سعدون الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 5068 - 2016 / 2 / 7 - 22:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حرب الخليج ( الملف السري)
تأليف:
- بيير سالينجر
- إريك لاورينت
ترجمة :
سعدون الركابي
الناشر: دار كيوان للطباعة و النشر
دمشق
الطبعة الأولى
2005
الحلقة السابعة
الفصل الرابع
كانت الأسابيعُ الأولى في الفترةِ المُمتدةِ بين 30 مارس و 2 أب هادئةً بشكلٍ غريب, تاركةً الشعور بأنّ الأوضاعَ قد هدَأَت! في منتصفِ شهرِ حزيران, كانت هناك شخصيةٌ أوربيةٌ تقومُ بزيارةٍ لواشنطن و التي طرحت على متحدثيها هناك موضوعَ العراق؛ " في ذلك الوقت - تقولُ هذهِ الشخصية - لم يكُن هُناكَ أحدٌ يعتبرُ أنّ العراقَ هوَ مصدرُ خطرٍ, إذ لا يُعتبرُ – العراقَ - إلا سوقاً جيدةً للبضائعِ الأمريكيةِ و واحدآ من الدُولِ القليلةِ التي لا زالت فيها التقنيةُ الأمريكية, تجدُ تفضيلا ً أمامَ مُنافستها اليابانيةِ. في نهايةِ شهرِ حُزيران, قامَ نائبُ رئيسِ الوزراءِ العراقي سعدون حمّادي, بجولةٍ في دولِ الخليج. هذا الرجلُ الإقتصادي ذو الستين سنةٍ, الشيعيُ المذهبِ و خِرِّيجُ الجامعةِ الأمريكيةِ في بيروت. كان رَجُلاً لَبِقاً و أنيقاً و مُتدَيِّناً جدآ. كانت زيارتَهُ قَبلَ شهرٍ من الإجتماعِ المُهمِ لِمُنظمةِ أوبك, و هدفَهُ هوَ الطلبُ من المُشاركينَ ِبِقبولِ حُصصِ إنتاجٍ مُخَفَضَةٍ, و التي سَيَتُمُ إحترامُها, و ذلك لتشجيعِ رفعِ أسعارِ البِترول.
في 25 حزيران تَوقَّفَ سعدون حمّادي في الرياض, و هناك قدَّمَ رجاءاً لِلملكِ فهد, بِدعمِ الطلبِ العراقي. فالمملكةُ العربيةُ السعودية, كانت الدولةُ الوحيدةُ القادرةُ على تسهيلِ تَطبيقِ مِثل هذه الإستراتجيةِ. في سنة 1930, إعترفَ إِبنُ سعود مُؤسسُ المملكةِ السعوديةِ, بِأنّهُ " فقير جداً الى درجةِ إنني لا أملكُ حتى الصخرةَ التي سأضعُ رأسي عليها كي أنام "!! بعد ذلك بِسنتين, لم تكُن المملكةَ التي ما فَتِىءَ أن قامَ بِبِناءِها من توحيدِ القبائِلِ البدَويَةِ بِجانِبِهِ, تمتَلِكَ أيَّ مصدرٍ لِلمالِ إلا الضرائبَ التي يدفَعُها الحُجاجِ المُتَجِهونَ الى بيتِ الله في مكةِ المُكَرَّمة. و في بعضِ السنواتِ, كانت أرباحُ هذهِ الضرائب قليلةً جداً الى الحدِ الذي أوصلَ البلادَ الى حافةِ الإفلاس. عندها راح إبنُ سعود يُطلقُ نِداءاتِ الإستغاثةِ الى شركاتِ النفطِ الكُبرى و مَعظَمها بريطانية, للتنقيبِ عن النفطِ في المملكةِ: " من أجلِ مِليون دولار - يعترفُ إبنُ سعود لِأحدِ رجالِ الأعمالِ البريطانيين - أنا مُستعدٌ للتَنازلِ لِهذهِ الشركاتِ عن كُلِّ شيءٍ "! كان المبلغُ مُضحِكاً لِتفاهتهِ, رغمَ ذلكَ فإنَّ هذهِ الإقتراحاتِ لم تُثِر إنتباهَ أحدٍ! كانت تَتَوافرُ كَمياتٍ كافيةٍ من النفط العراقي, تُستخرَجُ بِصورةٍ خاصةٍ من قِبلِ شركةِ نفطِ العراق, الى حَدِّ إنَّ الشركات الكبرى إتفَقت على نُقطةٍ رئيسيةٍ, و هي أن لا تَسمحَ للنفطِ السعودي بِالخُروجِ مِن تَحتِ الرِمال, كي لا تُزيدُ من كميةِ الإنتاج, ثُمَّ إنَّ شُبهَ الجزيرةِ العربيةِ لا تُشَكِّلُ أيةَ أهميةٍ تجاريةٍ أو سياسية.
