أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 38















المزيد.....


ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 38


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 5072 - 2016 / 2 / 11 - 22:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



[email protected]
www.nasmaa.org
ورقاتي الإصلاحية لـ حزب الدعوة الإسلامية
تكلمت في سياق سرد «قصتي مع الدعوة منذ انتمائي حتى استقالتي» [التي نشرتها عام 2006] عن أوراق الإصلاح المقدمة من قبلي [قبل السقوط] لحزب الدعوة، وأهمها «ورقة كتلة التأهيل السياسي لمرحلة الدخول»، «ورقة تيار الوحدة والتجديد»، و«ورقة التيار الإصلاحي» تمر عليها الصفحات القادمة.


رسالة تاريخية لكوادر حزب الدعوة
في التواريخ التي وجدتها مدونة في هذه الوثائق، وجدت في البداية مفارقة، لم أستطع تفسيرها. فاستقالتي من حزب الدعوة مؤرخة في 03/05/2006، وما أسميته بالرسالة التاريخية الموجهة إلى كوادر الحزب مؤرخة في 17/04/2006، أي بستة عشر يوما قبل الاستقالة، بينما أوقع الرسالة بـ(الداعية سابقا)، مما يستوجب أن تكون مكتوبة بعد الاستقالة. لكني بعدما راجعت رسالة الاستقالة، وجدت أني أذكر فيها، بأني كنت قد كتبتها منذ 15/03/2006، وأرجأت تقديمها. من هنا أفهم كتابتي للرسالة الموجهة إلى كوادر الحزب في 17/04/2006، أي بشهر ويومين من بعد كتابتي للاستقالة، والتي أحتمل أني أبقيتها أيضا، ولم أنشرها، إلا بعد نشري لرسالة الاستقالة، ونشر حلقات «قصتي مع الدعوة منذ انتمائي حتى استقالتي». بعد نشر استقالتي، نشرت هذه الرسالة التي عنونتها بـ«رسالة تاريخية لكوادر حزب الدعوة»، ثم ألحقت العنوان بعنوان ثانوي شارح، هو «دراسة وجوب الفصل بين المشروعين السياسي والدعوي وإجراء إعادة نظر شجاعة شاملة».
دراسة وجوب الفصل بين المشروعين السياسي والدعوي
وإجراء إعادة نظر شجاعة شاملة
[واضح أن هذه الدعوة تمثل مرحلة متقدمة عن سابقاتها منذ اعتمدت التنظير للديمقراطية نحو العلمانية، إلا أنها كانت لما تزل لم تكتمل بعد كما سنرى.]
[بعد سبع سنوات من كتابة هذه الرسالة المفتوحة الموجهة لحزبيي الدعوة، وبعدما تحول الحزب إلى حزب سلطة، يتحمل – ليس حصرا بل بشكل أساسي - مسؤولية الأوضاع الكارثية على جميع الأصعدة، لا أرى أنه يستحق أن تقدم له نصيحة، كما في هذه الرسالة.]
طوال ربع قرن كنت في حزب الدعوة، وهي فترة غير قصيرة، وإن كان هناك من له أربعة عقود أو يزيد من الزمن فيها، ولكن ربع القرن يكفي كي أفهم اعتزاز أفراد حزب الدعوة بحزبهم. ولست بصدد الدعوة إلى حل الحزب، ولكنها دعوة مخلصة لإعادة النظر في كثير من الموروث والمألوف من المسلمات، أو ما يعتقد أنها مسلمات حركية أو دعوية، وذلك بمحاولة انتزاع الذات من داخل التجربة، والتأمل فيها بموضوعية وتجرد من خارجها.

