أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أثير محمد شهاب - حوار مع الناقد والروائي العراقي المبدع سلام عبود















المزيد.....


حوار مع الناقد والروائي العراقي المبدع سلام عبود


أثير محمد شهاب

الحوار المتمدن-العدد: 1383 - 2005 / 11 / 19 - 15:29
المحور: مقابلات و حوارات
    


سلام عبود: سرقت الغربة أجمل مصادر خيالي
حوار مع الناقد والروائي العراقي المبدع سلام عبودد. أثير محمد شهاب•
قررت أن لا أصحح حادث إعدام القاص حميد المختار عند إعادة طبع كتابي.•
لم يكن المنفى رحلة سياحية كما توهم كتاب الحرب، ولم يكن مجرد مسدس وهمي، كما قال سامي مهدي ومقلدوه.•
سرقت الغربة مني أكثر من ثلاثين عاما، سرقت لغة أبنائي، سرقت دقات قلبي، سرقت أجمل مصادر خيالي.•
في المنفى أرغموني على معرفة أن هويتي هي أنني معيدي، عراقي، عربي، شرقي، مسلم، وابن لعالم ضارب في القدم.
حاوره د.أثير محمد شهاب:
تقف تجربة الناقد العراقي سلام عبود في مقدمة التجارب العراقية النقدية المهمة في العصر الحديث، كونه استطاع وبتفكيره وفحصه الدقيقين ان يشخّص ثقافة العنف في العراق،مستندا الى الكثير من الادلة والوثائق التي تكشف عهر الممارسة، وهو بذلك يؤسس لمفهوم سيصبح -بعد ذلك- مفهوما لا يحتاج الى دليل لانه واضح للعيان... سيما ما يحدث اليوم في العالم باسره من اعمال ارهابية تجعل كل انسان في قفص الاتهام، ويخيل إليّ ان كشف الثقافة (( ثقافة العنف بالدليل )) اكثر نبلا من كشفها بلا دليل، من هذا فنحن اولاد دجلة والفرات نقف بفخر واعتزاز لنصفق لناقدنا الذي انصف جيله وشعبه بكلمات لن نستطيع – بعد هذا اليوم – تدوينها او تذكرها، لاننا في زمن مفخخ... تحية لك ايها الجميل.... له من الكتب:- نشوء وتطور القصة في اليمن.-سماء من حجر.-الإله الأعور - غزل سويدي.-العودة الى آل ازيرج.-أمير الأقحوان.-ضباب أفريقي.-جريمة من أجل التلاؤم.-ذبابة القيامة.-ثقافة العنف في العراق.-خطوات على البحر الميت.-يمامة.- زهرة الرازقي.- خطوات على البحر الميت.
*
اغمضت عينيّ بهدوء، ثم قلت له: من انت ؟ اجاب بلا تردد، والمرارة ظاهرة على وجهه: - ولدت في مدينة العمارة عام 1950. تخرجت من كلية الآداب جامعة بغداد عام 1971. تتلمذت على فكر ألمع أكاديميي العراق: المخزومي والطاهر والسامرائي وصلاح خالص. عملت مدرسا في ثانوية علي الغربي، وعند قيام جبهة التحالف مع البعث أضطررت الى مغادرة العراق بسبب إلحاح جهاز الأمن في ملاحقتي. الصديقان اللذان سهلا مهمة إنقاذي بإلقائي في برية "المنفى": كاظم طوفان وعبد الحسين علي استشهدا معا في بشتآشان على يد قوات الاتحاد الوطني وحلفائهم. سافرت الى بيروت ثم الى عدن وهناك عملت مدرسا ضمن البعثة الكويتية. ثم عملت في مركز البحوث التربوية. طردت من اليمن الى أثيوبيا، بتهمة تنظيم انشقاق ضد قوى سياسية عارضنا تحالفها مع البعث. غادرت الى الإمارات، وهناك تمت مطاردتي من قبل جهاز استخبارات النظام العراقي فأعادتني الحكومة اليمنية الى عدن. بعد سلسلة من المقالات الانتقادية اشتد حصار جهاز المخابرات عليّ وعلى عائلتي بما في ذلك أطفالي. فقد جردوهم من جوازات سفرهم وطردوا ابنتي من روضة الأطفال، وجرى التضييق عليّ في العمل والسكن وفي إجراءات الإقامة وحتى في رخصة قيادة السيارة، الى حد أنني لم أجد ملفي الشخصي في وزارة التربية. سألني نائب وزير التربية، نيابة عن وزير التربية، الذي هو مديري لعدة سنوات في مركز البحوث: من أنت؟ فأجبته: كيف أعرف وأنا بلا ملف! وسافرت متخليا عن حقوق الغربة كلها.ألقى بنا الحظ في السويد، حيث لا نزال نقيم، ومن حسن الحظ أن مملكة السويد زودتنا بوثائق سويدية تجيب عن سؤال نائب وزير التربية.
