|
ديما حسون / تسدد مرامي الشعر بتوليد المشبهات
جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد
(تôôèô ؤôéôم)
الحوار المتمدن-العدد: 5104 - 2016 / 3 / 15 - 12:18
المحور:
الادب والفن
التخصيب المعنوي في قصيدة: " أحرر شمسي ببطء " لاشك أن المبنيّات الحسية عند الشاعرة ديما حسون مكنون فيضها، فقد خلقت في هذا النص روحا اتسمت بالعمق والأصالة والرصانة، ولا أشك أن انصراف الشاعرة إلى إضاءة اللغة بأدوات جديدة غير تلك التي كنا نقرؤها في نصوصها السابقة، بدءا من سياق المجرى الأول، أو ما اسميه بيان الظاهرة الشعرية المزدانة حبكة النظم الثنائي كأسمى تحديث ألا وهو التضاد بعنوان ملقحة "فاعل ومفعول"، كما فعل دانتي عندما احتسب مفهوم "الثالوث" على أنه حالة ذات مجد وهو "البطولة، والحب، والموت" وفي ثنائيات ديما نتلمس توظيفات الرموز وكأن الشاعرة حبلى وقد اكتملت بنية جنينها فحانت ولادته، ومنذ زمن بعيد وأنا أرصد متابعا فنونها الشعرية، خاصة بعد أن وجدتها تنحدر من أصلاب دائرة أدبية تحيط بها، فكانت القصيدة أشبه باشتقاق ينتظر تحرير جناسهِ، وما أن يندلق ذلك الخزين حال فضائه حتى ينتشر الخيال على أوسع مديات التجلي، فأكون أنا الشاعر، وأنت الناقد، وهو القاص والروائي، وهن كذلك، نقرأ نصا فطنا برويته، بحساب استنهاض فكرته المعلومة من غير مباشرةٍ، وربما نغرم بالنص كما يدلنا الوهج الشعري النابض في ثناياه، المضمن بمواءمة فنية تنظم الوحدات الداخلية باسترخاء معيون، لأنه يُطرح ذاته من لدن قناعات مجازاته المصوِّرة، المبنية على مبدأ حساسية الاختلاف، إذ لا يمكننا فصل المحسوس من نداء هجينه الذاتي المُوَلِدْ لغايته المنظومة بعناية تحترف في تقنيتها المنزلة العفوية، وطبعا من خلال فتح واسطة التأويل ودلالاته، التي تكشف عن وحدات المبنى الباطن للمعاني بدءا من سياق قيمتها الفنية المُحكمة بفاعليتها الشعرية، خاصة وأن شعريات ديما منزوعة من نفسها الصادقة الملبية لتحقيق ملمسها التقني، المضاف إليها تخصيص حالتها المعنية بالأسرار والرموز التي تؤكد أحوالها بحسب اختلاف وظيفة نظمها الأقرب إلى ما وُضعت له من دفق أحاسيسها وعاطفتها وتخيلاتها المبنية على تصوير مجتمعها تصويرا عرفانياً، وبالتالي فهي وفي هذه المناقلة المجازية تكون قد خلقت لها شخصية ترتكز على المكان الناجع بمثاليه لا تزيح عنه، لأنه يستحقها وتستحقه، على الأقل إذا أردتُ أن أكون موفقا بحياديتي المعهودة، وذا ما يُوقع تأثير شعرها على أفكاري المنبسطة بفاعلية نصها، والحق يقال أنني معجب بتمام قدرتها التوليدية في هذه القصيدة "أحرر شمسي ببطء". أعترف أن مأثرة استخدام المجاز في هذا النص، يزيد من صعود وظائف فن الخطاب اللغوي تمردا، حيث تستوحي طبيعته حلماً لأمنية الحرية التي يستوحيها النص حتى لا تكون مصباته فصامية، من معيار يمنح موهبة الكتابة الجنون العبقري، المحاكي للانطواء الذاتي، بين صحة التفكير، وعبثية المقاربة