إعادة النظر في الاسم
ما من مقدس من نتاج الإنسان إلا وقدسيته نسبية، وليس من مطلق إلا الله، وبعض الحقائق من ضرورات العقل. صحيح إن الاسم من وضع المؤسس [أو أحد المؤسسين] المفكر الكبير الشهيد الصدر، وصحيح أن الاسم يتحول مع الوقت إلى ركن أساسي من شخصية المسمى، وصحيح إن اسم حزب الدعوة الإسلامية يمثل تأريخا ممتدا لخمسة عقود، حافلا بالشهادة والنضال والعطاء والتضحيات والفكر، إلا أننا إذا ما وجدنا المبررات الكافية، يمكن أن يغير أحدنا حتى اسمه الشخصي ولقب عائلته. [وهذا ما الفارق يشبه إلى حد ما تمسك الحزب الشيوعي باسمه.]
واسم (الدعوة الإسلامية)، إذا أمعنا النظر فيه بتجرد، وفي لحظة نحاول أن نمحو فيها ذاكرتنا، ونتعامل مع الاسم، وكأننا نسمعه لأول مرة، كمقترح مقدم لتسمية حزب سياسي، يريد اليوم أن يؤسسه أشخاص مؤمنون بالإسلام، وملتزمون بأحكامه. عندها سيكون الخيار بالتأكيد غير هذا الخيار، وسيقال لمقترح اسم (الدعوة)، مع كل احترامنا لوجهة نظرك، وكل اعتزازنا بهذا المصطلح القرآني، إلا أن هذا لا يمثل الخيار المناسب. وهكذا هو الحال مع كثير من أسماء الأحزاب الإسلامية، الكبيرة منها والصغيرة، كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق [لاحقا: المجلس الأعلى الإسلامي العراقي]، وجند الإمام، وحركة حزب الله، ومنظمة العمل الإسلامي، وحركة الدعوة الإسلامية. وفي بحث الفصل بين السياسي والدعوي أدناه ستتضح أكثر المبررات لضرورة إعادة النظر في الاسم.
إعادة النظر في الفصل بين السياسي والدعوي
تأسس حزب الدعوة كحزب إسلامي صاحب مشروع تغييري، أي إنه وضع لنفسه مهمة تغيير الأمة على أساس الإسلام، ضمن مراحل العملية التغييرية، أو ما سُمِّي لاحقا بعملية أسلمة الواقع [تلك الفكرة البائسة التي قامت عليها كل أحزاب الإسلام السياسي، بدءً بحركة الإخوان المسلمين]، التي تبدأ بالعملية التغييرية الفكرية [السرية]، فالسياسية [نصف السرية]، فالثورية أو الجهادية، فالحكمية أو التطبيقية. وكان همّ الدعاة أن يدعوا الأمة إلى الإسلام، ويقرّبوها منه، بعدما ابتعدت عنه فكرا، ومفاهيم، وممارسة، وأخلاقا [والواقع يرينا أن المجتمعات العلمانية، واللادينية، أو مجتمعات الديانات الأخرى، أكثر التزاما بكثير بالمثل والقيم الأخلاقية والإنسانية من المسلمين المتدينين]، وسلوكا، وسياسة، وتربية، وعلى جميع الصُّعُد. وكان ذلك بدافعين، أولا كردة فعل على الشعور بابتعاد الأمة عن هويتها الإسلامية، فأراد الدعاة أن يحوّلوا المسلم بالهوية، إلى مسلم مقتنع بالإسلام في العمق، والمسلم غير الملتزم إلى مسلم ملتزم، والملتزم غير الواعي [أي غير المعتمد للإسلام السياسي، والمؤمن أن الإسلام عبادة وسياسة، دين ودولة، دنيا وآخرة] إلى ملتزم واع، والواعي غير العامل إلى واع عامل، وهكذا. وهذه المهمة كما هو واضح هي مهمة دعوية، أو وعظية، أو دينية تربوية وتثقيفية. ومثل هذه المهام هي في الواقع ليست من مهام حزب سياسي، بل من مهام مؤسسة مجتمع مدني دينية دعوية أو وعظية أو تثقيفية تربوية، ولكون مثل هكذا مؤسسة ما كان لها أن تؤسس في زمن الديكتاتورية الصدامية، كان لا بد من تنظيم سري يضطلع بهذه المهمة. أما في أجواء الحرية، والتأسيس للديمقراطية، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، [بما فيها] التربوية والثقافية والوعظية والخيرية، فلا معنى لأن يضطلع حزب سياسي بمثل هذه المهام. من هنا لا بد من أن يتحول حزب الدعوة إلى حزب سياسي محض، وتتأسس إلى جانبه مؤسسة مجتمع مدني دينية تعنى بالتربية والتثقيف الدينيين، وليكن اسمها رابطة، أو مؤسسة، أو جمعية الدعوة الإسلامية، أو ما شابه. وهنا سينقسم كوادر الحزب إلى ثلاثة أقسام، منهم من يتفرغ للعمل السياسي، فينتمي إلى الحزب السياسي ذي الاسم الجديد، ومنهم من يتفرغ للنشاط الوعظي، فينتسب إلى مؤسسة الدعوة، ومنهم من يجمع بين الاثنين [وهذا خلاف ما تبنيته في وقت قريب لاحق من وجوب الفصل بين السياسة والدين]، كأي حزبي له نشاط اجتماعي، أو ثقافي، أو خيري إنساني، أو علمي أكاديمي آخر، ولكن يبقى لكل منهما أساليبه في العمل التي يتميز بها عنها في الثاني، ويكون صاحب الانتماءين سياسيا في الحزب، وداعية في المؤسسة، وهذا له بعض المصاديق في التجارب الديمقراطية، فهناك قسّ قد يضطلع بنشاط سياسي، فلا يخلط بين دوره الكنسي ودوره الحزبي، بل لكل مجاله.

