|
عبد الكريم قاسم والانتلجنسيا ( المدنية والعسكرية):
عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 5092 - 2016 / 3 / 3 - 16:06
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من دروس الثورة الثرية :
عبد الكريم قاسم والانتلجنسيا ( المدنية والعسكرية):
كانت مضامين الحياة الاجتماعية المُعلم الأول لعبد الكريم قاسم، والدافع الأراس لتفكيره المتبني للافكار المساواتية التي تنطلق من اولوية عراقية العراق نحو الانتماء الارحب للأمة العربية. وكما سبق وان ذكرنا بأن أكثر الدلائل المادية المتوفرة تشير إلى وضع العائلة الاقتصادي البائس، رغم أنه لم يصل حد الادقاع، حيث ولد وعاش صباه وشبابه في عائلة لازمتها الحاجة والعوز المادي.. ويمكن الاستدلال على هذه الوضعية من واقع المنزلة الاجتماعية لمحلة السكن (المهدية ومن ثم قنبر علي)، التي سكنتها العوائل الفقيرة والكادحة ومن مختلف المكونات الاجتماعي. هذه الوضعية الاجتماعية وواقع عمقها القاسي ستؤثر لاحقا في ماهيات منظومة قاسم الفكرية وبلورة عنده حلقتان مركزيتان هما: - فكرة المساواة النسبية؛ - والعدالة الاجتماعية بين مختلف الطبقات والفئات. لهذا بدأ يتساءل مع ذاته ويحاورها حول مسببات الفقر والتفاوت الطبقي الذي اقترن بتأثره بالمناخ السياسي ذو النزعة الاستقلالية لواقع البلد وتأسيس مؤسسات ونظم وقواعد للحكم.. إن الهلع والمعاناة والألم الحزين في التراجيديا، أي تلك الحالات التي تنحشر في وعي الذات، كما يقول هيغل، تشكل طريق التنقية والخلاص والذي كان يجري في خطاه كل ما كان ينبغي له أن يحدث. لقد شكلت لدى قاسم المعايشة الاجتماعية في المحلة البغدادية ذات الانتماءات الاجتماعية والاثنية المتعددة، لتضيف حلقة مركزية تمحورت حول: الهوية الوطنية العراقية، والتي عمقتها بيئته العائلية ذات الانتماء المذهبي المختلط. لهذا انطلق قاسم في نظرته للعراقيين كنسيج اجتماعي، يتمثل في معيار أرأس وهو: الوحدة في الاختلاف، وبالتالي اعتبار المواطنة هي الاساس. ولقد تعمق ذلك الشعور الداخلي لديه من خلال تأثره بذلك النهوض الكامن في الحراك الشعبي لاصحاب الصنائع والمهن و جمهرة فئة الطلبة ، منذ نهاية العشرينيات ، المتسم بخطاب الاستقلال وبتشجيع الرواد الأوائل للفكر الاشتراكي والحزب الوطني العراقي بزعامته الأصيلة (محمد جعفر ابو التمن).. وايضا على المستوي الشخصي، من خلال معلمه في الصبا والشباب ومرشده إلى قراءة الأفكار الحديثة، وأخيه بالرضاعة الأديب والوزير لاحقاً، مصطفى علي.. حتى صهرت هذه الافكار الشاب قاسم في أتونها، لتكون منه رجلا ذات رسالة، يسير في دروب الحياة المحفوفة بالمخاطر والصعاب. كما ساهمت المعاينة والمعايشة المبكرة له في الريف (عندما كان معلما) التي استفزت هي الأخرى كوامن مشاعره ونشطت حواره النفسي مع الذات، نظرا لما لمسه من هول الفوارق الاجتماعية والتخلف الحضاري وقساوة منظومة القيم العشائرية وتخلفها. وقد أثارت هذه الظروف جملة تساؤلات عن ماهيات هذه الفوارق واسبابها ومدى دور