المسالة من واقع مؤلم، حيث تختص أفكارها بسيطرة تقارب الرؤى الداخلية على المحاكاة الواقع كما هو، لكي يكون التاريخ شاهدا على منزلة إبداعها الذي يلائم بين المقاربات اللفظية، وبين إحساسات الشاعرة التي تسعر لهيب النظم فتجعله يبلغ النفوس غاياته، ولا أنكر أن هذه القصيدة أثارت بي مثل هكذا لطائف تطرب الجوانح، ولأجل هذا النبوغ الذكي قد سخرت نقدي أن يسرح مع شعرها كما يشتهي النص، وكأن هذا النص الجامع بتشبيهاته فنون المجاز والمستعار المحكم ببلاغته" أحرر شمسي ببطء " على اعتبار أن المراد تأتى من الوحي العاطفي بجواز فصيحه، وليس رغبة بالتمني، فالتمني عند ديما حسون مزاح كي يحرر موعظة لا غير، وهو ذا ما تلمستُ عندها من بعض نصوص سابقة وهي قليلة جدا، تكون فيها البنى الداخلية أشتاتا تميل إلى الخواطر أكثر ما تميل إلى الشاعرية الحسية، التي تتقارب حتى تكاد تدور ضمن أميبيا مضاءة بفطنتها الذاتية. التّدْوار المنثور : التوضيح الذي أود أن أبينه أن ديما كتبت الشعر منذ طفولتها وكانت ترهص في تلك الولادة علامات مستقبل شاعرة سيكون لها الأثر البالغ على الحركة الأدبية العربية، فجاءت مادتها الشعرية أشبه بالتخليق الحياتي المعبر عن بريق مميز وخاص يحترف التجديد في النص النثري، ولا غرابة في هكذا تمييز، فهو ناتج عن افاضة المشاعر التصويرية في مادتها المنسكبة في قرار الواقعية العارية، باعتبارها حقيقة الحياة الخاصة التي توصل ارتباطها بالعام، فعقيدة الشاعرة المتمردة أكملت عندها الشجاعة الأدبية في تحدٍ بالغ الأهمية، فنازعت الحياة بالرفض تارة، والقبول بها تارة أخرى على مبدأ قناعتها هي، وبهذا فهي تمثل مواجهة المصير الغامض لمجتمعها، وخاصة المصير الذي تنتظره الصبايا المراهقات، وأن ديما شاعرة تمتلك الحس الدافئ الذي يتفاعل بالشفقة على بلدها وما يحيط به من لعنات خارجية وداخلية، وقد أبت إلاَّ أن تجعل من نصها الشعري يتنعم بموازين استقرت فيها البهجة والنشاط والمتعة منذ صغر سنها، حيث كان نصها مقبولا من المحيطين بها من أصدقائها، وبهذا عندما نقرأ قصائدها نجدها متصلة بالواقع غير المعيون، لكنها تعلن المجاهرة بصور تعبر عن أدق التفاصيل سواء كان بالمحور المجازي أو من خلال الواقعية المنشطرة، ومهما كان الثمن الذي تدفعه فهو يمكنها أن تغني تجربتها من بقايا حلم سوف يولد، فهي تؤمن بأن الكفاح لتأسيس مجد ما عليها أن تتخذ من المواقف الصلبة الخاصة بها مادة تميزها وتفوقها لتديم استمرارية اشتقاق الصعوبة من جيناتها الخاصة بها، أي أن ولادة النص سواء كان سياسيا أو عاطفيا سيمنحها عنوانا يناسب إعادة الماضي الجميل إلى مكانته، فالشعر هو تكريم تحظى به مكانة الشاعرة للقيمة الغنية التي تَرِثُهَا من نَصِها، وهذا بالتأكيد سيكون مفعولاً تميزهُ مما يريدهُ الوطن أو الحبيب، وتلك فلسفة الشاعرة المعنية بخلق وجود الوطن بنفسها، وكأنها تقول ما قاله النحاة: وقصيدةٍ تأتي البلاغة بحكمةٍ _ قد قُلتُها