إعادة النظر في القيادة
منذ عقدين وأعضاء المؤتمر العام من الدعاة يُشْكلون على الكثير من أفراد قيادة الدعوة، وفي كل مرة يذهبون إلى المؤتمر العام، ليضع أكثرهم في قسيمة الانتخاب نفس الأسماء ذات البريق والشهرة، دون التأمل جيدا ما قدم (ألف) من القياديين، وكم لـ (باء) من ذات ونرجسية [إبراهيم الجعفري مثالا]، وكم تصدق شبهة الارتباط مع الاطلاعات الإيرانية لـ (جيم) [علي الأديب مثالا]، وكم أساء الأداء وقصر (دال) منهم، لا بل يصعد بين الحين والحين اسم جديد هو أقل حظا من الباقين في ما يملك من مؤهلات [وليد الحلي مثالا]، مع إن حزب الدعوة محسود لكثرة كوادره المثقفة والكفوءة [كنت ما أزال مصدقا بهذه الكذبة]، فمتى يتحقق الوعي الانتخابي المعمق، والمسؤولية الانتخابية لدى أعضاء المؤتمر العام، ليعرفوا كيف يُشكّلون قيادة ذات كفاءة وإخلاص للعراق، وللمثل التي يؤمنون بها [ومتى أعطى الشيءَ فاقدُه؟]؟ وهنا جدير بالإشارة أن القيادة منذ سقوط الديكتاتورية تتعذر باستمرار من عقد المؤتمر العام، وتتهرب منه، والدعاة يتذمرون، ولكن لا يفعلون شيئا، ولا يحركون ساكنا، إما قصورا وعجزا، أو تقصيرا وإهمالا، لهذه القضية الحساسة. فكيف يريد أن يؤسس للديمقراطية لكل الوطن من يهمل آلية أساسية من آليات الديمقراطية داخل الحزب، ويخشى الانتخابات في إطار حزبه على وجه الخصوص، في الوقت الذي كان حزب الدعوة صاحب السبق من بين كل الأحزاب الإسلامية في اعتماد آلية الانتخاب؟

