|
صراعات الذات واللاهوت – قراءة في رواية عزازيل للكاتب المصري يوسف زيدان
كلكامش نبيل
الحوار المتمدن-العدد: 5084 - 2016 / 2 / 24 - 18:02
المحور:
الادب والفن
الرواية عملٌ إبداعي حقيقي، فهي تنقلنا لنحيا في تلك الحقبة بكل أشكالها، وندخل تفاصيل حياة الأديرة في مصر وسوريا ونعايش الصراعات الكبيرة بين الكنائس الكبرى في القسطنطينية وأنطاكيا والإسكندرية. يصور الكاتب ببراعة كذلك الإنتقالات الكبرى التي شهدتها المنطقة، وإندثار الأديان الأصلية وإحتضارها بسبب إنتشار المسيحية، وكيف إنتقل المصريون بعد أن إنتهت فترة الإضطهاد الروماني لإضطهاد أتباع الديانتين اليونانية والمصرية القديمتين. ويصور أيضا مقتل هيباتيا المتوحش في شوارع الإسكندرية بسبب هيمنة الدوغمائية التي تحارب الفكر الحر وتتهمه بأنه سحر ووثنية. يقدم لنا يوسف زيدان كل ذلك من خلال كتابات الراهب هيبا، الراهب والطبيب والشاعر المتشكك، وحواراته الذاتية مع الشيطان الكامن في داخله. يصور لنا الكاتب أيضا العلاقة بين المسيحيين الأوائل وأتباع الأديان القديمة، وكيف أن المصريين كانوا ممنوعين من دخول الإسكندرية أبان العصر الروماني، وكيف أن اليهود هم الذين تم منعهم من دخولها بعد إنتشار المسيحية. الراهب هيبا يقع في غرام أوكتافيا – اليونانية التي تعمل في منزل تاجرٍ صقلي غني لا يأبه للأديان والتي رفضته بقوة بعد أن علمت بأنه راهب، ومن ثم يهيم بهيباتيا، العالمة الجليلة قبل أن يشهد مقتلها ومقتل أوكتافيا – من دون أن يتدخل لحمايتهما، تماما كما وقف محتارا أمام مقتل والده وهو يقدم القرابين لمعبده القديم في جنوب مصر، على يد مؤمنين وبوشاية من والدته، وأخيرا يهيم بمرتا في الدير السماوي قرب حلب. يخرق هيبا رهبانيته في كثيرٍ من الأحيان، ولكنه يفقد محبوباته في كل مرة.
يناقش الكتاب قضايا لاهوتية مهمة ساهمت في تشكل المسيحية المبكرة، ومنها صراعات المجامع المسكونية في نيقية وإفسوس، ومحنة الأسقف نسطور، وحرمه من قبل الإمبراطور والبابا كيرلس في مجمع إفسوس. الرواية توضح جوهر الإيمان، وكيف أن الرهبان يجدون إيمانهم بتجاربهم الخاصة بعيدا عن دين المؤسسة، ولكنه يقر بأن قانون الإيمان ضروري لوجوده لكي لا تنتشر الفرقة بين عوام الناس. الكتاب يناقش أيضا النزعات المتطرفة لمحاربة الأديان الأخرى أو إستعمال الموسيقى في الترانيم أو الموقف من النساء – كلها مصورة من خلال شخصية الراهب المعروف بإسم فريسي الإقنوم. الرواية تصور الأغلبية السريانية في سوريا، وهو أمر مهم، مع ذكر لوجود العرب والأكراد بنسبة أقل بكثير، ويذكر كيف أن العربية كانت لغة لا تغري الراهب بتعلمها لأنها بلا آداب مكتوبة. يتناول الكتاب أيضا الصلات بين الأديان، وأصولها، ويذكر نقطة رائعة بخصوص إنهماك الإله مع الإنسان وتفاصيل حياته في اليهودية، وكيف أن المسيحية من خلال الصلب والقيامة أعادت الإله إلى السماء من جديد. ويناقش الكاتب أيضا فكرة الشيطان، النقيض، بعلزبوب أو بعلزبول أو عزازيل، وكيف أنه المبرر لشرور الإنسان، الموجودة دائما وأبدا، وأنه غير موجود إلا كمبرر لحدوثها، كتفسير – يهدف للتبرئة - لا سبب، وهي فكرة صحيحة جدا، ونقرأ في سطور الكتاب تنويهات ذكية عن كون الإله فكرة يخلقها الإنسان، وأنها تتغير بتغير فكره، ولكنها ستظل موجودة بصورٍ مختلفة. لكن في نقطة معينة، أخطأ الكاتب بتوقع أن البابليين قد أخذوا عن الفرس فكرة الشيطان – أو إله النور والظلام، وأنها إنتقلت بعد ذلك لليهود من خلال السبي البابلي، لأن الواقع يقول بالعكس، حيث أن الزرادشتية أعقبت السبي البابلي وسقوط بابل، ولهذا قد تكون فكرة كونها سومرية الأصل هي الأصح. يذكر الكاتب أن فكرة الرهبنة جاءت من مصر، لكن الواقع يشير لوجود فكرة الرهبنة في بابل القديمة وبين صفوف طوائف صغيرة من اليهود قبل ميلاد المسيح.
