|
نهاية اليسار الشيوعي في روايتي (ريم وعيون الاخرين ) و (عصا الساحر ) للكاتب عباس الحداد
عباس عبد جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 5101 - 2016 / 3 / 12 - 21:37
المحور:
الادب والفن
نهاية اليسار الشيوعي في روايتي : " ريم وعيون الآخرين" و"عصا الساحر" عباس عبد جاسم
إختار عباس الحداد في روايتي " ريم وعيون الآخرين"(1) و" عصا الساحر"(2) نهاية اليسار الشيوعي الذي وقع في " فخ التاريخ " و" فخ الحقيقة المهزومة "(3) كمواضعة روائية لمتخيّل سياسي، لا يخلو من التطابق الحرفي بين السرد والواقعية. وقبل أن نتحقق مما تبقى من اليسار، وما لم يتبق منه ، ينبغي " فصل اليسار عن الماركسية أو فك الارتباط بينهما ، فاليسار عمل مفتوح ، والماركسية مذهب أو نظام مغلق".(4) كما ينبغي تحديد ما المقصود باليسار؟ فاليسار نزعة راديكالية قائمة على رفض الواقع القائم والتمرّد عليه بصيغة التطلع الى تغييره بالواقع الممكن، وبذا فالمقصود باليسار ، هو " مَنْ يحمل برنامج تغيير اجتماعي في اتجاه قيم يسارية ، ومنها العلمانية " . (5) وإن كان المقصود باليسار هو الشيوعية المطبقة في التاريخ ، بمعنى نظام من الانظمة، فإننا قد شهدنا نهاية الشيوعية في التاريخ ، بعد أن تخلّت عنها روح العصر ، ولم تعد تمتلك أية " حقيقة جوهرية أو عقلية ".(6) إذن ما الذي تبقّى من اليسار العربي ؟ يقول الطاهر لبيب : " إن أغلب مَنْ ساروا باليسار أو سار بهم غيّروا مساراتهم الى ضفاف أخرى. السياسة التي لها قدرة احتواء بالإغراء واستيعاب الخبرة مسلوبة من فكرها. والدين الذي عرف هجرة ً إليه ، هجرة بلا عودة . ثم الإعلام الذي يجيد لحاجته صنع " مثقفين " عابرين في ثقافة عابرة " . (7) ولكن متى انتهت الأحزاب الشيوعية ؟ وكيف تمثّلت الرواية العربية – (نهاية الشيوعية)؟ لقد " إنتهت الأحزاب الشيوعية العربية تاريخياً قبل أن تأتي نهايتها الزمنية، وسقطت فعلياً قبل أن تسقط فكرة الاشتراكية على المستوى العالمي لاحقاً. فوفقاً لرواية غالب هلسا " الروائيون" وهي وثيقة تاريخية في شكل روائي، إنتهت الشيوعية في مصر في منتصف ستينيات القرن الماضي. ووفقاً لرواية وثيقة أخرى هي" اللاز" للطاهر وطار ، فقد قُوِض الحزب الشيوعي الجزائري قبل مجيء دولة الاستقلال ، ولم تكن الحالة مختلفة في السودان والعراق وبلدان أخرى".(8) وإزاء ذلك، كيف فكّكت روائية عباس الحداد: اليسار الشيوعي في صعوده السياسي وسقوطه التاريخي؟ على الرغم من أن روائية " ريم وعيون الآخرين " و"عصا الساحر" لم تتحرّر من سجن الواقعية في إعادة تشكيل الواقع، فإنها دفعت بواقعية ( الوثيقة والمفكّرة والذاكرة والسيرة) نحو مستويات متحرّكة من التخييل بين جدار وآخر من سجن هذه الواقعية. لهذا تميّزت روائية عباس الحداد بقوة حيوية النقد الروائي لليسار الشيوعي، ليس لأن مصدر هذه القوة : يكمن في كيفية تفكيك المنطق الداخلي المهزوم لليسار الشيوعي ، وانما في كيفية تجاوز الالتزام الآيديولوجي بالحزب الشيوعي لصالح حرية الالتزام باليسار الجديد في نقد وتفكيك طاقة الخطأ السياسي، وبذا كانت آيديولوجيا اليسار الشيوعي الذي تتحّدث عنه هذه الروائية جزء من تشكل هذه الروائية بالأساس. وقبل ملاحظة ومعاينة " ما تبقى من اليسار" في " ريم وعيون الأخرين – 2011 " و " مالم يتبق منه " في" عصا الساحر – 2014 " نوجِّه عناية القارئ الى أن الرواية الثانية إمتداد للرواية الأولى، غير أن المسافة الروائية والزمنية بينهما، دالّة على جيل جديد رافض