أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس مدحت محمد البياتي - لغة العود والحجر --- عنوان كتابي القادم قصص من الموروث الشعبي















المزيد.....



لغة العود والحجر --- عنوان كتابي القادم قصص من الموروث الشعبي


عباس مدحت محمد البياتي

الحوار المتمدن-العدد: 5100 - 2016 / 3 / 11 - 00:01
المحور: الادب والفن
    


لغة العود و الحجر

من موروث الوالدة العزيزة طيب الله ثراها وأدخلها فسيح جناته.

لم يخطر في بال سعيد بأنَّ الأنسة بثينة ؛ ستكون يوما ما خليلته المقربة له. بحيث لن يتغاض عن حسنها وجمالها وذكرها لحظة واحدة, لِما تحمله من صفات حيوية براقة من شباب وخفة دم ولباقة وحذاقة وسحر جمال أخاذ , تجعلها تتربع على قمة الهرم بين نساء المجتمع قاطبة .
تلك الصفات جعلتها كالجبل الشامخ في نظر من يعنيها ، جبل يصعب تسلقه وتخطي حواجزه دون فكر ثاقب .
كلما فكر فيها تجزه نفسه ، تمنعه من محاولة الخطوة أو المجازفة. كأنَّه بقرارة نفسه الخفية قد وضع حاجزا فاصلا يمنعه من الولوج اليها ،أو التدني من صرحها دون أن تفسح له المجال في ذلك .
ربما للارتباك الذي يشعر به حين يهم بنية الاقتراب منها ، أو لضعف ثقته بنفسه, ولقلة تجاربه الميدانية التي مر بها لها دور في ذلك.
ذلك ما أدى إلى تعقد الفكرة في ذهنه وشل إمكاناته الإغرائية ، والحكيمة.
تلك الأمور جمة وقفت حائلا بين رغبته الآنية وتطلعاته المستقبلية.
ربما عقدة الخوف من الفشل المزمع تحيل بينه وبينها, كجدار الفاصل بين الشك واليقين . حيث للفوارق في مجمل المواصفات رأي و قرار .

لكنه ليس قليل شأن أو علم ، فأنه أبن أناس مرموقون , سليل الحسب والنسب والدواوين .
مثلما هي كذلك لها جذور مشرفة تضرب في عمق النساب. أضافة للنسب تتميز بالسحر والجمال والأناقة والرقة واللباقة، فللجسد الممشوق وللتقاسيم الوجه الفستقية التي تتمتع بها ،وأخرى من هيافة ورشاقة وبهاء وطلة ودراية وعقل راجح ، تعطيها المكانة الرفيعة والأولوية بين النساء أجمع .

حاول مرارا أن يقترب من حدود خط النار الأحمر الذي رسمه لنفسه ,والذي جعله خط تأني وحاجزا فصل أمام تطلعاته العاطفية. الحاجز الذي أرغمه على العزوف عن محاولات شتى تجنبا للفشل, خوفا من أن يشل الفكر و تغلق المسارات والطرق المتاحة للتواصل بينه وبينها نهائيا. على الرغم من شحتها ونضوبها .
فهو يكن لها الاحترام المبجل والأجلال ،مثلما تعيره ذلك التقدير والاحترام ،تحت غطاء الصمت المطبق من كلا الطرفين .
لا يود قطع الصلة الخفية بعمل طائش أهوج .
لذا دائما ما كان يضع حلمه نصاب عينيه .
دائما ما يلف خيط التأمل على إبهامه، ليكون دليلا لتتبعه وهيامه .
دائما ما يضع خطوط حية للتواصل القادم . لا يريد بتر تفكيره بهفوة مراهق . رجاحة عقله تمنعه من أي تصرف أهوج , دائما ما كان ينذر نفسه بالكارت الصفر.

تلك الدوامة جرفته إلى وحل الهزيمة ، على الأقل ذلك ما كان يشعر به في قرارة نفسه ،تجنبا للملامة أو الخسارة .
لذا تجنب الخوض في سيرتها أو ذكر اسمها في المحافل العامة والخاصة. فهو لا يبغيها أن ترفع بوجهه الكارت الأحمر ويطرد نهائيا من ساحة التأمل .
محاولاته البائسة حتى لو كانت محصورة في مجال التفكير بها فقط, تمنحه صفة البقاء ودرجة الإحساس بالوجود. على الرغم من أنه جاد في نيته وغايته وأمانيه الغير محدودة .