السلطة في الخروج منها ودور الاعراف العشائرية ذات البعد الاقطاعي في دوام استمرارية التخلف في كل ابعاد الحياة في الحواضر الريفية. ومن نافلة القول لوحظـ، في مطلع الثلاثينيات، نمو الوعي السياسي لدى الجيل الجديد من الضباط وذلك بتأثير العوامل الموضوعية الخاصة بالبلد والذاتية الخاصة بالمؤسسة العسكرية وتصاعد مكانتها الاجتماسياسية. وقد تسرب بهدوء غير معلن، الخطاب السياسي ، بخاصة ذات البعد الديمقراطي، المتشرب بروح الاستقلال السياسي وتطوير الجيش كما ونوعا والمطالبة بتعميم التجنيد الاجباري الذي كانت ترفضه قوى الاحتلال البريطاني وبعثتها العسكرية بعد عام 1932.. مما عمق الشعور المناهض للسيطرة الاجنبية ( المباشرة أو غير المباشرة ). ضمن هذه الظروف ومشاركته العسكرية في إخماد الانتفاضات العشائرية. هذا الظرف وتشعباته قد ساهمت:
{ في نقطة تحوله من ضابط مهني إلى ضابط سياسي }
وقد انعكست هذه الحالة في تعمق عراقويته وهويته الوطنية، وبدأت رؤيته السياسية آنذاك اكثر وضوحا بسبب احتكاكه بالعاملين في الحقلين السياسي والادبي ضمن القوى العراقوية وبالأساس مجموعة الأهالي والتثقيف الذاتي بالافكار المساواتية. هذه القراءات النظرية وتلك النظرة التأملية للحياة العملية وما فيها من تناقضات وذلك الاحتكاك المعرفي بالقوى السياسية وملموسية الصراع الاجتماسياسي وبروز المؤسسة العسكرية كقوة ترجيح أساسية في الساحة السياسية، صاغت من قاسم مَعلماً عسكريا يتفوق في مهنته وفي تصوراته السياسية العامة. يذكر أحد طلابه في الكلية العسكرية أنه عند مرورهم بمحلة البتاويين التي كان يسكنها الاغنياء قال مخاطبا إياهم: "... انظروا إلى هذه الدور، إنها سوف تكون ملكاً مشاعاً لكم جميعا بالمستقبل، إن المستغِلين سوف يفقدون امتيازاتهم والمحرومين ينالون حقوقهم ... ". كما كان هنالك عامل آخر، كما اعتقد، ساعد قاسم على تلمس الانتماء على عالم الانتلجنسيا العسكرية هو الانتماء إلى كلية الاركان والتي هي في حد ذاتها دراسة عليا (الماجستير) للعلوم العسكرية، التي رافقها تبلور العداء الى المستعمر البريطاني الذي احتل للمرة الثانية للبلد (حزيران 1941- أيار 1947) عندما ساهم قاسم في الدفاع عن حكومة الدفاع الوطني. وبهذا التخرج من كلية الأركان ولوج قاسم إلى فئة الانتلجنسيا العسكرية وأخذ يبلور ذاتها المعرفية من خلال الصحبة لمجموعة من المثقفين العضويين من امثال الاديب ومعلمه الأول مصطفى علي ، ورفاقه في السياسة والادب .. والذي إلتقىاه ثانيةً في البصرة، والعلاقة بينهما ليست كما كانت في السابق ( معلم وتلميذ)، بل كانت وبخاصة بعد ترقية قاسم في المناصب العسكرية التي اكسبته الوجاهة الاجتمامعرفية ، وبداية صعوده لمراكز القوى العسكرية الوسطى.. وفي الوقت نفسه تعميق بعده الفكري والمعرفي واللغوي حيث كان قد تعلم اللغة الانكليزية التي كان يقرأ بها المصادر العسكرية، كما أخذ بتعلم اللغة الكردية ويثقف نفسه ذاتيا. كما كان يراكم هذه المعارف الجديدة والنظرات السياسية الأكثر ملائمة مع الواقع