أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - هل قال أيوب أن السماء ترتكز على أعمدة أربعة؟














المزيد.....

هل قال أيوب أن السماء ترتكز على أعمدة أربعة؟


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5074 - 2016 / 2 / 14 - 08:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قرأت اليوم لأحد الأخوة الأفاضل هجوما على ما يسميه خرافات الكتاب المقدس ألا وهو أن "السماء، وبحسب سفر أيوب، هي سقف مرفوع على أعمدة قد تكون مرئية أو غير مرئية". ولكي يكون الحوار بنّاء، أردت أن أدلو بدلوي لكي يكون هناك الرأي والرأي الآخر، وبالتالي يبقى على القارئ أن يأخذ لنفسه ما يراه مناسبا من كلا الرأيين. يذكر الأخ الناقد الآية التالية من سفر أيوب ٢-;-٦-;-:١-;-١-;- "من زجر الله ترتعش أعمدة السماء وترتعد من تقريعه، بقوته يهدئ هيجان البحر وبحكمته يسحق رهب". ولكي أدخل في صميم النقاش قررت أن أنقل النص بكامله

وقال أيوب فأجاب:

كيف أعنت من لا قوة له، وخلّصت ذراعا لا عزّ لها؟
كيف أشرت على من لا حكمة له، وأظهرت الفهم بكثرة؟
لمن أعلنت أقوالا ونسمة من خرجت منك؟
الأخيلة ترتعد من تحت المياه وسكانها. الهاوية عريانة قدامه، والهلاك ليس له غطاء.
يمد الشمال على الخلاء، ويعلق الأرض على شيء.
يصر المياه في سحبه، فلا يتمزق الغيم تحتها.
يحجب وجه كرسيه باسطا عليه سحابه.
رسم حدا على وجه المياه عند اتصال النور بالظلمة.
أعمدة السماوات ترتعد وترتاع من زجره.
بقوته يزعج البحر، وبفهمه يسحق رهب.
بنفخته السماوات مسفرة ويداه أبدأتا الحية الهاربة.
ها هذه أطراف طرقه، وما أخفض الكلام الذي تسمعه منه وأما رعد جبروته فمن يفهم؟ (أيوب ٢-;-٦-;-: ١-;--١-;-٤-;-)

من المسلمات أن قراءة كتاب، أي كتاب، هو في حد ذاته عملية معقدة تتداخل فيها شخصية القارئ وخلفيته الثقافية والاجتماعية والدينية والعلمية إضافة الى مستوى الذكاء للفرد وعمره. لذلك نرى اثنين يقرآن النص ذاته ويخرج كل منهما بنتيجة تختلف كل الاختلاف عن تفسير الآخر لها.

أمضيت حتى اليوم ما يزيد عن ثلاثين سنة من حياتي في مهنة التدريس. تعاملت خلالها مع أطفال ينتمون لبيئات وأعمار ونسب ذكاء وخلفيات ثقافية ودينية ولغوية مختلفة. تعلمت خلال هذه المدة أن تفسير النص يعتمد بشكل كلي على تجربة القارئ ومخزونه الثقافي. أذكر أني يوما طلبت من تلامذة المرحلة الابتدائية قراءة نص. وخلال القراءة، طلبت منهم ان ينظروا الى الرسم الذي رأوه في الكتاب وأن يخبروني بما استنتجوه من النظر اليه. كان الرسم عبارة عن رجل دخل مركزا تجاريا كي يبحث عن هدية لزوجته. أظهر الرسم الرجل في أربعة مربعات: واحد منها وهو يقود سيارته الى المركز التجاري، والثاني أظهر الرجل ينتقي هدية من أحد المحال، والآخر أظهره صاعدا ونازلا على المصعد الكهربائي في المركز التجاري، والاخير يريه وهو يعود الى منزله فرحا. اتفق معظم التلامذة على ان الصور الاربعة تظهر الرجل ذاته في مراحل زمنية أربعة مختلفة. لكن لما سألت أحد التلامذة عما استنتجه، قال لي هناك أربعة رجال يتشابهون كليا وكل واحد منهم يقوم بعمل مختلف.