صار يقف على بعد ثابت من هالة شموخها وثباتها . يترقب اخبارها ، يتأمل فرسه المتأنقة بين حواضن الخيول . يتأملها أن تهفو اليه سرا أو علنا , فهيَّ تفكر به مثلما يفكر بها ، لكن دون علمه ودون علمها .
وعلى مضي سنين لم يتجرأ ان يخاطرها بمشاعره , ولا حتى على سبيل الرسالة, أو على وقع همسة شوق تحملها نسمة من معارفه .
الحرص الزائد والخوف المبجل عوامل ضعفه وهوانه . وقلة الخبرة والتجرد والعفة ,عوامل ساعدت على إيهامه وانكساره .
إضافة لعزة النفس والشموخ والأناة, والرجولة،كلها عوامل ساعدت على هوانه . ما كان يمنعه كان يمنعها من أن تخطو ذات الخطوة نحوه .
إضافة للعوامل التي ذكرت, كان عامل الخجل والعفة تقيدها وتعيق محاولاتها من فتح نافذة الشوق إمام نسائمه العابرة, إضافة لقلة الحيلة. فهي مثله لم تخض تجارب مسبقة . لازال قلبها خام أبيض لم يصبه شائبة . لازالت الطهارة لون أنوثتها البراقة ، مصقولة بالصفاء والبياض والأنوثة والرقة . إضافة للحياء الذي كان يمنعها من المجازفة.
لم تدخل ميدان العشق, لم تخض تجارب مخلة, تحملها سمعتها وعزة نفسها. لذا كانت تقف على بعد من شجرة التأمل دون أن تترجى, أو تتقدم بخطوة لقطف ثمرة السعادة . فلم يكن تسعفها الجرأة ولا الفرصة لتدرك صرح مستقبلها .

مضت الأيام تسابق بعضها ، تمر السنين وتسقط الأرقام من لائحة العمر حتى شعر كل منهما بتخطيه خط الشباب ودخوله لمبتدأ العنوسة .
حينا بعد حين تعظمت المخاوف من شبح العنوسة تلك الآفة التي لا تبقي ولا تذر ما في النفس من بهجة .
كبرت الهوة. صارت الأقدام تسحب ذيولها من ساحة التأمل, باتت تكل من وقفة الانتظار وحيدة في منتصف الطريق . الإرهاق أكل من صحتها وفكرها داخليا .

كان هذا ينطبق على حال الطرفين المعصومين عن الخطأ أو المجازفة، مع شحة المحاولات الجدية من طرف لطرف.
تأملته أن يبادر بخطوة ليخطفها من الغصن قبل أن يحل موسم الخريف ، لكنه تجبب خوفا من الفشل أن يحطم شموخه, يحطم قلبه ومعنوياته دون أن يدرك مناه .
خوف هذا قابل خوف هذا بالصمت المريب ، حتى تقوقعت النفوس وكبرت الهوة على حساب سعادة الطرفين الماجنين .

الخوف وهشاشة الثقة؛ نخرا جسد الصبر حتى تهالك وتبدى، حتى أوشك ظلام البؤس أن يغطي قدميهما بعد أن غطى رأسيهما . فللروتين في صيغة الأيام لون مقيت جرد فكرهما من المبادرة . ما جعل فك العقدة تصاب بالعقم على هوادة .

لم يلتفت إلى نفاد الصبر، ولم يفلت من عقوبة الصمت . غدا للماضي طنين في أذن الذاكرة, لا يدعه أن يرتقي سلم القناعة .
الإحساس بالوقت جلجل الفكر، فأصبح كالمريض الذي أصابته نشوة عافية، يود ان يقبض على صحته.
الزمن يترنح في ساعته الأخيرة، العيون لازالت غافية، نائمة ،لا تبصر الهوان خارج السور .
كان يكفي الغريق أن يصادف غصن تجرفه السيل ليتعلق به، قبل أن يستسلم للغرق .
لم يحاولا أن ينقذا بعضهما البعض . كل رسم لطريقه متاهات جردته من مسلك الطريق العام المستقيم.
الوحدة اللعينة جردتها من التأمل ،بعد أن كلت الانتظار دون أن تجد بصيص أمل في الأفق ، ذلك ما دفعها لتتعلق بأول قشة صادفتها في انحدارها مع تيار العمر.
تزوجت من رجل غريب ،على الرغم من البون الشاسع بين صفاتها وصفاته . كما هو كذلك؛ زجت به الحياة في زيجة غير مقنعة, تزوج من فتاة لا تجمعه بها سولا صفة القرابة. ليعوض الفراغ الذي تركته بثينة في حياته، فتزوج من أبنة عمه .
الزيجة لم تبرج إرادتيهما بفضيلة ما .
تمددت مرحلة الزواج لسنين أخرى بترت شقفة من عمريهما . تعقدت الأمور لكليهما بعد أن ولد لكل منهما ولد، على الرغم من ان الأطراف غير متكافئة وغير قنوعة بسعيها ،وغير سعيدة فيما بينها.
لكن للحظ نصيب وللقدر سلطان . إضافة لاختلاف المشاعر والأفكار والاتجاهات والنوايا والتخطيط للمستقبل . فهو مجبر أن يتحمل زوجته لأنها قريبة منه , فهي أبنة عمه كما أسلفنا . فلا يود أن تنشق شجرة العائلة لنصفين, يكون هو السبب في تحطيم بنيان الأسرة ، هو الملام طوال العمر في الفرقة والعداء .
ففي الريف يستند الشخص على جدران أقربائه وأبناء عمومته ، كي يكون محمي من عوارض خارجية ، يكون في مأمن دائم من الخطر الخارجي .
يكون شامخا , قويا بقوتهم وتوجهاتهم و وجهائهم .
الاختلاف في التوجهات زرع بوادر أنفاصل بين كل طرف من المجموعة الواحدة . إلا أن سعيد تغاضى وتحمل القسوة التي كان يجدها مع زوجته لأسباب القرابة.