إعادة النظر في التحالفات السياسية
لا نريد أن نثير الحساسيات بتقييم الأطراف الإسلامية التي دخلت الدعوة في تحالفات وائتلافات معها، ولكن من الضروري جدا أن تبلور الدعوة نظرية واضحة في التحالف وأسس ومعايير التحالف، بحيث تتعدد المعايير وتتنوع المساحات المشتركة، فأحادية المعيار يمثل ضيق أفق لا يليق بالدعوة وتراثها صاحب منهج الوعي والابتعاد عن المناهج المحافظة والتقليدية. فتحالفات الدعوة التي دخلت فيها يمكن أن تحقق كسبا سياسيا عاجلا، ولكنها تمثل خسارة على مدى المستقبل في خطه الطويل، ولطالما كتب صاحب هذه السطور بهذا المعنى في صحيفة البيان، ووضع نظرية للتحالفات، كما قدم مسودات كراسات، أهملت رغم شهادة الكثير ممن اطلع عليها من الدعاة بأهميتها، حيث بقيت القيادة للأسف الشديد عاجزة عن استحضار وعي تحالفي معمق، وبعيد الأمد في حساباته. فهي ذات قدرة على التكتيك قصير الأمد، ولكنها عاجزة عن وضع استراتيجية بعيدة الأمد. وقيادة كهذه لا تصلح لحزب بهذا التاريخ، وهذا الرصيد، وهذا التأثير، الذي سيفقده بالتدريج عاجلا أو آجلا وبكل تأكيد، إذا ما بقي على هذا النهج. [واضح أني كنت ما أزال أحسن الظن بحزب الدعوة، واليوم أقول لا يناسب حزبا إسلاميا شيعيا إلا هذا المستوى من (القادة)، فالقيادة هي الإفراز الطبيعي لهكذا حزب، ثم إن حزب الدعوة الذي كنت أعيش وهم كونه معتدلا، كان له (الشرف؟) الذي سيسجله له التاريخ، بأنه كان أبرز المؤسسين لـ«الشيعسلاموية»، حيث تجاوز حتى المجلس الأعلى الذي كان الرائد الأبرز لهذا النهج.]

إعادة النظر في العلاقة مع المرجعية
ركض الدعوة لاهثة وراء كسب دعم ومباركة المرجعية، ولو على حساب القضايا الكبرى والأهداف بعيدة الأمد، وخضوعها للابتزاز الذي مارسه المتاجرون بالمرجعية [أعني المجلس الأعلى والسيستانيين] يعيد إلى الذاكرة كيف سُلِّط على الدعوة بالأمس في إيران سيف ولاية الفقيه. فبنفس الطريقة سلط عليها اليوم في العراق سيف وصاية المرجعية [ومن نفس الجهة آنفة الذكر]. مع كل احترامنا للمرجعية الحالية للنجف كمصداق [المرجعية الدينية تستحق الاحترام بمقدار ما تبتعد عن حشر نفسها، أو السماح لأن تحشر من غيرها، في الشأن السياسي، وتبين أن هذه المرجعية قد تجاوزت حزب الدعوة في كثير من الأمور، فأصبح حزب الدعوة هو الأشد ابتعادا عن روح الدولة الحديثة المدنية]، ولكنه لمعيب على حزب كحزب الدعوة أن يلهث مستميتا وراء هذه الأجواء العاطفية والصاخبة. إنه كما يعلم كل الدعاة، ولكن لا يجرؤون على الإفصاح به، تأسيس لولاية فقيه غير معلنة، ومصادرة لتاريخ ونضال ووعي الأحزاب الإسلامية |وهل يفرز الوعي تسييسا للدين؟|، ومصادرة لإرادة الأمة، ولمشروع التحول الديمقراطي، وهي من جهة أخرى متاجرة غير صادقة من قبل الأطراف المنافسة للدعوة بالمرجعية، استثمارا للعواطف الطيبة والبريئة، ولكن غير المقترنة بالوعي المعمق، للجماهير.