ليُقال من ذا قالها إذن فديما حسون أحسنت تخصصها بأسلوبيتها التي تعاكس الأوضاع المتخلفة المولدة للفوضى، وتبني مكانة تحمل في ثناياها كل ما عارضه الآخر المتخلف المولد لقهر الإنسانية وغايتهم تدمير مجتمع تطوري أخلاقي يؤمن بحرية الفرد ضمن قوانين تتقدم بتطور علومها. القصيدة: أحرر شمسي ببطء = أغمغم بصوت خافت يثلم الرّوح ضياءٌ منبجس ٌ معمّدٌ بحكايته يميدُ طيفه ُ كسحابة ٍ قبل الشّروق تغمرني سكينةٌ في تضرّعٍ ألامسُ المساء أحرّر شمسي ببطءٍ وألتهمُ البرتقال الصُوفِي وحدي أخطأتُ، صليتُ، وغفرتْ وأنا ..أنا ..الأنا مرآة مغشّاة ٌ تكتنفها الظّلال *** الجذر التوليدي في هذا النص: نحن أمام ظاهرة شعرية تحاول جاهدة أن تماهي المجاز بحقنه شيئا من الواقعية العسرة، ومن أجل هذا نجدها تتطور بتطورات الأحداث المحيطة بها، كونها الجزء الأكثر حيوية بقراءة الحدث، فطابع الانفعالات عند الشاعرة الرومانتيكية تفجر في أعماقها ثورة الرفض لِما يجري في بلدها سوريا التي هي نعمة الشرق، ورفضها يظهر جليا في مواقفها الناقدة للتدخل الأجنبي في بلدها، فقد أدركت بحصافتها وحسها أن تطهير الشعر من التزلف والتقليد الذي لا يجمعه مذهبها الخاص هو خير دليل لنجاحها، وأجدني أمام هذا النص الذي قرأته عشرات المرات، أفكك ذاتي قبل أن أفكك غاياته ومعانيه ومبتغاه وبلاغته الفنية وعقليته الفذة، وأنا أجاهد "ما استطعت إليه سبيلا" أن أضيف إلى تجربتي النقدية شاعرة ستكون علمٌ من أعلام الأدب العربي إذا تواصلت بنفس النشاط وأكثر، لأنها في هذا النص حققت استبدال التعابير المعادة في كثير من القصائد عند الشعراء العرب بتعابير أكثر مجانسة بحسيتها ومتخيلاتها، وهنا يحضرني أزرا باوند الذي عمل على تجديد أسلوب الشعر الأوروبي، ومثيله في المنطقة العربية بدر شاكر السياب، الذي غيَّرَ من البنية الشعرية في القصيدة العربية من الأفقي إلى العمودي وسميت حينها بقصيدة التفعيلة، وفي هذا النص الذي بين سياقات عقلي أجدني مستأنسا وأنا أسبق الكتابة في تحليلاتي وقراءتي في، "أحرر شمسي ببطء" والتحرير هنا هو ما بَيَّنتَهُ في البدء لأنه المضمون القابل للتغيير والتجديد، وحرف "باء" حرف مضاف إلى الكلمة، لذا فهو حرف جر مضاف وليس مستقل، وأصل الكلمة بطء والمصدر بَطُؤَ، والمعالجة المقصودة في "بطء" الشاعرة تتمهل وهي ليس على عجل ربما كونها في بداية عمرها، أو هي تطبخ النظم الشعرية باسترخاء جميل يعالج المعنى ويكثر من الترميز والمجاز ويعمق من التأويل عند القارئ، خاصة في قولها.. " أغمغم بصوت خافت / يثلم الرّوح / ضياءٌ منبجسٌ / معمّدٌ بحكايتهِ " تستمر الشاعرة بهدوء التخيَّل والمعالجة بتسليط الضوء على محاكاة الذات الصوفية، وهو مزيج من الأنا الوحيدة المتحررة على انتشار ما يحيط بها، وبين الخراب اللعين بدوافعه السياسية الاجتماعية، لكن أمام كل هذا الخراب العقلي عند الآخرين ما زالت هي تبتسم بصمت نحو ضياء آت تعمده القناعة أي أن الإصباح