أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورالدين الطويليع - القاضي والذبابات الخمس














المزيد.....

القاضي والذبابات الخمس


نورالدين الطويليع

الحوار المتمدن-العدد: 5095 - 2016 / 3 / 6 - 01:06
المحور: الادب والفن
    


التحق القاضي غيور بمجلس القضاء، وما إن أخذ مقعده وهم بفتح الملفات المعروضة على أنظاره حتى غزت القاعة أربع ذبابات ذات ألوان وأحجام مختلفة، استرق نظرات خاطفة إليها، ثم واصل عمله غير عابئ بمقدمها، لأنه اعتاد على تطفلها ومرورها العابر، لكنه سرعان ما أعطى الزائرات حقهن من المتابعة بعدما استرعى انتباهه اصطفافهن في تحليق استعراضي ملأ القاعة، التي كان يخيم عليها صمت رهيب كأن على رؤوس ضيوفها الطير، ضجيجا وضوضاء بطنين هو أشبه ما يكون بمقطع موسيقي ناشز أخرجوه إلى الوجود بغاية تعذيب سامعيه وممارسة أقصى درجات السادية في حقهم، تتابعت طلعات الذبابات الأربع ماسحة كل أرجاء القاعة، وتوالى تبعا لذلك طنينها الممل، فكر القاضي غيور وقدر، ثم فكر وقدر فيما يمكن عمله للحد من جسارة ضيفاته الثقيلات، طفت على سطح ذاكرته الحكاية التي قرأها عن الجاحظ حول قاضي البصرة الذي أغارت عليه ذبابة عنيدة، وصممت على ألا تبرح خريطة وجهه بتضاريسها الأنفية والفمية والعينية، دون أن يعيرها أدنى اهتمام، لأن إباء القاضي أملى عليه أن يظل متسمرا في مكانه، وأن يتركها تمارس طقوسها الاستفزازية، دون أن يكلف نفسه عناء هشها ونشها، فهي تبقى في آخر المطاف، حسب ما تصور، مجرد ذبابة، وكل مواجهة لها ولو بطرف بنانه سيلحق ضررا بالغا بوقاره وسمو منزلته.
خطر ببال غيور أن يحذو حذو هذا القاضي، يواصل ممارسة عمله بشكل طبعي، ويترك الذبابات في غيها الجديد، لكنه طرد هذا الخاطر بسرعة واستغنى نهائيا عن فكرة محاكاة الموقف حتى لا يكون، وهو الحريص على التميز، نسخة مكررة لقاضي البصرة ولبعض زملاء المهنة الذين يتركون الذباب عالقا بجدر مكاتبهم، مما حولها إلى لوحة سيئة رسمتها بِوَنِيمِهَا الذي لا ينقطع كأنما هي مصابة بإسهال حاد.
بدا له أن يحاصرها داخل القاعة، وألا يتركها إلا وهي صرعى، إلا أن خوفه من أن يقترح حزب أصدقاء الذباب عرضه على طبيب نفساني تحت يافطة إصابته بخلل عقلي جعله يستبعد هذا الخيار.
إذا كان هذا وذاك غير ممكن فلا أقل من أن أعلن على رؤوس الأشهاد ضجري من الذباب ووقاحته، هكذا خاطب القاضي نفسه قبل أن يعتدل في جلسته ويصوب مدفعيته الكلامية الثقيلة في اتجاهه: "نسي الذباب أنه مخلوق حقير، وأن مكانه الطبعي هو البرك الآسنة والمزابل والمستنقعات، يظن أنه بصبغه نفسه بالألوان الزرقاء والحمراء والخضراء والصفراء سيغير من حقيقته الذبابية المتعفنة، ربما حدثته نفسه بأنه أهل لصعود منصة القضاء وفرض معزوفته الطنينية على القضاة، لا بد من وضع حد لهذه المهزلة بفرض الإقامة الجبرية على الذباب في معاقله القمامية، والحيلولة دون اقتحامه مرة ثانية قاعاتنا وتلويثها بما يحمل في رجليه من مخلفات المزابل"...
بعد أيام انتشر خبر كلمة القاضي غيور في كل الأرجاء، وسارعت الجهات المختصة إلى اتهامه بإهانة الذباب ومعاكسة المنظور الجديد للحياة الذي ينشد تعايش الجميع، ويدعو إلى تجاوز النظرة التقليدية التي تعتبره كائنا قماميا وظيفته تلويث الأسماع بالطنين وتلويث الأماكن التي يحط فيها بآثار رحلاته التي لا تتوقف إلى المستنقعات، ويتبنى نظرة مغايرة ترى فيه مواطنا يتمتع بكامل حقوق المواطنة، وفي طنينه لغة وطنية تستحق الإنصات والإعجاب.
بعد أخذ ورد أصدرت هيأة المحكمة حكمها القاضي بإيداع غيور السجن وإلزامه بالاعتذار العاجل للذباب وطلب الصفح منه، وإشعاره بقيمته الوطنية حفاظا على معنوياته من الانهيار.



#نورالدين_الطويليع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البناية التي تعد آيلة للسقوط بمدينة اليوسفية!
- المستشار والموظفة الجماعية
- ملاحظات على هامش زيارة وزير الاتصال المثيرة للجدل لمدينة الي ...
- إلى الرفيقة شرفات أفيلال الوزيرة التقدمية في حكومة بنكيران ا ...
- يوسفية المغرب، وحلم التنمية المنفلت
- هل أفلحت أحزاب المعارضة المغربية في كشف ازدواجية الخطاب لدى ...
- هل ستزحزح جمعيات المجتمع المدني باليوسفية جبل جليد التهميش و ...
- من يقف وراء تحريض شباب اليوسفية العاطل على الخروج إلى الشارع ...
- إلى رئيس المجلس الحضري لمدينة اليوسفية المغربية: سئمنا من تد ...
- رئيس الحكومة المغربية ولغة الاستيهام الجنسي
- البشارة البنكيرانية بفشل منظومة التعليم المغربية
- البقاء للصراصير بقلم نورالدين الطويليع


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورالدين الطويليع - القاضي والذبابات الخمس