حلوة زحايكة
الحوار المتمدن-العدد: 5073 - 2016 / 2 / 13 - 22:24
المحور:
كتابات ساخرة
حلوة زحايكة
سوالف حريم
المنحوسة
مع أنّني متفائلة دائما، إلا أنّني هذا اليوم استيقظت متشائلة على رأي أديبنا الكبير الراحل اميل حبيبي، عندما نحت كلمتي "متفائل ومتشائل" في كلمة واحدة هي المتشائل، عندما سمّى روايته الرّائعة"الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النّحس المتشائل" والتي أحدثت ثورة في عالم الرّواية العربيّة عندما صدرت عام 1974. ويبدو أنّ أموري لم تتوقّف عند التشاؤل بل تعدّاها يومي هذا إلى التّشاؤم الذي لا أؤمن به، فأنا لست ولن أكون كملك المناذرة النّعمان بن المنذر الذي كان له يوم فأل ويوم شؤم، فيقطع رأس من يمرّ به في يوم شؤمه. فما أن خرجت من باب بيتي هذا اليوم في طريقي لزيارة والدتي التي ترقد في المستشفى، وما أن صعدت حافلة الرّكّاب حتّى فاجأتني تلك المنحوسة، والتي "يقطع وجهها الخميرة من العجين" ونادتني لأجلس بجانبها، فاستجبت لها لأنّني أشفق عليها. وهذه المرأة أطلقوا عليها لقب المنحوسة لأنّ والدتها ماتت في مخاضها عندما أنجبتها، وربّتها جدّتها لأبيها، وعندما شبّت خطبها مهندس، وقبل الزّفاف بيوم سقط عن بناء مرتفع يشرف عليه فمات، فحزنت وبكت ولطمت الخدود وقدّت الجيوب، وبعد ذلك بعام خطبها عامل طراشة ودهان، وقبل الزّفاف بأسبوع سقط عن السّلم ودخل في غيبوبة، وتوفيّ في اليوم المقرّر لزفافهما. فازدادت أحزانها أحزانا، وأطلقوا عليها بعد ذلك لقب"المنحوسة" وأخذوا يتجنّبون مجالستها والحديث معها. وكلّ ذلك دار في شريط ذاكرتي عندما جلست بجانبها، مع أنّها تكبرني عمرا، لكنّني سمعت قصّتها ممّن يكبرونني ويكبرونها عمرا. وبما أنّني لا أؤمن بالنّحس، وأعتبر ما جرى لها قضاء وقدرا لا علاقة لها بحدوثه، وأنّها من ضحاياه، فقد قرّرت ممازحتها والتّرويح عنها لأدخل الفرحة إلى قلبها، ولم يثنني صوتها الباكي من شدّة الاكتئاب، ولا ضحكتها التي تشبه الانتحاب، عن الحديث معها على سجيّتي، إلى أن وصلنا محطّة الحافلات المركزية، فنزلتُ من الحافلة وتعثّرتُ على درجاتها فسقطت أرضا، وإذا بعجوز خلفي تمسك بيدي تساعدني على الوقوف وهي تسأل:
لماذا جلستِ بجانب المنحوسة يا تعيسة الحظ؟ ألا تعرفينها؟
فقلت للعجوز: وحّدي الله يا خالة، وواصلت طريقي لزيارة والدتي، فوجدتها تئنّ من شدّة الألم. فهل كان يومي منحوسا؟ لا اعتقد ذلك.
13-2-2016
#حلوة_زحايكة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