العراقي.. وتتسع علاقاته النوعية مع زملائه العسكريين من التنظيمات الديمقراطية والشيوعية من الضباط الأحرار، منهم: سليم الفخري وغضبان السعد ووصفي طاهر وإسماعيل علي وجلال الاوقاتي وفاضل البياتي وسعيد مطر ومحي الدين عبد الحميد وعبد الوهاب الشواف وناظم الطبقجلي وغيرهم، ويرتبطون بعلاقة حميمية حتى(اعتقد) البعض ان قاسم منتمياً لذات الحركة السياسية . هذه الصحبة المهنية والاجتماعية قد تعمقت أبعادها الفكرية ذات المضامين العضوية عندما إلتقى بالجواهري الكبير في لندن عام 1947، ويتعارف على القيادي في الحزب الشيوعي العراقي عامر عبد الله عام 1949، وكمال عمر نظمي الكادر المتقدم بالحزب ذاته، حيث تم تعارفهما عام 1953 من خلال شلة الادباء والكتاب التقدميين الذين كانوا يجتمعون في مطعم (شريف وحداد) لصاحبة رشيد مطلك (رسول قاسم إلى الحزبين الوطني الديمقراطي والشيوعي والشخصيات المستقلة وعضو الحزب الوطني الديمقراطي) كناظم الزهاوي ومصطفى علي والدكتور جواد علي وغيرهم. كذلك كان قاسم قد إلتقى الشيخ محمد رضا الشبيبي قبل قيام الثورة لمناقشة الوضع السياسي وكيفية انقاذ البلد ، كما كان يطلب المشورة الاقتصادية والسياسية من الشخصية الاصلاحية محمد حديد نائب رئيس الحزب الوطني الديمقراطي من خلال رسول قاسم وأيضاً مع حسين جميل سكرتير الحزب المذكور، الذي اقترح على الأخير ان يكون رئيس وزراء حكومة الثورة وكذلك مع استاذه في الاعدادية المركزية محمد بهجت الأثري وغيرهم. ومن الملاحظ أن عبد الكريم قاسم كلما كان يقترب عملياً من التحقيق المادي للتغيير، كان يبتعد عن الوسط المثقف التقدمي بصورة خاصة، كي يتخلص من الرقابة العسكرية الصارمة المفروضة على كبار القادة العسكريين.. وفي هذا الجو يذكر مير بصري من أن قاسم: "... وكان في السنة التي سبقت الثورة يلتقي بمصطفى علي حين يأتي إلى بغداد فيقول له: أريد أن أتحدث معك في شؤون خطيرة، وحين يبدي له مصطفى استعداده، يقول عبد الكريم ليس الآن، سوف نتحدث في فرصة قادمة. وتكرر ذلك القول وتكرر الإرجاء حتى أعلنت ثورة 14 تموز، فإذا بمصطفى علي يسمع اختياره لمنصب الوزارة من الاذاعة دون سابق علم أو توقع...". ويكمل بصري رؤيته ويشير إلى "... تشبيه عبد الكريم قاسم بزعيم من زعماء الثورات العالمية فأنه يصح تشبيهه بأوليفر كرومويل الذي أعدم شارلس الأول ملك انكلترا سنة 1649 واصبح بعد ذلك حاميا للجمهورية. ولئن استمد كرومويل عزيمته وقوته النفسية من ايمانه الراسخ وتدينه الشديد، لقد نبع تصميم عبد الكريم قاسم وخلقه القيم من تجرده ونشأته الشعبية ونزعته الانسانية. كان كلاهما يستهدف الخير والاصلاح . لكنهما لم يستطيعا وقف الشر الذي اتبعث من أعمالهما ولا ترسيخ النظام الصالح الذي حاولا المجيء به... " . والنقلة الأهم في تقربه من الانتلجنسيا العضوية عندما تبني ممارسا في البدء فكرة التغيير الجذري ومن ثم امكانية تحقيقها ماديا من خلال اشتراكه في تأسيس منظمة الضباط الوطنيون عام 1948 ومن ثم العودة ثانية، بعد تفكك هذه المنظمة، إلى