|
وداعا للأديب الفلسطيني سلمان ناطور
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 5076 - 2016 / 2 / 16 - 00:21
المحور:
الادب والفن
بحزن كبير تلقينا صباح الاثنين (15-02 -2016) الخبر المؤلم عن وفاة الأديب الفلسطيني سلمان ناطور (67 عاماً) وهو بقمة عطائه الثقافي. ولد سلمان ناطور في دالية الكرمل عام (1949). بعد أنهاء دراسته الثانوية واصل دراسته الجامعية في القدس ثم في حيفا. درس الفلسفة العامة وعمل في الصحافة. حرر مجلة "الجديد" الثقافية التي كانت تصدر في حيفا وحرر مجلة "قضايا إسرائيل" التي تصدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية في رام الله. صدر للفقيد حوالي 30 كتاباً في مواضيع ثقافية مختلفة. بهذه المناسبة المؤلمة اعود الى احد كتبه الهامة "يمشون على الريح – او هي عودة الى بيسان" .. انها عودة الى رحم المأساة التي تعطي فكرة عن احد الجوانب الابداعية للمرحوم سلمان ناطور.
****** * احتل الكاتب سلمان ناطور مكانة بارزة في ثقافتنا الفلسطينية، سلمان ابن الطائفة العربية المعروفية، يعتبر بلا منازع من أبرز أدباء الكتابة التاريخية التوثيقية بما فيها التحقيقات الصحفية التاريخية، في الأدب العربي داخل اسرائيل وفي الأدب الفلسطيني عامة. . وما زلت أرى ان أبرز تحقيقاته التوثيقية هو ما كتبه عن المجازر التي ارتكبت في عشرات البلدات العربية الفلسطينية في حرب عام 1948، واقامة دولة اسرائيل، وأعني كتابه"ما نسينا" . كذلك عرفناه كاتبًا قصصيًا، مسرحيا ومترجمًأ! في كتابه "يمشون على الريح" أو "هي عودة الى بيسان" يعيدنا سلمان الى رحم المأساة من زاوية غير متوقعة. الكتاب صدر قبل عدة سنوات ، ومع ذلك السنين لم تفقده حرارته ، واليوم عندما أعيد قراءته من جديد ، أعيش مرة أخرى أجواء النكبة ، ولكن من زاوية غير متوقعة .. ينجح سلمان في تجسيمها أمامنا ، عبر مأساة شخصية لفلسطينية تحلم بالوطن، الذي لا تعرف من تفاصيله عير الانتماء والألم والحب الذي لا ينتهي وأمنية ان تصبح جزءا من ترابه وأشجاره وسمائه بعيدا عن الكراهية للآخر .. الذي يحتل بيتها وأحلامها. الكتاب مقسم الى عشرة مقاطع – روافد، تلتقي في مصب واحد، اسمه بيسان، تلك المدينة المرهقة من كثرة مغتصبيها عبر التاريخ ، خاصة أشرسهم ، الذي يحاول ان يزور تاريخها وانتمائها ويمحو من ذاكرتنا الجماعية مكانتها .انها بيسان التي يربو عمرها على ستة آلاف عام. خلدت فيروز بيسان بأغنية تخترق اعماق الذاكرة وتجعلها نابضة بالحياة .. وتجعل من مأساتها تجسيما لاحدى أكبر جرائم التاريخ: "كانت لنا من زمان بيارة جميلة/ وضيعة ظليلية ينام في أفيائها نيسان/ ضيعتنا كان اسمها بيسان/ خذوني الي بيسان / الي ضيعتي الشتائية/ هناك يشيع الحنان" أحيانًا تبرز بيسان باسمها الروماني "سكيتربوليس" وأحيانًا باسمها الفلسطيني "بيسان" وأحيانًا باسمها الجديد "بيت شان" ... واختلاف التسمية لم يكن صدفة، انما لنقل الواقع والموقف والتغيير الحاصل... تبدأ الحكاية من باريس وروما... حيثُ التقى سلمان ناطور بشاعرة ورسامة فلسطينية، اسمها فدوى حبيب. والفنانة فدوى في العقد السادس من عمرها، والأصل من بيسان، هربت مع أهلها من الموت المباشر، الى الموت البطيء في عواصم رمادية، بلا هوية وبلا كيان تنتسب اليه< عبر تدفق كلمات مونولوج مأساتها الخاصة، يتجدد في نفوسنا ما بدأ يتلاشى في الذاكرة، ترجع لمخليتنا المأساة بوحشيتها، تتجسد النكبة باسقاطاتها، نلمس معاني التشرد والشوق للوطن المفقود، وتبقى مسألة غير مستوعبة، أصعب من ان يهضمها العقل... حقيقة الانسان بلا وطن، بلا ملاعب الطفولة ، بلا ذكريات .. ربما نتخيل معنى ذلك، ولكننا لن نفهم صعوبة هذه المعاناة ووحشيتها المجسمة بالضياع في متاهات لا تنتهي... كما يعيشها ابناء شعبنا ، المحرومون من وطنهم وذكرياتهم وتواصلهم مع تاريخهم وأرضهم . سلمان يعيدنا عبر فدوى، عقودا عدة الى الوراء، الى بيسان المدينة التي تحمل عبق التاريخ بامتداداته الكونية ، وتتحول بيسان، بيسان الفلسطينية الفيروزية ، الى محور لهذا الكتاب، الى ملتقى المصائب... ملتقى الأحزان، يتركنا سلمان، ربما بقصد... نكتشف عمق الجريمة التي ترتكب، والاغتصاب المتواصل لتاريخنا وانسانيتنا وذاكرتنا وكرامتنا. فدوى تزوجت من مغربي، والده كان شريكًا لتاجر يهودي، أولاد اليهودي غادروا المغرب الى اسرائيل، ربما يسكنون في بيت فدوى، في بيسان. تقول فدوى لسلمان: - "إذهب والتقِ هؤلاء الناس، تجتاحني رغبة جنونية لأعرف ماذا يقولون، وكيف يشعرون، وبماذا يفكرون؟ وهل استطيع أن أكون مطمئنة من أن الذي قتلني وورثني، لا يكرهني؟ هل هناك انسانية أعمق وأكبر من انسانية فلسطينية صودرت أحلامها ، ونكبت بوطنها ، ويقلقها ان لا يكرهها قاتلها ومغتصب ملاعب صباها ؟ وها هو سلمان ينفذ رغبتها، يتجول في بيسان، ويحاول أن يدمج بين الماضي والحاضر. المقطع الثاني يتحدث عن الشاعر العبري الإنساني "عمانوئيل بن سابو" الذي اشتهر بقصائده الاحتجاجية ضد الاحتلال ونشاطه في دعم الحقوق الفلسطينية، وكان ينشر قصائده في صحف عبرية، ويوقعها باسم "خميس توتنجي"، وهو اسم سائق تكسي فلسطيني قتله متطرفون يهود عام 1985 قرب مفرق "معليه ادوميم" انتقامًا لمقتل سائق تكسي يهودي. سابو نشأ نشأة دينية، وتربى تربية صهيونية، بكل ما يحمله هذا التعبير من معنى، ساهم مع "تساحي هنجبي" وأمثاله بمحاولة "إنقاذ" أرض إسرائيل الكبرى، ورفض الانسحاب من سيناء المصرية في وقته ، ونشر سابو ديوان شعره الأول عام 1982، وكان ديوانًا يطفح بالقصائد الشوفينية المتطرفة، ولكنه سرعان ما اكتشف ضلاله وأنقذ إنسانيته، ورفض النهج الشوفيني، نهج غوش إيمونيم الاستيطاني وارض اسرائيل الكاملة وسائر الفاشيين الغلاة، وانحاز الى جانب الانسان ، الى جانب الحق،الى جانب السلام والمساواة والعدل. الى جانب الحقوق المشروعة والانسانية للشعب الفلسطيني. يجمع سلمان بين مصائر الناس، يدفع سابو للقاء عائلة خميس المقدسية ، عائلة سائق تكسي قتله المستوطنون الفاشيون ، وينقل نتائج اللقاء... ربما هي صورة صغيرة لضرورة اللقاء بين الشعبين، وليسَ بين أفراد فقط ، انها شهادة على طيبة الإنسان،بغض النظر عن انتمائة الاثني أو الديني .. اذا ما عاد الى انسانيته. ومع ذلك لي بعض الملاحظات... صحيح انني أتحدث عن مأساة قديمة ، ولكن التاريخ لا ينسى ولا يهمل المآسي ما دامت أسبابها قائمة وترتكب كل يوم جرائم بشعة.. سلمان يحاول أن يجعل من كتابه لوحة ل "بيت شان" – الجرح الفلسطيني الذي لم يندمل .. وفعل حسنًا حين انهاه "بعرس في السماء" عن مقتل فتاتين، فلسطينية من نابلس ويهودية من بيت شان، في اسبوع عرسهما، كأنه يحذر من حلقة سفك الدماء المغلقة. وكأني به يقول، ها هو الجرح الذي لا يزال مفتوحًا، رغم الزمن ... وينتظر أصحاب الضمائر ليضعوا حدًا له ، ولكن حقيقة المؤلمة ان ما كان هو حلقة في سلسلة نشهد كل يوم مأساة جديدة من حلقاتها ، التي لم تتوقف بعد . سلمان ناطور يقدم لنا في كتابه عملاً هامًا يحمل نكهة خاصة، ويثير الكثير من الخواطر والمشاعر، ويجدّد بالنفس مرارة وحزن الضياع، الضياع في الغربة، والضياع في الوطن، والذهول أمام أطلالنا، وتاريخنا الذي تبعثره الرياح. ويبقى كتاب "يمشون في الريح" عملاً يحمل الكثير من الخصوصيات، يضاف لرصيد سلمان ناطور... وهو ، وهذا المهم ، يبرز انسانية الفلسطيني في مواجهة قاتله. وكأني به يرمز الى أهمية الغاندية ( اسلوب غاندي في مقاومة الاحتلال البريطاني للهند سلميا ، الذي حقق الحرية والاستقلال للهند ) في نضال الشعب الفلسطيني . نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة [email protected]
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الرابع عشر
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الثالث عشر
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الثاتي عشر
-
عائق فكري واجتماعي: تأصل النظرة الدونية للمرأة
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الحادي عشر
-
جمال عالم الطفولة بتجربة الأديبة عايدة خطيب
-
رئيس الحكومة ووزرائه يزورون المؤسسات
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم العاشر
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم التاسع
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الثامن
-
في تكريم الأديبة النصراوية نهى زعرب قعوار*
-
مروان مشرقي يطلق النار من شمسيته
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم السابع
-
بصراحة: مجتمع -المهاجرين المتفكك- في إسرائيل
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم السادس
-
حكايات القبور في دولة تتحدث باسم الأموات أكثر مما تتحدث باسم
...
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الخامس
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الرابع
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الثالث
-
نصوص وقصص ساخرة - القسم الثاني
المزيد.....
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|