قحطان جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 5092 - 2016 / 3 / 3 - 20:11
المحور:
الادب والفن
كان شبيهي يحدثني بحرقة ..قال لي ان طفولتي كانت معقدة وفيها ارباكات كثيرة ..كانت خالية من اية مغامرات او حكايات الجدّات ، مغامرتي الوحيدة كانت عندما تلقيت اول لطمة من ابن عمارة في منطقة العباسية في بغداد.... ضربني اكثر من مرة و اثار الضحك علي بين الاطفال .. كأنه يريد ان ينتقم مني لانني كنت الطفل الوحيد المدلل في العائلة..اقنعني ان اسرق احدى دجاجات بيتنا ونبيعها في السوق لكي اتجنب لكماته اليومية .. تلقيت بعدها ضربا مبرحا من ابي ..لم التق بابن عمارة بعد ذلك.. واصل شبيهي قائلا . عندما تزوج احد اخوالي بامرأة من الكوفة ، وكان عمري عشر سنوات آنذاك، تعرفت على اول امرأة ضحية، لقد رأيت توسلاتها ودموعها الحارة ، واستمرت على هذه الحال ثلاثة ايام ..حدثت ضجة في البيت قادت الى اجتماع العائلة والاقارب كانهم مقبلون على حرب، لتقرير امر المرأة التي اعادوها الى عائلتها لان خالي اكتشف عدم عذريتها ، وهو الامر الذي فهمته بعد فترة طويلة . لم اعرف فيما اذا كان الامر يتعلق حقا بعذريتها ام بعجز خالي، فقد طرحوا حينها عليه بعض الاسئلة، فيما اذا كان متأكدا من دخوله عليها..طالبوه ان يعاود الكرة ويكون دقيقا في لامر...أتذكرها ، أتذكر توسلاتها وهي تقول وهي تغسل ارضية البيت وحزن عميق يجتاح روحها، وحيدة تماما في محنتها. كانت تقول لهم : مستعدة ان افعل اي شيء لكن لا تعيدوني الى اهلي .. ومنذ ذلك الوقت وانا افكر بالمرأة وعذاباتها اللامتناهية..في ذلك العرس ايضا، في اول أيامه خبأتني جدتي بعيدا عن عيون الضيوف ، في غرفة جانبية، لانها كانت تعتقد ان الثياب التي كنت ارتديها عتيقة، و من غير المناسب ان يراني الاخرون بتلك الثياب..قالت لي جدّتي : ابقَ هنا في الغرفة ، أيّاك ان تخرج منها حتى يذهب الضيوف . التزمت بالامر دون ان اعرف السبب، وكنت اتقلب تشوقا لمشاهدة العرس والعروس الجميلة التي احببتها وتعاطفت معها منذ اللحظة التي رأيت دموعها خلسة. كانت لدي رغبة حينها ان امسح دموعها بثيابي القديمة، وامسح على راسها بيدي الغضتين الصغيرتين، لعلي امنحها بعض من الاطمئنان وهي تعيش غربتها تلك..كانت بي رغبة ان اصرح لها ، انني مثلك غريب وحزين ....كان اهل امي ، كما يعتقد شبيهي ، لا يحبون أمي ، او يعتقدون انهم احسن حالا، ولذلك كانوا ينظرون لنا بتعال ، رغم ان حالهم لم يكن في الواقع ارفع من سنتمتر واحد عن حالنا
بعد سنوات التقيت بابن عمارة .. شرطيا في احد السجون ..ارتعش جسدي كله خوفا ..كان ضخم الجثة اكثر مما تصورته في الطفولة ..انهالت عليّ صورة اللكمة التي وجهها لي في طفولتي ..وامتلأ خيالي بصور جديدة وهو ينهال علي بلكمات اشد قسوة وعنفا..قلت في نفسي اية لعنة جاءت به الساعة ...ورحت اتلمس وجهي وانا انظر اليه بحيرة ..واكتفشت بعد حين، وانا ملقيا على ارضية السجن الباردة، بجسد منهك وقوى منهارة إثر ما تعرضت اليه، ان ابن عمارة لم يتغير ، وانه ما يزال يحمل لي حقدا كبيرا لا اعرف مصدره.
00 00
#قحطان_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