الكتاب رائع جدا، ويغرق بالأفكار اللاهوتية والفلسفية، ويصور لنا بدقة الإنتقال بين عصرين – المسيحي وما قبله، ويهيء لنا جوا نفهم من خلاله التحول التالي في المنطقة، بولادة الإسلام، المتأثر بلا شك بكل تلك الصراعات اللاهوتية التي تناقشها الرواية، والمتولد عنها من خلال آريوس ونسطور وغيرهما من أساقفة حرمتهم المجامع الكنسية الكبرى. إقتباسات:
يا ليتني لم أولد أصلاً، أو ليتني متُّ في في طفولتي من دون آثام، حتى أضمن عفوك ورحمتك.
إن بقية الأشياء مثل بقية الأشياء، لا يمتاز منها إلا ما نميّزه نحن بما نكسوه به من وهمٍ وظنٍ وإعتقاد.
البدايات متداخلة ومحتشدة برأسي. ولعل البدايات كما كان أستاذي القديم سوريانوس يقول، ما هي إلا محض أوهامٍ نعتقدهاظ فالبداية والنهاية، إنما تكونان فقط في الخط المستقيم. ولا خطوط مستقيمة إلا في أوهامنا، أو في الوريقات التي نسطر فيها ما نتوهّمه. أما في الحياة وفي الكون كله، فكل شيء دائري يعود إلى ما منه بدأ، ويتداخل مع ما به إتصل. فليس ثمة بداية ولا نهاية على الحقيقة، وما ثم إلا التوالي الذي لا ينقطع.
اللغة لا تنطق بذاتها، وإنما ينطق بها أهلها، فإن تغيروا تغيرت. وكلام يسوع المسيح غير اللغة مثلما غير أهلها، لقد صيرها لغة مقدسة.
النوم هبة إلهية، لولاها لأجتاح العالم الجنون. كل ما في الكون ينام، ويصحو وينام، إلا آثامنا وذكرياتنا التي لم تنم قط، ولن تهدأ أبدا. الحزن شأنٌ إنساني وسوف يتبدد حزنك مع الأيام، مثل كل شؤون الإنسان.
الديانة لا شأن لها بالعقل، وإن الإيمان لا يكون إيمانا، إلا إذا كان يناقض العقل والمنطق، وإلا فهو فكرٌ وفلسفة. إنهم كالجراد، يأكلون كل ما هو يانع في المدينة، ويملأون الحياة كآبة وقسوة.
القلب فيه نور الإيمان، ولكن ليس لديه القدرة على البحث والإدراك وحل المتناقضات.
لهم في قلب جزيرتهم الجدباء بيوت أوثان، يطوفون بها وهم عراة. يقال إنهم أبناء إسماعيل المذكورون في التوراة، وأنا لا أصدق ذلك. الذين على دين المسيح منهم، لهم أسقفية في بادية جزيرتهم، تعرف بإسم العربية، وهم أهل تجارةٍ ومكرٍ وحرب.
لا ينبغي أن نخجل من أمرٍ فرض علينا، مهما كان، ما دمنا لم نقترفه.
الإنسان في كل عصر يخلق إلها على هواه، فإلهه دوما رؤاه وأحلامه المستحيلة، ومُناه.
المواضع تهرم، إذا غاب عنها الأهل. تحيا يا هيبا لتكتب، فتظل حيا حتى حين تموت في الموعد، وأظل حيا في كتاباتك .. أكتب يا هيبا، فمن يكتب لن يموت أبدا.
عزازيل يعشق الحياة فهي مرتعه، ولذلك هو يكره الداعين إلى نبذ المباهج والأفراح، ولا يطيق الزهاد والمنقطعين عن الحياة. يسميهم حمقى!
#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وداع نينوى – الأمّة والتاريخ – وسط صمت العالم
-
صراعات مقنّعة بالجمال – قراءة في رواية -عن الجمال- للكاتبة ا
...
-
شارلي إيبدو – ضريبة الحريّة الباهظة
-
لم يحن الوقت بعد - قصة قصيرة
-
عبث الحياة - قصيدة
-
تراجيديا عراقيّة – قراءة في رواية -فرانكشتاين في بغداد- للكا
...
-
ألف ليلة وليلة الفرنسية – قراءة في رواية زديج لفولتير
-
قبول الآخر – قراءة في رسالة الفيلسوف جون لوك عن التسامح
-
إطلالة قصيرة على كافكا
-
تناقضات النفس البشريّة – قراءة في رواية -الإنسان الصرصار- لل
...
-
لا يزال ثبت الملوك السومري يحيّر المؤرّخين بعد مرور اكثر من
...
-
أنشودة في عشق الطبيعة – قراءة في رواية بيتر كامينتسند للكاتب
...
-
إعادة قراءة التاريخ - قراءة في كتاب -الفتوحات العربية في روا
...
-
إكتشاف أنفاق سريّة تحت الأرض تعود لعقيدة نهرينيّة قديمة تحت
...
-
علماء يستعدّون لحل لغز الحمض النووي السومري - موضوع مترجم
-
ملحمة وطن – قراءة في رواية -الحريّة أو الموت- للكاتب نيكوس ك
...
-
أحيانا - قصيدة
-
الإنسانيّة هي كل ما نحتاج إليه
-
أن تناقش حقّ الحياة والحريّة في القرن الحادي والعشرين
-
كان هنالك شرق - قصيدة
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|