أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فيصل البكل - - إرادة السعادة -














المزيد.....

- إرادة السعادة -


أحمد فيصل البكل

الحوار المتمدن-العدد: 5091 - 2016 / 3 / 2 - 03:22
المحور: الادب والفن
    


كل ما حولي لم يكن ينبىء بأي أمارة من أمارات إثارة مشاعري ، كان "الباص" قد تحرّك لتوّه عائدا من الغردقة إلى ضجيج القاهرة وصخبها وصداعها ، لم نكن تخطّينا "الجونة" بعد ، كنّا في قلب قيظ الصيف ، على يساري كان يجلس صديقى نصف يقظ نصف نائم ، وعلى يمينى كنت أرقب من النافذة الصخور الممتدّة بمحاذاة الشاطيء متسربلة بصمتها الأزلى إزاءنا وإزاء تلك الأمواج التى تتكسّر على أطرافها ، وخُيّل إليّ أن الشمس تكاد تخترق سقف الباص نافذةً إلى رأسي وأطرافي وقلبي ، وبدا لى وكأن طريقها إلى إحساسي كان معبّدا ، فما هى إلا لحظات حتى نبتت فيّ رغبة في الكتابة على حين فجأة ، والرغبة في الكتابة تعنى أننى أرغب في أن أحيا ، وأنني أحيا لأرغب ، وتعنى فيما تعنيه أنني ما زلت أحمّل الحياة أكثر مما تحتمل ، أحمّلها ربما ما لا طاقة لها به . إنها الرغبة التي تربطنى بالأرض وبالعالم وتشدّنى إليهما ، تلك الرغبة التي تخلّص منها فلاسفة الشرق الأقصى وحكمائه ، هؤلاء الذين قالوا إن كل مرض يبدأ من الثقة فى الحياة ، الثقة في أن الحياة يمكن أن تعطينا أكثر مما في استطاعتها ، وكان كفّهم عن الكتابة كفّا عن الرغبة في الحياة . ربما كانوا هم فوق مستوى الإنسان ، غير أنني ما زلت لم أدرك مستوى الإنسان بعد ، والرغبة ما زالت مستبدة برأسي وأطرافي وقلبي ، إنها ماضية في تفتيتى أكثر فأكثر .

لم أكن أعرف عن أي شيء أريد أن أكتب ، عن تلك الروسية التي حدّثتها عن دوستويفسكى وتشيكوف وإتضح لي أنها لا تعرفهما ، أم عن ذلك الوقت الذي قضيناه في لعب "الفولي" على البلاج ، والواقع أن ما كان يثيرنى ليس استثنائية تلك اللحظات ، وإنما رغبتى في الإمساك بأي منها ، رغبتى في الإمساك بأي شيء ، وجعلت اتسائل في نفسي : هل كنت سعيدا في تلك اللحظات؟ الحقيقة أن السعادة تُعاش ولا يُكتب عنها ، إنها تُحس ولا يُفكّر فيها . وما أن نعى أننا سعداء ، حتى تستحيل السعادة هباءً لا يمكن العثور عليه . ولكن ما الذى يمكن أن تعنيه السعادة إن لم تكن سوى تشنجات نادرة عابرة في مسيرة الزمن؟ هل نحن نشترك في امتلاكنا لإرادة السعادة كبشر ؟ الفلسفة الوجودية لأنها تهتم بكل ما هو مفرد وفريد في كل إنسان تقول إننا لا نملك حسا مشتركا ، وكانط يرفض ذلك بقوله إننا وإن كنا لا نقدر على فهم الحرية في ذاتها ، إلا أن كل البشر لديهم حسا بالحرية لا يمكن انتزاعه منهم . فإن كنا نملك جميعا إرادة السعادة ، فماذا نكون غير مجانين يقررون أن الحياة تستحق أن تُعاش لأجل لحظات نادرة عابرة؟

الواقع أن أكثر المهتمين بالسعادة اعتقدوا أن السعادة لا وجود لها ، فبوذا قال صراحة إن السعادة الأرضية التي يعتقد بها الوثنيون لا وجود لها ، وإن السعادة التي تعتقد بها الأديان السماوية لا وجود لها ، وأن كل ما في استطاعتنا هو السعى للخلاص من كل إحساس ، وجاره لاو تسو قال إن علينا أن نبقى قلبنا فارغا لا أكثر ، وإبكتيتوس على الجانب الآخر يقول إن السعادة ليست في المتعة والكسب وإنما في الخلاص من الرغبة . إنهم جميعا يتوهّمون أن العيش في الجبال يجعلهم فوق مستوى الإنسان ، وهذه حقيقة ، فكل مصاب بمرض النبوة عاش في الجبال أو في الصحراء لفترة ما ، ولا بد أن يشعر كل من يعيش وحيدا في قلب الطبيعة أن تلك الطبيعة الصامتة منذوره له طالما أنه لا يرى بشرا من حوله نُذروا له .

لم أكتب ، ولم يتغيّر شيء حولي من تلك الأشياء التي لم تنبىء بأي أمارة من أمارات إثارة مشاعري ، ومضت الشمس تخترق سقف الباص نافذةً إلى رأسي وأطرافي وقلبي ، وبقيت الرغبة في السعادة بداخلي رغم إغراءات الحكماء ، وبقى فيّ الأمل في أن أسعد .



#أحمد_فيصل_البكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - لحظة -
- - خربشات .. المانيكان -
- - خربشات 2 .. نرسيس الذي أُسيء فهمه ! -
- - خربشات -
- - لا شيء -
- - لاعب النرد - و - شفقة -
- - الفرج - و - عم حسنين -
- قصتان قصيرتان
- خالعة العقد .. قصة قصيرة
- - أزمة وعي -
- هل الإسلام دين شمولي؟ نظرة لحد الردّة
- مدام هناء .. قصة قصيرة
- الضاحك الباكي .. قصة قصيرة
- المأزوم .. قصة قصيرة


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فيصل البكل - - إرادة السعادة -