بعد 50 سنة من ذلك, كُتبَ للتأريخِ أن يتغيّر بِصورةٍ تامةٍ, إذ فَرضت المملكةُ نفسَها كَعملاقٍ نفطيٍ لا مثيلَ لهُ, و بِمخزونٍ هائِلٍ, بِإستطاعتِها أن تُزَوِّدَ الأسواقَ بِأكثرِ من 10 ملايين برميل يوميآ. و إنَّ أيَّ قرارٍ مُهمٍ في مجالِ الإستراتيجيةِ البتروليةِ, لا يُمكنُ إتخاذهِ بدونِ إستشارةِ السعوديين. الملكُ السعودي الحالي, يُمكنهُ فِعلَ أيّ شيءٍ, و لكنَّهُ لم يكُن على أيِّ حالٍ رجُلَ القراراتِ السريعةِ و المُتطرِّفةِ. المملكةُ بلدُ تُجارٍ و فيها المال و الغِني ( الدخل السنوي يتجاوز 150 مليار دولار ), تَّمّ الحُصولُ عليهِ بسرعةٍ كبيرةٍ جداً وبصورة سهلة جداً, تُرافقهُ سياسةٌ محليةٌ مُتَعقِّلةٌ و في أكثرِ الأحيانِ مُراوغةٌ. فالملكُ فهد, مِثلُهُ مِثلُ أغلبيةِ العائلةِ السعودية, لا يُحبُّ تَكَبُّرَ الكويتيين الذين يُسرعون الخُطى لإعلانِ إنَّ بلدَهم أكثرُ انفتاحاً و تطوراً من جارتِهم المملكةِ السعوديةِ, التي تَعتبِرُ نفسَها و مُنذُ نشأتها, الجامع الكبير و الوحيد بحقٍ لجميعِ المسلمين. كُلُّ أنظارِ السعوديين تَتَّجِهُ نحو مكة المُكرَّمة, بينما كانت عيونُ الكويتيين مُتَّجهةً نحو الغرب! لا يُحبُ الملكُ فهد أن يرى القلقَ الذي يُخَيِّمُ على مدينةِ الكويت, و لكنَّهُ يعرفُ تماماً بأنَّ تهديداتَ صدام هي إهاناتٌ ربما قد تَتحول الى أخطارٍ قد تُزعزعُ كُلَّ سلاطينِ البترول في المنطقة.
تَحدثَ الملكُ فهد مُطوَّلا ً مع الرسولِ العراقي في بلاطهِ, و إستمعَ لطلباتهِ بإصغاءٍ؛ أن يَتمَ عقدُ إجتماعٍ خاصٍ لأُوبك لتحقيقِ نِظامٍ صارمٍ في نطاقِ البُلدانِ المُصدِّرةِ للبترول؟ وافق الملكُ فهد مُبتسماً لضيفهِ بلطفٍ. ضَخمُ الهيئةِ, بوجهٍ دائريٍ تُحدهُ لحيةٌ خفيفةٌ و بنظراتهِ المُتعبةِ ( مِثلُ أفرادِ السلالةِ الوهابيةِ, و مُنذُ إبن سعود و لِحدِ الآن, و هم يُعانون من مرضِ الجحوض المتوارث ), أضافَ الملكُ فهد مُستعمِلا ًنَفس اللهجةِ الهادئةِ اللطيفةِ التي إستقبلَ ضيفهُ بها, بأنَّه لا يُحبُّ التَصرُفَ بصورةٍ عشوائيةٍ و سوفَ يُناقشُ هذه القضية مع وزراء النفط الذين من المُؤَمّلِ أن يجتمعوا في جنيف في نهاية الشهر. و إنَهُ من المُستحسنِ في الوقتِ الراهنِ أن تبقى الأمورُ كما هي. في وجودِ الملكِ فهد ذي الحركاتِ و الكلماتِ الهادئةِ, يبدو أنَ الوقتَ يُمكنهُ أن يمضي بهدوءٍ الى النهايةِ, لكنّ هذا الوقتَ بالضبط, كان هو العامل الوحيد الذي يفتقدهُ العراقيون كثيراً. كان