قادم لا محال، أمًّا الصورة البنيوية التي تساوت فيها الجمل الشعرية على متنها المعني بالتعميد، هو أنَّ القس يقوم في الكنيسة بتعميد الشخص أي يغسله بماء المعمودية، بمعنى ينقيه من كل شائبة مرت بحياة ذلك الشخص، أو نقول عمد الشَّوق فلاناً أي هَدَّهُ، وهي الميزة التي أُجْمِعَتْ في ثيمة "مُعَمَدٌ"، وقولها: "تغمرني سكينةٌ في تضرّعٍ / ألامسُ المساء / أحررُ شمسي ببطءٍ / وألتهمُ البرتقال الصُوفِي / وحدي أخطأتُ، صليتُ، وغفرتْ / وأنا ..أنا ..الأنا / مرآة مغشّاة تكتنفها الظّلال" اتصلت أفكار الشاعرة بتكرار الميلاد الآتي بفاعلية ثيمة "تغمرني" إحساس تطوعه الشاعرة باتجاه يدل على جهة معنى اختيار المكان المعنون في الذات، "أنا.. أنا.. الأنا" هذا يعني أن الشاعرة اردفت التفويض في حسن مساقه المعنوي بالتأكيد على مهارة الذات الشاعرة، ليحرر المعنى من اللبس والتحريف، فهذان ضربان يبسطان المشاعر الحسية في الكشف عن المعنى القائل: "فجئت إلى الزمان بمعزل". أي أن الحكم الاجتماعي قد أختصك دون غيرك من البشر في هكذا سلوك، لأنها الولادة الوحيدة في الدنيا تبنى من لحظتها الخلقية في التكوين، أمّا من حيث مفهوم الدلالة ومذهب التأويل في محاكاتنا لهذا النص، نقول إذا سلَّمنا أنَّه لا بُدَّ من أن الشاعرة تحتاج إلى الإضمار، خاصة إذا اتصف الشعر بمفهومية على معارف اللغة، وفهم فلسفة العروض، أن يكون الفهم حقيقة في بنيته، وهو إسكان ثيمة "أحررُ" في ثيمة "ببطء" حتى تكون الجملة الموحية تأخذ بدلالاتها نحو المقارنة بين تطور بنية المشاعر المجتمعية وبين تطورات إثارة النص لإحساساته التي بالصورة النبيلة، وهذا التلازم يأخذ بتباين التجديد الحاصل في سياق يوحي إلى جمالية التصرف المبني عل أساسه الفهم العام للمحاكاة المعلنة. أمَّا الأفعال التي تبتدأ الجمل وهي: " ألامسُ / أحررُ / ألتهم / أخطأتُ " تسكين للفاعل وتأويله التهكم، وأمَّا المعنى في ما أوردته الشاعرة فذاك هو أنَّ كل ما يحيط بأنا وهو الإشارة إلى الذات العليا، والمقصود بها ما بيني وبين الوطن التي تساقطت جوانبه فأصبحت تتغيّر أحواله، والنداء الذي تطلقه الشاعرة يمثل الرؤية التي تزجها المعاناة في الجسد المنهك، وتعبيرها النسبة في الانتماء إلى الطريق الآمن، أو حال الاستقرار في الأمر الهَيّن، حتى لا يبقى الملك ملكاً، والدكتاتور محافظاً على كرسيَّه، خاصة وأن الاختلاف في المذهب الشعري اشتغلت عليه الشاعرة بتمعن تحسد على تركيباته المحاط باستحضار تظاهرات الصورة المضادة. أشتعلُ : فاعل ٌ ومفعول ٌ سائس ٌ وقصاب ٌ إله ٌ وجلّاد ٌ غربانٌ وقساوسة ٌ ووحدي سوداء اللّون أجراس ٌ أجراس ونوافذ صمّاء والبحر ينازع من مخاضه يلد ُ هكذا تبدأ الحياة *** لعل افضل ما تضمنته هذه القصيدة بتراكيبها الحسيَّة هو تخليق الهتاف الرابط بين مباعد التثوير العاطفي الحاصل في أشكال تعودت على رؤيتها، وبين الفنون الحاصلة في ثقافتها، التي أجدها واضحة في