|
قراءة في -شامة سلطانة الحكما- للزجال المغربي :أنس لحلو
نجية نميلي ( أم عائشة)
الحوار المتمدن-العدد: 5102 - 2016 / 3 / 13 - 20:46
المحور:
الادب والفن
أنا شامة زينة الشامة النحلة الصايلة ف بحور الحكمة جايلة .. بهذا المقطع استهلّ الزجال المغربي :" أنس لحلو" قصيدته "شامة سلطانة الحكما"( الجذبة الأولى) ص/ 47 من ديوانه " طاح الميزان" حيث يضعنا من بداية القصيدة أمام " شامتين" شامة : العلم المؤنث ، الاسم الذي كانت تسمى به منذ القديم بعض الفتيات تبرّكا بدلالته التي منها التقدير والتحبب حتى يقال لها : "هي شامة بين الناس" أي عالية الهمّة ومميزة كالشامة التي يخالف لونها لون سائر البدن وتكون مستحبة ولاسيما في الوجه . ويبدو أن الشاعر هنا يستحضرقصيدة المرحوم التهامي المدغري ، حين ربط الشامة بالنحلة "شامة"وحين نعتها ب " الصايلة الجايلة" في إشارة إلى وظيفتها الرئيسية صنع العسل وإنتاجه بعد تلقيح الزهور ، وبمعنى آخر فهي نحلة تصول وتجول ..نحلة معطاءة مقتدرة ! .. ثم يسترسل في التعريف ب" شامة" على لسانها وهي تقول : شيوخ الملحون يعرفوني خيار الملوك كرموني ف شحال من هُ شان شاوروني سلطان الفن من زمان ناداني عرف قيمتي وهواني ب وصيتو هل الغيوان رصدوني وبنغام الهجهوج حضروني .. من خلال هذا المقطع يستحضرالزجال لحلو معلومة تاريخية متعلقة ب " النحلة شامة" كقصيدة زجلية قديمة من فن الملحون أُعجب بها "سلطان الفن" الراحل المغفور له الحسن الثاني و كان قد اقترحها على ناس الغيوان لتأديتها بأنغام " الهجهوج" وكأن مايربط الأنغام بالهجهوج هو مايربط النحل بالزهور فالنتيجة عند كلّ منهما لذيذة وممتعة. وبعد هذا التقديم المتمثل في تعريف شامة بنفسها ، تنتقل بنا " سلطانة الحُكما" إلى إثارة موضوع بالغ الأهمية قائلة : غلطوا اللي كالو: رجوعي غير منامة راه لعسل كرمو ربي وقادر يبعث الروح ف السبع ولحمامة. جيوشي جرّارة ، عازمة تلقّح النبتة العاصية حبّة لمحنّة وعز لحكامة . في هذا المقطع ، تظهر النحلة شامخة صامدة في وجه من اعتبرها غائبة أو مغيّبة ، حيث تُعْلمهم بأنهم أخطأوا في تقديرقيمتها ، فلئن غابت فيها الروح لحظة فالله قادر أن يبعثها من جديد ، لتنتج ماهو" فيه شفاء للناس" ..مؤكدة على مواصلة جهدها وجيوشها في تلقيح تلك النبتة العاصية نبتة " الحنان والحكامة أو الحكمة" ..في إشارة بليغة من الزجال لحلو إلى غياب " المحبة والحكمة " بين الناس. .. ويستمر الزجال لحلو على لسان " شامة" في الرد على منتقديها بالحجج حيث يقول: غلطواللي كالوا: الشهدة بنيتها بلا فن بلا عُلما راه النحلة تجيب قوتها بالخط ولفهاما. فبالنسبة لكيفية تخطيط بناء النحل لخليته ،لا أحد يعرف بالتحديد ذلك وإن كانت هناك بعض الآراء التي تعزي بناء الخلية إلى قياس الأبعاد بواسطة الامتداد بين ساقي النحل الأماميتين حينما ينشر الشمع بفكه الأسفل. ف " شامة " هنا تفند مزاعم من يقول: إنها تبني خلية العسل بدون هندسة أو فن وإتقان .. غلطوا اللي كالو: ولاد النحلة يكبروبلا عساس والشهدة ما عندها زُعما راه المال السايب يعلّم السرقة وقلة الشهاما وتستمر" شامة" في دحض مزاعمهم والدفاع عن أولادها مؤكدة أنهم تحت رعاية زعماء محافظين على نظام وطنهم وأمنه ..