أوردت هذه القصة لكي أقول أن تفسير النص يخضع لاعتبارات عديدة. فمن المستحيل تفسير نص علمي بقواعد الشعر أو تفسير نص تاريخي بمصطلحات كيميائية أو رياضية. كذلك لا يجوز تفسير نص قديم بقواعد الادب الحديث. يجمع دارسوا العهد القديم بمسيحييهم ويهودهم أن كتاب أيوب كتاب شعري، فسلفي بالدرجة الاولى. يكفي أن يعود القارئ للنص الذي ذكرناه أعلاه لكي يستشف بوضوح النظرة الشعرية للكتاب. ومن الملفت للنظر أنه لم يقم أحد من دارسي الكتاب المقدس بحاضرهم وماضيهم خلال آلاف السنين الماضية و بانتماءاتهم المختلفة على التعليم بأن للسماء أعمدة. بل فهموا جميعا النص بذهنيته وروحه الشعرية. قمت قبل قراءة هذا المقال بمراجعة لبعض التفاسير. عدت الى الشرح التفسيري لكتابي المقدس باللغة الانكليزية، وأترك للقارئ حرية العودة للحاشية في اسفل النص للاطلاع على اسم الكتاب ودار النشر، كما قمت بالاطلاع على عدة مواقع مسيحية لفهم رؤيتها للموضوع، فوجدت اجماعا ان الاعمدة هي اصطلاح "للجبال" كون الجبال تبدو وكأنها تحمل السماء. عندها نفهم تماما أن أيوب كان يقول أن الجبال ترتعد وترتاع من زجره.


كتب نزار قباني الكلمات التالية مخاطبا حبيبته
"أنت امرأة صنعت من فاكهة الشعر
ومن ذهب الاحلام
انت امرأة تسكن جسدي
قبل ملايين الاعوام"

لو أني اخترت تفسير كلمات الشاعر نزار قباني بمصطلحات علمية لخرجت بالنتيجة التالية "حبيبة نزار ليست امرأة من لحم ودم، بل هي مصنوعة من فاكهة ومن ذهب، وبالتالي فهي كائن ميت. لكن في الوقت نفسه هي امرأة تحيا ملايين السنين، وهي سجينة كل هذه المدة في جسد الشاعر. إذا نستنتج أن عمر الشاعر يزيد عن مليون عاما". فهل يناقض نزار قباني نفسه؟ بالطبع لا، فالشاعر يكتب نصا شعريا وليس علميا، ولتفسير النص علينا بمراعاة القواعد الادبية والشعرية.

أخيرا، لكي نفهم أيوب على حقيقته، علينا بالعودة إليه في إطاره الثقافي والتاريخي والاجتماعي، بدل استحضاره إلينا واستنساخه بمعايير ثقافتنا. فأيوب، يتكلم لغة أهل عصره، عربا كانوا أم كنعانيين. يرى الامور بمنظارهم، يستعمل صورهم الشعرية، ويستخدهم مفرداتهم. لو كان كتاب أيوب كتابا تعليميا يهدف الى إظهار حقائق علمية، تاريخية أو جغرافية معينة، لكنا عندها في مشكلة حقيقية. أو لو كان الكلام المنسوب أعلاه لأيوب هو وحي الله له، لكنّا في ورطة أكبر. لكن أيوب يعبر عن رؤيته لحاضره بصور تتناسب تماما مع ثقافة أهل عصره. في النهاية، ليس كتاب أيوب سوى كتاب شعري فلسفي يعالج مشكلة الالم في حياة الانسان ويتناولها من زوايا مختلفة، وإحدى هذه الزوايا هي الزاوية الالهية.

كتاب أيوب كتاب ممتع. أدعو الجميع لقراءته بعين ملحدة أو مسيحية، لا يهم. ففيه غنى ثقافي وفكري وشعري.

المراجع:
http://biblehub.com/job/26-11.htm
NLT Study Bible/ New Living Translation/Second Edition/ Tindale House Publishers, Inc



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرحبا أيها الحب!
- عهد قديم وعهد جديد-8- قراءة في البوذية
- كافر أنا
- عهد قديم وعهد جديد -7-جولةعلى آلهة حوض البحر الابيض المتوسط
- رأيت يسوع- قصة خيالية
- منطق آلهة سادية أم بشاعة وسادية القدماء؟ رد على مقال الاستاذ ...
- عهد قديم وعهد جديد -6-الحرب على كنعان، إبادة جماعية أم دينون ...
- حسناء باريس... وردة ذبلت أم أشواك دامية؟
- عندما يكون الدم ثمن الحرية
- إنسان يموت وكلب يعيش
- عهد قديم وعهد جديد -5- إسمع ما يقوله إيل الثور الإله، سيّدك
- عهد قديم وعهد جديد -4- وسمع الإله دعائي وباركني
- إنها الحياة-6- ومن الحب ما قتل
- عهد قديم وعهد جديد -3- مبروك للعروسين
- عهد قديم وعهد جديد -2- بين الطائرة والمدرسة
- عهد قديم وعهد جديد -1- البداية
- يسوع الثائر 10 - الخاتمة
- إنها الحياة-6- كلب على لائحة الشرف
- يسوع الثائر-9- يسوع والانسان
- يسوع الثائر-8- الرياء وازدواجية المعايير


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين ...
- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - هل قال أيوب أن السماء ترتكز على أعمدة أربعة؟