عبدالحسين العطواني
الحوار المتمدن-العدد: 5076 - 2016 / 2 / 16 - 13:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يدرك القدماء إن العقل هو المسير والمشرف على مختلف الأعمال الجسمية , وان للأفكار الأثر البالغ في القلب حيث تثيره الهواجس , وقال بعضهم أن القلب هو العقل , لكن القلب تأخذه الأفعال والهواجس بين التمدد والانقباض حسب معنويات الإنسان وحسب تصنيفه العقلي للأشياء , لذلك فالعقل والجسم كل يؤثر على الأخر فوجوهنا وأجسامنا هي مرآة لأفعالنا ومشاعرنا , فالشخصية ليست نتاجا هندسيا لان النتيجة الهندسية نتيجة مستوحاة من فرضيات لا يختارها الفرد وتفرض نفسها على الجميع , أما الحياة فإنها إمكانات متعددة ومختلفة . فالإنسان يملك عقلا واحدا إلا انه يتسم بمسميتين ومهمتين ,فالتسمية التي تستخدم للتمييز بين وظيفتي العقل هي : العقل الواعي والعقل اللا شعوري , أو العقل الواعي والعقل الباطن , فالعقل الواعي يقع عليه عبء التفكير والاختيار , أما العقل الباطن ينفذ بردود فعل مطابقة للأفكار التي يتلقاها , أو بتعبير أخر أن العقل الواعي هو المبرمج , والعقل الباطن هو الكومبيوتر 0
فالإنسان الطبيعي بفطرته يتفادى كل صنوف الألم النفسي والجسدي ويتجه إلى كل ماهو محبب للنفس والجسد ليجلب لذاته المادية والمعنوية وكذلك لمن هم بمعيته الراحة , والسعادة , ولكن هناك من ترى من هم عكس الاتجاه ونقصد هنا (أصحاب الأفكار الانهزامية ) بمعنى إنهم يبحثون عن الألم ويخلصون في السعي من اجله , والغريب أنهم يشعرون أن الألم مصدر نشوتهم وسرورهم , فما معنى أن يبحث الإنسان عن الذل والمهانة بدلا من الاحترام والرفعة , ولا ريب أن هذا الخلل النفسي مكتسب بفعل أحداث جلية قد تكون مرت عليه وحفرت آثارها السلبية في داخله وعطلت نموه ونضجه النفسي فظل ثابت عن مراحل أولية في النمو النفسي تتسم بارتباط الألم بالسعادة , والمهانة بالرضا والقبول 0
فهروب الكثير من الواقع لأسباب تختلف من شخص إلى أخر أمر يمكن أن يحدث , فحينما تهرب من واقع خاص أمر مقبول إلى حد ما , ولكن أن تهرب من واقع يخص الآخرين أمر لا يقبل ومخالف للأعراف الاجتماعية والأخلاقية بل وحتى الشرعية , فليس من حق أي شخص أن يتولى مسؤولية الناس أو يقع على عاتقه مصيرهم أن يتهرب , فليس هناك من هو مطلق في الحياة فكل شئ نسبي , فما أراه آنا صدقا وحقيقة قد تراه أنت بالمنظار الذي تنظر فيه , وبالمكان الذي ترى فيه الزاوية ترى حقيقة أخرى , فلا أنت كاذب , ولا أنا صادق , ولا العكس, لان المصداقية يجب أن تبنى وتحفز عندما يكون لها تأثير واضح في المجتمع وتعكس الواقع , بعدها يقرر المجتمع من هو كاذب ومن يقول الحقيقة , ومن ثم يمكن أن تساعد المجتمع بالتقدم إلى أمام أو عكس ذلك 0
فعملية تزييف الواقع بعبارات تجميل وتفاؤل في كثير من الأحيان ونتحاشى أن نقول الحقيقة وتجاهل إلى مالا نهاية في أهم ما يتعلق بمستقبل وحياة الإنسان , وندعي إننا نفهم ومهذبون وعاقلون حين نطلق العبارات ,وندعي إننا أصحاب أفق واسع , وحينما نهتم بالمظهر ونترك الجوهر , ففينا من هو حرامي وندعي الشرف , وهناك من هو منافق ليبدو مرائيا بما لا يؤمن به , ومن لا يؤمن بشيء لا يعمل به , فلا يستقر عنده ولا يثبت لديه , وهناك من يدعي الحكمة والقيادة وهو بعيدا عن روح التعامل الحسن لإتباعه واقل تحمسا واندفاعا منهم, حيث يقبع في عزلته من غير أن يجهد نفسه بما ينفع الناس ,أو يسهم بأقل ما ينسب إليه , وهناك من يعمل بصدق مطلق , ويؤدي عمله بكل أمانة وإخلاص ويخاف الله في السر والعلن ولكنه لا ينافق , فيقال انه لا يصلح بل يوصف بأقبح الصفات وينعت بكل قبيح , ومنبع هذه التصرفات والسلوك هو عدم ثقتها بنفسها وعدم يقينها من حب الآخرين لها واهتمامهم وترحيبهم بوجودها , فالشخصية التي تتمتع بضعف العزيمة ولا تخطط وتتحدث أكثر مما تفعل , كثيرة الكلام والشكوى ضد الظروف وتنحني أمام ابسط العواصف هي الانهزامية بعينها لكونها شخصية تبدأ بهزيمة نفسها أولا ومن ثم تنعكس على الآخرين 0
