أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهرة محمد الكحلي - السرد والشعر















المزيد.....

السرد والشعر


زهرة محمد الكحلي

الحوار المتمدن-العدد: 5092 - 2016 / 3 / 3 - 20:11
المحور: الادب والفن
    


ليس مِن هاجس النقد المهتمّ بالخطاب الشعري عامة أنْ يبحث عن ملامح الحكي في النص / النصوص الشعرية ؛ لأنّ الأخيرة لا تـُبنى على الحكي ، فهو خاصية سردية في المقام الأول . إلا أن ّذلك لم يمنع من بروز الحكي سمة ًمهيمنة في بعض النصوص الشعرية ذات الطابع الملحمي . ويبقى سرّ ذلك في النصّ الشعري ذاته ، بشكل جليِّ أو خفي ، يمكن للنقد قراءته قراءة محايثة تفرضها طبيعة النصوص المقارَبة .
ومِنْ أبرز سمات هذا الحكي المهيمن تجليه في نص مفرَد ، لا يَخرج الحكي من دائرته إلى نص آخر تابع له ، غير أنّ طوله يستوعب تلك السمة النثرية للسرد . ولكنْ يجب الإسراع إلى القول : إنّه حكي شعري وله خصوصية الخطاب الشعري ، وليس الخطاب النثري . بمعنى أنّه حكي بالجملة الشعرية بما تحفل به من لغة خاصة قائمة على الانزياح والتكثيف والتكرار والاستبدال والرؤية الشمولية للعالم ، وليس على سرد الوقائع والأحداث. إنه حكي يَبني عالماً متكاملاً بعناصره الداخلية المشكلِّة لنسيج كلّيّ الدلالة ، ومبني على الحُلـُمِ أساساًً ،رؤية وهاجسًاً . وبذلك يَخرج النصُّ الشعريّ ، حالة شمولية ً، عن الآني في هاجس الكتابة ، وعن الوجع المُفرد واللحظةِ الانفعالية العابرة ، ليخترق الذاتي والمحصَّنَ بهواجس الأنا إلى الكوني والعام والمجموع . فيكونُ فلسفة ًأو رؤيا أو حُلـُماً أو إعادة ترتيب المختـلّ مِنَ الأنساق في نسقٍ يحلم الشاعر ببلورته وإنجازه واقعياً ، ولكنّه يحاول عبثاً , لأنّه عالم من التصورات ، مبني على خلخلة المستقرّ وإنْ كان جارحاً .
يضاف إلى ذلك أنّ دوائر الحكي في النص ذي الطابع الملحمي لا تخرج أو تتشكل إلا داخل النص المفرد ويمكن ملاحظة ذلك حين تقسِّمُ الدراسة المدرسية نصَّ المتنبي " فتح عمورية " على سبيل المثال ، إلى مجموعة من المقاطع تـُعبّر عن أفكارٍ متتابعة ، تـُشكـِّلُ بمجموعها نسقاُ عاماً . وهذا التتابع ، في جوهره وليس في شكل تجليه ، يُمثـِّل سمة من سمات السرد في الخطاب النثري ، و هو سقوط للقصيدة في مستوًى من مستوياتها أيضاً .
ويعود ذلك إلى نظام القصيدة التقليدية الذي يفرض على الشاعر أنْ يضع نقطة ً فاصلة بحدَّة في نهاية القصيدة ليفصل بينها وبين تاليتها ، وإنْ كان النصّان يحكيان سردا في النسق ذاته . وهذا ما يشعر به المتلقي منذ البيت الأول في القصيدة التالية ، لأنّ نظام القصيدة يعيد المتلقي إلى بداية الخطو الأوّل ، باعتبار القصيدة وحدة ً مستقلة , لها مقدمة وعرض وخاتمة . وهذا يعني الدخول في حالة شعرية أخرى ، وإنْ كان الموضوع مشتركاً بين النصّيْن.
