سلام صادق
الحوار المتمدن-العدد: 5070 - 2016 / 2 / 9 - 16:42
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
في مثل هذا اليوم وقبل اكثر من نصف قرن ، وفي تلك الناحية الجنوبية الوادعة ، الملقاة بعناية فائقة على كتف الغراف ، كان ابي يعاند الزمن والمسافات والسياسات الرعناء من اجل انقاذ الفلاحين من براثن التدرن والبلهارزيا الدموية ، ففي كل مرة ينفذ فيها خزين المستوصف من الادوية يشد الرحال الى الوزارة في بغداد ليعود محملا بالادوية والقطن والضمادات والتجهيزات الطبية الاخرى .
في تلك الليلة زارنا فصيل من رعاع " الحرس القومي " ليلاً ، وكان ابي منشغلاً يُعد لنا " حلاوة الجزر" على صوبة " علاء الدين " النفطية ، كانوا ستة مدججين باسلحتهم ، استوقفتهم امي في " المجاز " الطويل المفضي الى الدار ، وطلبت منهم امراً رسميا بالتحري
لكنهم هزءوا منها بضحكاتهم الصفراء وابعدوها عن طريقهم بطريقتهم السافلة ، وفعلا قاموا بتحرّي الدار ، قلبوا عاليها سافلها ، اخذوا معهم ماتبقى في المكتبة من كتب والتي لم تتمكن امي من اتمام نقلها جميعها الى بيت الجيران ( أتذكر جيدا احد هذه الكتب والذي انشغلوا طويلا بتصفحه فقد كان على غلافه صورة لجواهر لال نهرو الزعيم الهندي ) بينما كان ابي في غرفة مجاورة يرتدي كامل ملابسه للذهاب معهم .
سالتهم امي والان ماذا تريدون اكثر من هذا الرعب الذي سببتموه للاطفال ، ضحك احدهم ببلاهة وقال لها لاشيء ، فقط " نريد ابو البيت فد عشر دقايق ويرجعلكم " .
ذهب ابي معهم اجلسوهُ في حوض عجلة " بيك آب " بيضاء وجلسوا قربه مصوبين اسلحتهم نحوه . ذهب ابي معهم ولم يعد كما وعدوا .......
كنا نبكي نحن الصغار ونلوذ باذيال امي ، ماذا سيفعلون بأبي ؟ كانت امي لاترد على اسئلتنا ، بل كانت منهمكة بتنظيف بقايا الحلاوة المحترقة والتي نسيناها على النار حتى استحالت الى فحم اسود كشباطهم الاسود وبمرارة خاصة مازلت احسها لهذا اليوم واشم رائحتها الاسفلتية الشباطية النفاذة .
#سلام_صادق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