فيما بثينة زاد جزعها وضاقت ذرعا بوجود زوجها في حياتها، فكان أشبه بالغصة في لقمة هنية اخطأت في تلقفها .
ما دعاها إلى تغيير سلوكها معه ،أهملته طويلا ، دون أن يتحقق لقاء الليل بين الجسدين . دون أن تعير له اهتماما يذكر بين أهله وبين أهلها، حتى بات يشكي الجفاء منها لأطراف مقربة.
إلا أنه لم يجد مؤازرة من كائن مَنْ كان, وخاصة من طرف أهلها . فالثقة الزائدة من أهلها بها أعطتها استقلالية كاملة . فقال أبوها لزوجها ....
...:لم تصن وردة أهديناها لك , فالقرار لم يعد قرارنا ،بل انتقل وصار عصمة بيدها .
وكان كلامه دليل على قوة ارتباط العائلة فيما بينها ، إلى متانة الأصرة بين أفرادها، فهي تستطيع أن تحتمل الظرف والصعاب وأتخاذ القرار في الوقت المناسب .
فلم يعد يستطع أن يرمم شروخ الجسد ,ولا أن يردم الفجوة التي حصلت بينهما, والتي باتت تكبر يوما بعد يوم حتى غدت واضحة للقاصي والداني .
تلك الفوارق والاختلافات الحاصلة، أدت إلى نشوب فواصل واضحة بين الطرفين، حتى جزعت الآفاق و النفوس من سوادها ، مما أدى إلى وقوع الطلاق الآجل بين الطرفين .
على الرغم من أنها بينونة صغرى, إلا أنها تعتبر الطلقة الأخيرة بالنسبة لبثينة على ما رأت من جزع ومرار في زواجها.
لقد مرت بتجربة مرة عضت من خلالها على أصابعها ، فلن تكرر ذلك في حياتها، بل صارت تبغض الرجال بشكل عام . لن تستطيع إعادة الكرة إلا بعد أن تروض نفسيا وجسديا , وتنسى مأساة وعقدة زواجها الأول .

أخيرا شاع خبر طلاق بثينة من زوجها الغريب. هذا ما سرَّ أصدقائها وصديقاتها المقربين منها من يود لها الهناء والسعادة .
الخيوط التي تقطعت أو أهملت نتيجة انشغالها بزواجها وأمور البيت، رجعت مع لحظة طلاقها . أصبحت في شغل دائم بصاحباتها وأعوانها . يزورنَّها ،يستأنسنَّ بها، يسألنَّ عن صحتها .
باتت تلتقي بهنَّ وتشرح لهنَّ تجربتها، تعضهنَّ على عدم الإسراع في أمورهنَّ ،عدم الرضوخ للظرف المحيط بهنَّ وخاصة في أمر مهم كالزواج .
يجب على الأنسان هو الذي يخلق الظرف ويروض الزمن, قبل أن يستفحل عليه الزمن ، يتسلط عليه ويروضه لغايته .
يجب على كل فرد أن يضع تجارب الآخرين نصاب عينيه، ويأخذ العبر من التجارب المحيطة به.

كانت تلك الأخبار تفرح سعيد (أبو عامر) ،تلك الأخبار جددت في أعماقه الأمل بأن تعود له ويعود لها ولفترة عشقه . فهو لم ينساها قط , تلك الحقبة من بعد زواجهما جرت من أذنيه ،أتعض من تخاذله وبروده السابق .
لذا قرر أن لا يدع الفرصة تفلت من قبضته مرة أخرى ،الندم قد أكل ببطين قلبه ونزف شذرة فكره . الندم قد أيقض عزمه وأصراره من شبك التخاذل الذي مر به.
قرر أن لا يدع للشك موطئ قدم في ظنونه ، يجب أن يكون هو المبادر والحكيم ...لا المتلقي والمنفذ .
قد يتجبب الأنسان للحظة، لكن أن يتجبب لزمن طويل فتلك مصيبة . ها هو قد جرب غيرها ،وقد جربت غيره . تعادلا في الخذلان والمصيبة , كل أخذ حصته من الألم و التعاسة . لا ضير أن يصلحا شأنهما . فهو بحاجة لها و هي بحاجة له .
كلاهما وقع في مطب الكرامة وعزة النفس والخوف من المجهول القادم, كلاهما ذاقا الويل من نفس الصحن, كلاهما ندم على عدم استغلال الفرص كما يجب في حينها ،لأن الفرص لن تكرر نفسها.
لكن --- {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}. صدق الله العظيم.