ذات الموضوع منذ عام 1950 حيث بدأ من معسكر الحلة يعيد تنظيم خاص به، ومن ثم تشكيله وترأسه لتكتل المنصورية، الذي ساهم قبيل اندماجه مع كتلة القادة (منظمة بغداد) في فضح التآمر على سوريا عام 1956 ، ومن ثم مشاركته في تفعيل تكتلات الضباط الأحرار وقيادتها ومساهمته في تهيئة العامل الذاتي للحركة وجمعها في تحديد وتفعيل الهدف الأراس إلا وهو تغيير النظام بعد أن عجزت القوى المدنية عن تحقيق ذلك رغم مساهمتها غير المباشرة في تهيئة الظروف من خلال تصعيد الازمة البنيوية للنظام عبر الانتفاضات الشعبية في الريف والمدينة وتبنيها للحراك المطلبي للعمال. وتأسيسا على ذلك وما يتضح من ماهيات سيرة قاسم. يمكننا اعتباره في البدء ضابطاً عسكريا ومن ثم تحول إلى ضابط سياسي ومن ثم إلى سياسي بلباس عسكري، ويمكن تحديد تأريخية انتماءه إلى فئة الانتلجنسيا، وبصورة خاصة جناحها العسكرية، عندما أنهى كلية الأركان وبتفوق. وأشتدت هذه النزعة بالانتماء إلى هذه الفئة العضوية ما عكسه أصراره على تغيير النظام، وما تم تحقيقه والمتمثل بالمنجز الاجتصادي/ سياسي والثقافي/ الفكري بعد التغيير الجذري في (ثورة) 14 تموز ، كذلك الطبقات والفئات الاجتماعية المستهدفة من حيث النوع والكم من جهة. ومن جهة آخرى ما لعبته فئة المثقفين، بقدر الممكن والمتاح، من دور في إدارة مؤسسات الدولة والاهتمام بالمنجز الفكري من قبل الحاضنة الأرأسية (الدولة). ومن ثم ارتفاع في مستويات دخول ومعيشة هذه الفئة، نتيجة إعادة التوزبع العادل نسبياً للدخل الوطني الذي ارتفع من 262,8 مليون دينار عام 1953 إلى 503,1 مليون دينار عام 1962.. علما بأن هذا التوزيع اصاب أغلب الفئات الاجتماعية وبصورة خاصة الفقيرة وذات الدخل المحدود. كذلك الارتقاء بالوعي الاجتماعي في تجلياته الجمالية وبالنتيجة اعطاء المثقف دوره الطليعي في تعميق تربة التغيير وتحقيق ما خطته لنفسها ثورة تموز على كافة الاصعدة، التي باتت من الصعب تلاشيها بحكم عدم خضوعها للصدفة حسب، طالما كانت ضمن التأريخ الذي في أحد جوانبه ليس سوى عملية خلق الذاتي للانسان عبر تطور عمله وإنتاجه وبالاخص الفئة المنتجة للافكار. ومن جهة ثالثة سعي الثورة لاستيعاب الحداثة والانفتاح عليها، كممارسة عملية مستهدفة وعتلة الاندماج العضوي في ماهية العصر، مما أدت إلى تفتح المواهب والكفاءات الفردية بصورة ملحوظة، حتى اصبحت المواهب قوة اجتماعية بفضل ما وفرت لها من شروط مادية ومعنوية لتطورها الذاتي ونضجها الاجتماعي ورسمت مجالات إعادة إنتاج ذاتها وإسهاماتها في الانتاج الاجتماعي. هذا التحول قد أصاب وبهذا الكم والنوع الكبيرين، على الأخص، الفئات الاجتماعية الوسطى والانتلجنسيا المدنية، بحيث أهلها لإداء أدوار لم تكن ظروف المرحلة الملكية تسمح لها بإدائها نظرا لتخوف النخبة السياسية الملكية منها. وهذا مثل أحد المضامين التاريخية لثورة 14 تموز. وفي الوقت ذاته أرست لبناة التطور للانظمة اللاحقة من خلال حملة الأفكار التحديثية وبناء أسسها المادية. كما ان التوسع في