طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 5098 - 2016 / 3 / 9 - 22:32
المحور:
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2016 - المرأة والتطرف الديني في العالم العربي
ان الدراسات الميدانية والنظرية المتعلقة بالجندر في مطقتنا شحيحة جدا, وتلك المتعلقة منها بعلاقة الجندر بالقدرة والهيمنة الدنيوية او الالهية معدومة حسب علمي. وهنا ينبغي التنويه على وجه السرعة ان مفهوم الجندر, بالرغم من ارتباطه بثنائية الجنس كذكراو انثى- وهي ثنائية مقيتة لا استطيع التطرق اليها حتى بادنى تفصيل هنا- فانه مفهوم منفصل ومتميز. فالجندر هو شعور نفسي وليس حتمية بيولوجية تُقرر عندما يحدد جنس الفرد, ذكرا او انثى, عند ولادته. فالذكر قد يشعر انه محبوس في الجسد الخاطئ, وان جسده ينبغي ان يتوائم مع مشاعره كانثى, ولذا ينبغي تصحيحه باستخدام الهرمونات او وسائل اخرى مثل الجراحة. ان غياب التوائم بين ما هو بيولوجي وما هو نفسي يدعونا الى التأمل في مسائل عديدة, ولكنها كلها ستكون منحصرة في مجال السايكوباثولوجي الفردي الذي لا يهمنا هنا كثيرا في موضوعة هذه المقالة.
ولكن, على العكس من الكلام الدائم عن المارسات الجنسية بين رجل وامرأة وما يحرْمها او يحلّلها, فان الخوض في موضوعة الجندر في منطقتنا يعتبر من اكبر المحرمات لان ذلك سيستوجب تهديمه الفواصل الكونكريتية- الهية في التمييز بيولوجيا, ومن ثم اجتماعيا- سياسيا, بين الذكر والانثى. ابقاء الحدود على حالها يكفل بخلق ترتيبة جندرية ليس للبايولوجي من تأثير يُذكر عليها. فكل الامهات اللواتي ينشأن ابنائهن على ان يكونوا و يسلكوا سلوك الديك (Cock في الانكليزية قد يعني الديك او القضيب), و يربين بناتهن على ان يكن كدجاجات خانعات ذليلات, الى حد يزيد او يقل, هن ذكور نفسيا-اجتماعيا-سياسيا في رغباتهن الواعية او االلاواعية. ان سلوكهن كدجاجات, والمعنى هنا طبعا مجازي, هو وجه العملة الآخر للخطاب الذكوري الذي له قدرة هائلة على استعمار عقول الرجال والنساء على حد سواء.
ان يوم المرأة العالمي هو احد اختراعات الفكر الذكوري الشيطاني. فهو يطل مرة في السنة ليبشر نساء العالم بالجنة الموعودة والمساواة بين الجنسين, ويذكرنا بطقطوقة الملحن الكبير الراحل سيد درويش "زوروني بالسنة مرة...".
وفي كل سنة كالعادة, العادة التي تؤشر على وجود المرض او حتى استفحاله وليس الى السعي الى الشفاء منه, تدّبج المقالات التي تشيد بالمرأة وأهميتها باعتبارها نصف المجتمع او يزيد, وتٌدرج قائمة طويلة من مشاكلها ومآسيها في منطقتنا بسبب اوضاعنا الاجتماعية والسياسية, و تُذرف الدموع مدرارا على اوضاع المرأة لتُغرق المقالة وقارئيها معا في سيول جارفة. والنهاية الحتمية معروفة مسبقا: الدعوة الى تحسين وضع المرأة غير المقبول وذلك بعون الله والمحسنين. والبعض من الكاتبات والكتاب لا ينسى ان يؤدي واجبه خير اداء بدعوة النساء انفسهن الى النضال من اجل حقوقهن, وان لا يكتفين بالعويل والنحيب ولعب دور الضحية الذي يبشر ببقاء وضعهن كضحايا الى ابد الآبدين. وبعد ان يؤدى الكل واجبه ويثبت صوابه السياسي political correctness, يمكن استلام الجوائز الآن, اتتظارا لعام قادم تُدبج فيه المقالات ايضا وتوزع فيه الجوائزمن جديد. انها سطوة العادة, وليس هنالك شعورا اجمل من شعور اطاعة العادة والتسليم بسطوتها, وهنا لربما تكمن ايضا سطوة المعتقدات الدينية او الشمولية. وهذا الشعور النيرفاني لربما يفسر عدم التسائل حول غياب تحسن وضع المرأة رغم الاحتفاء بها سنويا, فوضع المرأة في منطقتنا يسير من سيئ الى اسوء. فعلى سبيل المثال وليس الحصر, ان جرائم "غسل العار" في تزايد, والنساء تباع في سوق النخاسة كأية بضاعة بائرة, والتحرش الجنسي اصبح وباءا. وفي بعض المناطق لا تزال عمليات التشويه الجنسي البربرية تمارس على نطاق واسع.
