|
بعد بيان الزرقاوي...سقوط نظرية -إبحث عن المستفيد-!
باتر محمد علي وردم
الحوار المتمدن-العدد: 1384 - 2005 / 11 / 20 - 09:58
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
بالرغم من الكذب الصارخ والعقلية الإجرامية التي تميز بها بيان الزرقاوي الأخير، فإنه يجب أن يكون مفيدا لنا جميعا لأنه يساهم وإلى الأبد في إسقاط نظرية، أو وهم "إبحث عن المستفيد" والذي كان يسيطر على عقلية غالبية الشارع الأردني والعربي وحتى مجموعة من النخبة السياسية والمثقفين في محاولاتهم لتفسير، وتبرير جرائم تنظيم القاعدة.
بعد ارتكاب كل العمليات الإرهابية والجرائم "الزرقاوية- القاعدية" ضد المدنيين الأبرياء في نيويورك ومدريد وبالي والرياض والمغرب وشرم الشيخ وكل أرجاء العراق وأخيرا عمان، كان التفسير المفضل لدى غالبية الناس ونسبة عالية من المثقفين والسياسيين والإعلاميين يدعي أن "المستفيد" من العمليات هي الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل تشويه سمعة الإسلام والمقاومة، وأنه لا يمكن للمسلمين أن يرتكبوا هذه الجريمة. نفس هذا التفسير كان يؤكد أن الزرقاوي هو أسطورة وهمية صنعتها الولايات المتحدة لتكون ذريعة لبقاء الاحتلال في العراق وأيضا، وبكل تأكيد لتشويه صورة المسلمين، مستندين في ذلك إلى تصريحات كولن باول المبالغ بها أمام مجلس الأمن قبل عملية غزو العراق.
والغريب أن البيانات المتتالية للقاعدة بعد كل عملية، والتبجح المريض بها لم يكن يقنع الناس بأن هذا التنظيم الإجرامي هو الذي يرتكب هذه الأعمال بسبب عقليته التكفيرية، وبقي الاعتقاد السائد أن الولايات المتحدة والموساد هي وراء كل مشكلة، بل أنه في كل حالات التفجيرات الإرهابية يتم الإدعاء بأن الموساد كان على علم بها، وهذا يعني أن الموساد هو الذي يخطط لها إذا، وقد تكرر هذا التفسير في عمليات نيويورك وبالي وعمان على الأخص. وفي الواقع لا يمكن أن نلوم عامة الناس على ترويجهم لهذا التفسير عندما نستمع ونقرأ تصريحات قيادي نقابي مهم في الأردن وهو يؤكد أن الولايات المتحدة واستخباراتها هي التي تبث بيانات القاعدة على الإنترنت!
بناء على هذا التفسير فقد قام الزرقاوي بتسجيل بيانه الأخير في مقر وكالة الاستخبارات الأميركية، ووجه مجموعة من الأكاذيب حول الجريمة الأخيرة في عمان، بهدف التغطية على الفاعل الحقيقي وهو الموساد الإسرائيلي الذي من المفترض أن يكون قد جند أبا عميرة وأم عميرة والمجرمان الآخران لتنفيذ هذه العملية ضد الفنادق الأردنية والأعراس، بهدف ضرب الاقتصاد الأردني وقتل المواطنين الأردنيين وتخويفهم للابتعاد عن هذه المواقع، خاصة وأنها تتضمن مواقع لعقد اجتماعات استخباراتية كان يستهدفها تنظيم القاعدة، عفوا يستهدفها الموساد حسب تفسير المؤامرة. وهكذا لم نعد نفهم هذا اللغز، ونتمنى من المقتنعين بهذه النظرية أن يساعدونا على الإجابة على بعض الأسئلة.
إذا كان الموساد والاستخبارات الأميركية هم الذين خططوا لهذه العملية وكل عمليات القاعدة الإجرامية فما هو دور الزرقاوي وبن لادن في هذا السياق؟ هناك تفسيران لا ثالث لهما. أول هذه التفسيرات أن تنظيم القاعدة هو أفضل عميل للولايات المتحدة وإسرائيل وهو أداة في يد استخباراتها ينفذ كل ما يؤمر به من قبل بوش وشارون. التفسير الثاني أن تنظيم القاعدة مهترئ بالاختراقات الأمنية من الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية بحيث يتم خداع هذا التنظيم وكوادره للقيام بهذه العمليات الإجرامية التي تخدم المصلحة الإسرائيلية والأميركية. وفي هاتين الحالتين، كيف يعقل أن يواصل المسلمون تأييدهم أو حتى تفهمهم لدوافع تنظيم القاعدة في ارتكاب الجرائم ضد المدنيين؟
الحقيقة التي لا مجال للهروب منها هي أن هذا التفسير واهم وسطحي وسخيف، ومن المؤسف أن يستمر البعض في ترويج هذا التفسير وأن يتم العمل على توجيه أصابع الاتهام إلى جهات غير التي ارتكبت الجريمة. نحن نعلم تماما بأن أجهزة الاستخبارات الأميركية والموساد ارتكبت العديد من الجرائم ضد العرب والمسلمين، ولكن في حال صدقنا أنها المسؤولة عن أعمال تنظيم القاعدة فكيف يمكن أن يجمع البعض ما بين شتم الولايات المتحدة وتأييد العمليات الإرهابية واعتبارها جهادا في سبيل الإسلام. أن هذه الحالة من انفصام الشخصية بحاجة إلى أن تنتهي تماما وأن نعرف بأن تنظيم القاعدة يرتكب هذه الجرائم نتيجة فكر مشوه وتكفيري يشكل خطورة هائلة على كل مواطن عربي ومسلم، ولا بد من مواجهة هذا الفكر ضمن حرب شاملة على التكفير والإرهاب والتوقف عن خداع الناس بإعطاء صكوك براءة لهذا الفكر من دماء المسلمين.
ولنعد إلى بيان الزرقاوي، والذي نعلم جميعا في الأردن أنه كاذب ومتهافت، ولكن الحاجة ماسة إلى أن يتم الإعلان رسميا عن كافة التفاصيل المتعلقة بالعملية إلى العرب والمسلمين وكل العالم، لأن بعض الجهلة أو حتى أصحاب النية الحسنة والإطلاع الضيق قد يصدق بعضا من أكاذيب القاعدة، خاصة الذين يعيشون خارج الأردن.
نحن نعرف تماما أن المجرمين في فندق راديسون ساس استهدفا العرس نفسه، لأن معظم المدعوين والموظفين تذكروا مشاهدة المجرمين وأكدوا على تواجدهما في القاعة، كما أن طبيعة الانفجار والشظايا المعدنية التي انطلقت من الحزام الناسف اخترقت أجساد الضحايا بمسار أفقي وليس عموديا، وانهيار السقف جزئيا تم بفعل التفجيرات في الصالة نفسها حيث رأينا جميعا دماء على سقف الصالة نتيجة الانفجار من داخلها وتطاير الشظايا، ولا يمكن أن تكون هناك دماء وأشلاء على سقف القاعدة في حال التفجير بقنبلة موضوعة على السقف أو انهيار السقف على الناس.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الزرقاوي لم يوضح لنا، على افتراض أننا جميعا حمقى وسذج، كيف كان أبا عميرة وأم عميرة سيدخلان إلى الصالة التي فيها الاجتماع الاستخباراتي المزعوم، وهل سيكونان عناصر في الاجتماع مثلا أو أن الهيئة التي يحملانها سوف تساعدهما على خداع الأمن ودخول صالة مخصصة لاجتماع ضباط الاستخبارات، علما بأنه لا توجد أية صالة جانبية ملاصقة لصالة العرس أو حتى فوق السقف ولا بد لوسائل الإعلام والأمن أن يظهر التفاصيل الحقيقية حتى لا ينخدع أحد من خارج الأردن بهذه الكذبة.
أما بالنسبة لقضية القواعد العسكرية الأميركية داخل المدن وخارجها فهي كذبة هائلة لا يصدقها أحد في الأردن ولكنها قد تكون منطقية في بعض الدول العربية ومنها القواعد العسكرية الأميركية التي لا تبعد إلا بضعة كيلومترات عن مقر قناة الجزيرة، ولكن من الواضح أن الهدف الرئيسي لهذا البيان هو نشر مجموعة من الأكاذيب التي قد تنقلها وسائل الإعلام إما بسوء نية أو حسن نية وسذاجة، وتساهم في إعطاء تبرير كاذب لهذه الجريمة.