تطلقت بثينة من زوجها ،أنه فأل حسن ،تفتحت الأبواب مرة أخرى أمام ناظريه . شعر بسعادة تغمر قلبه.
السندباد جال في البلاد وعاد مرة أخرى لبغداد. صار يشرع ويفتي في إرضاء نفسه.
لم لا ... فلن يتخلى عن هواه مرة أخرى ،الشرع يسمح بالزواج مرة وأخرى وأخرى و أخرى( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) .صدق الله العظيم.
إذا لن يتخلى عن حبيبته وخليلته. صار يتأملها ،يرسم في ذهنه خيالها, التجربة الأولى زرعت الجرأة في فكر وقلب الطرفين ، حتى لاحت شمس الود تشرق في الأفق ،تسطع بنورها على وجهيهما .

قرر أن لا يضيع الفرصة مرة أخرى ,أو أية فرصة أخرى تتاح له مستقبلا ، كي لا يستحف به الندم ولا يتعسف به الزمن . فبعد نبأ الطلاق أستغل أن يقتنص الفرصة الأولى في مفاجئة زوجته ( أبنة عمه ), ليلين فكرها ويَعِدها لمواجهة الصدمة التي سيدويها في حضنها.
ليستعد للمبادرة في أتخاذ الخطوة الأولى قبل أوانها، ليقنعها بزواجه الثاني ، فهو لم يخالف الشرع في رغبته .
يجب أن تعرف أوليات العقدة كي يسهل إقناعها . وأن لم تقتنع فلن يخسر في المحفل سواها .... فهو في قرارة نفسه قد بصم على الأقدام من الزواج ببثينة، فلن يتراجع عن عزمه لو أطبقت السماء على الأرض . هي سعادته ومستقبله ,لن يتخلى عن هذا الهدف مرة أخرى أطلاقا ، بعد أن تجددت الفرصة أمامه. والتي سرقت منه بغفلة, عادت إليه بقدرة قادر.
لذا بادرها بتبسيط القصة لها دون أن يذكر لها أسمه.
شرح القصة لزوجته والتي هي أبنة عمه عن رغبته بالزوج من بثينة قبل أن يتزوجها . وضح الملابسات التي حصلت والتي قيدته وأخرته عن مسعاه في الارتباط بها بشكل قصصي لطيف، لذا عليها أن تتفهم وضعه وتتقبل ظرفه الجديد. فقال لها .....
....: يا حبيبتي ! هل سمعت بقصة الرجل الذي أغرم بفتاة من قريتهم ولكن لأسباب انشغاله في التجارة ،لم يستطع من الزواج بها .
الزوجة : عن أية قصة تتكلم ؟ ممكن أسمعها .

سعيد : أنشغل التاجر في جلب بضاعته من دول بعيدة، و نتيجة السفر والترحال الطويل لم تصبر الفتاة التي عشقها على فراق حبيبها ، او بالأحرى لم يصبروا أهلها على عزوبيتها, فزوجوها لشخص غريب عن قريتهم قبل أتداهمها العنوسة .
حيث أهل القريبة يعرفون بقصة غرامها مع التاجر , فلم يجرؤوا أن يتقدموا لطلب يدها ، كما تعلمين بأن الفتاة في القرية أن تجاوزت الثاني والعشرين من العمر تدخل مرحلة العنوسة .
حين عاد من السفر بعد أن أفلح في تجارته, ادركه أحد عماله ليخبره بأن حبيبته قد تزوجت بأمر من أبوها لرجل غريب, كان قد أعانه في سفره وتعرف اليه حين عاد من زيارة بيت الله الحرام .
فوقع عليه الخبر كالصاعقة . أصيب بكآبة مدة من الزمن , ومن ثم أخذ بنصيحة أهله والمقربين فتزوج من فتاة أخرى من أهل القرية لينسى همومه ويعيد توازنه. وربما ليغيظها! أو ليعوض الفراغ الذي تركته في حياته حبيبته.
الزوجة : الأمور عادية --- أين المشكلة ؟
سعيد : المشكلة بأن حبيبته لم تتحمل العشرة مع زوجها الغريب . فبعد عام واحد فقط اشتدت المشاكل بينهما ، وتعقدت الأمور لتصل بهم العشرة إلى حد المستحيل . فهجرته ومن ثم تطلقت منه.
هنا رجعت المياه لمجاريها . أزداد تعلقا بها مثلما هي ازدادت تعلقا به أكثر من الأول . وقررا بأن يعودا لبعضهما ولن يسمحا بأي تدخل خارجي يعيق مسعاهما .
الزوجة: جميل ,إصلاح ما أفسده الدهر بحياتهما .
سعيد : المشكلة ليست فيها، إنما في التاجر نفسه . التاجر المتزوج, كيف يخبر زوجته ويقنعها؟ كيف يتعامل معها ؟ وهو لا يود تركها لِمَ آلت له العشرة الطيبة ....
ترى أيتركها في حال سبيلها ؟ أم يبقيها على ذمته مع ضرتها؟
الزوجة : طالما بينهما علاقة قوية وسعادتهما متعلقة بزواجهما , يتزوجون ويضعون الزوجة أمام الأمر الواقع .
سعيد: وأن لم ترضى !....
الزوجة: إلى حيث وبئس المصير ،لتتحمل وزرها وتعندها .
سعيد : أترين ذلك في رأيك ؟
الزوجة : طالما لا يتعارض مع شرع الله فلا مانع من زواجهما , دعها تتحمل ضرة وتسكت .
سعيد : حتى لو كانت زوجته هي أبنة عمه ؟
هنا ساد الحديث صمتا لبرهة من الزمن ،الزوجة ( وقد فهمت المغزى )....
...: ماذا تقصد ؟ أأنت التاجر المزعوم ؟ ---- لقد أغشيتني يا محتال أغرب عن وجهي ، لا أريد أن تكلمني .

