أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم فتحي - أدب نسوي أم أدب إنساني















المزيد.....

أدب نسوي أم أدب إنساني


إبراهيم فتحي

الحوار المتمدن-العدد: 5073 - 2016 / 2 / 13 - 23:53
المحور: الادب والفن
    


غلب في المجتمع الإنساني زمنًا طويلاً النظام الأبوي الذي يعلي من شأن الذكر فوق الأنثى، وعبرت كثرة من المفكرين في مختلف العصور عن درجة عالية من التحيز والوقوف مع الرجل على حساب المرأة، وإعطاء الرجل مكانة أعلى كثيرًا من مكانة المرأة. وعند أرسطو كانت كلمة المرأة لا تدخل ضمن مفهوم الإنسان الذي يعنى به الرجل الأثيني (الأبيض) الحر الذي يشارك في الفضائل الإنسانية؛ أما المرأة فلا تصلح لإدارة الدولة ولا لإدارة الأسرة. فالرجل عند أرسطو هو الصورة الفاعلة والمرأة هي المادة السلبية (الهيولى)، ويقتصر دورها على إنجاب الأطفال ورعايتهم والإشراف على الأعمال المنزلية وأداء الواجبات نحو الزوج. وعند روسو بالمثل تكون المرأة ناقصة وعاجزة تمامًا عن التفكير المجرد ويتضح أن ما كتبه روسو عن اللامساواة بين البشر ودعونه إلى المساواة كان يقصد بها المساواة بين الرجال وحدهم. كما أن كلامه عن أن الإنسان يولد حرًا مع أنه يراه مكبلاً بالأغلال كان ينصب على الرجل دون المرأة التي ولدت لتكون مكبلة بالأغلال بحكم طبيعتها المزعومة. أما كانط فكان يعتبر أن المرأة لا تشملها صفات الكائن العاقل. بل إن وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي التي تنص على أن الناس جميعًا ولدوا متساوين لم تكن واضحة في إمكان أن تشمل النساء كما تشمل الرجال. والطبيعة البشرية عند أرسطو وتوما الأكويني وماكيافيللي ولوك وروسو وهيجل وكثيرين آخرين تخص الذكور وحدهم ولا تشمل النساء صراحة.
وفي العالم العربي رفضت كاتبات هذا التحيز المعادي للمرأة، بل رفضن معه أيضًا مصطلح الكتابة النسائية من منطلق تضمنه للهامشية مقابل مركزية أدب رجالي ذكوري مفترضة. ولكن ما يسمى الأدب النسائي هو أدب إنساني بالدرجة الأولى تمامًا كالأدب الذي يكتبه الرجال، وذلك الأدب النسائي يخاطب الرجل أيضَا كما يخاطب المرأة، لذلك تقول الناقدة خالدة سعيد إن تسمية تلك الكتابة بالنسائية خطأ شائع. وذلك التقسيم يفصل الأدب إلى قسمين: أدب نسائي وأدب رجالي، ويعزل المرأة في نوعية خاصة بها وحدها من المشاكل، على الرغم من أن مشاكل الاستغلال الاقتصادي والقمع السياسي مشتركة بين الرجال والنساء، وإن كانت النساء يعانين من استغلال وقمع إضاقيين بوصفهن نساء. ولا يعني المصطلح عند أنصار الأدب النسائي عندهن وعندهم دونية أو سلبية، فهو يرتبط بحركة تحرير المرأة ونضالها الطويل من أجل مساواتها بالرجل، وعلى العكس يسخر المنتقصون من مكانة المرأة من الأدب النسائي ويدعون أنه كما يزعم إحسان عبد القدوس أدب الروج والمانيكير دون التدقيق في موضوع مثار. ولكن الحقيقة على خلاف ذلك، فالمرأة في كتابتها ذات حضور متعدد الجوانب الاجتماعية والسياسية والفكرية. ومع ذلك ترفض غادة السمان وأحلام مستغانمي مصطلح الكتابة النسائية لأنه ليس شأنًا نصيًأ ولغويًا، وإنما هو شأن خارج العملية الإبداعية. وأكثر مناقشات المجادلة حول قبول أو رفض تسمية الكتابة النسائية لا تركز على مدى تبني هذه التسمية لقضايا الإنسان من حيث هو إنسان.