ولحرارة جمله التي تنم عن صعوبة مواقف ومرارة حياة، سألته.... لكي انقل كلامه من فضاء الحزن الى ساحة الابداع .... وماذا قدمتَ للحياة؟ قال لي: اسمح لي أن أعدل صيغة السؤال، فأجعلها: ماذا قدمت لنفسك؟ قلت له: حسنا: - بصرف النظر عن حجم إسهامي الأدبي، فإن أهم ما قدمته لنفسي هو أنني أخلصت لها بعناد شديد. لم أساوم فردا أو مؤسسة، لم أحابي حزبا أو حكومة، لم اتكئ على كيان طائفي أو عرقي. شققت طريقي الى الأدب منفردا، وسط حصار مرعب، وصل في بعض الأحيان الى مستويات لا معقولة. فأنا أحد الذين أبت أغلب الصحف، وأقصد صحف المعارضة العراقية، أن تنشر حتى إعلانا عن صدور كتبي. وربما يكون هذا هو أنبل وأفضل ما قدمته. أما على صعيد الأدب، فأنا العراقي الوحيد الذي خرج من تجربة اليمن بعدد من الكتب والعديد من الدراسات، التي تعد تأسيسيّة في الأدب اليمني، ومنها كتابي "نشوء وتطور القصة في اليمن". إضافة الى إسهامي في تطوير المناهج الدراسية.لقد حالفني الحظ أسوة بكثيرين غيري في الإفادة من فسحة الحرية في المنفى، فأنتجت عددا من الكتب في النقد والرواية، لكنني بقيت محافظا على روح الباحث عن الحقيقة، فكانت روايتي "سماء من حجر" أول عمل روائي عراقي برؤية واضحة معادية للحرب. ورواية "الإله الأعور" عمل أدبي مبكرفي تطور فهم إشكالية المنفى المعقدة. وربما تكون رواية "يمامة" من الاعمال الروائية العراقية النادرة التي تتناول التاريخ ( سقوط دولة الخلافة في قرطبة)، وهو ميل ضعيف لدى العراقيين. و"ذبابة القيامة" كانت توثيقا لحقبة فاصلة من تاريخ العراق ستمتد آثارها لترسم ملامح الوطن الآن ولمرحلة طويلة قادمة.أما كتاب "ثقافة العنف"، فهو محاولة لمواجهة الدكتاتورية وثقافتها بصراحة مطلقة لا تقبل التأويل.لدي نتاجات أكثر أهمية لم تنشر بعد. ذلك ما قدمته لنفسي، وربما يكون بعضه يخص الحياة أيضا.