إعادة النظر في ثقافة الدعوة
ما يسمى بثقافة الدعوة المكتوبة في الستينات والسبعينات والثمانينات، أصبح بنسبته العظمى، ثقافة لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتمادها، فثقافة الستينات والسبعينات واضحة التأثر بالأحزاب الإسلامية الأصولية السنية، كالإخوان المسلمين وغيرها، أما ثقافة الثمانينات فهي متأثرة بشكل جلي بثقافة التجربة الإيرانية، ونظرية ولاية الفقيه. هذا في الجانب الفكري من ثقافة الدعوة، أما في جانبها التنظيمي فهي ثقافة السراديب، وثقافة ما عرف بفترات النضال السلبي، حسب مصطلح الأحزاب اليسارية الثورية، والتي فرضتها ظروف القمع، وبالتالي لا بد من التخلي عنها. فكثير من المفردات كالسرية، والمرحلية، والمصطلح السياسي، والحلقة الحزبية وغيرها [التي بقي إبراهيم الجعفري يثقف عليها داخل العراق، ويتبناها أيضا محدودو الثقافة والفكر، من أمثال وليد الحلي وغيره]، يجب إعادة النظر بشكل جذري فيه. أما محاولات الترقيع التي قام بعض القياديين عند دخول العراق [أعني الجعفري]، فلا يمكن عرضها على الواقع الراهن، ولولا أننا سارعنا إلى إضفاء بعض التعديلات الضرورية [تلك التي أجريتها شخصيا على كراس التعريف بالدعوة الذي كتبه إبراهيم الجعفري]، لكان بعض ما طرح مما يعتبر كارثة ثقافية وسياسية. فللأسف لم يعد هناك من ينظّر للدعوة، وبقيت الدعوة تجترّ نتاج الماضين جزاهم الله خيرا على ما قدموا، إلا أنهم كانوا رجال زمانهم، ولا بد أن يكون لهذا الزمان رجاله وأقلامه. وعندما حاولنا أن نقدم بديلا ثقافيا، لم نجد من يملك الوقت من القياديين حتى يقره، [كان نوري المالكي يقول ليس لإعادة كتابة ثقافة الدعوة إلا الشيخ أبو آمنة (يقصدني)] وبقيت حلقات درس الدعوة تدرّس الغث والسمين دون تمييز. إذن لا بد من التحرر من تقديس التراث الثقافي، فموروثاتنا الثقافية تمثل مرحلة متأخرة من الرشد الفكري الحركي [بل تمثل غاية التخلف]، تجاوزها الزمن وتجاوزتها سُنّة الترشّد والنمو الثقافي.

إعادة النظر في الأداء السياسي
لم تفرز الدعوة إلا أربع شخصيات سياسية، هي [إبراهيم] الجعفري، و[نوري] المالكي، و[حيدر] العبادي، و[علي] الأديب. ومع احترامي واعتزازي ومودتي لإخوتي المذكورين جميعهم، ففي الواقع لم نجد منهم، ولا من غيرهم أداءً سياسيا بما يتناسب وحجم وتاريخ الدعوة. فمنهم المتشدد في خطابه السياسي [أعني نوري المالكي قبل أن يكون رئيسا للوزراء]، ومنهم المستغرق في نظرية المؤامرة [أعني علي الأديب]، ومنهم من لا يؤمن أصلا بشرعية الديمقراطية، وإن كان قد تعاطى معها، ومنهم من يعيش الازدواجية بين رغبة الانفتاح الثقافي والسياسي وعدم القدرة على التحرر من الفهم المحافظ التقليدي [أعني إبراهيم الجعفري]، ومنهم من يمارس الخطاب التبريري الذي لا يؤمن هو به، ومنهم من بقي متأثرا بأجواء البلد المضيف الذي عاش فيه، ومنهم صاحب النرجسية المفرطة [الجعفري]، ومنهم المبتعد أصلا عن الحدث السياسي. نعم لهؤلاء ولغيرهم نقاط قوة بلا شك، فهم من جهة أخرى لا يخلون من نظرة واقعية، وبعضهم عملي وميداني، وبعضهم يجمع بين ذا وذاك من نقاط القوة، وبعضهم يتمتع بقسط لا بأس به من احترام الأوساط السياسية، ولأكثرهم رصيد ثقافي محترم [ثقافة مقروءة ومجترة، من غير امتلاك ملكة التأمل وإنتاج الفكر والإبداع والتجديد والمراجعة]. ولكن كمحصلة لا تملك الدعوة شخصيات سياسية تليق بحزب يريد أن يتبوأ موقع الريادة والصدارة في العملية السياسية.