أصيبت الزوجة بالصدمة، توعكت، رمت نفسها على البساط المفرش على الأرض دون أن تكلم أحدا، هلَّ الحزن على محياها ، رست الكآبة في خاطرها ، أغشتها المفاجأة , الحزن أطبق عليها تماما ، الدمع بات يغسل طراوة وجنتيها .
بادرها سعيد بكأس ماء .
أشربي يا عزيزتي، لا تقلقي بشأنك فمكانك مصون, أنت أبنة عمي من لحمي ودمي، ولكن أرجو أن تقدري القلب وما يهوى.
قدرك محفوظ , فلن يتغير شيء من هذا القبيل . كل ما في الأمر لا اريد أن أعيش معك و فكري مضطرب يعزف على وتر غيرك . لا أريد أن أخونك أمام الله أو أغشك . بل أني لا أريد أن أخسرك ولا أريد أن أخسرها , وقد حكمتي في الموضوع وأحسنت حكما .

مرت الساعات ثقيلة عليها ,راجعت فكرها، راجعت فترة العشرة مع زوجها ، حسبت المواقف والنعرات والمشاكل وفترات السعادة التي مرت ، أعادة شريط زواجها في ذهنها مرة ومرتين . فوجدت بأن حياتها لم تكن بالمميزة ، ولم تكن بالتعيسة، أدركت بأنه قد جاملها مرات ومرات .
أدركت لأنها أبنة عمه، فلم يهجرها لم يقسو بها . نعم أنها تعلقت به وأحبته , لذلك عليها أن لا تفقده .
أدركت لو أصرت بعنادها فأنها لن تكون عائقا أمام مسعاهما ,ستكون هي الخاسر الأوحد . صحيح أن الحياة مع ضرة تكون ناقصة ،إلا أنها واقع لا محالة ، يجب أن تحافظ على بيتها و زوجها مهما حصل .
لذا حين استعادت وعيها ،تصافت النفوس, رضخت للأمر الواقع ، قالت له معتذرة ومباركة .
الزوجة : نعم أنت أبن عمي, أنا أدرك أنك تزوجتني دون محبة مسبقة ، فقط تزوجتني لأملئ فراغ تشعر به ،خلال عشرتي معك لم أكرهك قط , لكن لم أكن أشعر بأني الزوجة المثالية والحبيبة . لذا أقر لك وأيد مسعاك فأني لا أود أن أخسرك لأني احببتك ولا أريد أن أعيق سعادتك .
تقدم منها سعيد , قبل راسها وضمها إلى صدره ، أنا أيضا أحبك ، لكني أيضا أحبها ،لن استطع مقاومة ضعفي أمام عصفها ، أنت زوجتي وحبيبتي ، وهي سلوتي وخليلتي، فلن أفرط بكما. ولن أتخلى عنكما مطلقا.

أنهى سعيد مشوار زوجته والعقدة الوحيدة التي كانت أمامه بيسر، ما جعله يسرع في غرضه ليخبر بثينة بما توصل اليه مع زوجته, وقد وجد في زوجته (أبنة عمه ) أفضل طير مرسال إليها .
أولا؛ لبناء جسر محبة بين الزوجتين .
ثانيا؛ لتطمئن القلوب بصفاء الجو وحسن النية و لترسيخ القدر الآتي . إضافة إلى إعطاء زوجته ثقته الكاملة ليشعرها بمكانتها في قلبه .

وقد طلب من زوجته أبنة عمه أن تقوم بدور الطير المرسال، ليشركها ويحسسها بأن لها أهمية كبيرة في حياته، على الرغم من أن هذه المهمة تنغص في أحاسيسها ومشاعرها, إلا أنها وافقت على القيام بالمهمة لتثبت لزوجها محبتها، لتحفظ مكانتها في قلبه .
فهي لا تريد أن تجعل من شخصها كأي حاجة من الأثاث المركون في البيت بعد زواجه . لذا قامت بالمهمة على أحسن وجه وأبرعت .

فتم فتح الأنفاق والشوارع والجسور بينه وبين بثينة والاتصال عبر خطوط القلب والفكر والظن والنداء ليرسخ الأمر في ذهن المحيطين به والمتربصين ببثينة .

و بعد انتهاء فترة العدة . [حيث إذا كانت المرأة تحيض فلا تعتد بالأشهر، بل عدتها ثلاث حيضات فتخرج من عدتها بالطهر من الحيضة الثالثة بعد الطلاق، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ }{البقرة:228}.
وإن كانت المرأة لا تحيض لصغر أو كبر أو لمرض، فعدتها ثلاثة أشهر، قال تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْن {الطلاق: 4}.].صدق الله العظيم.