ويدعي بيان الزرقاوي أن الفنادق الأردنية أصبحت مقرات لأجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، بناء على معلومات وثيقة حصل عليها. وإذا كانت هذه المعلومات ومصادرها هي نفسها التي قالت للقاعدة أن ساجدة قد أتمت مهمتها الإجرامية ورافقت زوجها في الانتحار وهي المعلومة التي جعلت التنظيم يصدر بيانه حول وجود أريعة انتحاريين قتلوا جميعا في الجريمة فذها مؤشر على مدى كذب هذه المعلومات. ولكن، دعونا نعود إلى نظرية "من المستفيد" فقد تكون مصادر الزرقاوي والقاعدة هي نفسها الموساد والاستخبارات الأميركية، فيذهب المجرمون لتفجير بعض الأماكن ولكن بالطبع بعد أن تكون هذه المعلومات كاذبة ويختفي ضباط الاستخبارات ويكون الضحايا من المدنيين المسالمين. تفسير سخيف بكل تأكيد ولكنه نتيجة منطقية للمضي قدما في استخدام نظرية من المستفيد.
محاولة القاعدة استدرار تعاطف الأردنيين لن تأتي ثمارها لأن الجميع في هذا البلد أصبحوا موحدين ضد الإرهاب. لن تؤثر فينا دموع التماسيح على الضحايا، لأننا نأمل في أن يكونوا شهداء عند الله سبحانه وتعالى قبل أن يأتينا تنظيم المجرمين ليدعو لهم بالمغرفة، قبل أن يستمر في الإساءة والوقاحة باتهامهم بالفسق والفجور. ولن تثني التهديدات الأردنيين من ارتياد المواقع السياحية والعيش حياة طبيعية تتميز بالتعددية والتسامح والود والذي يجعل هذا البلد مفتوحا أمام جميع السياح والأصدقاء.
نتمنى أن نتوقف عن خداع أنفسنا وأن نصل إلى الشفاء من مرض انفصام الشخصية الذي يفرض علينا البحث عن تبرئة المجرمين والاستناد إلى نظرية المؤامرة. إننا لا نختلف أبدا على وحشية الاحتلال الأميركي والإسرائيلي ولكن مشكلة القاعدة والفكر التكفيري الإرهابي هي مشكلة في سياق الإسلام Within Islam والتأويلات المتطرفة للمفاهيم الإسلامية وليس في الإسلام نفسه كدين متسامح وجذاب لكل العالم، وهذا ما أكده جلالة الملك في كل تصريحاته الواضحة والصريحة في الأسبوع الماضي.
#باتر_محمد_علي_وردم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مواجهة ثقافة الإرهاب تتطلب مناخا من الحريات والمشاركة العامة
-
تفنيد الأوهام العشرة المستخدمة لتبرير الإرهاب!
-
العراقيون أخوة لنا!
-
هل يغسل الدم الأردني الغشاوة عن أعين المتعاطفين مع القاعدة؟
-
أخطاء المثقفين والإعلاميين الأردنيين بحق الشعب العراقي
-
لو أتيح المجال لذهبت في زيارة إلى أوشفتز!
-
الانتخابات العراقية: نحو رؤية الصورة الشاملة!
-
بزنس الدعاية الانتخابية العراقية في الأردن!
-
المهام المقدسة لبوش والزرقاوي!
-
ما هو الإرهاب... في نظر الشارع العربي؟
-
الليبرالي الوطني...والليبرالي المعدل وراثيا!
-
خزعبلات الديجيتال: هل نحن بحاجة إلى - تسونامي- في العقل العر
...
-
الضحايا 80 ألف شخص وألف سائح!
-
البنتاجون يعترف أخيرا: العرب يكرهون سياساتنا، لا حريتنا!
-
ملاحظات -ليبرالية- حول بيان الليبراليين العرب
-
روسيا تنقذ كيوتو: التزام بيئي أم انتهازية اقتصادية- سياسية؟
-
عندما تصل المشاكل إلى هولندا..!!
-
ما هي -القيم الأخلاقية- في المجتمع الأميركي ؟
-
صورة للذكرى...من الإنتخابات الأميركية
-
-المستنقع العراقي- ليس بعيدا عن الأردن!
المزيد.....
-
الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
-
كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا
...
-
شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
-
-حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
-
بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم
...
-
وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
-
إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط
...
-
ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|