لغتها، ومسلكها الشعري، المأخوذ على مباهج ترفع أسلوبها الى التخصيص النوعي، ولعل أبرز ميزات الشاعرة نقرأها في محاكاتها الدقيقة للصورة التي تخلقها هي على اختلاف أسرارها، وتجيب عليها على اعتبار أن الرمز الذي تؤكد عليه يلتبس احيانا على القارئ، وكأننا أمام خلق فني غامض يوحي بروحانيته، وقولها: " فاعل ومفعول / سائس وقصاب / إله وجلاد / غربان وقساوسة / ووحدي سوداء اللون " الاحساس بخيبة الأمل يوحي بمرارة لا تخفى تعابيرها، فيكون حاصلها انتاجا توليدا ذاتيا يعبر عن مضمار قد يبان وقد يصعب عند القارئ من القراءة الأولى أو الثالثة، ولكني أجد الشاعرة وهبت قدراتها الفنية بتحسين أحوال النظم في فنياتها وخاصة في هذه القصيدة الهامة، متخذةً اتجاهاً جديداً نتبين منه كيف أنها بدأت تعالج مشاكل النحو في قصائد سابقة فجاء هذا النص أوضح ببنيته ودورانه الملقح بوحداته المتصلة ببعضها، والصور تتوزع بإحساسها العميق على هدف تروم لأن تكون حصيلته موصولة إلى القارئ، بوحدة متكاملة المعنى والتجنيس، خاصة في بنيته الداخلية، ولا أغالي إذا قلت أن قصيدة " أحرر شمسي ببطء " شكلت لديما توثيقا شعريا مميزا. قولها: فاعل ومفعول، في الفاعل نمهد إلى شأن الضمير لأن التقدير هنا يصاحب الفعل المشار إليه بقرين ما يقتضي حصول الشيء، وهو يتحمل الاطراد، والتضمير، والمشار إليه بموصول الحالة، أنّ ما عنته الشاعرة بالفاعل، هو من يقوم بالمباشرة في كل أبعادها، يقول يحيى بن حمزة: "من حق العامل أن أن يكون سابقا على معموله*". وأمَّا المفعول هو من جاز تقديمه الأصغاء والتلقي والمطابقة، فيكون الفعل كناية يتقبلها المفعول كقول البحتري: " شجو حُسّادهِ وغيظُ عِداهُ – أن يرى مبصرٌ ويسمع واعي". تستمر الرؤية واضحة في الجمل التي تلي الفاعل والمفعول بالتضاد الحاصل في المعنى مثل "إله وجلاد" وأجد أن الشاعرة عملت على تخصيص الإتيان بالإفادة، أي أنها تجمع الأضداد في سياق تضمين واحد، لكي تغني حاصل تفوق الدلالة في بيان الصورة. وقولها "هكذا تبدأ الحياة" هذا لأن الصراع استفعال حاصل في قياسات المعنى كقول عمر بن أبي ربيعة: تهيم إلى نعمٍ فلا الشمل جامعٌ - ولا الحبلُ موصولاٌ ولا أنتَ تقصرُ أشتاقُ : زهرة ٌ ومقصّ طفلة ٌ وإمرأة نورٌ وظلمة وبيتٌ مقامر أفكاري حرّة وطرطورٌ عسلي يرقص فوق شاهدتي تتفّتح عين ثالثة لأجلك موتي هلامٌ من الماء وساعة من الصّراخ وأنتَ طائر يلعب بطقسي وعقيدتي *** وسرعان ما تبسط الشاعرة المتشبهات المتضادة بعكس جنسها كما نقول: ماء، ونار، أو نحلة، وجرادة، والفرق ملموس بين المحسوس منه وغير ذلك، وغاية الشاعرة هو النقد العاطفي المنبثق من الذات المتهيئة لِمّا تفرزه تخيّلات الأمر بصيغة جواب الآخر، لأن الظن بالخلاف على ما هو علية يكون ناتجه تصغير الشيء لطرف معين، وفي حالة أخرى علو شأنه لطرف آخر، أمّا إذا كان التوظيف يدل على بلاغة لا تخفي نوعها فهذا غير مذموم، لأنها أي الشاعرة أنزلت المشابهة المتضادة