تم زفافها بمباركة أهل الطرفين والزوجة الوفية دون بهرجة ،حسب طلب بثينة, أنما أقتصر الفرح بمباركة الأهل والأصدقاء فقط .

دخلت بثينة القفص الذهبي الذي جهزه لها سعيد ، فهو سعيد بقدومها ,وسعيد بروحها وسعيد بطلتها . بدخولها بيته قد كسرت مرآة البؤس وعمرت مرآة السعادة . بوجودها جعلت الأنواء تشرق على وجه سعيد , فقد تغير طبعه وطلته وابتسامته, صار أكثر حياء وحيوية وطيبة .
صارت الفرحة جزء من مقتنيات البيت، أينما تذهب تجد لإشراقها ومضة .
أليست هي من أضاع في خضمها سنين عمره دون أن يتجرأ أن يقف أمامها لبرهة معترفا بغرامه .
أليست هي من شغلته ،من كورت فكره بالعقد ،من أحرقت قلبه بلظاها ،دون أن تبادر بكسر ساق الجمود الذي ارتدى حيائها .
أليست هي من أغلقت بوجهه باب السعادة ، بعد زواجها من الرجل الغريب .
نعم هي تلك الغزالة الهيفاء الرشيقة ، تلك الفاكهة المرموقة المعلقة في جنائن الفردوس, تلك الحورية التي ينحني لها طوعا لما لها من سحر وجمال . فهي جديرة بالاهتمام والإنعام .
لقد جعلته يتفنن في عزف لون الصبا على فراقها , ذلك اللون الحزين الذي ما عاد يختلف معه طوال فترة زواجها . تلك مقطوعة الحزينة بصوت الناي من مقام الصبا ،أثرت في كيانه وشخصيته , ربما جعلته أكثر تهذيبا و هدوء و أشراقا .

الحال من بعض، فهي لم تكن أفضل حالا منه ، كانت تجربتها قاسية ، غيرت مفهومها للحياة ، وعرفت بأن الحياة ليست جولة أو تجربة ، أنها بيت واستقرار.
تلك التجربة التي عكرت مياهها جعلت الزواج من غير رغبتها كالمياه الأسنة المحصورة في مستنقع العبث, تبعث الروائح التي تزكم الأنوف .
لقد جردتها التجربة المريرة من الطاقة والحيوية, من الفرفشة والضحكة، من البهجة والعشق بغيرة مفرطة , من الشوق والشغف, من السعادة في ديمومة الحياة .
لم تعد تبرز مفاتنها كما كانت من تسريح الشعر وأرتداء الثياب السندسية والمخملية البراقة ، من الاعتناء بمسحة من المكياج والديرم .
تلك التجربة جعلت الحياة ترتدي ثوب عادي من غير أن تكون له أية صبغة للإثارة .
فما يكون زواجها الثاني سوى تبديل أشخاص في حياتها كي تسير الحياة وفق روتين الطبيعة من أكل وشرب و أنجاب واستقرار دون أن تزج طاقة إضافية لتجعلها كرنفال.
حيث لا يمكن الحكم على الأنسان مقدما , لابد أن يجرب في المحك , كالسفر والحرب والزواج .لذا تحتاج لزمن لتعرف جيدا مكنون زوجها الثاني .

مضى على زواجها زمنا , ولا زالت تشعر بأنها تعيش في بيت زجاجي واهن, ترى من خلاله العالم الخارجي وما يحيط بها من شجون وعيون . في الوقت الذي يداهمها الخوف من أن تكون تجربتها الثانية لا تختلف كثرا عن الأولى في المضمون ،أنما تختلف في الشكل فقط .

خوف عارم يراودها من أن يسقط حجر طائش يدوي في جداره ويحيله إلى هباء. لا زالت تعيش صمتا يعزلها عن ما يحيط بها حتى من زوجها الذي يكن لها محبة خاصة تصل حد العبادة .
هذا الصمت يتقلب على نار هادئة بين تجربة الأمس و تجربة اليوم . لازلت الجراح لم تندمل , لازال يخيفها طائر الضَّوع حين يهز أركانها بصياحه وصدحه في هزيع ليلها , في صدح الطيور الهامة شؤم ترتعد منها النفوس. نار الأمس تركت سوادا في صفحات القلب البريء .
تلك التجربة على الرغم من تشمعها إلا أنها ستبقى محفورة في الذاكرة . عدم التوافق الفكري والنفسي و البخل و العناد ووووو الخ .... محيا أثر الطيبة والنية من مخيلتها . كتم على أنفاس الوردة من أن تنث عبيرها في شجون النسيم العابر .
لذا فهي بحاجة إلى زمن أطول لنقاهة النفس ، والعودة لسابق عهدها . نعم هي تبحث عن الفردوس والذي لا يبعد عنها إلا خطوات ، لكنها غير مطمئنة من أن يكون ذلك الفردوس جحر ثعابين سامة تكيل لها الويل .
أحيانا تشعر بذاتها وكأنها لم تتحرك خطوة نحو سعادتها , فيما مضى قد جرفها السيل لوحل وضيع غاصت به اقدامها ، عكفت من بعده في سجن الندم ,منع عنها الهواء النقي بعد أن تعفنت الأجواء بسموم الغل والحقد و الكراهية، إلى أن هبت عاصفة الفراق وانتشلت نفسها من براثن السوء والنوايا العفنة .
لترميم الذات تحتاج لوسط يعينها على جز كل المخلفات التي تعلقت بثناياها من أعواد القصب والبردي, وخاصة هيَّ تعيش في وسط مجتمع متخلف , لا يضيره أن صب الزيت على اللهب ليستمتع بحرارة الآخرين و طقطقت نيران قصبهم ، تأنت كثيرا لتبعد عن فكرها مطرقة الجنون التي تحاذيه وتضطرب منه سقمه .

