|
!! خيل الحكومة .. لا تموت سريعا
ياسر العدل
الحوار المتمدن-العدد: 1383 - 2005 / 11 / 19 - 07:57
المحور:
كتابات ساخرة
توفرت لدى أسباب زجت بجسدى للانحشار فى طابور موظفى الحكومة، واحتل اسمى أرقاما فى كشوف الماهيات والضرائب والمعاشات والرقابة الإدارية وجمعيات دفن الموتى، مرت سنوات تفهمت فيها صلاحيات الخدمة مع خيل الحكومة، حين تعجز الخيول عن تحسين واقع الجماهير، أصبغ جلدها ببريق الحناء تشبثا بالحيوية، وأجرها من ذيلها دفعا لأى ضجر، وحين تمرض قدراتها عن استيعاب أى تطور، أحشو فمها بنبات ( الظربيح ) أملا فى أن تخرج أمعاءها كل سوء، وفى المرات القليلة التى تصهل فيها من بصيص الصحة، أعلق فى رقبتها أجراس العفة والطهر، دفعا لعيون الشامتين من أصحاب الأملاك والأعمال الحرة. ولأن خيل الحكومة غير مسموح لها بالتذكر، كى تبقى صالحة لجر أى عربة، إلا أن الذكرى التى صحبت عضويتى فى مجلس إدارة هيئة حكومية، ترفع خوفى من أى رصاص قد يطلق عمدا على خيل عجوز. اجتمعت لدى مؤهلات الشخص المطلوب لعضوية مجلس الإدارة، مؤهلات لا تتعلق بالحسب أو النسب، بل هى للعصبية أقرب، ولا تتعلق بالجمال أو حسن الخلق، بل هى للقبح أقرب، ولا تتعلق بالعلم أو الذكاء، بل هى للتبلد أقرب، ولا تتعلق بالغنى أو الفقر، بل هى للشحاذة أقرب، لكل تلك الأسباب تم تعينى عضوا بمجلس الإدارة الموقر، عندها دعوت بالرحمة والمغفرة لأمى التى كثيرا ما توسطت صحن دارنا عارية الرأس، تغطى السماء بالابتهال كى تنصلح أحوالى، وتقضى مصالح العباد على يدى، كانت أمى تسرف فى الدّعاء على أولاد الكلاب، كلما رجعت إليها باكيا كسير الجناح ممزق الثياب، مما ألاقيه فى مجالس أطفال حارتنا من لعبة الطًرّة والوزر، كان وزراء اللعب فى طفولتنا يتسابقون فى جلد أجساد المخالفين بسوط من طرّة القماش. فى اجتماعنا الأول بالمجلس الموقر، لم يسرف رئيس جلسة الأعضاء فى الترحيب بى، وانشغل فى تفحص وجوه الجالسين، ينفث عباب دخان لسيجارة اقترضها من عضو بالمجلس، ورمانى عضو نصف جديد بنظرة ترحيب حالمة، أرسلتها عيونه الشاردة تتقافز حول حديث امرأة بثت روحها تتراقص على أمواج هاتفه النقال، وشد عضو نصف قديم رباطا فاخرا لعنقه، وصلصل بكومة مفاتيح لسيارة فارهة، وأفاق عضو جديد تماما من غفوة نوم، ليذكرنى بمقومات الدعاء المستجاب، وسحب عضو قديم تماما أذنى، لأسمع أحدث نكتة وأحفظ خصائص أدوية الرفع لقدراتى الحيوية المتهافتة، عندئذ تقلص وجودى كعضو حديث نعمة، وأشحت بوجهى عن الآخرين متحسّسا الاضطجاع فى الكرسى المريح، ناظرا فى حوائط القاعة الجرداء من أى فن، والنافرة من أية موسيقى، وحطت عيناى على ابتسامة فى وجه عامل القاعة، ولما سألته عن الكيفية التى دخلت بها طاولة الاجتماعات الكبيرة من باب القاعة الضيق، تقلصت مساحة الابتسام فى عينيه، ومصمص شفتيه متأسيا على حالى، وقدم لى مشروبا مجانيا. فى اجتماعاتنا التالية بالمجلس الموقر، طرحنا للنقاش موضوعات تأبين وسفر وتهنئة وتأييد، وانسربت نصوص موافقاتنا الجماعية جاهزة، يسجلها كاتب المجلس تلقائيا، وحين رفعت يدى متسائلا عن نص أى موافقة، أخبرنى عضو عادى بأننا لا نناقش أموراَ عادية تحتاج منا للتعاطف مع الناس والصمت على هفواتهم، وحين سحبنا الزمن لمناقشة تطوير نظام العمل، وإنشاء مشاريع جديدة، وترقية ابن أحد الزملاء، وفصل إحدى الزميلات، أعلن رئيس الجلسة أنه مرهق بما يحمله من أعباء وأوامر عليا، ووصفنا بأننا مجلس من غلاظ القلوب لا نرحم، وسندفعه لأن يطبّ ساكتا ميتا، لم يكن موت أحد هو المشكلة، لكن المشكلة هى عدم وجود مقابر جاهزة لأعضاء مجلسنا، فهاجم أفكارنا هاجس الموت غير المتوقع، واندفع الجميع يدفعون كاتب المجلس لتسجيل موافقتنا على أى قرار، وحين رفعت يدىّ معترضا، أخبرنى عضو غير عادى بأننا لا نناقش أموراً فوقيّة، تأتى من جهات لن تسمح لأحد أن يضحى بنفسه كى يرفض، ساعتها نظرت للسقف الخالى حالما بسقوط رأس كل من يصدر قرارا لا يفهمه أحد، وأدركت بعض مهام أعضاء مجالس الإدارة، فحين يصبحون هم الفوارس، يركبون خيل الخدمة فى الحكومة، يتمثلون السلطة وسعة الحيلة أمام بعض الجماهير، وحين يستبدلون الدور فى قاع سلم الوظيفة وتركبهم نفس الخيول، يتمثلون العبودية وقلة الحيلة مع كل الجماهير. فى الاجتماعات الأخيرة، تقلص عدد الأعضاء المشاركين فى أى نقاش بمجلسنا الموقر، فراودتنى فكرة إغراء الحاضرين بأن نلعب بالطّرة والوزر، وكانت الفكرة مضيئة وجديرة بالاحترام، فكرة تسمح لى بأن أهرى بالضرب جسد الكثيرين من أعضاء المجالس.
#ياسر_العدل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
!! الجوع .. كافر
-
!!.. عليه العوض
-
ثقافة المقابر..!!
-
!! دوابنا الثقافية
-
!!دكتوراه.. للبيع
-
!!الرقص .. على حافة البئر
-
!!ويغتالون بحر النيل.. يا كبدى
-
البيات الحضارى
-
!!صناعة دماغ.. ثقيلة
-
!!.. للشهامة ضوء أحمر
-
موت إبن الملك
-
موت ابن الملك
-
!!صاحب الهوى.. الديمقراطى
-
!!دراساتنا العليا.. بلا وكسة
-
!! .. موائد اللئام
-
!!التلوث .. بالصمت والأمونيا
-
!! فسادنا .. ثقافة فقر
-
!!.. عملية إختيار مدير عام
-
!! التسعة جنيهات.. ياخرابى
-
!! .. حرب المعيز
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|