تعاني بلادنا من فساد إداري ومالي ونحن ننتظر إصلاح المنظرين وسادة الفضائيات , وتعاني البلاد من أزمة اقتصادية ورواتب المسؤولين في أحسن حالها, وتعاني البلاد من أزمة ثقة بين السياسيين ونحن نبارك خطواتهم ونثق بهم , وتعاني البلاد من أزمة توافق بين الكتل والأحزاب ونحن نطبل لهم , ومازالت البلاد على مشارف الطريق لفقدان الهوية الوطنية العراقية , وممثلي الشعب يواصلون جولاتهم المكوكية بين الدول لدعم جهود التقسيم والأقاليم , ونحن ندعي التقدم والحضارة لكننا افقدنا التراث والأصالة في الأفعال والأقوال , تركنا الدين وسلكنا السياسة , فلم نفلح لا بالدين ولا بالسياسة, ولا حتى في تمثيل خارجي أو داخلي مقبول , لأنهم ليسو سياسيين بل متسايسين , لان شغلهم الشاغل فبركة الأعذار قبل وقوع الهزيمة نفسها 0
فأنك تجد المسؤول الانهزامي دائما يلجأ إلى الهروب عندما تحتدم الأمور وتظهر الحاجة إلى أفكاره ومواقفه , ولعل السبب يعود في ذلك هو مروره بتجارب سابقة فاشلة أدت إلى شعوره بأنه شخص لم يخلق لمهمة من المهمات إلى تلك التي يؤديها على المستوى الاجتماعي ذلك انه فشل فيها فلن يشعر به احد ممن حوله كما تسول له نفسه , ولكن هذا المسكين لا يعلم أن فشله الشخصي سوف يعمق في نفسه الشعور بالانهزامية وعدم الأهلية للقيام بمهمة من المهمات التي تتعلق بمصالح الآخرين والتي اختير لها نتيجة المحاصصة 0
فبغض النظر عن حساسية اللحظة التي حقق فيها الدواعش السيطرة على بعض المدن العراقية وما اثر ذلك على انتهاك سيادة الدولة , وانسحاب الجيش العراقي من الموصل وبعض مدن الانبار , ومهما يكن الاختلاف في الرؤية والتعريف , فان مالا خلاف حوله هو أن احتلال المدن العراقية جاءت بعد قيام سكان هذه المحافظات برفض تواجد الجيش في مناطقهم والتي انعكست أثارها على حياة المواطنين بشكل عام , وما بجري من صراع بين داعش وهذه المناطق هو ليس صراعا طائفيا سنيا شيعيا , فغالبية سكان هذه المحافظات هم من أبناء السنة , كما أن القضية في جوهرها ليست قضية خدمية أو معيشية كما ادعى أبطال المنصات , ولو كان الأمر كذلك لكان من السهل حلها , إن الصراع في حقيقته وجوهره ومضمونه هو صراع بين ثقافتين للحكم , وحين نقول ليس صراعا بين ثقافتين , فإننا نعني إننا إزاء مشروعين سياسيين لإدارة البلاد , إلا وهو مشروع الدولة المستند إلى النظام والقانون , ومشروع الانفصال القائم على التشتت والتقسيم , فالأفكار الانهزامية التي يحملها السادة المناضلون بالاعتماد على مرجعياتهم الإقليمية , والصراع بين الكتل السياسية , أوصلتنا إلى تدميرالدولة بواقع : ارض نهبت , وإعراض انتهكت , وحقوق سلبت , وثروة سرقت , وهوية صُدر ت , وتاريخ يزول , وثقافة طمست , ودماء تسيل , وأرواح تزهق , وتلك نتائج سلوك الانهزاميين 0
لذلك لا يمكن الزعم أن طرفا بعينه هو صاحب هذا التدهور الحاصل في البلاد , بل انه كان مشروعا إقليميا اشتركت فيه اغلب القوى السياسية العراقية , ولكن لابد من الإشارة إلى أن الذين دخلوا مشروع السلطة والقبول بالعملية السياسية بعد 2003 أليس هم على قناعة تامة بان الوسيلة الوحيدة للبقاء بالسلطة أو الخروج منها هي صناديق الاقتراع , وان حق الفائز في هذه الصناديق أن يحكم البلد بمفرده أو بالتحالف مع من يدخل معه في الائتلاف , وان من واجب المهزوم في الانتخابات أن يدع الفرصة لسواه ليدير البلد حتى موعد الانتخابات التالية , وإذا ما فقد فيها الأغلبية فما عليه إلا أن يغادر السلطة إلى صفوف المعارضة فإذا كان هذا متفقا عليه فلماذا الادعاء بالتهميش وعدم التوازن واللجوء إلى التآمر بتفكيك وحدة البلد 0
وأخيرا نقول على الرغم من المحاولات التي بذلت من قبل المرجعية الدينية وبعض الشرفاء من اجل الحيلولة دون انزلاق البلاد إلى حافة الهاوية كما أسلفنا , كان الاتجاه الدافع نحو الإصلاح السياسي لم يسجل أي نقاطا جديدة أو تقدم على حساب محاولات إحداث انفراج حقيقي يسمح بإزالة حالة التدهور الاقتصادي, والفساد المالي والإداري ,والاتجاه نحو انجاز مهمات مرحلة الانتقال بمحاكمة القتلة والمفسدين وإزاحتهم بإشراف قوى المبادرة لبناء دولة المؤسسات , لكن فما هي الاتجاهات أو المسارات التي تريدها الأطراف المختلفة والانهزامية . فهل أصبحنا شعب انهزامي يعشق الحضيض من المكانة العالمية , أم مازال هناك بصيص أمل .
#عبدالحسين_العطواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