أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرازق أحمد الشاعر - صفارات الإنذار














المزيد.....


صفارات الإنذار


عبد الرازق أحمد الشاعر

الحوار المتمدن-العدد: 5106 - 2016 / 3 / 17 - 22:46
المحور: الادب والفن
    



كانت يداه المعروقتان ترتجفان، وقشعريرة باردة تتمدد في شرايينه المحتقنة. وكان يحاول جاهدا أن يبتلع ما تبقى في حلقه الناشف من رضاب. وعند قسم المأكولات، وضع صاحبنا عامين من لحم فوق ذراعه الأيسر ليخبيء في جسده الطري ما يتسنى حمله من طعام. وبين جسديهما الباردين دس صاحبنا تفاحة لطفلة الخامسة وإجاصة لطفل السابعة، وبعض المشروبات الغازية الباردة. وظل يحتضن طفله كما لم يفعل من قبل حتى اقترب من باب المتجر. كان يمني النفس بخروج آمن، وعودة حميدة إلى طفلين يتضوران جوعا في بيت ليس له.
لم يكن المسكين يعرف أنه يحمل تحت إبطه دليل إدانة، ولأنه لا عهد لها بالمتاجر الكبيرة، وقع في فخ جهاز الإنذار. وبعد خطوتين، توقف الرجل ليضع حمله الثقيل من فوق يساره، لتتساقط بين أقدامهما ما ووري من بضائع. وبسرعة مدهشة، تحلق الناس حول اللص الشريف، لكن أحدا من الواقفين لم يرمه بحجر. ووقف حارس غليظ الكف خلفه تماما، لكنه لم يبادر بصفعة ولا بركلة. عاد الرجل إلى المتجر، لكن صفارات الإنذار ظلت صامتة احتراما لحزنه.
وأمام السيد رادزوان مدير متجر تاسكو، جلس الرجل في هدوء تام وحزن مطبق، لكنه لم يشعر بالدونية، ولم يطأطئ رأسه خجلا رغم معرفته بفداحة ما فعل. "كنت عائدا من المشفى حيث ترقد زوجتي في غيبوبة تامة. وفي بيت أحد الأقارب ينتظرني طفلان جائعان. كيف أعود إليهما بيد خاوية وقلب مريض؟ وكيف أحتمل زيغان بصريهما، وزرقة شفاههما؟ لا أشعر بالخجل مما فعلت .. ولو خليتم سبيلي، سأمر على متجر آخر لا توجد به صفارات إنذار."
كان الرجل يختلس النظرة تلو النظرة، ليرى أثر حديثه في وجه السيد رادزوان، وقبل أن ينتهي، لمح دمعتين كبيرتين تتكوران في عيني الرجل. عندها، انفجر باكيا، وضم كتلة اللحم الصغيرة بين ذراعيه .. ثم أكمل حديثه: "تركتمونا دون عمل ودون أمل، وركلتمونا بكل ما أوتيتم من قسوة، لتخرجونا من مساحة جد ضئيلة من الحياة. تعدون أموالكم بالآلات، ونعد أيامنا باللقيمات والزفرات. ثم تضربون أيادينا بكل قسوة حين ندس أيادينا المشققة في جيوبكم لننتزع حقنا في الهواء. أين أذهب بأطفالي، ولا عائل لهم سواي؟ وكيف أطعمهم اليوم، وغدا، وبعد غد، ولم تتركوا لنا فتاتا تلقوه في مزارعكم للطيور المهاجرة؟ دلني أيها النبيل على طريق يحتمل أقدامنا المتعبة، أو على بلاد لا تضيق بأنفاسنا اللاهبة؟"
بين الفينة والفينة، كان اللص الشريف يرفع طرف كمه ليجفف دموعه المتلاحقه، وحين رفع رأسه، وجد السيد رادزوان جاثيا على ركبتيه أمامه، يستعطفه والدموع تبلل شاربه ولحيته. وقف الرجلان، وتعانقا طويلا، ثم جلسا جنبا إلى جنب على أريكة وثيرة في مكتب مدير المتجر. وبعد لحظات، تكوم في يد الرجل ما يسد رمق أسرته أسبوعا على أقل تقدير. وخرج الرجل بأكياس ملأى بما لذ وطاب من قسم المأكولات بصحبة طفله دون أن تدوي صفارات الإنذار. وفي مطلع الأسبوع المقبل يتسلم السيد لوبين وظيفة تليق بإنسانيته في متجر دخله منذ قليل بغرض السرقة.
لكن إندونيسيا المكتظة بآلام الفقراء لن تقنعها تلك النهاية، وإن كانت طوباوية سعيدة، ولن تترك مصائر أبنائها بين أيادي أصحاب المتاجر الواسعة، ليصفحوا عمن يشاءون أو ليضربوا رءوس من يشاءون. تحتاج إندونيسيا إلى حاكم بقامة أرسين ورحمة رادزوان لتخرج الفقراء من غياهب الحزن إلى رحابة الإنسانية، لتنتزع وبكل قوة ما سرقه الأثرياء والإقطاعيون من حصة الفقراء في وطن أصبحوا عبئا فوق ترابه. تحتاح إندونيسيا إلى يد لا تتردد في اقتحام جيوب الأغنياء، لتعيد ثروات الوطن إلى أناس اضطرتهم الحياة إلى دس حقوقهم المشروعة تحت آباطهم هروبا من صفارات إنذار لا ترحم.
عبد الرازق أحمد الشاعر
[email protected]



#عبد_الرازق_أحمد_الشاعر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43 ...
- اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
- ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران- ...
- 80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع ...
- بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب ...
- مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند ...
- كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت ...
- إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
- هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف ...
- كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرازق أحمد الشاعر - صفارات الإنذار