إلا أنّ خاصيّة الحكي تلك ، في القصيدة ذي الطابع الملحمي ، لا تنبع مِنْ طبيعتها المبنيَّة أساساً على السرد في مستوًى من مستويات تجليها فقط وإنّما مِن طبيعة نظام القصيدة التقليدية بكلّيته . ويتبلور ذلك التتابع الداخلي على مستوى القراءة لدى المتلقي . فهو يَتلقى سمةُ نثرية بلغةٍ شعرية ، مما يدفعه إلى التماس مستويين في لحظة التلقي الواحدة . الأول : متابعة السرد . والثاني الإحساس الجمالي بآلية التعبير . وهذا يجبره على متابعة التفاصيل ، وهي خاصيّة في تلقي النصّ النثريّ ، بدلاً مِن الإحساس بشمولية الدلالة ، السّمةِ المُهيمنةِ في تلقي النصّ الشعري ، أي إنـّه يتلقى نصاً شعرياً بآلية تلقي النص النثري بسبب ما تفرضه القصيدة التقليدية ـ عبر نظامها ـ من سمات الفهم والتوصيل .
أي أنّ الوظيفة التوصيلية تبدو مهيمنة في النص التقليدي , ولكنْ بلغة إيحائية، وهي سمة شعرية. وهذا لا يمنع من الاستنتاج أنّ جوهر القصيدة التقليدية ، وفق ذلك , هو الحكي . والحكي سمة نثرية ، ولكنّ الشاعر العربي أدرك ذلك بحسّه الفني فلجأ إلى تمويه الخطاب وتحسين اللغة بالبحث عن جمالياتها لكي يرتقي على السقوط في الخطاب النثري ، أي إنّه يُلبسُ اللغة َ إيقاعَها الداخلي ويُبرزُه ليخفـّف مِن وطأة الحكي وصحوةِ امتداده في جسد القصيدة .
عبْر هذا الفهم يمكن القول : إنـّنا في تلقي القصيدة التقليدية أمام جوهر نثري ، نحاول ، متلقين وشعراءِ مبدعين ، أنْ نتلقاه خطاباً شعرياً ، عبر اللغة المـُنزاحة والمكثـَّفة والاستبدالية والتكرارية . أي أنـّنا في جوهر الفعل نتآمر مع الشاعر على الجوهر النثري في القصيدة بإلباسه لبوس الشعر ، وتكون بذلك اللغة هي عامل توصيل فني متغيّر لجوهر ثابت هو جزء من بنية نظام القصيدة التقليدية الذي يتحدث عن اللفظ والمعنى وحدتين درسيـَّتين مستقلـَّتين في الحد الأدنى . وعليه يمكن الأخذ بمقولة كوهين (1) : يقوم الشعر برصف(سلاسل من الكلمات المختلفة صوتياً غير أنّ العروض يلصق فوق خط الاختلاف الدلالي سلاسل َمِن التماثلات الصوتية ) بوصفها مقولة مفسِّرة لبنية عمل الخطاب الشعري التقليدي ، وليس الخطاب الشعري بكليته كقصيدة النثر مثلا . وهي مقولة تأخذ بعين الاهتمام شطريّ جملة النقد العربي الكلاسيكي " اللفظ " الشطر الأول و" المعنى " الشطر الثاني ، وآلية تركيبهما أو عملهما في القصيدة التقليدية .
فالحكي ، ذو الطبيعة النثرية ، يعمل بشكل طولي وامتدادي إلى الأمام . وهو جوهر ثابت ، والغاية من إنتاج النص ، ولكنّ آلية إنتاجه تتطلّب متغيرًا لحظوياً وفردياً يُخرج النصّ مِن هيمنة الثابت وطغيانه ليضع النصّ في نطاق التعبير الانفعالي والمجازي والتأثيري بدلاً مٍن التوصيليّ . وهنا لابد أنْ تكون اللغة مخاتلة ًعبر تأثيراتها الجمالية التي تـُنتـَجُ مِن اختيارات الشاعر للكلمة والصوت والمقطع عبر قوانين التكرار والانزياح والاستبدال والتكثيف .