من دلو حسن الكلام، كونها خلقت الصورة المشبهة بالواقع على اعتبارها تصويراً لحقيقة المتشبهات حتى يتوهم القارئ على أن هذا التخليق معني بالقريب منها وهو مراد الشاعرة، فإذا قلنا المقصود من هكذا تحويرات علاجية مقصودة معانيها بالنية والتأكيد، هذا يعني أن التأكيد على الدلالة أمر معني بمضمونها وظاهرها، من محسوسات روحية تنزع شرنقتها وتبسطها للحياة العامة، فيكون التأكيد لازماً للمعني وملاءم في ظاهره، فيصبح معناه وكأنه مقروء على جهة التصوير، لأن مقاربة الألفاظ لتوظيف الائتلاف الذي يجمع وحدة المعاني ببعضها، خاصة إذا كانت المعاني تدور بوحداتها بين الجمل ولا تترك وراءها نقصاً أو عيوباً، لأنها إنما تسلط الضوء على حالة ترمها الشاعرة بتأني يحترز سياق المجازات العبثية المخزونة بمراميها التي تؤسس لضبط التأويل الناتج من ما يعنيه التصرف الذكي على ما هو وارد على جهة الإقناع. أمَّا من جهة ما ذهبت إليه الشاعرة من توليفات عاطفية ممتدة الظنون بإقامة الحد على البرهان العقلي ليكون الرأي لازما على جهة أمّا الاستحالة، أو التقريب المنزه بقولها: "لأجلك موتي" أو "ساعة من الصراخ" أو "طائر يلعب بطقسي وعقيدتي". فالمجرى الأول الذي أسميته نطاح المتضادات تحت عنوان تأويل الظواهر المقرونة مع ضدها من سياق مادتها، سواء كانت تلك المادة مخالفة لغايتها أو تتفق بشيء منها بحذرٍ، وهنا يتجه الفارق إلى التطرق إلى ما هو معيون على جهة التصوير الحاصل بوارد ضبطه ومسعاه، لأن الشعر يقتله التخصيص كقول الشاعرة "وأنتَ طائر" أو بجمل شبيه من ذلك. ذات الحب وذات اللعنة وذات نفسي شؤون خالق حبل سرّته مخبأ في صوته أتقرأ ؟ من ينظّفها كلمات هنا ترقد تنجب نفسها تجاهد.. تتوحد مولوّلة تذعن ُ وكالدّراويش أرقص معها في حلقة ذكْرٍ رنتها تغني : غير آهلة للقسمة روح وجسد ٌ في دخانه أكتب وأحترقُ . أنا تصيرني هذه القصيدة، أتصدقُ أيها الناقد إنك مختار للتعليق عليها، حتى نقدها في المكان الذي أخذت الشاعرة به تسامر الجمل مرأى البصيرة بمرأى حقيقة الشيء وكأنه ذو صورة تستطيب القارئ، ما أنْ تكتمل ولادتها بسائر أنواع علم البديع التي تحتاج إليها الصورة الحسْيَّة، ولي أن أقول أنَّ ديما تهبُ الخلقَ بما أشاء الشعر هبة لمن يشاء قراءة فاحصة، فالسعي الصوتي في بنيات النص يقيم على الإشارات بحذر خاصيته هي لعبة الجنون المتضمنة متخيلات الأحاسيس في الصور المشاعرية الظاهرة بتعابير جماليتها، بدءا من سقاء جذرها التوليدي المحرر لغايات تطلق المعنى المُحَوَّلْ من شهوة حدسيات تتدفق من ينبوع الشاعرة نحو القارئ المثقف، أو ذاك الذي يقرأ بوعي أدبي يجر النص باتجاه قناعاته التي تريد إعادة التحديث والعبور به إلى الذات المتخيلة على أنَّ هذا النص يعنيها، وقارئ يحاول أن يصل بفلسفته ذات المنشأ الذي يصطدم دائما بأن هذا النظم غير نظم يعتد به، أو نص فقير لم يصل به إلى المرفأ الآمن، خاصة إذا كانت الجمل توزعت غاياتها