ثقافة العنف* مما يزعج القلب في هذه الايام تحول اعمال العنف في العراق من الفعل المضمر والمغيّب (عن العالم العربي) إبان النظام السابق الى المكشوف في العهد الديمقراطي الجديد.... من ذلك قلت لصاحب كتاب ثقافة العنف: لعل المطلع على أعمالك سيما ثقافة العنف سيدرك – تماما - حساسية المعالجة في كشف الأفعال المضمرة لثقافة العنف، دوافع البحث في هذه الإشكالية؟- ثقافة العنف ثقافة مكشوفة، وفي أحوال كثيرة تكون خالية من الاضمار. بيد أن طول عمر الكارثة، وتداخل عناصر الواقع بسبب عوامل متنوعة، جعلت الموقف الثقافي معقدا الى حد الاختلاط. لقد حاولت أن أميط اللثام عن قضية أساسية، وهي قضية أخلاقية أكثر منها فنية، ألا وهي قضية الموقف الشخصي للأديب في عالم ظالم، بالغ الشراسة. ما سبل التأقلم التي يمارسها الأديب في هذا الوسط القاتل؟ كنت أود أن يكون الى جانبي أحد ما، ولو كان فردا، يدعم جهدي البحثي بإضافات تعزز وتقوي دراستي وربما تكشف خبايا كثيرة أخرى من ذلك الواقع المأساوي. لكن ذلك لم يحدث، لأن الميول التشهيرية والكيدية والضغينة أقوى لدينا من الميل البحثي والتحليلي العلمي الخالص. وتلك واحدة من رواسب الثقافات الفاسدة. كانت حياة المنفى تتيح ظهور غير عمل أدبي يتناول ظواهر ثقافية شتى، بسبب فسحة الحرية، لكن الحياة أثبتت أن الإنسان لا يكون حرا بحق ما لم يدرك حريته بنفسه ويتخذ منها منهجا للأعمال لا للأقوال.* ولكي ادقق بشكل مفصل في حساسية المصطلح وتشظيه، قلت له: وهل تعتقد بأن إشكالية العنف ما تزال فاعلة في الثقافة العراقية بعد التغيير؟-ربما أرى ما هو أكثر من ذلك. فأنا اعتقد – وهذا اعتقادي كباحث، ولا صلة له برأي السياسيين- أن تداعي سلطة الدكتاتور أدت، بفعل عوامل خارجية، الى تهديم مركزية العنف المحلي ممثلة بالدكتاتور وأجهزته القمعية. وبدلا من ذلك نشأ تدويل للعنف، فتحول الوطن، بصرف النظر عن كون ذلك مخططا أو عفويا، الى مشروع للعولمة العنفية، حيث جرى تحويل العراق الى ساحة للتقاتل الدولي: تقاتل الستراتيجيات السياسية وتقاتل منظومات الأفكار. فأخذ العنف بعدا دوليا استقطابيا بعد أن كان محليا أو إقليميا. أما ما يتعلق بأجهزة العنف فقد أدى كسر مركزية العنف واحتكار مؤسساته الى نشوء عدد كبير من أجهزة العنف في هيأة قوات أجنبية وعناصر دخيلة وأجهزة مخابرات عالمية وإقليمية وميليشيات قومية وطائفية وفئوية. أي إن العنف خرج من ثوبه المحلي الى صيغة أوسع. وفي مجال الثقافة حدث الأمر ذاته، فقد تحطمت بضربة واحدة المعادلة التقليدية التي سادت لثلاثة عقود: سلطة ظالمة مقابل معارضة باحثة عن حق. لقد تشظى الموقف، وتفتت الثوابت. ورغم أن الانتصار على الدكتاتورية تغيير إيجابي كبير، وحلم قديم لجميع الخيرين، إلا أن ما يحدث الآن هو تنويع وتطوير مذهل ومتسارع لمبادئ وأساليب العنف المادي والثقافي. قيم معروفة وراسخة دخلت فورا في حقل الألغام الثقافي فالتبس الحال على كثيرين: تحرير أم حتلال، مقاومة شريفة أم غير شريفة، ديموقراطية أم إرهاب، حرية أم فوضى، انفصال أم اتحاد، وطن أم طائفة وعرق، نهب أم كسب؟ أنا لا أتحدث بمفهوم السياسيين، أنا أتحدث بالمفهوم الفلسفي التاريخي لموضوع العنف. فأنا أرى الآن تزويرا مروعا للتاريخ، تحول فيه من خدموا بمثابرة وإخلاص في جهاز الحزب والحرب الى شهود موثوقين يتولون مهمة إعادة رواية التاريخ، وما هو مرعب في الأمر أنهم يحظون باحترام المؤسسات الجديدة أو بعض عناصرها. فهل انتصر العقل والضميرحقا؟ هل خطونا بسقوط الصنم نحو الحقيقة أم أننا في مرحلة تلويثها وخلط أوراقها وأورامها؟ يجب أن نكون شجعانا ونقول الحقيقة، مهما كانت جارحة، فالتاريخ لا يغفر لنا جبننا وأنانيتنا، ولن يرحمنا!