ولولا ذلك لما تحقق لهم الاستقرار ولََتعرضوا لسرقة أمنهم وسلامهم تماما مثل المال الذي يتعرض للسرقة إذا فقد المراقبة والمحاسبة. بعد ذلك ينتقل بنا الزجال أنس لحلو إلى توجيه خطاب مباشر إلى فئة معينة بضمير المخاطب المفرد قائلا: خوفي عليك يا لواكل حقك فوق الشبعة وزدتيه حق ليتاما وعلى هدوك اللي مشاو ومافكروا ف أجيال خنقها الاحتباس والعولمة وهو خطاب يحمل في طياته تحذيرا قويا لكل من يسرق أموال الناس بالباطل خاصة" أموال اليتامى" ، وكل من يحولها إلى الخارج دون التفكير في الأجيال التي تعيش داخل الوطن اختناقات العولمة والظروف الصعبة..مقدِّما لهذه الفئة " الفاسدة" مثالا عن النحلة حيث يقول : سبحان من جعل النحلة ترعى نوّارة وجناحها تلقّح مياة نوارة ونوارة . فالمتأمل في " النحلة الشغالة " التي تجمع الرحيق وحبوب اللقاح ، والتي تخرج للبحث عن مصادر الغذاء بكل همة ونشاط يدرك عظمة الخالق الذي ألهمها وهداها لأن تكون مصدرإسعاد الناس. فكيف لا يستفيد هؤلاء من " النحلة" التي تتغذى وتغذي الآخرين؟! وهدي معاني رويها يا لبيب وسال... على النحلة شامة سُلطانة لحُكما، مابغيتك تجرّع كاس الندامة مابغيت فوضى ف لبطاح لحساب هنا خير لي وليك من غدّا يوم القيامة. أخيرا ،يختتم الزجال أنس لحلوقصيدته الزجلية بتوجيه النصح والإرشاد إلى المتلقي اللبيب ،مطالبا إياه أن يستفيد من الدروس والعبر من " السلطانة شامة" ، قصد اجتناب تجرع كأس المرارة والندم ، فالفوضى طريق للهلاك والدمار ومن الواجب محاسبة النفس والرجوع إلى الصواب قبل الانتقال إلى الدار الآخرة. فمن هو هذا الآخر الذي يخشى عليه الزجال من الندم ؟ هل هو فرد أو مجموعة من أفراد ؟ هل هي فئة تتقلد منصب زعامة ما ؟ وتتنصل من مسؤوليتها وتخالف نداء الضمير والواجب ؟ وما الذي دفع الزجال أنس لحلو لوضع مقارنة بين زمانين مختلفين : ماضي النحلة شامة بأنغام الهجهوج وحاضرها في ظل الاحتباس والعولمة؟ وهكذا و لِما يتوشّح به هذا النص الزجلي من محرضات للتناول القرائي ، حاولتُ قدر الإمكان الغوص في جنان بوحه ، والإمساك ببعض تلابيب فنيّته وبلاغته. لقد اكتشفتُ عند التأمل في كل مقطع من هذه القصيدة معنى جديدا ذا سمات خاصة ، وكأنه ملخص لتفاعل سيكولوجي لتجربة معينة، إذ يتم في المقطع الأول التعريف بالنحلة " شامة" اعتمادا على عملها الدؤوب الذي أوحى الله به إليها ﴿-;-وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾-;- النحل: 68 وكأن اعتماد الزجال أنس لحلو على هذه الحشرة للبوح انتقاء كانتقاء النحل على مايقع عليه .. وبالتالي فهو يهيئ الأرضية الهادئة النظيفة التي اختارها بلقطة من نشاط النحلة قبل أن يضيف إلى نشاطها قدر مكانتها في الموروث الثقافي -الفني المغربي باستحضار تجربة ناس الغيوان مع قصيدة المرحوم التهامي المدغري ..