|
التفاعلات النصية في ديوان -بياض الأزمنة - لعلي الدميني
هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية
(Howaida Saleh)
الحوار المتمدن-العدد: 5096 - 2016 / 3 / 7 - 02:51
المحور:
الادب والفن
التفاعلات النصية في ديوان "بياض الأزمنة " لعلي الدميني د. هويدا صالح شكلت ظاهرة التناص في الشعر العربي الحديث بُعدا فنيا و إجراء أسلوبيا يكشف عن التفاعل بين النصوص الحديثة و القديمة، كما يكشف عن قدرة الشاعر على استدعاء النصوص بأشكالها المختلفة على أساس وظيفي يُجسد التفاعل بين الماضي والحاضر، و إذا كان الدارسون قد أجمعوا على أنه لا يخلو نص من نصوص أخرى تشكل مرجعيات تناصية له، فإن ما يهم المُتلقي لهذه النصوص المتناصة هو كيفية توظيف النص الوافد ليصبح جزء أساسيا من نسيج النص أو لبنة من لبناته لا أن يكون نشازا أو غريبا عن النص المستقبل. ,التناص في أحد مستوياته التي تسبب الغموض يقترب من مفهوم الجدلية الفكرية،فكل النصوص الأدبية محاكاة من نصوص أدبية أخرى ليس بالمعنى الحرفي لكلمة المحاكاة التي قد تعني التقليد أو حتى السرقة الأدبية ، إنما بمعنى تشغيل هذه النصوص في مستوياتها الأشد تجذرا والذي يعني أن كل كلمة،أو عبارة،أو مقطع هو إعادة إنتاج لكلمات ومعاني أخرى سبقت هذا النص، والتناص عملية تفاعل حقيقية بين النصوص اللاحقة والسابقة . بهذا الوعي، وعي التفاعلات النصية، والنصوص الغائبة نحت علي الدميني مشروعه الشعري، وأفاد من كل مستويات التناص ، سواء التناص الديني أو التاريخي أو الأسطوري، وسوف نستجلي مستويات هذا التناص ، ونستقصي تلك التفاعلات النصية، ونحفر بعمق في حفريات نصوصه من خلال ديوان :" بياض الأزمنة ". تمثل تجربة علي الدميني موجة من موجات الشعر الحديث في المملكة العربية السعودية، تحررت قصائده من قيود موروث الشعر الكلاسيكي ، واتكأ فيها على الموروث الشعبي و التاريخي . وقد زاوج الدميني بين القصيدة العمودية والتفعيلية،وقد اعتمد الدميني على التناص التاريخي والديني والشعبي. وتتجلى مستويات التناص في ديوان " بياض الأزمة " بشكل طاغ، فمنذ القصيدة الأولى ( بروق العامرية ) نجد التناص الأدبي مع قصيدة المنخل اليشكري ، الشاعر الجاهلي الذي أحب المتجردة زوجة النعمان بن المنذر وكانت سببا في قتله ، يبدأ الدميني قصيدته بشطرة من بين المنخل ، ويجعلها مفتتحا للقصيدة ، ثم يواصل الحديث عن محبوبته بمعان لا تفارق كثيرا ما طرحه شعراء الغزل في المحبوبة التي كانت رمزا أحيانا ومحبوبة حقيقية أحيانا أخرى،حيث يقول الدميني :" لا نبع في الصحراء إلا وجهها يروي عشياتي ويجلو راكدات البيد في قلبي، ولا ظل سوى أغصانها تنحل ما بين المدار إلى المدار " ثم يجعل الشطرة الثانية من بيت المنخل مفتتحا جديدا لجزء من ذات القصيدة الطويلة حيث يقول :" وتحب ناقتها بعيري "، يا تهامة اطلقي الأعراف من كبد الرمال ، وسيجي بالزار رقصتها " أحل لها المبيت على حصيري ". في ذات القصيدة نجد الشاعر يتناص مع النص المقدس، فالعاشق لليلى العامرية أو للمتجردة أو للمرأة الرمز، يسير في جنة، لكن جنته ليست عرضها السماء والأرض كما النص المقدس، إنها جنة عرضها عيونه، هنا يوظف الشاعر لغة القرآن، لكنه لا يتناص مع معانيه، إنما يتناص مع لغته فقط، ولا يوجد شاعر تقريبا لم يتناص مع لغة النصوص المقدسة الثلاثة ، يقول الدميني :" يا ساريا في جنة عرضها عيني وبعض الماء في راحتي هب لي رمادا خاشعا فأنا أحييه من جمري ومن رعشتي إني وجدت الدهر في حجرها غاف فأمنني على وحشتي وحرر الأمشاج من غيها حتى تساوى الخلق في حضرتي"( ص 7 ). يواصل الشاعر مناداة الحبيبة الغائبة مستخدما ليلى العامرية التي صارت إحدى رموز العشق العربي:" أيتها العامرية يا أخت يحيى، لك الشدو من عتبات الحناجر حين يصير الحنين يماما على الكف، والراقصون مدائن لا تقفل الليل أبوابها، والصباح"( الديوان ص9). هنا تتحول المرأة إلى رمز عام لضياع المعاني والحنين إلى كل ما يمكن أن يفتقده الشاعر، ومما يرشح أن العامرية هنا هي رمز لكل أنثى حبيبة المقطع التالي من ذات القصيدة ، حيث يناجيها بأنها أخت حواء ، وأنها ترمز للخير والجمال المفتقد في الحياة قول الدميني :" أيتها العامرية، يا أخت حواء، رايتنا في الهجوع ورايتنا في بكاء الزمان يا نهارا تنام الظهيرة تحت قناديله ويسيل المكان يا مهفهفة