أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - الروائي صدام حسين ـ مسخ الكائنات















المزيد.....

الروائي صدام حسين ـ مسخ الكائنات


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 376 - 2003 / 1 / 23 - 05:18
المحور: الادب والفن
    


 

                خاص: الحوار المتمدن

   قد لا يعرف الا حفنة من الكتاب ان صدام حسين بدأ حياته بكتابة(اذا كان لهذه الحياة من بداية) القصة القصيرة ونشرها في الصحف لكنه بعد استلام السلطة عاد وسحبها وأمر بإتلافها لأن تلك القصص كانت مؤشرا دقيقا على نزعة الدم وشهوة القتل التي تحكمت به الى حد الادمان المرضي.
وليس غريبا ان يعود مرة اخرى لكتابة الرواية ولو عبر ستار الاسم غير الحقيقي وهو ( رواية بقلم صاحبها).وبصرف النظر عن محتوى روايات صدام حسين وقيمتها الفنية أو النفسية أو شهادته الشخصية وهي شهادة لا ترقى الى مستوى النص الروائي الجدي لا من بعيد ولا من قريب، لكن عودة هذا الكائن الغريب الى الكتابة الروائية تدل بوضوح على نزعة متأصلة في عقل وذات هذا المخلوق في تغيير الحياة بالطريقة التي يراها هو.ولو ان الاقدار شاءت ان ينغمس صدام حسين في الكتابة الروائية بدون سلطة، لكنا قد تجنبنا كل هذه الكوارث والفواجع التي مرت والتي في الطريق . وكان سيرسم هذه الفواجع على ورق بدل الارض.

ان الروائي صدام حسين مشغول بفكرة تسلطية كبست على عقله وخياله طوال سنوات عمره وهي نزعة مسخ الكائنات. اي تحويل الكائنات الى مخلوقات مشوهة تزحف كالحشرات الى ان ترتقي الى مستوى الكائن الادمي حسب رؤيته الخاصة والمريضة.

وقد كتب صدام حسين روايات كثيرة على ارض الواقع قبل ان يكتبها على الورق.

 ومن بين روايات صدام حسين التي لا يقدم عليها رجل دولة هي  رواية حرث الارض وتبديل شكل الطبيعة واعادة صياغة الاشجار أو رسم الجبال كما يريد أو تهديم المدن وحفر الانهار وطرد السكان أو نقلهم الى مدن اخرى..الخ...

هذه النزعة الدموية الشاذة في تبديل شكل الحياة والانسان والطبيعة تنتمي الى الخيال المرضي أكثر من صلتها بالتفكير السياسي أو تفكير رجل دولة.

وصدام حسين حين لا يكتب اسمه على رواياته لأن السبب بكل بساطة هو ان الذي يكتب اسمه هو كائن بشري، وهو يعد نفسه اسطورة، وهوية الاسطورة هوية مغايرة، وماتقوله الاسطورة لا يقوله بشر.

وصدام حسين حين يسبح في النهر فهو لا يسبح فيه ـ حسب هذا الخيال المجنح ـ بل ان النهر هو الذي يسبح فيه، لأن من طبيعة الاساطير هو كونها أكبر من عالم الواقع، وهي التي تخلقه وتبدله وتنسفه اذا تطلبت الاحوال.وحين يبدل صدام حسين شكل الطبيعة ـ تجفيف الاهوار ـ فلأن الاهوار بالنسبة
له
ليست مستنقعات مائية تتضمن حضارة عريقة وشكلا من اشكال الحياة الموغلة بالقدم، ومصدرا للعيش والتناسل، بل ان هذه الاهوار كما يراها هي مصدر للخطر، والخطر يتعارض مع الالهة ويتقاطع مع طموح الخرافة.
هذا الكائن الخليط من السياسة وايديولوجيا القتل والخرافة والاسطورة وتقاليد الشوارع الخلفية، هذا النازل على السلطة بمسدسات قديمة من المقاهي والحارات  وبارات منتصف الليل، هل ولد من( فراغ) اجتماعي أو سياسي أو فكري؟ ام انه
ابن هذه المكونات؟