*حسنا..... ألا يمكن القول بأن ثقافة العنف فخ للمثقف الهش؟- ثقافة العنف كارثة إنسانية قبل أن تكون فخا لأحد. ومما لا شك فيه أنها مصيدة للضعفاء، طبقا لنظرية سيادة القوة، التي تغنّى بها أدباء الحروب من العراقيين. لكن القوة، كشر غاشم، لها مقدرة عالية على خنق الضعفاء والأقوياء على حد سواء. إن العاصم الوحيد من براثن القوة وعنفها الثقافي والمادي هو الضمير، ولا شيء سوى الضمير.وأعني بالضمير هنا: الإيمان الصادق بالإنسان، بالوطن، بالخير.لذلك يتوجب على المجتمع إعادة تأهيل أجياله الراهنة، بإعادة إعمار الذات الوطنية على قواعد ثابتة قوامها العدالة والتسامح والمشاركة الإيجابية في صناعة حياتهم الجديدة.
.
*ومن هو المؤهل – برأيك - للتصدي لثقافة العنف؟-المؤهل هو من يمتلك وعيا أخلاقيا للعالم وضميرا حيا. والمؤهل هو من يجد في نفسه الشجاعة على الاعتراف بقسطة من رحلة الخراب، وفي الأخير هو من لا يريد الإختباء خلف غيمة النسيان. فحينما ننسى سنحكم على أنفسنا بإعادة تجربة الماضي. سنعيدها علنا وبدون رحمة.
*يميل الناقد سلام عبود الى كتابة فن الرواية، ما الذي دفعك الى ثقافة العنف؟ - أول موضوع نقدي لي كان عن رواية"تلك الشمس كنت أحبها" لعبد الستار ناصر، نشر في مجلة الثقافة عام 1970. ولكن قبل ذلك بدأت بكتابة الرواية والقصة القصيرة إضافة الى ممارسة الكتابة الصحافية. كانت اليمن محطة مهمة لي، فيها انجزت كتاب نشوء وتطور القصة في اليمن، وعددا من البحوث الأدبية والسياسية التاريخية. كتاب ثقافة العنف كان ضرورة نفسية لدي كفرد، بقدر أهميته كضرورة أخلاقية ومعرفية وطنيا. وأعني بالنفسي هنا، أنني كنت أريد أن أتحدى ذاتي وأتحدى كتاب المؤسسة السياسية العاطلين. *كيف تقيم تجربة المنفى؟ ابداعيا؟ انسانيا؟- المنفى لا يختلف عن الوطن من الناحيتين الإنسانية والإبداعية. فالخراب قد يحل هنا وهناك، والشر لا حدود له ولا آباء، وباعة ومسوقو الجهل ولصوص الثقافة وعرفاؤها موجودون في المكانين، بنفس القدر. ولكن رغم ذلك أنتج المنفى ثقافة بديلية لثقافة السلطة الديكتاتورية، هي ثقافة الاتجاهات الديموقراطية. وأنتج وتلاقح المثقف المنفي بشكل مثمر مع الثقافات الأخرى، وهذا ما نراه في الانتاج الثقافي وفي التبادل الثقافي. لكن السياسيين على العكس من ذلك، لم يفيدوا من المهجر، وربما يكونون قد اكتسبوا أوهاما وحماقات جديدة. لقد ألحق المنفى ضررا كبيرا بالسياسيين، لكنه أعاننا على كشف خوائهم وسطحيتهم. لذلك فأنا أرى أن تأثير الثقافة، وعلى وجه التحديد الأدب والفنون والعلوم، سيكون عظيما في رسم هوية العراق، ولكن بعد حين. سيظهر هذا الأثر قويا حينما يعم الاستقرار وحينما يتمكن الوطن من اكتشاف ثروة المهجر الثقافية الحقيقية، وليس ما هو مبتذل منها.