ولا يقف جاكبسون (2) بعيدا عن ذلك حين يتحدث عن التخالف الدلالي فهو جوهر الحكي الثابت الذي نتحدث عنه ، ولذلك يُسقط عليه عنصر الاستبدال في اللغة المجازية ليخفّف من هيمنة عنصر التوصيل النثري ، وُيلْبس جوهرَ الحكي لَبوساً شعرياً عن إدراك ويقظة .
ولكنْ ما يفضح تلك العلاقة التركيبية بين الجوهر السردي الثابت والمتغير الصوتي هو التعارض بين مستويي الإ نشاد في القصيدة : الإنشاد التعبيري ( الدلالي ) وغير التعبـــــــــيري ( الصوتي ) فالصوت بطبيعته الرجعية يخلق خللاً في التوازي بين الصوت والمعنى ، حيث يكون النظم معاكساً للمعنى في مساره . وهذا يعني إمّا إنشاداً يأخذ بالمسار الطولي ويتعامل مع الوقفات الدلالية ، وإمّا إنشاداً يأخذ بالمسار الرجعي ، الصوتي ،ويتعامل مع الوقفات النظمية .
موجز ذلك أننا في القصيدة التقليدية أمام تشكيل فني مبني على عنصرين : جوهر سردي ثابت ، ولبوس استبدالي متغير . وهذا يعني أنّ جوهر القصيدة التقليدية هو الحكي . وسمتها الشعرية هي تمويه ٌ واختزالٌ وتكثيفٌ لذلك الجوهر السردي . وذلك الجوهر السردي الثابت هو ما يدفع المتلقي إلى ملاحقة التتابع ، سمة ًً نثرية ، داخل النص الواحد .
يضاف إلى ذلك أنّ النظام الكلّي لبناء القصيدة التقليدية ، بما فيه العنصر السردي ، هو الذي يمنع, في الوقت ذاته , القراءة المتتابعة لمجموعة من النصوص باعتبارها وحدة كلية تمتلك دوائر للحكي خارج النص المُفرد . ولكي نتلقى ذلك فنياً ، إبداعاً وقراءة ، يجب أنْ نتحدث عن نظام شعري شمولي مختلف ، ومتولِّّد مِن رحم مرحلة تاريخية مختلفة ، وعياً وبنية ، ومولِـِّدة لإرهاصات فنية لا تعرف الفصل في النتاج الشعري بين العنصرين : الاختلاف الدلالي والاستبدال المجازي ، وإنـّما تـُنتجُ نصاً لا تنغلق فيه القصيدة على ذاتها بنيوياً ، ولا يشكِّل فيها جوهُر السرد بنية ً ثابتة ، تنفلتُ من نظام مسبقٍ لا يجعل القصيدة ترقص على قيثارتها الخاصة .



#زهرة_محمد_الكحلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التلقي والنقد


المزيد.....




- جمعة اللامي يرحل بعد مسيرة حافلة بالأدب ومشاكسة الحياة
- رجل نوبل المسكون بهوس -الآلة العالِمة-: هل نحن مستعدون لذكاء ...
- لماذا لا يُحتفل بعيد الفصح إلا يوم الأحد؟
- -ألكسو-تكرم رموز الثقافة العربية لسنة 2025على هامش معرض الرب ...
- مترجمة ميلوني تعتذر عن -موقف محرج- داخل البيت الأبيض
- مازال الفيلم في نجاح مستمر .. إيرادات صادمة لفيلم سامح حسين ...
- نورا.. فنانة توثق المحن وتلهم الأمل والصمود للفلسطينيين
- فيليبي فرانسيسكو.. برازيلي سحرته اللغة العربية فأصبح أستاذا ...
- بمَ تسمي الدول نفسها؟ قصص وحكايات وراء أسماء البلدان بلغاتها ...
- عن عمر ناهز 64 عاما.. الموت يغيب الفنان المصري سليمان عيد


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهرة محمد الكحلي - السرد والشعر