|
الإيحاءات الجنسية في ديوان -منكِ أسقي منديل الغيم- ليلى مقدسي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5084 - 2016 / 2 / 24 - 18:25
المحور:
الادب والفن
الإيحاءات الجنسية في ديوان "منكِ أسقي منديل الغيم" ليلى مقدسي لغة الأنثى تطفي على الديوان هشاشة تجعلنا نسيح معها، فوجود ألمعاني والألفاظ التي تعطي إيحاءات جسدية وجنسية تجعلنا نأخذ باهتمام وبتمعن تلك العلاقة القائمة بين الشاعرة وأحبتها، إن كانوا ذكورا أو اناثا، فهذا المسار ـ الجسدي ـ يثيرنا أكثر ويجعلنا نركز على النص أكثر من الطرح الذي يحمل عاطفة مجردة، فنجد العنوان "منكِ أسقي منديل الغيم" يقدمنا كثيرا من هذا المعنى، فلو لم تضع الشاعرة الكسرة في نهاية كلمة "منكٍ" لأخذتنا إلى الطريق الآخر، لكن رغم هذا يبقى الديوان فيه إثارة عاطفية وجسدية، فكثرة الإيحاءات وتنوعها تأخذ المتلقي إلى العقل الباطن، فتجعله يحس بالحركة الجسدية بين الكلمات. سنحاول توضيح هذا الطرح من خلال ما جاء في الديوان، فتقول: "أيرتوي ظامئ إلا من نبع الكأس تكمل حمرة النشوان كما الغيث يثمل خواطر الأرض بالحنان" ص9و10، الظمأ والارتواء، تعطي مفهوم الحاجة الملحة للحياة، وجود الخمرة تقدما من حلة النشوة والخروج عن المألوف/العادي، تشبيه حالتها بعد الارتواء وأخذ حاجتنا مما ينقصها كحال الأرض بعد نزول المطر، كل هذا يؤكد فكرة أن المتحدث أنثى، فهي تكلمنا عن مشاعرها العاطفة بأدوات جسدية/غريزية، فالأنثى الهشة التي تتلقى بدفئيها الأحبة وتضمهم في أهم موضع من جسدها، تريد أن تعيدهم إلى الطريقة التي تشكلوا منها، العلاقة بين الرجل والمرأة، القاء بين جسدين يتوحدان معا. وتقول في قصيدة "مطر الورد": "مطر الورد يخاصر واحة عطشي أمطر... شتاء عينيك على أرضي على عشب حرفي" ص37، استخدم لفظ الماء والمطر يوحيان إلى حالة الجماع الجسدي بين الرجل والمرأة، وتشبيه ذاتها بالأرض العطشى/المحتاجة للمطر، يعطي دلالة/إشارة إلى الجسد والجنس أقرب منه إلى العلاقة العاطفية، وهذا ما يجعل من الديوان حالة استثنائية، حالة مميزة في الشعر، الجمع والتوحد بين العاطفة العذرية وربطها بألفاظ وإيحاءات جسدية غريزية شهوانية، بحيث تجمع الشاعرة بين متناقضين، لكنهما في حقيقة الأمر ضروريان في تشكيل الحياة وتوثيق المحبة وتفريغ ما في النفس من غضب/الحاجة شهوانية. لم تكتفي الشاعرة بأن جعلت العلاقة الروحية والعاطفية تأخذ شكل حركة الجسد، بل تحدثت عن تحويل علاقتها بالكتابة والقصيدة إلى فعل الجسد والجنس، فتعطي شكل الجنس والإثارة الجسدية لكتابة القصائد ، فتقول في قصيدة "خلجة ذاتي": "صارت الحروف تتهاطل من حجرة حزني معاندة هموم الأرض ... تدلي يا أغصان كلماتي على وجه نهار يستدير ململما أزهار قلبي" ص51و52، فالمقطع الأول يحمل صورة التي الأنثى تروي ظمأها بطريقة غير سورية، فلكمة "تتهاطل" تشير على فعل جنسي، وكلمة "معاندة" إلى حدث غير سوي، والمقطع الثاني يحمل رمزية الرجل بعد أن يأخذ حاجته من الأنثى ويتركها جائعة، فكان الرجل "يستدير" يبتعد بعد أخذ ما يريده منها، دون أن يعطيها شيء مما تريده، الماء الذي تسكبه فينموا في داخلها الفرح وللحياة. وتقول في قصيدة "لغة القلب" : "ثمار اللؤلؤ تدلى على غصن الموج تشعل لهب الماء بابتسامة تغرك" ص60، فلفظ "تدلى" عطي إشارة جنسية، وفعل "تشعل الماء" يوضح ما يحمله الفعل من وجود الماء بعد الارتواء واكتمال فعل الجنس. وتقول أيضا: " يا وجه ملاك تاه .. في شربكة الأرض مطر الطيب من أناملك ينهمر كزمرد الخير والحب" ص62، فهنا أيضا نجد الاشارات الجنسية والجسدية بين الكلمات واضحة وجلية، ويمكننا أن نستشف منها على علاقة جسدية كاملة وواضحة. وأعتقد بأن التورية الكامنة وراء الكلمات تعطي اثارة وتوحي بالعلاقة الجسدية أكثر من تلك التي تأتي بألفاظ وكلمات مباشرة وصريحة، من هنا يكون وقع التورية أكثر ويجعل المتقي يبحر ويتوغل في تخيل فعل الجنس. وتقول أيضا: "فهل يكبر برعمك في قلبي؟ ... يشهق حروف العلة مغتربا على صدري تضمده وسد سهري" ص65، فالشطرة الأولى فيها ما يعطي إشارة إلى الجنين في رحم المرأة، و"يشهق حروف العلة" تحمل معنى الأصوات اللذة التي تنتج عن الجماع، وهناك العديد من الشواهد في لديوان التي تقربنا من فعل الجسد أكثر مما تعطينا مفهوما عن فعل العاطفة. ولتوضيح نقول بأن هذا التحليل لا ينقص من روعة الديوان، بل يؤكد التميز والفرادة التي استطاعت الشاعرة أن تفرض أسلوبها فيه، فهي بهذا الديوان قدمت لنا شيء مميز، ليس له شبيه أو مثيل، وهذا من أهم عناصر الابداع في القصائد، استخدام شكل/أسلوب يجمع ما بين الجسد والعاطفة، الجمع بي المادة والروح، بين الماء والنار، ونلخص عبقرية الشاعرة التي تكمن في الجمع والإيحاء بعلاقة روحية من خلال تقديم ألفاظ ومعاني تشير وتثير الجسد/الجنس. لم يتم ذكر الجغرافيا في الديوان إلا في بعض المواضع عندما تم ذكر فلسطين بشكل صريح، "يا لضنى الأمومة حين يصبح زوبعة حزن يا لضنى فلسطين حين يهجرها ضحكات الصغار" ص71، وهنا ذكر للمسجد الأقصى ولكنيسة القيامة، "ابك .. مئذنة الأقصى أمطري .. أجراس القيامة دمعك المدرار" ص73، وتقول في نوضع آخر: "في الرأس آهة أطفال جياع في القلب قمح يافا وليمون حيفا وشهقة البرتقال" ص107، لا شك أن حضور الجغرافيا مهم جدا لنا خاصة عندما نكون في حالة صراع مع عدو يسعى لقتل الإنسان ومحو وجوده من الكون وبشكل نهائي وكامل، وصراع على الأرض بحيث يتم محو طبيعتها وأسمها ومعالمها وتاريخها، وتزيف كل ما فيها ومن عليها من أسماء وتاريخ ومعالم بنيانية، واستحضار أشخاص مختلفين في كل شيء، وتقديمهم لنا على أنهم أصحاب فلسطين الوحيدين، فهنا يكون حضور الجغرافيا مهم جدا لنا لتأكد وجودنا وحضورنا عليها. الديوان من منشورات دار المقدسية، حلب، سورية، الطبعة الأولى 2007.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شركات الفساد
-
السواد المميت في رواية -البوكس- قاسم توفيق
-
اليأس والجنون في -غرفة بملايين الجدران- محمد الماغوط
-
المرأة في مجموعة - دم بارد- جميلة عمايرة
-
الحي الشعبي التركي في رواية -الهزيل بائع السجائر المهربة- رف
...
-
الفلسطيني وأشكال النضال
-
النص المقدس في رواية -أولاد حارتنا- نجيب محفوظ
-
إلغاء الذات في مجموعة -كيف صار الأخضر حجرا- فوزية رشيد
-
حالنا في رواية -مجانين بيت لحم- أسامة العيسة
-
الشخصية الشعبية في مجموعة --إنثيالات الحنين والأسى- أسامة ال
...
-
الدولة الكردية
-
بناء الشخصية في رواية -رسل السلام- هاني أبو انعيم
-
التشكيل وعصر النت في -تداعيات مسخ مسالم جدا- عامر علي الشقير
...
-
السومريون في كتاب - حضارات ما قبل التاريخ- خزعل الماجدي
-
الحنين في مجموعة -آه يا كاني ماسي- جاسم المطير
-
المجتمع المصري في رواية -ليل ونهار- سلوى بكر
-
المغامرة في رواية -خاتم اليشب- فارس غلرايبة
-
مفهوم الرجوع في الإسلام
-
داحس والغبراء الجمل وصفين
-
تركيبة الفساد
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|