وتعددت أشكالها، فكان لكل جملة شعرية قلمها المستورد من خارج حدود الشاعر، فإذا كان القلم يمثل الرأي السلبي وليس الرأي باتجاه تعدد الأفكار الصالحة لبناء النص. إذن الذي أرادته الشاعرة ديما ليس كل ما أراده الأغلب الأعم وهنا سر نجاح القصيدة، التي تعتمد معالجة التعريف لأن يكون دالاً بمضمونه على معنى يثبت الدلالة على الظاهر المشار إليه بتثمين حالتين حققت للاستعارة مبتغاها الفصيح، وهو المفهوم البلاغي الذي تبسطه نصوص ديما حسون، وإذ تجدني أتناول هذا النص بمفرده تجدني في الوقت ذاته دالاً على ما يضعني بين أدق سياقات هذا النسيج الشعري المتوازن، وبين ناقد آخر. خاصة وأنني ألاحق وبدقة سياقات الصوت في محاسن اللفظ، فلو خرصنا التركيبات البينية التي يتلاحق معناها كالخطى الموزونة بدقة فعالياتها الإيقاعية لوجدنا أنَّ الشاعرة حريصة جدا على المعنى من خلال استحكام أدواتها المهيبة في تجليها المتصاعد بنيته، ومثال قولها: " كالدّراويش أرقص معها في حلقة ذكْرٍ / رنتها تغني / غير آهلة للقسمة / روح وجسد / في دخانه أكتب وأحترقُ." لا جدل في أن لكل قصيدة شعرية لها حضورها لزمن ربما مستقرٍ وربما زائلٍ، قد يكون الغرض غير منقوص، بل ثابت على أصوله، بفاعلية خصوصيات تعبر عن ذوقها ومقاييسها الجمالية، فالتشكيل الذي أحدثته هذه الصور إنها تصب بمعية مفهوم تعريف التثبيت الشرطي، والمقصود في هذه التأشير هو الاقناع بأن الشاعرة لا تريد تحقيق الانحراف عن منطقها الثابت، والرأي المعنون على أن لكل شاعر أو شاعرة دستور يعني بالفنية الخاصة، لأن القلم يعبر ويوحي إلى الخط الواقع في الإيمان الإبداعي، فالقلم توليدي لسن القانون المعرفي الذي يحكم تشريعات النص، وفي هذا القصيدة قولة تظهر أكثر مما تبطن، خاصة وأنَّ استعارة ثيمة "الدراويش" لها قيمة تاريخية في التعبير عن الدلالات التي تختص بالمعنى المُعَرَفُ بدواعيه الامتاعية في المناعة التي حددتها بقولها "في دخانه أكتب واحترق" لأن الرد على الرفض هو التمني أن يرضينا الدخان ويغيبنا، خاصة وأن وجود ثيمة " أحترق " احكمت الدلالة من باب تحقيق التعدي على الواقع بحساب المعنى بتجاذباته النوعية. 1- الشاعرة ديما حسون سورية من مدينة اللاذقية كتبت الشعر منذ طفولتها.
#جعفر_كمال (هاشتاغ)
تôôèô_ؤôéôم#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحب
-
نداء أم
-
الأيروتيك الحرام
-
دموع هاشم
-
العلوية
-
شمس الضحى
-
الفتوى الجبرينية
-
فم الملائكة
-
عبدالباقي شنان في: تخصيص تحكم الذات، بمساق تفاعل الإلحاق
-
التداني بين الذات ، والتدبير السردي
-
الشاعر صادق الصائغ / يعزز من توليد الاستشراف الصوتي / بدال ا
...
-
الحكومة
-
جِفَتْ
-
هي وهو وبرج بابل
-
ما المنتهى، وبعد
-
الشعر النسوي العربي بين التقليد والإبداع الفصل التاسع
-
بين هي وهو
-
منو أنتِ
-
رأسي -كَلاَّ- كرة قدم
-
من قلب آمرلي*
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|