* ولكي يجيبني عن معاناته في المنفى بشكل اعمق، قلت له: دائما …. وفي كل الاحيان … نردد مقولة الامام علي – عليه السلام – المال في الغربة وطن – ( على ما اذكر ) ماذا قدمت لك الغربة؟ - سرقت الغربة مني أكثر من ثلاثين عاما، سرقت لغة أبنائي، سرقت دقات قلبي، سرقت أجمل مصادر خيالي. لكنها من جانب آخر منحتني الإيمان المطلق بنفسي، كما أنها سمحت لي أن أدرب نفسي عمليا على الاستقلال وعلى تعلم مفردات العدالة والحق والإيمان بالإنسان وعلى مواجهة الشر منفردا، أعزل. في المنفى أرغموني على معرفة أن هويتي هي أنني معيدي، عراقي، عربي، شرقي، مسلم، وابن لعالم ضارب في القدم. لم يكن المنفى رحلة سياحية كما توهم كتاب الحرب، ولم يكن مجرد مسدس وهمي، كما قال سامي مهدي ومقلدوه، ولم يكن رحلة بحث عن لجوء سياسي أو إنساني. كان المنفى، لدى كثيرين، امتدادا شرسا لقسوة الداخل.وإذا كان المال يعني الثروة، فإن ثروتي الوحيدة، ككاتب وإنسان،هي حلمي الدائم بعراق عادل، مسالم، متواضع.
* بكيت في سري، ثم قلت له، وكيف تقيم تجربتك في الغربة؟ اجابني:- أصدرت في الغربة عددا من الروايات والمجموعات القصصية والكتب النقدية، ولي دراسات مهمة ستجد طريقها الى النور قريبا. لا أعرف إن كان هذا من محاسن الغربة أم من مساوئها.
* تحولت- بعد ذلك- الى البحث في إشكالية ( المنفى * الغربة )، قلت له: ومتى يصح لنا ان نسمي الغربة منفى؟ - حينما يجبرك سوط الجلاد على ترك مسقط رأسك، سواء غادرته الى منفى عصري بارد كالسويد أو غادرته مرغما الى زرباطية أو السماوة القريبتين فأنت منفي.
ومن هو المؤهل لان يسمى بالمنفي؟
- من أجل أن نسمي المنفي لا بد لنا أن نسمي المنفى باسمه. وأنا أرى أن المنفى كلمة لقيطة، لا وطن لها. كلمة يستخدمها تجار الموت وتجار الحياة، يستخدمها الهاربون من موتهم والهاربون الى حتفهم، يستخدمها لصوص الحياة ويستخدمها الباحثون عن فجر شاحب لحياة أخرى غامضة. فالمنفي هو ابن هذا التبعثر الوجودي والسياسي.
*وما الوصايا التي تقدمها لمثقفي الداخل؟- لا أملك وصايا لأحد. لكنني أوصي نفسي لو عدت يوما لأكون جزءا من ما يعرف بـ "مثقفي الداخل" بأن أكون وفيا لنفسي، وبإن لا أكون جزءا من ثقافة القطيع، وأن أكون مستقلا عن أبوة المؤسسة، مهما كانت درجة طهرها.
*ثمة رد (وجهه) القاص عبد الستار ناصر بشأن ذكر قتل القاص حميد المختار في كتابك، هل يدل هذا على ان اغلب المعلومات الواردة في كتابك لا تستند الى الحقائق؟- طالما أننا نتحدث عن محاكمة التاريخ، فأنا أفضل أن نستبعد عبد الستار ناصر عن المناقشة، لكي لا يلحق به وبالموضوع وبالثقافة أذى، فهو مريض كما علمت ويستحق منا الدعاء له بالخير.لم يكن كتابي مخصصا للحديث عن حادثة موت حميد المختار، بل كان مكرسا للحديث عن موت ثلاثة أجيال من أبناء الشعب. وبين هذا وذاك فرق عظيم. ربما سيدهشك لو قلت لك أنني قررت أن لا أصحح حادث إعدام المختار عند إعادة طبع كتابي. فهذا الحادث وثيقة مهمة تعكس اضطراب المفاهيم وتضارب المصادر، وبشاعة الواقع. وحميد يعرف أكثر من أي شخص آخر تفاصيل هذا الموضوع، فقد تحدث عن ذلك في مقابلة مع الفيحاء بتاريخ 25- 11- 2004. وأنا لا أستبعد أن يكون الأمر جزءا من مهارات جهاز القمع. لذلك أود الاحتفاظ بهذا الخطأ التاريخي كدليل حسي على تنوع سبل البطش في نظام شمولي مغلق. أما مصادري البحثية فقد استندت الى شهود عيان وخبراء أكدوا الأمر(!) إضافة الى أصدقاء عاطفيين طيبين لم يتأخروا في إقامة المآتم. لذلك فهذا الحاث مثال أصيل وحي مأخوذ من ثقافة العنف وتناقضاتها الظاهرة والمضمرة. لقد تناقل خبر إعدام المختار المهاجرون العراقيون الجدد. راجع مجلة "ألواح"، العدد 11-2001، على سبيل المثال لا الحصر. أما أول مرة سمعت فيها خبر موت المختار بتفاصيله التي رويتها فكان عن طريق عدنان الصائغ.