إعادة النظر في مذهبة الهوية السياسية
بالرغم من أن حزب الدعوة بقي أبعد من غيره من الأحزاب الإسلامية الشيعية عن الخطاب المذهبي، ولكنه انجر مع تيار تسييس الانتماء المذهبي، وكل ما يرتبط بذلك من مرجعية وغيرها، وتيار مذهبة المشهد السياسي [بل غدا أحد المؤسسين الأساسيين للطائفية السياسية، التي أعتبرها الجريمة التاريخية بحق العراق، ومشروع التحول الديمقراطي فيه، بتضييع الفرصة التاريخية الذهبية النادر حصولها في تاريخ الشعوب، والتي أي الطائفية السياسية بلغت ذروتها في الولاية الثانية للمالكي، والمعاذ بالله من الثالثة، حيث أصبح ينعت بـ«مختار العصر»]. فأصبحت الدعوة متهالكة في إثبات ولائها للمرجعية، بل ومزايدة بها مع المزايدين، فيقرن إعلان تسمية الدعوة لمرشحها لرئاسة الوزراء بحظوة المرشح بدعم المرجعية له، بل وتبذل الجهود فوق العادة في خضم صعود وتيرة التنافس ومواجهة الرفض الواسع لمرشحها للحصول على مباركة المرجعية. نحن مع كل احترامنا للمرجعية، فالشريحة الواسعة الواعية من الدعاة لا تؤمن بصحة إقحام المرجعية في تفاصيل العملية السياسية، وإناطة القرارات المفصلية والمصيرية للمرجع الأعلى، الذي ما هو إلا تأسيس غير صريح لدولة ولاية الفقيه، مما لا يعتبره جُلّ الدعاة مما يخدم قضايا الوطن، ولا قضايا الإسلام، ولا قضايا الشيعة، ولا مصالح حزب الدعوة. فإذا صح اليوم التعويل على المصداق الراهن لموقع المرجعية، فلا يصح أكيدا التأسيس لمنهج لا نضمن التوقي من أضراره مستقبلا في حال تصدي مصاديق آخرين قد يربكون كل العملية السياسية في مبالغتهم في التدخل في تفصيلاتها وقراراتها المهمة والكبيرة. ثم حتى الفعل الطائفي من بعض أوساط الطائفة الثانية لا يكفي كمبرر لنجعل خطابنا وتحالفاتنا وجل حركتنا السياسية مبنية على أساس الانتماء المذهبي.

إعادة النظر في مغزى إسلامية المشروع السياسي
[من جديد تظهر نزعتي العلمانية هنا] لنكن من الشجاعة والجرأة لنطرح السؤال حول جدوى ومبررات نعت أنفسنا بأننا إسلاميون كسياسيين. صحيح أننا كمتدينين - ولا يزكي الأنفس إلا الله - وكمؤمنين واعين وبعمق بالإسلام، يمكن القول عن أنفسنا بأنا إسلاميو القاعدة الفكرية. ولكن في الشأن السياسي هناك ما هو أقل من 10% مما يرجع به المرء إلى قاعدته الفلسفية كموحِّد، أو إلى أحكامه الشرعية كمتشرع. فـ 90% من الشؤون السياسية يرجع بها إلى عموم التجربة الإنسانية. نعم سمينا أنفسنا في وقتها إسلاميين، لأننا كنا نملك مشروعا إسلاميا للدولة، ولكن بعدما تبين لنا أن الدولة غير المؤدلجة، سواء بإيديولوجية دينية أو بإيديولوجية بشرية، هي الحاضنة الأصلح لواقع التنوع والتعددية الذي لا بد لنا من الإقرار به، وترتيب الأثر على هذا الإقرار، وهي الأصلح للإسلام ورسالته ودعوته، لا بد من إعادة النظر في هذه المسألة. ثم بينت في سؤال الفصل بين السياسي والدعوي، أن من يريد أن يعمل في إطار الدعوة للإسلام، فلهذا الأمر مجاله الخاص، من حوزة ومرجعيات - ولو أنهما بحاجة إلى عملية إصلاح جذرية وشاملة -، ومؤسسات خيرية، أو وعظية، أو دعوية، أو ثقافية، أو تربوية، وليس مجالها الأحزاب السياسية. فإذا ما أقررنا هذا الفصل، لن يكون لنا بعدها من مبرر لنعت أنفسنا سياسيا بالإسلاميين.