وفي سطوة العادة تكمن غريزة الموت: انها الطامة الكبرى. وللطامة الكبرى اشكال وتجليات متعددة, بعضها واضحة وجلية والآخرى اقل وضوحا او خفية مما يحتم تفكيكها وادخالها حيز الوعي لتصبح جزءا من الخطاب الكلامي.
ان الاحتفاء المرأة بعيدها قد لا يكون في صالح العديد من النساء في منطقتنا, وخصوصا المحجبات والمنقبات وهن اللواتي يشكلن لربما الاغلبية الساحقة من نساء منطقتنا.
ان عيد المرأة هو تذكير بضرورة حصول النساء على حقوقهن. ولكن ما هي حقوق النساء؟ اليست هي نفسها حقوق الانسان؟ اليس الاحتفال بعيد المرأة اعتراف ضمني ان المرأة هي في الموقع الضعيف جندريا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا؟ الجواب هو نعم, لا بد ان يكون الامر كذلك, فالرجل ليس له يوما واحدا في السنة للاحتفاء به, فكل ايام السنة هي اعياده, فما الضرر اذا تبرع باحدها للمرأة ليدلل على شهامته و"رجولته" وايمانه بحقوق المرأة وسعيها الى تحقيق ما تصبو هي اليه. ولكن ما الذي تصبوا اليه النساء في منطقتنا, او اغلبيتهن من محجبات ومنقبات؟
تعلّن المحجبات والمنقبات ان حجابهن يغطي عورتهن, والعورة تتضخم لتشمل المرأة باكملها وليس جزءا منها, حالها حال الرجل. وما نستشفه منهن, انهن سعيدات بقرارهن باعتبارهن عورة. وانهن لم يتخذن قرارهن بقسر او املاء من زوج او اخ او اب. وانهن اتخذن قرارهن هذا لان الشيطان قد يوسوس في النفوس فيحدث ما لا يحمد عقباه! ولكن ليس هنالك من دليل ان الشيطان يمارس التمييز ضد النساء, فهو قادر على اغواء الرجال والنساء على حد سواء بارتكاب "الفاحشة!" بجماع او اتصال جنسي. ولكن ارتداء المرأة حجابها او نقابها يوحي لنا اعتقادها ان الشيطان اكثر قدرة على اغواء النساء منه على اغواء الرجال.
الشيطان, على عكس الله,الذي كتب كتبا سماوية او بعث رسلا او انبياء, صامت دوما وابدا. ولكن صمته يجعله, كما يبدو , اكثر تأثيرا من الله نفسه,على الاقل, في مسألة اغواء الشيطان للمرأة. ان حجاب او نقاب المرأة يُسجل غيابها, كغياب (خطاب) الشيطان. فما نعرفه عن الشيطان لم يكن مبعثه الشيطان نفسه. ان المرأة المحجبة او المرتدية للنقاب تتماهى مع الشيطان, فالاثنان يشتركان في غيابهما. ولكن قدرة الشيطان تتأتى من غيابه وهي قدرة لا متناهية تفوق حتى قدرة الله. فالشيطان هو الصفر(اللاهوتي), وبدون الصفر ليس هنالك من رياضيات وعلم واختراعات. ديالكتيك هيغل يعلْمنا ان نهتم بالمخفي كما نهتم بالظاهر او حتى اكثر (وهنا يلتقي فرويد, في تأكيده على الاهمية القصوى للعقل الباطن مع ديالكتيك هيغل-ماركس). اختارالشيطان الصمت الازلي كاقوى خطاب, بدليل ان كل الكتب السماوية وما لا يحصى من الرسل والانبياء وكل الحجارة التي يقذفها به حجاج مكة لم تؤثر فيه قيد شعرة او تضعف من سطوته حتى بالاقل من القليل. الوقائع في منطقتنا في العقود الاخيرة تؤكد العكس تماما, فقد تعاظم نفوذه وتزايدت حشود من يتماثل معه من النساء (والرجال).
باعتقادهن, ان مصدر قوتهن وسلطتهن هي حجابهن ونقابهن, اي غيابهن, حالهن حال الشيطان في سطوته رغم غيابه.
لذا الا يعني الاحتفاء بالمرأة في يومها, بعرفهن, هو الرغبة باعادتهن الى موقع الانسان والتخلي عن سطوة الشيطان؟ فهن يعلمن حق العلم ان الرجل في منطقتنا مُذل ومهان. وبالتالي فان ذلهن وهوانهن سيكون اعظم في حالة كونهن انسان. إِذاً لبيقين على حجابهن ونقابهن, فتماهيهن مع الشيطان يضعهن في مرتبة الله او ما هو اعلى منزلة منه, منزلة الشيطان.
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