لليسار الشيوعي القائم، ومتمرّد عليه بقوة التوجّه نحو الاختلاف معه ، وهذا ما تكشف عنه هذه الروائية، وما تضمره في آن. ونوجِّه عناية القارئ أيضاً الى أن هذه الروائية أقرب الى مطابقة الواقع منها الى التخييل، بدلالة الموجّه القرائي الذي لا يدع لهواجس التخييل أن تتحول الى دلالات عائمة خارج الواقعية ، وخاصة في (الكلمة) التي بدأت بها رواية " ريم وعيون الآخرين": "هذه الرواية.. هي مزيج مقصود من الخيال والواقع، وإذا وجد أي شبه بين شخصياتها أو أسمائهم وبين أناس حقيقيين أو أسمائهم ، فلن يكون ذلك محض صدفة ". ص5 من هنا تبتدئ اللعبة في رواية " ريم وعيون الآخرين " من حيث تنتهي بـ " الميت فوق التل" : - " انتهت اللعبة " ص 151 ثم ينكسر الإحساس باللانهاية : - " اللعبة لم تنته ِ " ص 152 لتبتدئ بمرحلة جديدة ما بعد الانهيار في رواية " عصا الساحر " . (كما سنلاحظ ذلك في سياق لاحق) . وتنبثق عن هذه اللعبة بؤر متعددة ، منها : . مفكرة اسماعيل لعام 1978 : وفيها يتطرّق الى " الطريق اللارأسمالي " : - " أذكر أنني كتبت في المفكرة ذات يوم– الطريق اللارأسمالي الذي نسير عليه ، هو الطريق الذي إختاره علي بابا بعد خروجه من المغارة " ص 61 . وإن كانت الرواية قد إكتفت بهذه الإشارة ، فإن " الطريق اللارسمالي " وردت في مقال ماوتسي تونغ (1949) بــ " ديكاتورية الديمقراطية الشعبية " (9) ، كما طرح الكاتب السويدي أركيز شايلد – argueis child ؛ فكرة (الطريق الثالث) ، وفيها جمع مفهومي الليبرالية الاقتصادية والاشتراكية الماركسية بصيغة المزج بين البنية الرأسمالية للسوق الحرة والسياق الكلاسيكي لمفهومات الأمة والتنمية والتضامن الاجتماعي . (10) وقد ظهرت فكرة (الطريق الثالث) أو (الوسط ) نتيجة عوامل عدة ، منها : إختلال توازن القوى الناتج عن إنهيار المنظومة الاشتراكية للاتحاد السوفياتي/هيمنة القطبية الأحادية لأمريكا/ تنامي الوعي السياسي لخطورة سياسات الجات. (11) . ثانيا ً– أوراق سعيد المحامي: وفيها يؤرِّخ لخمس وعشرين سنة ، وهو رجل عاجز، لا يستطيع أن يتكيّف مع الآخرين ، وبنظر أهل القرية " موظف ضيعته السياسة " ص 60 وهو بنظر نفسه " بيدق في جيش مهزوم .. خُذِل عشرات المرات ، إنكسر آلاف الانكسارات " ص 60 وتستدعي أحد أهم أوراق سعيد المحامي– لحظة الانهيار،عندما خاطب الرفيق العجوز رفاقه في القاعة : " تصّرفوا حسب مقدرتكم ، الأمور خرجت من بين أيدينا ، الحليف نقض العهود " – " صاح أبو ريم بصوت مجروح ( تصّرفوا !!) وهذه الناس التي تمشي وراءنا ، ماذا نقول لها ؟ " . ص 26 عند ذلك لملم سعيد أوراقه دون أن يلحظ على وجهه أي تعبير، وقال بعد أن دسّ محفظته الصغيرة بين طيات ملابسه : " الامور لا تنتهي هكذا " ، وخرج دون أن يوّدعنا " . ص 26 في تلك اللحظة بدأ إنهيار الحزب الشيوعي، بعد تاريخ طويل من النضال السياسي والكفاح المسلّح. وخلافا ً لدلالات الرواية ، فإن سعيد المحامي يمتلك دلالة شيوعية حافلة لها مدلول يساري : " أربعة عقود ونحن نتكلم، نصرخ، نهتف بإسقاط الحكومات والديكتاتوريات والفقر والمرض " . ص 63 . ثالثاً – أسطورة التل لقد كسرت( ريم) مع أبيها هادي الصالح ومعهما ( عبيد النشمي) وولده ( صائب ) تابو الخرافات ، فقد تحرّكت باتجاه خرق أسطورة التل وتفكيك الخرافة، وذلك لإستعادة الحياة المسلوبة من الإستبداد ، لأن قضية التل " ليست قضية ريم وصائب ، انها قضية القربة ، قضية المدينة ، قضية بلد بأكمله. لِمَ هذا الصمت !! " ص 141 أي بمعنى تحرير الناس من الخوف والقهر السياسي. إن أسطورة التل ، بنية رمزانية زحزح فيها الكاتب سجن الواقعية ، وفتح المجال لرؤية العالم من القمة الى القاع الاجتماعي. إذن ما الذي تبقى من اليسار الشيوعي بالمعنى السياسي؟ على الرغم من أن سعيد المحامي ، الذي رفض موقف الحزب، هو مَن تبقى من حيوات الحزب ، فإنه " إختفى في مكان لم يُستدل عليه "، ولهذا الاختفاء دلالة على غياب اليسار الشيوعي بغياب المستقبل. ص 26 ومن وسط إنهيار اليقين السياسي لليسار الشيوعي " ريم وعيون الأخرين " ، تبدأ مرحلة ما بعد الإنهيار في " عصا الساحر" ، حيث لم يتبق من اليسار سوى ظلاله الثقافية، لتبدأ الواقعية من جديد بـ " حبس الواقعي في مبدأ واقعيته "(12) تعبيرا ًعن إنسداد الأفق التاريخي. لهذا يمكن ملاحظة ومعاينة الكيفية التي تآكل فيها اليسار الشيوعي من خلال الإزاحات والإبدالات الناجمة عن الرواسب التحتانية: - إنكفاء هشام عبد الله على ذاته من طول صبر وانتظار. - تحوّل حامد الذرب من مناضل الى عاهر سياسي. - تحوّل عبد الرحمن من عدو ّ للطقوس الحسينية الى خادم لها. - تحوّل سميرة عيسى من إمرأة مغتصبة في السجن الى مترجمة للأمريكان . - تحوّل عيسى حنون من منفى الخارج الى منفى الداخل . - تحوّل شاكر من مثقف له وظيفة الى سائق تكسي . ويمكن إختزال هذه المفاتيح الى بؤرة تنبثق عنها فكرة السقوط بأفق أوسع ، حيث يتم التحوّل ما بعد السقوط : من التحرر الى فوبيا الكاتم وفتاوى القتل والتكفير. ومن هؤلاء المثقفين شخصيات يسارية مقهورة، تعاني من الإخصاء والغربة والإهمال والعزلة، لهذا إنتهت الى مصائر بائسة: - (شاكر يُذبح ، والدكتور صادق يموت مخنوقا ًبسلك ناعم ، وثمة ورقة وقعت بيد المحقق ، مكتوبة بخط يد ردئ ، تحذّره من الجلوس في المقهى والافتاء بين الناس ص 156 ، وعيسى حنون ، يبقى حاملا ً جرحه النازف الذي أسمه( سميرة) التي أنكرته ، وهشام عبد الله ، كان كل شئ في نفسه يخمد ، يموت ، ص 66 ). - اذن لم يتبق من اليسار سوى حيوات ميتة بموت الاشتراكية ونهاية الشيوعية. - إحالات (1) عباس الحداد/ ريم وعيون الأخرين/ رواية/ تموز– دمشق/ ط 1/ 2011 (2) عباس الحداد/ عصا الساحر/ رواية/ منشورات للثقافات والفنون والاعلام / بابل / ط 1/ 2014. (3) فيصل درّاج/ ماذا تبقى من هوية اليسار الشيوعي العربي اليوم ؟/ مجلة الآداب/ ع ( 4، 5 ) 2010. (4) ياسين الحاج صالح/ في الواقع لا في النص : أي يسار، وأين وأية سياسات يسارية ؟/ مجلة الآداب / ع ( 6 ، 7 ، 8 ) 2010 . (5) حوار مع جلبير الأشقر: اليسار العربي/ مجلة الآداب/ ع ( 4 ،5 ) 2010 . (6) نهاية الشيوعية– حالية الماركسية/ ندوة " مجلة ماركس الآن"/ ترجمة وتقديم وائل غالي/ الهيئة المصرية/ العامة للكتاب/ القاهرة/ ط 1/ 2006 / ص 32. (7) الطاهر لبيب/ اليسار العربي وإلتباسات النقد الذاتي/ مجلة الآداب/ ع ( 6، 7 ، 8 ) 2010. (8) فيصل درّاج / ماذا تبقى من هوية اليسار الشيوعي العربي اليوم ؟/ مرجع سابق. (9) إلياس مرقص/ الماركسية في عصرنا/ دار الطليعة – بيروت/ ط 1 / 1965/ ص 32. (10) عباس عبد جاسم/ نقطة إبتداء في الحداثة والتحديث والنقد الثقافي / مركز كلاويز الثقافي/ السليمانية / ط 1/ 2012/ ص 108. (11) عباس عبد جاسم/ نقطة إبتداء في الحداثة والتحديث والنقد الثقافي / مرجع سابق / ص 109. (12) جان بودريارد/ التبادل المستحيل/ ترجمة د. جلال بدلة / معابر للنشر والتوزيع/ سوريا/ ط 1/ 2013/ ص 163.
#عباس_عبد_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|