من الصعبِ على سعدون حمّادي تَقبَّلَ إجابةِ الملكِ هذه. لقد ذَكَّرهُ سعدون حمّادي, كما ذَكَّرَ الشيخ زايد فيما بعد, بِطلبِ صدّام حُسين حول المساهمةِ بعشرةِ مليار دولار, لكنّهُ لم يحصل إلا على إجاباتٍ غامضةٍ. و عندما زار – سعدون حمّادي – الكويت, أعاد طرحَ نفس الطلبات, فأجابهُ أميرُ الكويت قائلا ً: " إنَّهُ لجنون, ثُمّ إنّهُ ليس لدينا مِثلَ هذا المبلغ "!! كان حمّادي, و في طِيلةِ المُحادثاتِ التي إشتركَ فيها, يحملُ بيدهِ ورقتين مطبوعتين و مكبوستين واحدةً بجانبِ الأُخرى, و فيهما مُلَخَّصٌ لتطوِّرِ الإستثماراتِ الكويتيةِ و المُوزَّعةِ في مختلفِ أنحاءِ العالم. مجموعُ هذهِ الإستثمارات كان هائلا ً, إذ تتجاوزُ المِئةَ مليار دولار!! كَرَدٍّ على تلكَ الإدعاءاتِ حول ثراءِ بلدهِ, إقترح الأميرُ تزويدَ العراقِ و خلال فترة 3 سنوات, مبلغاً زهيداً جداً و مُضحكآ جِدآ, قَدَرَه 500 مليون دولار, كصدقةٍ يتيمةٍ و مهينةٍ لبغداد!! بعد ذلك أضاف الأمير: " لِنتفقَ أولاً حولَ خطِ الحدود, و لِنُوَقِّعَ ذلك في معاهدةٍ, و بعدَ ذلك يمكنُ الحديث عن إشياءٍ أُخرى "!!
حالَ وصول حمادي الى بغداد, أُبلغَ بتصريحِ وزير النفط الكويتي, بأنَّ الكويت ستَحتَفُظَ بحصتِها المُرتفعةِ لِحدِ شهرِ تشرين الثاني! هذا القرار مُضافاً اليه الرفض السعودي لعقدِ إجتماعٍ خاصٍ لِمُنظمةِ الأُوبك, أقنعت صدام حسين بأنَّهُ تُوجد, و كما إعترف لأحدِ المُقرَّبين منه, مُحاولةٌ جادةٌ " لتركيعِ العراق ". في يوم 16 تموز وصل طارق عزيز, وزير الخارجية العراقي الى تونس, للمشاركةِ في مُشاوراتِ الجامعةِ العربية. كان رجُلا ً مُسناً مُمتلئ الجسم و لكنّهُ بصحةٍ جيدةٍ. يلبسُ النظارات ذات العدساتِ الثخينةِ, ذو شاربينِ بيضاوينِ و هو أحدُ المسيحيين القلائل الذين يَشغلون مناصبَ عُليا في جهازِ الحكمِ العراقي. لقبهُ الحقيقي " يوحنا " ذو منظرٍ لطيف, بإمكانهِ التعبير بإسلوبٍ ُمبطَّنٍ و جذّاب, عن أعقدِ القراراتِ. و هو مُراسلٌ ثمينٌ لصدّام حُسين في المسرحِ العالمي. إذ مَثَّلَ العراق في كُلِّ المُحادثاتِ المعقدةِ, سِواء أ كانت هذهِ المُباحثات مع البُلدان الأوربيةِ بِشأنِ إعادةِ جَدوَلَةِ ديونِ بلادهِ, أو في الضُغوطِ المُوَجَّهةِ للحُصولِ على فتحِ قروضٍ جديدةٍ في مجالِ المُعداتِ العسكريةِ. كان طارق عزيز – و لا زالَ - يُعبّرُ بإخلاصٍ و في مهارةٍ و أحياناً في عنفٍ, عمّا يُفكِّرُ فيهِ صدّام حُسين أو عمّا يُريدهُ.
