد قطع بذلك الصباح (الأسود) مشواره لإحساسه بالمسؤولية تجاه وحدته، بينما قال آخر بأن دافع (فرج) تجاه زوجته في ذلك الصباح كان ضعيفاً فلم يتحمّل عناء طريق بيته. لكن لـ (وصفي) وجهة نظر أخرى كان قد عبّر عنها (لفرج) منذ البداية وبقي متمسكاً بها، فلم يكن إحساس (فرج) بالمسؤولية سبباً، ولم تكن قلة رغبة وهو الجامح على الدوام هي سبب ايضاً، لكن غضبه من أشعة الشمس اللئيمة ولو أنها (أشرقت) في ذلك الصباح من جهة الغرب، لكانت الأمور قد تبدلت هي الأخرى و(أشرقت) على الكتيبة ولكان العقيد قد مضى بأتجاه بيته، ولهنأتْ الوحدة وتمتعت بالراحة ولحافظ (وصفي) على رتبته التي لم يهنأ بها كثيراً!

عماد حياوي المبارك



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حواسم أيام زمان
- على مودك
- أبو عبد الله
- خطة لا يعلم بها أحد
- ليلة من ليالي رأس السنة
- كرسمس
- للأذكياء فقط... أيضاً
- للأذكياء فقط... رجاءاً
- من هم الأذكياء؟
- حدث بشارع حيفا
- كونتاكت
- أبو ناجي
- لاند خود
- ((زوغق))
- ((ديوان بالديوانية))
- (أوتو ستوب)
- ((خوردل روز))
- آيدلوجيات وأستراتيجيات
- بين الرصافة والكرخ
- ((أطوار))


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - ماذا لو تشرق الشمس من الغرب؟