النار والنور، والعين والحور، والطيلسان بيننا طفلة ويدان وأغان مسومة برقيق الحسان" ثم تتحول المرأة الرمز إلى رمز للوطن ، للتثوير ، للتحريض،فالميادين تفضي لبعضها البعض، لأن المحبوبة صارت رمزية للوطن:" أيتها الشجرية: نسعى لكي لا يضج القريبون منا وكي لا يفر البعيدون عنا وكي نتساوى في الخارطة أيتها العامرية إنا وجدنا الميادين تفضي إلى بعضها والشرايين تبحث عن نبضها، فمزجنا لها فرسا من دمٍ، وقبابا على الماء تنحلُّ فيها الأباريق من فضة خالصة"( الديوان ص12). ثم يختتم القصيدة الملحمية ( بروق العامرية) بمناجاة الذات في تناص قرآني، تناص مع لغة النص المقدس، حيث يقول :"لك ما تشتهي أيها الولد أنت حل بهذا البلد أنت حل بهذا البلد"( الديوان ـص13). في قصيدة أخرى بعنوان :" لك ...كما أنت" يتفاعل الدميني نصيا مع واقعة تاريخية لن ينساها التاريخ، وهي" انتفاضة أطفال الحجارة "، التي قام بها أطفال فلسطين قبل ثلاثة عقود، هنا التناص ليس تناصا لغويا وأدبيا ، إنما تناص تاريخي يوظف فيه هذه الانتفاضة، لكي ننظر من خلال القصيدة إلى رؤيته للقضايا العربية، وزواية الرؤية التي يرى منها هذا الحدث الفيصلي في عمر القضية الفلسطينية :"فاجأتك العواصم بالمقصلة أربكتنا الحجارة بالأسئلة الجليل مثلثها، والبلاد دوائرها والذي علّ من يأسه ظمأ قد رأى صبيا يغتوي كأسه المقبلة"( الديوان ـص22). يواصل الدميني تفاعلاته النصية ، فيتناص مع شخصية أحمد الزعتر التي كتبها محمود درويش، ومن خلالها يستحضر الدميني القضية الفلسطينية التي استنهضت أطفال الحجارة:" وأتيت أبحث أبحث ف السؤال عن الإجابة لمن الطرائد في مدينتنا، ومن غسل الكرى عن جفن أحمد، واستهل به خطابه؟ لمن الصبا يرعى منبته ويستدني العواصف في رقائقها، ويمنح غزة الكبرى مدائحها، وللقدس البهية عرسها القاني، وللدنيا رفيف الأرض والإنسان والوطن المحرر والكتابة؟ ينهي قصيدته بأسئلة تكشف عن زاوية الرؤية لديه، كيف يرى الهم القومي، كيف يرى ضياع فلسطين:" أهذه الحسناء جنتنا التي أفنى الفلسطيني عترته لتبقى، والفدائيون بهجتهم لترقى؟ هكذا يلقى المحب فتاته في الحبس! تأسره ويأسرها فينفطر الحديد مسرة للعشق / أوطانا تغيم ودولة تبنى بأصداف الحجارة"( الديوان ـ ص 26). كذلك في قصيدة " الأشباه "يأتي تناص تاريخي ، حيث يوظف الشاعر حادثة مقتل عثمان ابن عفان . في هذه القصيدة يطرح الشاعر كل عذاباته ، وخلط الهم الخاص بالعام، يأسى لسنوات ضياع الأمة مع سنوات ضياع ذاته الشاعرة، يحمل قصة مقتل عثمان دلالات هذا الضياع العام يقول:" من سنوات أعد الحصى في الخطى وأبدل جلد الشوارع بالرمل أثقب في البحر نارا فيبتل وجهي بأشباهه القزحية .... بين كفي تنحل أشباهك الأزلية في قميصك عثمان في بردتيك علي وفي غلس الصبح منك أمية "( الديوان ـ ص 56 ). وكأن الشاعر يعود بكل خيبات الذات الشاعرة ، وهم الخاص والعام إلى البدء ، المبتدأ إلى زمن الفتنة الكبرى التي أضاعت الأمة وشرخت وحدتها.
#هويدا_صالح (هاشتاغ)
Howaida_Saleh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اشتغال الأدب الشعبي في -حكايات شاي الضحى -
-
دور المثقف في صناعة المجتمع..قراءة في كتاب -واحد مصري- لوليد
...
-
السوسيولجيا السياسية في رواية أوقات للحزن والفرح
-
تعرية الثقافة الذكورية في رواية نوافذ زرقاء لابتهال سالم
-
الصراع بين الثقافة المحلية والثقافة الوافدة في إيران
-
مفهوم مختلف للدين في أعلنوا مولده فوق الجبل
-
اللامنتمي يحتج على قسوة البشر
-
فن السياسة والأحكام السلطانية في كتاب-دولة الخلافة-
-
هشاشة الخطاب الديني في حركات الإسلام السياسي
-
عوائق مراجعة المفاهيم في الفكر الإسلامي
-
أول محاولة لقلب نظام الحكم في التاريخ العربي
-
الحب العذري عند العرب
-
مقال د. سيد ضيف الله عن رواية - عشق البنات - لهويدا صالح
-
قراءة في رواية ممرات للفقد ..لدكتور عمار علي حسن
-
نجيب محفوظ بين السيرة الذاتية والتخييل السردي .. أصداء السير
...
-
طرف من سيرة جدتي دولت
-
الكرنفالية وتعدد الأصوات في رواية - كلما رأيت بنتًا حلوة أقو
...
-
هل قتل النبي كعب بن الأشرف بكلمته؟!
-
الخروج: آلهة وملوك.. أم إثبات حق العودة ؟!
-
قراءة في صورة لقاء المثقفين بالرئيس عبد الفتاح السيسي !!
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|