مشاوراتُ الجامعةِ العربيةِ, لم تكُن في أكثرِ الأحيان إلا لقاءاتٌ علنيةٌ يُعبِّرُ من خِلالِها المُشاركون موافقتَهم ( غيرُ المُعلنةِ ), بأنهُ لا يجُب أن تُنشر خِلافاتُهم الى الملأ! حالَ وصولهُ الى تونس, خلق طارق عزيز جوّآ مُتوًتِراً. يقولُ أحدُ الحضور: " نعرفُ إنَّهُ رجُلٌ قاسٍ عندما يختارُ الدلائلَ للدفاعِ عن موقفِ بلادهِ, إلا إنّهُ كان شخصاً جذّاباً في اللقاءاتِ الخاصةِ, أمّا الآن فقد كان بعيداً بارداً و حدِّياً, و كأنَّهُ يُريدُ أن يُؤكِدَ بوضوحٍ التَباعُدَ المُستمِّر بين حُكومتِهِ و بينَ بعضِ حكوماتِ الجامعة ". كان الوفدُ العراقيُ مُتَشَدِّداً في مجالِ الإتصالات البروتوكولية, مُقلِّصاً إتصالاتهِ الى أقصى حدٍّ مع بقيةِ الدبلوماسيين. يوجدُ هُناك سببٌ آخرٌ يُوضِّحُ هذا التصرُّف؛ إذ مُنذُ تهديداتهِ لإسرائيل, أصبح صدّام حُسين بطلا ً حقيقياً للشعبِ العربي. إذ أصبح الجميعُ يستمعون لِما يقولهُ الرجُل بإهتمامٍ شديد. التصريحات التي نَطَقَ بها طارق عزيز, يمكن إعتبارها, و الجميعُ يعرفُ ذلك, كلمة بكلمةٍ من فاهِ صدّام حُسين: " نحن واثقون بأن بعضَ الأنظمةِ العربيةِ قد إنخرطت في مُؤامرةٍ كُبرى ضِدنا. لا بُدَّ أن تعرفوا بأنّ بلادَنا سوف لن تركع, و إنّ نسائَنا سوف لن يَكُنَّ عاهراتٍ, وإنَّ أبنائَنا سوف لن يُحرموا من الطعام ". مُباشرةً بعد هذهِ المُداخلةِ, سَلَّمَ طارق عزيز مُذكَّرةً للأمينِ العام للجامعةِ العربية الشاذلي القُلبي, مُؤَكِداً بأنّ صدّام حُسين, سَيُصيبُ غداً 17 تموز, جوهرَ الأزمة. و هذا هو نَصُّ المُذكَّرة*: " السيد الأمين العام للجامعةِ العربية, تحيةٌ أخويةٌ: أودُّ التذكير بالمبادئِ التي يُؤمنُ بها العراق و التي تَّم تَطبيقُها بشدّةٍ و حُرصٍ في علاقتنا مع الحكوماتِ العربيةِ الأخرى. إذ يَعتبرُ العراق العربَ, و فوقَ حدودِ الحكوماتِ, شعباً واحداً. و إنَّ ثرواتَهم يجب أن تكون مُلكاً للجميع و لمصلحةِ العربِ جميعآ. و إنّ الضرَرَ الذي يلحقُ بالبعضِ سَيمُسُّ الآخرين أيضآ. هذا هوَ المفهومُ الذي يجب أن يَحكمَ دائماً, ثروات الأمة العربية. و طِبقاً لهذا المفهوم, إستثمر العراق ثرواتهُ الخاصة. يَعتبر العراقُ الأمةَ العربيةَ أُمةً واحدةً, و ذلك بالرغمِ من كُلِّ المآسي التي عانتها في الفترة العثمانية و بعدِها في ظِلِّ الإستعمارِ الغربي من الإذلالِ و التجزئةِ و الضغوطاتِ و محاولاتِ تزييفِ الهويةِ القومية. و إنَّ مُكونات وحدتها القومية, بقيت حيةً و قوية, رغمَ تجزئتها لدولٍ كثيرةٍ. و إنّ كُلَّ حفنةٍ من ترابِها, سواء أ كانت في هذا البلدِ أو في ذاك, لا بُدَّ من الحُكمِ عليها من وجهةِ نظرِ الأمنِ القومي, كَمُلكٍ للجميع. لا يجب أن نغرقَ في منحدرِ النظرةِ الضيقةِ و الأنانيةِ عندما يَتعَلَّقُ الأمرُ بمصالحِ هذه الدولةِ أو تلك, بل يجبُ أن نُحافظَ دائما ً في الذاكرةِ على المصالحِ العُليا للأمةِ العربيةِ و كذلك في الحساباتِ و الإستراتيجياتِ الأساسيةِ في مصلحةِ و أمنِ الأُمةِ العربية. و هذا الامرُ يجبُ أن يعلو دائماً في العلاقاتِ العربيةِ العربية. من مُنطلقِ هذهِ المبادئِ القوميةِ الأخويةِ الصادقةِ و المخلصةِ, بنى العراق علاقاتَهُ مع الكويت, و بالرغمِ من الحقائقِ المعروفةِ في العلاقاتِ في الماضي و الحاضرِ بين العراق والكويت. إنَّ سببَ طرحِ هذهِ المُذكرةِ, هو و مع الأسف, إننا نواجهُ حالةً ليست ضِدَّ تلك المبادئ القومية التي أشرنا اليها فقط, بل هي تضعُ صُلبَ هذهِ المبادئ في خطرٍ. و بالرغمِ من إننا حاولنا دائماً تطويرَ علاقاتِنا الأخويةِ المُخلصةِ معهم, إلا إنَّ حُكامَ , عملوا و بإصرارٍ و بِشكلٍ مُنظَّمٍ و بِعلمٍ مُسبقٍ على إلحاقِ الضررِ بالعراق. و حاولوا إضعافَهُ و مُنذُ لحظةِ خروجهِ من حربٍ شَرسةٍ إستمرت ثمانِ سنوات!! و حسبُ رأيِ العربِ المُخلصين من قادةٍ و مثقفين و مواطنين, بما
فيهم قادةِ الدولِ الخليجيةِ, فإن العراقَ دافع في تِلكَ الحربِ, عن إستقلالِ الأُمةِ العربيةِ بِمُجملِها و خصوصاً عن دولِ الخليج و الكويت بالذات.
إنتهجت الحكومة الكويتية إذن هذه السياسة المُتعمَّدة لإضعافِ العراق, في الوقت الذي يُعاني فيه من هجمةٍ إمبرياليةٍ صهيونيةٍ شرسةٍ, بسببِ مواقفهِ القوميةِ في الدفاعِ عن الحقوقِ العربية. إنَّ الأسبابَ التي تدفعُ الكويتَ لذلك الموقف, إضافةً لروحِ الأنانيةِ و النظرةِ الضيقةِ, هناك أسبابٌ أُخرى تَمَّ إثباتَها, و هي من الخُطورةِ بِمكان حيث لا يمكن إغفالها, و كما سيتُّمُ شرحهُ في الصفحاتِ القادمةِ. في المقامِ الأول, و مِن المعروف و مُنذُ فترةِ الأستعمار و التقسيم الذي فرضهُ ذلك الأستعمار على الأُمةِ العربية, بين العراقِ و الكويت بقيت مُشكلةُ الحدودِ مُعلَّقةً و لم يتم حلُّها. و بقيت هكذا حتى إندلاعِ الحرب بين العراق و إيران. و طيلةُ سنواتِ الحرب, و بينما ينزفُ أبناءُ العراق الشُجعان, الدماء في الجبهة لِحمايةِ الأرضِ العربية و بالذاتِ أرضِ الكويت, وضعت حكومةُ الكويت برنامجاً لتفتيتِ الأرضِ العراقية. و قامت ببناءِ مُنشأتٍ نفطيةٍ و عسكريةٍ و إسثماراتٍ زراعيةٍ داخل الأرضِ العراقيةِ. لم نُشر الى هذهِ الأعمال سابقاً, مُعتبرين إنَّهُ مِن المُمكن التفاهم على مثلِ هذهِ الأمورِ بين الأخوةِ, في نطاقِ مبادئِ الأخوَّة تلك, و التي كُنّا نعتقدُ بأن الجميع يجب أن يحتَكم إليها, و لكنّ الخِيانةَ إستمرت و بإصرارٍ! و لِنُثبت بأنَّ الأمرَ كان مُدبَّراً و مقصوداً؛ بعد تحريرِ الفاو, قدّمنا مبادرةً خلالَ مُؤتمرِ قِمةِ الجزائر سنة 1988, لحلِّ مُشكلةِ الحدودِ كأخوةٍ و أصدقاءٍ في ضوءِ العلاقاتِ الأخويةِ و المصالحِ القوميةِ العليا, فكان جوابُهم مُفاجئاً تماماً. منطقياً, كان المفروضُ أن يَستقبِلَ حُكّام الكويت مُبادرتنا, بسرورٍ و أن يعملوا على تطبيقِها بأسرعِ وقتٍ, لكن لم نرَ مِنهم إلا المراوغةَ والتباطؤ المُعتمد, و كذلك خلقُ المُعوقاتِ لإيقافِ المُباحثاتِ, بينما كان إستقلالُنا يتعرَّضُ للإنتهاكِ المُستمر من قبلِهم! الأمرُ الثاني, هو تَبِّني نظامُ الكويت و منذُ بُضعةِ أشهرٍ, و خاصةً عندما راح العراقُ يُطالبُ و بقوةٍ بحقوقِ الشعبِ الفلسطيني, و يُحذِّرُ من الوجودِ الأمريكي في الخليج, تَبنّى هذا النظام, و بالتواطئِ مع الأماراتِ العربيةِ المُتحدة, سياسةً غير عادلةٍ هدفُها الإضرارِ بمصالحِ الأُمةِ العربيةِ و بِمصالحِ العراقِ خاصة! إذ وُضعت موضعَ التنفيذ مُؤامرةُ إغراقِ الأسواقِ بالبترول, و خارجِ نطاقِ حُصصِ أُوبك, و بمُبرراتٍ غيرِ منطقيةٍ و غيرِ مقبولةٍ من أيةِ دولةِ شقيقةٍ مُنتجةٍ للنفط.
هذه السياسةُ سبَّبت إنخفاظاً خطيراً لسعرِ البترول. ففي الحقيقةِ, و بعد الإنخفاضِ الذي سجَّلتُه أسعار البترول قبلَ بُضعِ سنواتٍ, قياساً للمُعدلات العالية آنذاك للأسعارِ, و التي كانت تتَراوح بين 24-28 دولار للبرميل, فإنَّ الموقفَ الكويتي الإماراتي, سَبَّبَ إنخفاظاً حاداً و مُفاجئاً للأسعار, عن سعرِ الحدِّ الأدنى, و هو سِعرٌ متواضعٌ تم تحديدهُ في نطاقِ أوبك, بـ 18 دولار للبرميلِ, الى سعرٍ يتراوح بين 11 – 13 دولار للبرميل! إنَّ حساباً بسيطاً يُمكنَهُ أن يُوضِّح لنا الخسائرَ الكبيرةَ التي تتحمَّلَها البُلدان العربية المُصدِّرةِ للبترول. إنَّ مُعدَّلَ الإنتاجِ العربي للبترول بحدودِ 14 مليون برميل يومياً, و إنَّ إنخفاضَ أسعارِ البترول بين سنة 1981 و سنة 1990 , حَرَمَ البُلدانَ العربيةَ من حوالي 500 مليار دولار, منها 89 مليار دولار حصةُ العراق. و لو لم تَخسر البُلدانُ العربيةُ هذا المبلغ الكبير, لِتمكَّنت من إستثمارِ نُصفِهِ في التطوير القومي و في مساعدةِ البلدانِ العربيةِ الفقيرةِ. و بإتخاذِ سعرِ الحدِ الأدني الذي ثَبَّتتهُ أُوبك سنة 1987 بِمستوى 18 دولار للبرميلِ كنقطةِ إنطلاقٍ, فإنَّ الخسائرَ التي تَحمَّلَتَها البُلدان العربية, تصِلُ الى 25 مليار دولار, و ذلك بسببِ الإنخفاضِ المُفاجئِ الأخير للأسعارِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جميعُ الوثائقِ المذكورةِ في هذا الكتاب, هي مُترجَمَةٌ من كتابِ حربِ الخليج و ليست منقولةً عن نصِها الأصلي – المُترجم .
#سعدون_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