العملية التعليمية والتربوية، سواء في جانبه الكمي أو انتشاره الجغرافي حتى بلغ المناطق الريفية والنائية، وشموله الاجتماعي حيث نالت الفئات المسحوقة حصتها من هذه السياسية ، أو في جانبه النوعي الذي شمل مختلف المستويات ومديات اختماراتها وانفتاحها على الكثير من الفلسفات والآراء الفكرية عبر (تحرير الثقافة)، التي حررت أبعاد أمواجها، موسعة من فرص التعليم الذي أصبح مجانياً لكل مراحله، ومن إمكانيات التمتع بثماره إلى جانب ما اوجدته أو أرتقت بما كان قائماً، في مختلف المؤسسات والمنظمات الثقافية وأشكال التعبير الحديثة ومضامينها وأبعادها الجمالية في الثقافة السياسية والادبية وفي التصورات الشعبية وغيرها من المجالات، حتى أنها أنضجت أسلوبا ً تعبيراً جديدا أقتبس مضامينه من الهدف المرتجى ذاته ومن الانسان باعتباره قيمة مطلقة . وكان من أحدى تجلياتها في الأدب، إذ "...لا شكَّ أنه في أعقاب ثورة 14 تموز 1958 وتوفير الأجواء الملائمة والمحفزة على الإنتاج الأدبي (البناء) قد ساعد كثيراً في بلورة ملامح هذا الاتجاه وتحديد سماته الجديدة في القصة العراقية، فقطاع الريف شهد ثورة لم يسبق لها مثيل، وكذا الحال بالنسبة للعمال والطلبة في المدينة، مما دفع بكثير من القصصيين إلى استثمار ذلك التحول السياسي والفكري في إغناء موضوعاتهم بعد استيعابهم لحدود التغيير الاجتماعي ومؤشراته المختلفة الذي انعكس على رؤيتهم الفنية والفكرية للحياة، ولهذا ظهرت قصصهم تحمل خصوصية معينة تمثلت بعمق الإحساس النفسي والرؤية الفنية الشاملة للواقع منعكسة على طبيعة اختيارهم لأحداث رواياتهم وشخصياتهم، ومن ثمَّ فقد كان ذلك حافزاً على استخدام أدوات فنية ملائمة يمكنها التعبير عن الوظائف الجديدة للعمل الروائي التي حددتها متطلبات الظرف التاريخي الذي مرَّ به المجتمع العراقي... ". كما أنزلت مرحلة تموز ضربة قوية بمنظومة القيم الاجتماسياسية للعلاقات ما قبل الرأسمالية وبخاصة البالية منها. وبالمحصلة العامة، مهدت لسيادة الوعي المديني الحضري على الوعي الفلاحي الريفي ومنظومة قيمه. بمعنى آخر شرعت الثورة الأبواب للحداثة الاجتماعية والثقافية وما يرتبط بهما من نهضة شاملة وما يستنبط منهما من مهام أنعكست جدلياً في الانعطافات الاجتماعية التي شهدها المجتمع العراقي بصورة جذرية وعلى كافة الأصعدة الحياتية. وهكذا هيأت فئة المثقفين (والعضويين بصورة خاصة) تربة التغير الجذري، وبالتالي بنوا تاريخا جديدا للبلد، من خلال نضالهم من أجل وضع العراق على سكة الحداثة.. وتحقيق ذاتهم وحضورهم في مشهد البناء الحياتي، بعد تجسد هذه الفكرة الغائية والتي انصبت على الاهتمام بالانسان لذات الانسان وبالعلم كوسيلة رافعة، والمنطق كوسيلة عقلانية. ومن هذا المنلطق استمر الكثيرون منهم وبالاخص العضويين، في اعادة الاعتبار لهذه المرحلة بعد انتكاستها وتغيبها القسري من أنصاف المتعلمين وبالمعونة الخارجية ، طيلة الجمهورية الثانية (9 شباط 1963- 9 نيسان 2003) وفي الجمهورية الثالثة ( 9نيسان 2003- والى الان).