* للمطلع على الثقافة العراقية سيجد المواقف متباينة بين شخص واخر، ولعل موقف الشاعر العراقي سعدي يوسف مما يحدث في العراق دلالة واضحة على اختلاف وجهات النظر. اجدك في بعض المقالات التي نشرتها بصدد الدفاع عن مواقف سعدي يوسف منحازا الى الفكرة نفسها التي انطلق منها سعدي، ماذا تقول في ذلك؟ -أرجو أن لا نتوقف كثيرا عند الأمور الشخصية، وأن لا ننغمر في لعبة الأفراد، فننقل عدوى السياسيين الى جسد الثقافة. لكنني سأجيبك لأرضي فضول بعض القراء لأن هذا الأمر، في نظري، موضوع وطني وليس شخصيا، وهو أحد أخطر الظواهرالثقافية، التي كان يراد تعميمها في مرحلة ما بعد سقوط الصنم: فوضى القيم والمفاهيم والأخلاقيات. أولا أنا لم أنشر سوى رد واحد، يتيم، لا يصح تسميته مقالة ثقافية على الإطلاق، حذفت منه صحيفة الصباح أغلب العبارات والجمل التي تخالف سياستها. وثانيا لا أعرف ما هي الفكرة التي يملكها سعدي يوسف. ما أكثر الأفكار التي يمتلكها سعدي! وثالثا يجد قارئ كتابي ثقافة العنف ملاحظات نقدية عديدة عن سعدي يوسف. أما رابعا فقد تعرض سعدي يوسف الى حملة ظالمة، لم تمس "أفكاره" وإنما ذهبت الى شاعريته والى شخصه، وتلك أمور قبيحة. وحينما تكرر الهجوم، وحينما خصصت نشرة الكترونية... حملة تجميع كتابات ضد سعدي وصل عددها الى عشرات التعليقات، كما قالت النشرة مفاخرة، نادى بعضها "بدق مسمار في نعش المدعو سعدي"،اتضح بجلاء للجميع أن هناك حملة لدق المسامير وصناعة النعوش والإسقاط الشخصي يقوم بها أفراد متخصصون في فن الإسقاط الأخلاقي والسياسي وفق خطط معدة سلفا. فالموضوع لا يخص سعدي يوسف أوغيره من الأدباء، لأن الرائحة الكريهة ذاتها التي سممت حياة السياب يعاد بعثها هنا حرفيا. أما أنا فقد اعتبرتها جزءا من ثقافة مرحلة الاحتلال وبعض مظاهر امتداد ثقافة العنف. ففي نظري لكل مرحلة تاريخية ثقافتها المميزة. لا أريد التحدث عن هذا الأمر كثيرا لأنه أمر فاسد تم حسمه في حينه،آمل أن يكون درسا لنا جميعا، لكي لا يعود أحد الى ممارسة حرفة الإيذاء الشخصي. ومن الضروري الإشارة الى أن هذه النشرة الالكترونية قامت بمسح حملتها ضد سعدي يوسف من ارشيفها عقب ردي، خشية من العواقب القانونية المترتبة على مثل هذا السلوك العدواني. فنحن هنا أمام إجرام شخصي متعمد. وهذا ما أسميته بالثقافة الجديدة الوافدة، ثقافة فوضى القيم، التي هي في جوهرها تسطيح وتتفيه للثقافة ولقيم الخير والجمال والحق.
* في نهاية الحديث الذي حمل الكثير من الحزن والخيبة والخذلان ونكران الذات، سألته: هل من كلمة اخيرة؟ - حينما ننسى الماضي نكون مرغمين على إعادة إنتاج خسائره الفادحة مرة بعد أخرى.



#أثير_محمد_شهاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد ...
- الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي ...
- فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
- آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
- حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن ...
- مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
- رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار ...
- وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع ...
- -أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أثير محمد شهاب - حوار مع الناقد والروائي العراقي المبدع سلام عبود