أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ماذا قال لي برنارد شو














المزيد.....


ماذا قال لي برنارد شو


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5083 - 2016 / 2 / 23 - 14:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أمسكتُ بجهاز الهاتف الأسود الضخم. رفعتُ السماعة وانتظرتُ أن جاءت الحرارة، ثم شرعتُ أُديرُ القرصَ المستدير ذا الأرقام بإصبع السبابة الأيسر على الرقم: “1950”. فجاءني صوتٌ آليٌّ يقول: “لقد أدخلتَ رقم العام، من فضلك أدخل الشهر، ثم اليوم، حتى تستطيع التحدث إلى الشخص الذي تود الاتصال به.” فأدخلت شهر "نوفمبر"، ثم يوم "02". فعاود الصوتُ يقول: “لقد أدخلت التاريخ بدقّة. حدد إن كان تاريخ الميلاد أم تاريخ الوفاة.” فأجبت: “الوفاة.” فعاودني سؤالٌ: “حدد اسم الشخص الذي تودّ الاتصال به واسم البلد والتخصص أو الوظيفة وأشهر إنجازاته إن وجد.” فأجبت: “جورج برنارد شو، أيرلندا، مفكرٌ وكاتبٌ مسرحي، جائزة نوبل عام 1925 (رفضها)، مسرحية بجماليون.”
وبعد برهة، جاءني صوته من بعيد، ينفضُ آثار رقاد يقارب ستة وستين عامًا، قائلا: “مَن الأحمق الذي قرر إزعاج موتي؟" فأجبتُه بخجلٍ: “معذرة سيدي، أنا شاعرة من مصر، أودُّ الاستئناس برأيك في قضيتي. لقد أشفقتُ على حيوان أعجم لا يستطيع الشكوى، يُقدّم بقسوة وإهانة على طاولة التعذيب كقربان للسماء، دون احترام لشروط النحر المنصوص عليها في كتاب الأضحيات، فقُدمتُ بدلا منه قربانًا لذوي النصال الباردة، فلا هم نحروا الأضحية العجماء برحمة، ولا هم نحروني بشرف.” مرّت لحظة صمت طويلة، أخالُه فيها قد أدار محركات البحث وفتح بعض المراجع، ثم عاودني يقول: “نعم، وصلتني بعضُ أخبار عما يحدث عندكم في مصر العريقة بعد ثورتين كبيرتين نادتا بالحريات والعدالة، لكنهما أسفرتنا عن نكوص إلى القرون الوسطى التي ركلناها نحن الأوروبيين بعد ثورات حقيقية، كانت بالأساس ثورات فكرية تنويرية، وليست سياسية وحسب، كثورتيكم.”
ثم أردف قائلا: “لأنني ميتٌ منذ عقود طوال، لن يسمحوا لي بأن أقول جديدًا في أمر قضيتك، لكن بوسعي أن أُذكّرك ببعض مقولاني المأثورة التي لن تفيد قضيتك، لكنها قد تشرحُ ما يحدث معك ومع غيرك من التنويريين الذين سيزجُّ بهم في غياهب السجون تِباعًا قربانًا لحراك التنوير الذي تنادون به في مجتمعاتكم الرجعية.”
اعلمي يا عزيزتي المصرية أن "اثنين بالمئة من الناس يفكرون، ثلاثة بالمئة من الناس يعتقدون أنهم يفكرون، وخمسًا وتسعين بالمئة من الناس يفضلون الموت على التفكير. الجاهل يؤكد والعالِم يشك والعاقل يتروى.” فسألتُه: “وماذا نفعل لمن يفكّر ويعلن آراءه إن لم تتفق مع آراء الجماعة؟" فأجاب: “في بلادنا نتركه يفكر ويعلن ما لم يحرّض على عنف. أما في بلادكم فإن التفكير جريمة يعاقب عليها القانون، وحتى الخيال جريمة. اتركوا من يفكر يفكر وواجهوا أفكاره بأفكاره مقابلة. ألم يعلّمكم هذا أحدُ فلاسفتكم الإسلاميين، وكان اسمُه على ما أذكر: "ابن رشد"؟" قلتُ له في حزن: “نعم يا سيدي، لكن ابن رشد مات مثلك منذ أكثر من ثمانية قرون، ولم يعد يتذكره أحدٌ في حيّنا.”
فقال السيد "شو" في ضجرِ مَن يودّ إنهاءَ الحديث: يا عزيزتي أذكّرك بقولي: “إذا أردتَ ألا ينتقدك أحدٌ، لا تعملْ، لا تتكلمْ، وكنْ لا شيء.” فإما أن تصمتي وتنعمي بالهدوء والسكينة، وإما أن تُعلني أفكارك وتدفعي الثمن. فأجبتُه: “سأدفع الثمن راضية مرضية، لأنكَ قلتَ مرّة: "مَن لا رأي له ، رأسُه كمقبض الباب يستطيع أن يديره كلُّ من يشاء"، وسأقتدي بمقولتك التي قلتَها وأنت ترفضُ جائزة نوبل: “إن هذا طوقُ نجاة يُلقى به إلى رجل وصل فعلا إلى برّ الأمان، ولم يعد في خطر”، فبعد الحكم بسجني سنواتٍ ثلاثًا بسبب تغريدة على فيس بوك، لم أعد في خطر.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى الله
- اسجنوا أولئك الثلاثة
- أم الشهيدة والأرنب المغدور | سامحيني يا سمراء!
- افتحوا نوافذَ قلوبكم للحب
- هذا العماءُ خطأٌ في الإجراءات
- الإنسان الطيب
- معرض الكتاب.... ومحاكمتي | كلاكيت ثاني مرة
- إلى الشيخ الحويني .... قنصُ العصافير من وراء الحُجُب
- وأنتم اللاحقون!
- عن النقاب سألوني
- قضية ازدراء جديدة | مَن الذي روى الرواية؟
- ميري كريسماس رغم -غلاستهم
- لا تخرج قبل أن تقول: سلاما
- أنتم تحاكمون الخيال 2/2
- اعتذارٌ رسميّ لأقباط مصر
- شحاذ العمّ نجيب
- مذبحة 2016
- أنتم تحاكمون الخيال!! 2/1
- شجرةٌ صنوبر وشيءٌ من الفرح
- دبي الجميلة.... سلامتك!


المزيد.....




- حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو ...
- الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر ...
- أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام ...
- اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع ...
- شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه ...
- تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال ...
- مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
- تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
- بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ماذا قال لي برنارد شو