الهوامش: 1- العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين الزوبعي، الموسوعة، ج. 6، ص. 15-16، مصدر سابق. 2 - كان الرئيس (النقيب) الركن عبد الكريم قاسم قد تم تعينه آحد آمرية الوحدة العسكرية المرابطة في البصرة.. وهناك إلتقى بمصطفى علي الذي كان يعمل مفتشاً في الطابو منذ بدء الاربعينيات. وكان يلتقي قاسم وبصحبته اصدقائه مثقفي المجتمع البصري، حيث يجتمعون في مطعم فوانيس، ويتبادلون ويتناولون في احاديثهم الابعاد الفكرية والسياسية التي كانت تعتمل في جوف الواقع العراقي. 3 - راجع كتابنا عبد الكريم قاسم من ماهيات، ص. 255 مصدر سابق. حيث كان قاسم مشتركا عندما كان ملازما، في جريدة هاوار التي كان يصدرها في سوريا الأمير جلادت بدرخان.. وهذا ما اكده الكراس الخاص التي اصدرته وزارة الدفاع عن قاسم، وما اشار إليه أيضا عبد الكريم الجدة من أن قاسم يجيد اللغات : العربية والانكليزية والكردية. وبهذا فهو أول حاكم عربي في العراق المعاصر يتعلم اللغة الكردية. 4- حتى أعتقد الزوجان زكي وسعاد خيري، في كتابهما : دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي، ص. 261، 1984، دار النشر ومكانه بلا، من أن عبد الكريم قاسم قد أنضم إلى اللجنة الوطنية لاتحاد الجنود والضباط التي كان يشرف عليها الحزب الشيوعي. كما اعتقد حنا بطاطو من أن قاسم قد سبق و "... أقام اتصالاً يوماً ما مع الرابطة أو بعض أعضائها لكن ما من دليل حاسم على ذلك ". ج. 3، ص. 251، ويقصد بالرابطة (رابطة الشيوعيين العراقيين التي اسسها داود الصائغ بعد انشقاقه عن قيادة فهد. وكان سليم الفخري وغضبان السعد من كوادرها القياديين). 5 - راجع ليث الزبيدي، ثورة 14 تموز في العراق، هامش ص.332،ط.2، اليقظة العربية ، بغداد، 1981 6 - للمزيد راجع جليل العطية، جواد علي ، صاحب المفصل ، جريدة المؤتمر ، لندن في 1شباط2002. 7 - اشار مؤلف موسوعة 14 تموز في الجزء الاول وفي هامش ص.87 ، إلى اجتماع " المرحوم الشيخ الشبيبي مع عبد الكريم قاسم قبل ثورة 14 تموز مرتين 1956،1958 وبحثا الوضع السياسي المتردي في العراق وكيفية انقاذه...". 8 - راجع للمزيد ، محمد حديد ، مذكراتي، ص.301، دار الساقي ، بيروت 2006. 9- راجع د. عادل البلداوي، الحزب الوطني الديمقراطي في العراق ، 14 تموز 1958- 8 شباط 1963، ص. 37، بغداد 2000، دار النشر بلا. مستندا بذلك إلى ما صرح به حسين جميل لهناء العمري في مقابلة منشورة في مجلة آفاق عربية، العدد 8، آب 1986، وكانت بعنوان: حسين جميل يتحدث عن جبهة الاتحاد الوطني وتنظيم الضباط الأحرار. 10 - مير بصري،اعلام السياسية في العراق الحديث، ص. 246، و 250، رياض الريس للكتب،لندن 1987. 11 - لقد اشار مرافق الزعيم قاسم حافظ علوان، الذي كان أمر فصيل الدفاع والواجبات في اللواء التاسع عشر، إلى اجتماع قاسم برئيس أركان الجيش السوري عفيف البزري ومدير الاستخبارات العسكرية عبد الحميد السراج، بغية التعاون معهم وفضح تهديد الحكومة العراقية لسوريا والاطاحة بها. للمزيد راجع خليل إبراهيم حسين، الموسوعة، ج. 6، ص. 100 وما بعدها. كذلك عبد الكريم الجدة، ثورة الزعيم المنقذ، مصدران سابقان. وكذلك د. علي كريم سعيد ، عراق 8 شباط من حوار المفاهيم إلى جوار الدم ، مراجعات في ذاكرة طالب شبيب، الكنوز الادبية، بيروت 1999. 