ملاحظة أخيرة
لم أوجه هذه الرسالة إلى قيادة الدعوة، لأن القيادة على الأعم الأغلب مع احترامي لشخوصها لا تقرأ، إما لأنها لا تملك الوقت كي تقرأ، وإما لأنها لا تعي أهمية مشاريع الإصلاح، كي تقرأ ما له علاقة بذلك. لذا وجهت رسالتي لكوادر حزب الدعوة، ولا يضرّ أن يشمل ذلك بعض القياديين، لإيماني من وجود مساحة واسعة جدا من كوادر حزب الدعوة، ممن وصل إلى مثل قناعاتي وتشخيصاتي، إلم يكن 100% فبعضهم بنسبة 70 وآخرون بنسبة 90%، ولكن هؤلاء ينقسمون إلى عدة أقسام، فمنهم من وصل إلى نقطة اليأس، وترك العمل الدعوي والحزبي والسياسي، ومنهم من يخشى على هذا التراث أن ينشرخ أو أن ينتهي، فهو متمسك به كثراث واسم وتاريخ وقوافل شهداء وارتباط بمفكر كبير كمؤسس وكأسرة، ولا يستطيع بالتالي تصور الحياة بلا حزب دعوة، فإذا كان لا بد من اختيار أحد الأمرين، دعوة عاجزة عن إصلاح نفسها، أو لا دعوة أصلا، فإنه يختار الخيار الأول، إما من باب الوفاء، أو من باب الاعتياد والألفة، بحيث يمثل لديه الغياب خللا كبيرا لا يتحمله. [وفريق آخر وهو يمثل الغالبية، هو ذاك الذي ذاق طعم السلطة وامتيازاتها، أي الذي ذاق بعضا من دنيا هارون الرشيد، فسجن موسى الكاظم، كما عبر محمد باقر الصدر في محاضرته "حب الله وحب الدنيا"] ولكن علينا أن نفكر، لا بأفق الألفة والاعتياد والانتماء العاطفي، بل بأفق الإسلام، وبأفق التجربة الإنسانية الغنية، وبأفق الوطن، وبأفق المستقبل. هذه شقشقتي، شقشقة حرص ومحبة، ومحاولة تجرد، ومحاولة توخٍّ لنظرة موضوعية، وإذا اشتملت على أخطاء، وهي لا تخلو منها حتما، فهي من جهة أخرى لا تخلو حتما من مواطن الصواب كذلك، فاتركوا مواطن خطئها، وتأملوا في مواطن صوابها.
الداعية سابقا وأخوكم دائما: ضياء الشكرجي ["الداعية" مصطلح استخدمه الحزب بمعنى العضو في حزب الدعوة الإسلامية، أما كلمة "أخوكم" فكثير منهم يرونني ربما اليوم "عدوا" لهم ولحزبهم، وأقول ليس في قاموسي عداوة بل هي معارضة ومخالفة وخصومة، والأخوة هي أخوة الإنسانية ثم أخوة المواطنة، بقطع النظر عن العقيدة.]
17/04/2006



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 37
- هل تتجه مرجعية السيستاني نحو العلمانية؟
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 36
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 35
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 34
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 33
- أمراض المتعصبين دينيا أو مذهبيا
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 32
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 31
- لست مسلما .. لماذا؟ 3/3
- لست مسلما .. لماذا؟ 2/3
- لست مسلما .. لماذا؟ 1/3
- مقدمة «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 10/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 9/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 8/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 7/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 6/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 5/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 4/10


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 38