وهناك مفكرون يرون أن هناك حساسية نسائية متميزة لا تسجن المرأة في جيتو الحريم المحاط بالازدراء فهي لا تعني سوى خصائص ذوات مبدعة تمتلك خصوصية، فالمساواة لا تعني رفض اختلاف المتساويين. وفي السرد تلاحظ سمات خاصة مشتركة بين النساء: رفض الموروث والتقليدي والتوق إلى الانعتاق والمطالبة باعتبار المرأة ذاتًأ تمتلك فاعلية ومقدرة. وفي الصياغة اللغوية تهيمن عندها الأنا ضمير المتكلم المعبر عن وجودها الإنساني الثائر على القهر والاضطهاد والدونية. ففي كتاب المرأة يتداخل النوع (الجنس) والشرط الاجتماعي (المستوى الاقتصادي). والكتابة الأنثوية كما طورتها أعمال هيلين سيكسو كتابة بواسطة الأنثى تفجر البنى القمعية للغة الذكورية والفكر الذكوري، وفيها تعددية الحميمية التي لا تقتصر على ممارسة الجنس، بل تتعدد نحو مغن أو أعنية أو فكرة أوعاطفة أو ملابس. وتلك الكتابة الأنثوية تحطم التضاد الثقافي الذي ينظم الكتابة الذكورية: الرأس في تضاد مع القلب، والإيجابي مع السلبي، والثقافة مع الطبيعة، والأب مع الأم. وبعض نصيرات حرية المرأة اعترضن على مفهوم الكتابة الأنثوية لأنه يعرف الأنوثة غالبًا كصفة ملازمة لبيولوجيا الأنثى ومعارضة جوهرية للذكورة، وبذلك يدعم التضادات الثقافية نفسها التي يهدف إلى تفكيكها. وتفرد سيكسو جان جينيه مع كوليت ومرجريت دورا باعتبارهم وحدهم الممثلين لهذا الأسلوب وهذه الكتابة. وليست الكتابة الأنثوية كتابة موجودة بالفعل بقدر ما هي مثل أعلى طوبائي. أما الكتابة النسوية عند معظم الكاتبات فهي الكتابة المرتبطة بحركة تحرير المرأة وبصراعها التاريخي الطويل من أجل المساواة بالرجل.
وتتعقب شو والتر في درستها "أدبهن الخاص المستقل" التقليد الأدبي النسائي في الرواية الانجليزية حتى اليوم وتكشف عن ثلالثة أطوار كبرى للتطور التاريخي؛ الأول طور ممتد، طور محاكاة أنماط التقليد الأدبي السائد واستدماج معاييره ووجهات نظره في الأدوار الاجتماعية. والثاني كان طور احتجاح ضد هذه المعايير والقيم، والدفاع عن حقوق الأقلية المحتجة بما فيها مطلب الاستقلال الذاتي؛ وأخيرا هناك طور اكتشاف الذات والبحث عن الهوية. وبدأت مرحلة المحاكاة مع ظهور أسماء منتحلة ذكورية في الأربعينيات من القرن التاسع عشر إلى وفاة الكاتبة جورج إليوت في 1880، وتستمر المرحلة الثانية الداعية إلى تحرير المرأة من 1880 إلى 1920، وتبدأ المرحلة الثالثة الأنثوية من 1920 وما بعد ذلك. والكتابة الأنثوية مفهوم قدمته هيلين سيكسو، كتابة متميزة بالأنثوية في أسلوبها ولغتها ومشاعرها مختلفة تمامًا عن لغة وخطاب الذكور. وليس ذلك راجعًا إلى حتمية بيولوجية، فالنساء غالبًا ما يكتبن في خطاب الذكور، والرجال يستطيعون الكتابة بطريقة أنثوية، فالمعطيات البيولوجية ليست العامل الحاسم في تشكيل المرأة وإنما التنشئة الاجتماعية. ومصدر الكتابة الأنثوية يرجع إلى