لذا كان دخولها القفص الذهبي محذور ،قد يكون سجن جديد يفسد عليها سعادتها وتأملها , لكي لا تلوث الهواء النقي بما خزن في أعماقها من سموم الأمس , صارت تتصرف بحذر شديد وبهدوء وبتمعن منقطع النظير, حتى بات زوجها يشك بولائها له، وكأنها ليس لها رغبة به .

دخل الشك في قلبه دخول النار في كومة هشيم . ترى لم تزوجته أن كانت ليس لها رغبة به . أين أعجابها السابق , الم تعبر عن ذلك خلال مرحلة الخطوبة . ترى أتزوجته لمجرد أن لا تقعد على كرسي العزوبية ؟ ومن ثم تتيه في أغواره المبهمة، أم تزوجته لتحافظ على غصنها الطري من أن لا يكسره الزمن ، بعد أن مال نحو الهاوية في تجربتها الأولى ؟. .... لا أكيد هناك سبب آخر زرع في فكرها هذا البرود .
و مع اهتمامه بها الا محدود بعد أن فضلها على النساء أجمعين . لم ينسى تلك النغزات والنزعات التي كانت تراوده بمجرد ذكر اسمها ، فهي خليلته وحبيبته و عشيقته .
لذا ود ذات يوم أن يضعها تحت محك التجربة, ليكتشف مكانته في قلبها ,أن كانت تكن له محبة صادقة أم مجرد عاطفة عابرة، أو نزوة .

جالت في ذهنه عدة أفكار سوداء . منها رمي نفسه في النهر ويدعي بأنه قد غرق , ولكن ستكون العملية أمام الملأ , وهو لا يريد أحدا أن يشاركها الحالة .
ومنها يوهما بجرح نفسه بسكين وبدم كاذب ينزف به , لكن العملية غير متقنة, ستفشل لعدم خبرته بالتمثيل .
أخيرا قرر أن يجعل نفسه ملدوغا بثعبان بلاستيكي يضعه على رقبته ويقطع انفاسه لحظة أعلامها .
وقد ابدع في تمثيله حين رأته زوجته بثينة دون حراك ,مصفر الوجه, مستسلم للموت .
حينها صرخت بأعلى صوتها... يا ويلاتاه ! وا حبيباه! ... غلبها البكاء والنعي والولولة وهيجان غير طبيعي . نادت على أبنه عامر أبن السنتين في نعي حزين.
قم وأشفع لأبيك عامر
لدغه ثعبان بغل جائر
ارى الدنيا ظلام بغيبته
تلبدت بسواد غير ماطر

بعد أن انشدت نعيها بحزن وألم وبكاء شديد, أستفاق من نومه فرحا مسرورا ، كانه ملك الدنيا بحالها .وهي فعلا الدنيا كلها ، الأنسان بدون حبيبة لا قيمة له، بل أنه اشبه بأثاث البيت التي ليست لها مشاعر .
اتجه إليها؛ قبلها من يديها من رأسها وهي في وضع يرثى له , غير مصدقة بأنه حي , غير مصدقة بأنه ود أن يجربها أن كانت تحبه أم لا ، غير مصدقة بأنه ود أن يكتشف سر المحبة في شخصها .
أصابتها الصدمة بصمت رهيب , فتلك الملاطفة لا تروق لها , ولا تشد من ازرها ,فهي غنية عن التجارب .
كاد قلبها يتوقف من شدة الصدمة . لذا جردت نفسها منه ،لبست عباءتها والبؤس مخيم على وجهها ,الزعل بات يترقرق دموعا في مقلتيها. بعد تلك الهبطة ,والغزة التي أرهقت كاهلها قالت له ...
.... : ليست بثينة من تجرب بهذه الوسيلة الرخيصة, كان الأجدر أن تعمل بإحساسك ومشاعرك كما أفعل معك . الحكيم يستخدم حكمته ونظره ليكتشف محيطه ،وليس بأفعال صبيانية أجرب و أكتشف .
فوالله لن أعود اليك و لن أعود للبيت ،إلا أذا نطق العود و الحجر!!

