فؤاده العراقيه
الحوار المتمدن-العدد: 5085 - 2016 / 2 / 25 - 23:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
انها لخسارة كبيرة ,خسارة ان يقضي الغالبية اعمارهم وفق مفاهيم اعتبروها مطلقة فتصورا انفسهم مكتملين بها .
خسارة ان يمنع الغالبية اطفالنا من السؤال والشك والتفكير ويعطوا جواب ثابت ومحدد مسبقاً لكل سؤال يوجهه لهم الأطفال ليجعلوا من الحقيقة منفردة بذاتها ولا تقبل التعدد رغم ان لا حقيقة مطلقة في هذا الكون حيث انها تتغير كل يوم لا بل وكل ثانية . ولكن هيهات لهم من ان يقنعوا بالتغيير ومهما زاد الوضع سوء لا يجدوا سوى الصبر وسكرة الغيبوبة يعزّوا بها انفسهم لحين لا يعلموا مداه .
هذه الخسارة تنبع من الإيمان بفكرة ثابتة لا تقبل الشك ولا التغيير فغفلوا عن قوانين الحياة التي صارت من البديهيات لغيرنا وهي ان الحركة مطلقة والسكون نسبي ,يغفلون عن واقع لمسوه وسمعوا به من خلال مجتمعات لا تعرف السكون واستمرت ولا تزال مستمرة في التغيير وعاشت الحياة بكل ما تحمل من معنى فتقدمت عليهم دهرا ليبرروا ازدهار تلك المجتمعات بتبريرات بائسة كأن يقولوا بانها ارادة الله وحكمته التي نجهل سببها , أو هو امتحان لنا ومن ثم يُصبّرون انفسهم بفكرة أن تلك الشعوب كفرة وسينتهون الى النار في محاولة لإقناع انفسهم بأنهم خير امة اخرجت للناس ليبتهجوا بتلك الفكرة البائسة .
انها لخسارة كبيرة , خسارة تعترضنا جميعا نساءً ورجال , فعندما ندفع ثمنا باهظا مقابل الحصول على بعض من الحقوق الضئيلة والتي هي بالأصل لا ترتقي لتسميتها حقوق لهي خسارة كبرى ,ولكن خسارة النساء تكون اضعاف مضاعفة من خسارة الرجال كون الرجال هم من أرخوا التاريخ واستندوا على مفاهيم مقدسة وضعوها لصالحهم , فنشأ العقل العربي عليها وعلى عدم التفكير والشك بها لينعدم فضوله وشغفه بالمعرفة فتشبث بموروثه القديم دون رغبة منه لكنه مجبرا عليه لانعدام البديل لديه واهما بان الحلول تكمن بها دون دراية منه بمدى تأثيره السلبي عليه كونه وضع الحدود لعقله فآل وضعه إلى غفلة كبيرة وكلما غفل عن المسببات كلما غاص بها أكثر فعاش بدوامة كبيرة افرغت محتواه وشوهت طبيعته ,إضافة لهيمنة المستعمر عليه منذ عقود بتشجيع او فرض هذا الموروث وبطرق عديدة مستغلا ذلك الموروث بغية بقاء الشعوب تراوح مكانها وبالتالي ستغرق بكم من المشاكل والعوائق شلّت قدرته ووقفت حجر عثرة في طريق اي ابداع لديه كما هو حاصل اليوم فدفعت الشعوب خسارة بل وخسارات كبيرة من اعمار يقضي منها سنوات ليحصل بالتالي على حقائق صغيرة كان من المفترض عليه ان يعرفها دون ان يبذل اي جهد بها.
خسارة ان نقضي حياتنا مستعينين بالقناعة والصبر ومن ثم نفتخر بان صبرنا لا حدود له متوهمين بأنه سمة من سمات القوة رغم انه ضعفٌ مقبع وقلة حيلة عندما نقضي حياتنا ونصبّر انفسنا بالصبر.
خسارة ان نفقد قدرة التأمل في الحوادث التي تمر بنا ونعيش الحياة اموات على شكل أحياء بأجساد تتحرك دون عقول ,خسارة أن نهمل اكبر رأس مال لدينا ونتشبث بجسد سيكون في يوما ما غذاءً للبكتريا ليس إلا , خسارة ان نسكن على تقديس اوهام دون ان نستلذ بشغف المعرفة بعد ان ترهلت عقولنا وصارت لا تعرف سوى لذة الغرائز وهي القائدة لنا ومن ثم تنتهي حياتنا دون ان نفهم معناها ودون ان نتذوق اقدس لذّة عرفها الإنسان وهي لذة المعرفة .
هذه الخسارة تبدأ منذ طفولتنا وتستمر لغاية ان نغادر هذه الحياة لتكون هي الخسارة الأكبر لنا .