12 - يقول الباحث التراثي هادي العلوي: " إن المأثرة الثقافية الرئيسية لثورة 14 تموز تكمن في فتحها الأبواب الواسعة للقافة العالمية التقدمية التي كانت ممنوعة في العهد السابق ... وقد شكل ذلك المقدمة اللازمة لتكوين معرفي جديد ينطلق منه الإبداع المنشود في هذا المجال... وفي الواقع كانت تلك المدة الاستثنائية من تاريخ العراق الحديث بمثابة حاضن لنمو ثقافي أبعد مدى بما وفره من أسس ومنطلقات لم تكن ممكنه تحت النظام السابق البعيد عن روح العصر...". الثقافة الجديدة ، العدد المزدوج، 199-200، تموز 1088. 13 - وعلى سبيل المقارنة، بلغ عدد خريجي الكليات العراقية طيلة المرحلة الملكية برمتها 8958 خريجا، كما بلغ مجموع البعثات الدراسية للمرحلة ذاتها 2021 طالب بعثة .. في حين تم إرسال أكثر من 3000 طالب وطالبة للدراسات العليا عام 1959 فقط فضلاً عن ألف منهم على نصف نفقتهم الخاصة، وكان تعداد الطلبة قبل الثورة 500 الف، قفز العدد بعد الثورة إلى 818880 طالب وطالبة.. راجع عبد الكريم قاسم ، حقيقة التاريخ وتاريخ الحقيقة، شهادة طالب حامد قاسم، رواية عبد العباس عبد الجاسم، دار الكتاب العربي، بغداد، التاريخ بلا. 14 - ويذكرالدكتور عديد دويشا في كتابه: تاريخ العراق، ص. 239 ، مصدر سابق "... ان جيلاً جديدا من الفلاحين الذين كانوا أميين لقرون، كان يتلقى تعليماً مناسباً. وفي واقع الأمر كان التعليم يمثل أولوية حكومية أخرى. ومع تضاعف الميزانية المخصصة للتعليم، بلغ عدد الطلبة المنخرطين في المدارس الابتدائية والثانوية في عام 1963 ثلاثة أضعاف عدد المنخرطين في المدارس في عام 1958 في نهاية العهد الملكي. وعلى نحوٍ جلي، كان العراق يشهد تحولاً اجتماعياً مهماً، ناجم عن حافز أصلاحي قوي التأثير...". 15 - د. باقر جواد الزجاجي، بواكير التفاعل الفني بين الشكل والمضمون في الرواية العراقيـة يقول عن تموز في الحقل الثقافي ، موقع جامعة أهل البيت . http:/
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من تاريخ العراق المعاصر: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة الما
...
-
من تاريخ العراق المعاصر: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة الما
...
-
من تاريخ العراق المعاصر: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة الما
...
-
من تاريخ العراق المعاصر: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة الما
...
-
من تاريخ العراق المعاصر : واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة الم
...
-
من تاريخ العراق المعاصر: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة الما
...
-
من تاريخ العراق المعاصر : واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة الم
...
-
من تاريخ العراق المعاصر : واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة الم
...
-
دروس من تجربة الثورة الثرية ***: الجادرجي والزعيم (2-2):
-
دروس من تجربة الثورة الثرية : الجادرجي والزعيم (1-2):
-
حوار من الباحث الاكاديمي عقيل الناصري
-
حقوق المرأة السياسية في الدساتير العراقية ، دراسة مقارنة.
-
من تاريخية الانتلجنسيا العراقية
-
جوانب من تاريخية صراع الهوية في العراق :
-
تموز ومعضلة قدوم العسكر للسلطة( 5-5) دفاعا عن تموز
-
تموز ومعضلة قدوم العسكر للسلطة (4-5) دفاعاً عن تموز
-
تموز ومعضلة قدوم العسكر للسلطة ( 3-5) دفاعاً عن تموز
-
تموز ومعظلة قدوم العسكر للسلطة (2-5) دفاعاً عن تموز
-
تموز ومعظلة قدوم العسكر للسلطة ( 1-5) دفاعا عن 14 تموز
-
من ماهيات ثورة 14 تموز ( 6-6) مفاصل التغيير وملازماتها في ا
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|