سعيد : أأنت مجنونة ! وكيف ينطق العود والحجر ؟

لم تطرق له سمعا ، غادرت البيت متوجهة لبيت أبوها ، تركته في دوامة العود والحجر ،محتارا ،نادما على فعلته الشنيعة ،و ضعف تقديره .
مثلها لا تجرب إلا بالإحساس المرهف ,فهي ليست من لحم و دم فقط , هيَّ كتلة مشاعر وسحر وجمال وإحساس . النسمة تغار من أنفاسها الزكية ، القمر يتأمل نور وجهها الوضاء ، الوردة تغار من صفاء بشرتها وحمرة ثغرها الداكنة ، الشمس تتحسر على لمعان شعرها السارح .
حاول مرارا على أن يثنيها عن عزمها دون جدوى, لها كرزمة خاصة ، شخصيتها القويه تزيدها بهاء وجمالا . خرجت وأوصدت الباب خلفها .

بعد أن تيقن من أنها مغرمة به وحبها له بعقل وعاطفة منقطعة النظير، زاده شوقا وعشقا لها، بات الشغف يغلي في قلبه، صارت له كـ (كفوز اللأحنف )واكثر.

ارسل المراسيل والأحباب والأقارب في ثنيها وإرجاعها , فلم تتنازل عن شرطها مطلقا .
إذا لم تنفع محاولات الأصدقاء والأقارب ، فهي لن تعود إلا بذكاء وفطنة لكي تأمن بأن الذي يودها تستحقه و يستحقها ، فلا وجود للرأفة موطئ قدم في جدول حياتها والمصير .

ذبل جسده حزنا عليها, وكأنه جذع شجر في صحراء مقفرة ،حرم من السقي والمطر . رسمت الكآبة على محياه, وكأنه نخلة عصرها الغروب بحزنه . فقدت الضحكة من ثغره , كدمية لا روح فيها . جرد المزاح و اللعب من روحه, تجره أقدامه إلى حيث لا يعلم .
كأنها حين خرجت من البيت أخذت كل صفاته الحسنة معها, حتى صار يشفق على حاله الطير والحجر والنجم.
دخل مرحلة الهوس والجنون ، بات يدور في القرى والأرياف باحثا عن حل للغز الذي حير الصديق والقريب ( متى يتكلم العود والحجر ) . رأفت بحاله زوجته الأولى ، تعنت إلى ضرتها بثينة راجية أن تعزف عن خصامها دون جدوى .
مرت الأيام والأشهر ، فلم يكل من سعيه ولم يمل حبه لها. جال في معظم القرى والأرياف حتى صار يكنى بالمجنون . وكلما سمع بحكيم أو عراف قصده وتعنى له راجيا حلا للغز .وقد عانى ما عانى وشاق ما شاق حتى كلت جدمه وضعف حاله .
وذات يوم مرت به عجوز تائهة في مسراها و لم تعرف الطريق لمبتغاها , سالته أن يدلها . وحين عرفها على طريقها سألها...

...: يا حاجة بالله ...هل تعرفينني متى يتكلم العود و الحجر؟
العجوز: نعم يا بني ،العود يتكلم حين تعزف الربابة، والحجر يتكلم حين تدور الرحى .

.....: نطق بصوت عال .. صح !يسلم ثمك, الله يحفظك ويديم في عمرك, لقد أنقذتني من المهزلة. قبل راس العجوز. فصاغ شعرا وصار يغني على نغم الربابة قرب دارها .

جودي يا روح لعودة المحب جودي
طحنتْ القلب ببجاي والرحى خدودي
يا عود بسك حزن بسك تجرح ورود
جزعت شجن الربابة قولي متى تعودي

حين سمعت تلك الأبيات والحزن ينزف من الربابة ، رق قلبها ولان احساسها . زادت شوقا واللهفة تغمرها للقاء به .علمت بانه عرف حل اللغز وعرف حدوده كزوج ، وعرف قدر زوجته . ذلك هو الهدف المبتغى من زعلها .

بغياب المسببات لا مبرر لها في مواصلة اعتكافها و الزعل والتمسك بالقطيعة . لذا عادت مرتمية بأحضانه ، سعيدة يحملها الفرح بالعودة لبيت الزوجية ,والمعيشة الكريمة, تحت مظلة الحب والثقة بالآخر .
، بذلك اعطته درسا في الإحساس والمشاعر والثقة بمن يحب وطريقة تقدير المقابل .

اللعبة الوحيدة التي يشترك فيها اثنان ويكسبان فيها اثنان أو يخسرا معا..هي لعبة الحب.

الحب هو أجمل سوء تقدير بين أثنين ،بحيث لا ينظران إلى الأمورالمادية إطلاقا . وهو ورقة النصيب الفائزة بالجائزة الأولى شراكة بين أثنين.


عباس مدحت محمد البياتي
0735504703
السويد



#عباس_مدحت_محمد_البياتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرصة هدف
- الباستا مقابل الإقامة
- الإعصار بين كفيها
- البصمة التي ابتسمت لها السويد


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس مدحت محمد البياتي - لغة العود والحجر --- عنوان كتابي القادم قصص من الموروث الشعبي