فهل يُعقل بان ندفع الكثير لنعرف القليل من الحقائق التي اصبحت لغيرنا بديهيات لا تُذكر لمن حالفه الحظ وولد في مجتمع يحترم ويعرف قيمة ألإنسان مجتمع طالما حلمنا ولا زلنا نحلم به , مجتمع مبني على العدالة ويخلو من الظلم والفوارق الطبقية والجنسية والاجتماعية والخ .., به يستغل الإنسان لا لأخيه الإنسان بل لمقدراته دون ان يُبدد جهد بتلك الدوائر العقيمة التي تدور بنا دون ان نفهم ولا نعرف سوى التكاثر ومن ثم نفخر بتزايد اعدادنا ليتكرر نفس الحال ونكرر نفس النهج ونفس الدوران ونكون عاجزين عن معرفة سبب عجزنا وتأخرنا بعد ان بدأنا نقفد حسّنا الإنساني بل وبتنا نزداد سوء كلما فقدنا اكثر , فلم نعد ساكنين بل في رجوع مستمر كون الزمن يتقدم ونحن ساكنين بالتراجع أمامه .
لم يكن بإمكاننا ان ندرك حقيقة هذه الأمة لأننا كنّا نتصور بأنها خير الأمم كون اجدادنا وآبائنا جاءوا منها ,وتعلّمنا منهم التقديس لتلك المفاهيم التي حشروها بعقولنا ,لا عن دراية منهم بل عن وراثة,ومن ثم تقديسهم وتقديس مفاهيمهم لا لشيء سوى لكونهم آبائنا وتلك هي مفاهيمهم ولا يحق لنا انتقادهم ولا انتقاد تلك المفاهيم التي فرضوها علينا ولو بسؤال او استفسار عنها كونهم اصلا لا يمتلكون جواب مقنع فيرعبونا من التفكير والسؤال ليمنعوا عنهم الحرج , لتكون حتى القناعات هشة ولكنها ثابتة بعقولنا التي توقفت عن هذا الحد , تقديس الآباء بعد الله واجب حتى وان كانوا على خطأ بل سوف نعجز عن اكتشاف خطأهم هكذا علّمونا أن نكون, احترام الوالدين واجب مقدس فعُميت بصيرتنا عن اخطائهم بغشاوة التقديس تلك التي فرضوها علينا فصرنا قاصرين عن ادراك الكثير من الحقائق ولابد لنا من ان نبذل الجهود الجهيدة لنتعرف على مدى الحضيض الذي تعيش به هذه الأمة , هذه الجهود نستشعرها عندما نسير عكس التيار لكنها جهود مريحة لكوننا عرفنا بعض من هذه الحقائق وان كانت بسيطة وبالرغم من الجهود التي لا تستحق تلك الحقائق لكن بالنهاية ستكون المعرفة عزاؤنا الوحيد حيث عرفنا الحضيض الذي تسكن به امتنا وافتخارها بنفسها وبهذا الحضيض وشعورها بأنها الوحيدة في هذا الكون على صواب وان هذا الكون هو تابع لها ومخلوق من اجلها هي .
لكن احيانا تتبيّن امامنا جزء من تلك الخسائر ,وتتوضح لنا بعض من الصور التي كانت مبهمة لنا ,حينها سنفكر ماذا لو كنّا مخلوقين في عالم غير عالمنا هذا,عالم نقي يعيش به الإنسان بوجه حقيقي دون ان يضطر لترقيعه , سنفكر حينها فقط كيف سيجنّبنا هذا العالم الكثير من الألم والكثير من التوهان الغير مبرر له ,وسنكسب الكثير من الوقت دون ان يذهب سدى في دوامة الجهل والتوهان التي دخلنا بها مجبرين لنمارس لعبة غبية وهي الدوران بهذه الدوامة حيث تدور بنا وتدور لنكتشف بعد حين بأنها فارغة من محتواها وأخذت من اعمارنا الكثير ولم يكن بإمكاننا أن نتبيّن ذلك ما لم ندفع الثمن باهضا ونخسر الكثير لنأخذ منها القليل .
ولكون مغاليق الطريق قد انفتحت امامنا حيث المعرفة تأتينا تباعا بمعرفة اكبر بعد ان مسكنا مسكة من فطنة وصار لنا عقلا يتدبر وأدركنا ببصيرتنا بعض من الحقائق عندها لابد لنا من السير عكس اتجاهها بعد ان اكتشفنا عمق بلوانا ورغم خسارتنا وفوات الأوان, او بالأحرى لا اوان يفوت لمن توضّحت امامه الصورة كوننا نستطيع بتلك المعرفة ان نعوّض الخسارة عندما نمتلك مؤخرا لعقولنا وحرية تفكيرنا لتكون حياتنا غنية نعوّض بها فقرنا الذي عشناه, ونمتلك وفي احلك الظروف قدرة تلمّس الطريق وسط غالبية افتقدوا لهذا التلمس وصاروا قعودا في اماكنهم يتخوفون من اي حركة تذكر ,سندرك كما ادركنا في طفولتنا الموءودة باننا لو نعيش كسائر هؤلاء الناس لهو كابوس ,لهو كابوس ان نعيش كسائر هؤلاء الناس الذين اهملوا الحياة في انتظار موتهم ليكسبوا الحياة الآخرة التي صارت كل ما يملكون من يقين, واهمين وعلى امل بأنهم سيربحون الخلود الواهي , انه لكابوس ان نفكر كسائر هؤلاء الناس .
فهل تضاهي خسارتنا أي خسارة ؟
دمتم بوعيكم سالمين
#فؤاده_العراقيه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