سعد محمد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5088 - 2016 / 2 / 28 - 00:45
المحور:
الادب والفن
غزلان البراري واحلام الطفولة
كانت قوافل الطفولة تجمعنا كل صباح .. ونحن نطارد باقدامنا الحافية الصغيرة والمعفرة بغرين الجداول.. الفراشات والزبابير والارانب البرية بفرائها الرمادي .
ونتوزع كخلايا النحل بين البساتين الغافية حول نهر الفرات او نقلد قفزات الجراد الهاربة وكأننا كناغر صغيرة تتقافز بنزق.
عادة ما كنا نباغت دعاسيق (غزلان البر) النائمة اثناء سباتها في عزلتها ما بين سنابل القمح في اطراف الريف .. او لدى زيارتها لشبابيك المدينة فنصطاد تلك الحشرات الفردوسية الصغيرة باكفنا الناعمة برفق .. ثم نرفعها عالياً نحو السماء بعد ان نفتح راحة اكفنا للشمس كي تحلق بعيدا نحو معبد الشمس .. ونحن نردد ترانيم الطفولة .. "يغزيل البر طير .. طير طارت .. عنك الغزلان" .. فتحلق دعاسيق الضوء باجنحتها نحو الفضاء وهي تحمل أحلامنا وافراحنا واناشيد بيادر السنابل الى عرش الله.
وفي رحلات اخرى كنا نقصد بها النهر ونحن نطلق العنان لاقدامنا الفرحة لنصطاد غزلان البر المتخفية ما بين نباتات شجيرات الصفاف الحزينة والغرب والبطنج والعاقول وثمار العليق.. ثم نلقي بها بحذر وهدوء في النهر ونودعها باهزوجة.. "غزالة غزلوكي وبالماي دعبلوكي".. فتعوم الدعاسيق لوهلة قصيرة مع امواج النهر الناعسة بعدها تفرد اجنحتها الصغيرة وتطير متوارية نحو الضفة الاخرى ..
ثم نرجع الى بيوتنا بعد رحلتنا مع دعاسيق الالوان والطفولة وبعد ان نقطف ايضا بحزم من اعشاب نباتات البطنج وسميسماء الله وثمار الفدع وكأن كلكامش كان هنالك فوق اسوار الزقورة وهو يراقبنا و يبتسم ونحن نقلد رحلته الخالدة ثم نعود الى اطراف اوروك.
تعود قوافل رفاقنا وهي جائعة ومتعبة من رحلات الصيد وقطف الثمار قنفترق بعضا الى المدينة والبعض الاخر الى اطراف القرى وروائح التنانير الطينية التي مازال يتصاعد منها دخان سعف النخيل ورائحة خبز الامومة في مساء القرى التي تودع غروبها الوديع.
#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