العلاقة بالأم وإلى علاقة الأم بالطفل قبل أن يكتسب اللغة السائدة. وهذه اللغة الأنثوية حينما تستخدم في الكتابة لا تتشدد في التزام المنطق والعقلانية وكل ما يقيد اللعب الحر للمعنى. وتذهب هيلين سيكسو في مبالغة إلى أن أية نظرية عمومًا هي لا شخصية وموضوعية وذكورية، أما الخبرة (التجربة) فهي شخصية وذاتية وأنثوية. وينبغي أن تعلي الكتابة الأنثوية من قيمة التعبيرات التي ظلت تحتل مكانة ثانوية مثل الخبرة المباشرة والجسد والرغبة واللذة.
وفي مصر ولد الإبداع القصصي والروائي للمرأة من بين ذراعي حركة تحريرية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحركة الاستقلال الوطني والحريات الديمقراطية والتيارات التنويرية. وكانت إبداعات المرأة السردية في القصة والرواية تواصل مطالبها برفض اعتبار المرأة كائنًا سلبيًا تابعًا للرجل وتضعها تحت جناحي الحركة التقدمية الاجتماعية في التعليم والتمثيل والصحافة والنقابات، وهي الحركة التي كانت تدعو إلى حساسية جديدة تواكب النهضة وتتجنب أسلوبًا لغويًا بعيدًا عن البهرج والبريق والطنين ويميز بين زينة المحسنات البلاغية وبين الجمال وتوجب أن تكون البلاغة خادمة للحياة وأن يكون الفن تشيعًا للإنسان، كما أن الأخلاق في الفن ليست أوامر ونواهي أو تحيزًا وإملاءً، وانما الحرية والصدق هي الغبطة بالحياة. ولا يشترط أن تقوم الكتابة الجميلة دائمًا على أفكار مجردة فقد تقوم على تصوير حالات نفسية. وهذه جمالية لا يحتكرها الرجال ولا تحتركها النساء، وإن كانت الأسبقية فيها للنساء (مثل الآنسة مي) الباحثات عن التحرر من القوالب التقليدية الأبوية. وتذهب إلين شو والتر من ناحية أخرى بعد بحث مدقق إلى القول بأنها غير راضية عن فكرة خيال أنثوي وحساسية أنثوية، فهي فكرة تقترب من الوقوع في أسر القوالب التمييزية الجامدة وهي تفضل بدلاً من ذلك القول بأن التقليد الأدبي الأنثوي ينبثق من العلاقة التي تواصل الارتقاء بين الكاتبات ومجتمعهن. وهي علاقة تحمل التناقضات والعوائق مع الارتقاء وتقوم على ممارسة طويلة خصبة لا تخلو من صراع ومثابرة.



#إبراهيم_فتحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إردوغان والسلطنة التركية الجديدة
- السلالات الحاكمة في السياسة والاقتصاد
- -الاختلال- العالمي الجديد
- تطور تقنيات الرواية في مصر
- صعود اليسار في جنوب أوروبا
- كيف قرأت أمل دنقل
- الحرب العالمية والأدب
- اليسار الراديكالي والسلطة جنوب أوروبا
- هنرى كورييل ضد الشيوعية العربية فى القضية الفلسطينية -
- الحاضر والتاريخ عند نجيب محفوظ
- حيرة ومتاهات موقتة في القاهرة
- إبراهيم أصلان ساحر البيان
- الشباب والسلطة في مصر
- مشاكل الشريعة الإسلامية والدستور المصري
- علاقة الإخوان والفاشية
- صورة العالم بين عناق مستحيل وعناق دموي -رواية -عناق عند جسر ...
- الماركسية وأزمة التقليد الإيديولوجي الليبرالي
- الماركسية - التناقض بين المنهج والنصوص
- أزمة الماركسية (1)
- أزمة اليسار


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم فتحي - أدب نسوي أم أدب إنساني