مضْفيا عليها صفات المكرّمة، الحكيمة ،المرصودة و الحاضرة دوما.. وقبل أن ينتقل الزجال إلى نزع الأقنعة وفضح شيء من الواقع ،نراه يسلك أسلوبا حجاجيا في قراءة نقاشية مع الآخر ..الآخر الذي يطلق أحكامه الجاهزة لتوريطك لا لتطويرك . فنراه " يُغَلّطُ" فئة معينة تقول بما لاتعلم ..وتنعم بالنقد لأجل النقد وليس للمصلحة العامة، وتنسى أو تتناسى الجانب الايجابي فيك. و إذا كان النحل من نوع الحشرات التي لاتهيج وتُفسد كالجراد والزنابير ، وإذا كان يبني خلاياه بعيدة عن متناول الأيدي حتى لايتأذى أحد ، فكيف يسمح الإنسان لنفسه بإذاية أخيه الإنسان فيسلبه ماله ويسرقه راحته ؟! وكيف لايبني الإنسان لنفسه خليات من المحبة والتعاون الجماعي للارتقاء به كإنسان ذي كرامة ؟! ولأجل توعية الآخر وتعريته ، نجد الزجال أنس لحلو يصور المشهد بطريقة فنية جميلة معتمدة على المثل الشعبي تارة : (راه المال السايب يعلّم السرقة ) وعلى التحسروالتأسف تارة أخرى، لاسيّما ونحن في زمن العولمة والتكنولوجيا: (وعلى هدوك اللي مشاو ومافكروا ف أجيال خنقها الاحتباس والعولمة) فالنحل يعمل ويثابر طوال يومه غير متبرم ولاشاك ، محافظا على نسله، مضحيا بنفسه من أجل تشييد خليته ، مقدما للإنسان أجمل صور للتبصر والاقتداء وكأن الخلاص الذي يأمله الزجال أنس لحلو ، يتمثل في روح المحبة والتلاحم الجماعي وفي الفهم والعلم ( حبّة لمحنّة ) (بالخط ولفهاما)( أجيال ) ويتقاطع في المعنى مع ماجاء في الحديث الشريف : "مثل المؤمن كمثل النحلة أَكلت طيبا ووضعت طيبا ووقعت فلم تُكسِر ولم تُفسِد "مسند الإمام أحمد. ... لايسعني في نهاية هذه القراءة المتواضعة ، إلاّ أن أنوّه بديوان " طاح الميزان" الذي اقتطفتُ منه هذه القصيدة الماتعة ، والذي يحمل بين دفّتيه نصوصا قادرة على الحياة أكثر. -------------- نجية نميلي ( أم عائشة) في فاس :2016/03/13
#نجية_نميلي_(_أم_عائشة) (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصصي القصيرة جدا 18
-
محمد خالدي و- قفلة خائنة-
-
نص ( طاقة) لعبد الله الواحدي تحت مجهرالسعيد ابن سعيد على صفح
...
-
قصصي القصيرة جدا 17
-
حوار مفتوح مع الأديبة المغربية :سعاد بني أخي على الرابطة الم
...
-
قصتي القصيرة جدا تحت مجهر قراء الرابطة المغربية
-
قصة قصيرة جدا تحت مجهر القراء على صفحة الرابطة المغربية
-
صمت عينيك
-
من وحي - صورة- على صفحة الرابطة المغربية للقصة القصيرة جدا(3
...
-
قصص قصيرة جدا 16
-
رثاء ضحايا وادي الشراط بقصص قصيرة جدا على صفحة الرابطة المغر
...
-
من وحي - صورة- على صفحة الرابطة المغربية للقصة القصيرة جدا(2
...
-
آراء حول قصتي القصيرة جدا ( حفنتان)
-
قصتي القصيرة جدا تحت مجهر - ورشة أقلام - على صفحة الرابطة ال
...
-
صورة وقصة قصيرة جدا
-
النوع الأدبي بين النشوء والارتقاء حول الخطإ المنهجي والخطيئة
...
-
-من وحي صورة-على صفحة الرابطة المغربية للقصة القصيرة جدا
-
وردة
-
مغاربة وأشقاء عرب يكتبون قصصا قصيرة جدا عن أطفال فاجعة طانطا
...
-
نص تحت مجهر النقد (تصميم) للكاتبة المغربية /نجية نميلى(أم عا
...
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|