لا شك ان صدام حسين ابن حقبة من تاريخ العراق السياسي كانت ايديولوجيا قتل الخصم والتنكيل به ومصادرته روحا وجسدا هي النزعة الشرعية القائمة آنذاك، وهذه النزعة كانت تعرف نفسها على انها( النزعة الثورية).هو وليد مفاهيم كانت سائدة ولا يزال بعضها يعيش في السلوك السياسي وهي
مفاهيم تصفية الخصم، والمبادرة الثورية، وقوى الثورة المضادة، ومهاجمة العدو وهو في مرحلة النوايا، واعداء التاريخ والامة والطبقة والعقيدة والجريدة والرفيق والصورة والخطاب والافتتاحية..الخ...

لذلك فإن تصفية صدام حسين الحقيقية ليست في التصفية الجسدية فسحب، بل في تصفية المناخ والسلوك السياسي والفكري  والمفاهيم والعقل الذي انتج لنا هذه الظاهرة المشوهة التي حولتنا الى كائنات تزحف  وتتطلع الى صورتها البشرية القديمة المنسية.لو ان ـ وهذه اللو كبيرة جدا ـ صدام حسين عاش معنا كروائي فقط وكتب رواياته على ورق دون ان يخدش الحياة بهذا الجرح النازف، لكنا قد تخلصنا وتخلص هو ايضا من كل هذه الكوارث المتلاحقة.وحين يعرض صدام حسين جسده في النهر، فهو يعرض القوة الذكورية، ويعرض السلطة العارية، ويعرض اداة القتل، ويعرض الاغتصاب الذي مارسه على اجساد ضحاياه.

فهذا الجسد/ السلطة/ هو ايضا شكل من اشكال خطاب الموت والاغتصاب والجريمة، يعرضه علناً للاعداء والضحايا لكي يتأكدوا من قدرة جسد الخرافة وجسد الاسطورة على الفتك والبقاء والحكم.فهو ليس جسدا بشريا، ولو كان الامر كذلك لما احتاج الى صور وعرض علني، بل هو جسد/ ثكنة/ سجن/ مشرحة/ اهانة.ان جسد صدام حسين العاري في النهر يمثل انتصار الخرافة على الواقع، وسيطرة الاسطورة على الكائنات، وهيمنة اللابشري على البشر، وقدرة الجسد المفرغ من الشهوة والرغبة الادمية على  مسخ الكائنات.  وغرام صدام حسين بالأزياء لا يأتي من احترام التقاليد ابدا، بل هو غرام الجسد
بنفسه، وهي فتنة الاغواء حين تستعرض قوتها وجسدها امام الضحايا الذين لا يملكون امام جبروت الموت والقوة الغاشمة سوى الصمت والسكوت.

وسكوت الضحايا هو خطاب آخر يزعج هذه الخرافة. ليس من المطلوب  من هؤلاء الضحايا هو السكوت أمام هذا العري الفج للقوة المغتصبة، بل المطلوب هو الهتاف والفرح لهذا الجسد غير البشري الذي هو الذكر الوحيد في مملكة الخنوع والذل والسكوت المجروح.

مرة يظهر في ثياب الجنرال، واخرى في ثياب الطوباوي، وثالثة في زي المفكر الذاهل، ورابعة في ثياب الفلاح، وخامسة في زي رجل الكابوي...الخ..الخ...

هذا الظهور المتعدد الاشكال هو من طبيعة الخرافة، لأن ليس من طبيعة الخرافة الثبات في المخيلة العامة، بل التعدد والنمو والاستطالة.وهو لا يتمدد في الخيال العام تمدد البشري، بل تمدد الاسطورة. اي انه يحتل الذاكرة، والجدار، والشاشة، واللوحة، والجريدة، والحلم.يرحل صدام حسين أو لا يرحل.
يحرق الوطن أو لا يحرقه.
  يُقتل أم لا يُقتل.   لكن من المؤكد انه سيترك خلفه طبيعة مشوهة ومخلوقات تحتاج زمنا طويلا لكي تعود الى صورتها الاصلية.

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروائي حيدر حيدر ـ وليمة لأعشاب الظلام!
- الشاعر دينيس دوهاميل ـ كيفية مساعدة الاطفال اثناء الحرب
- الروائي صنع الله ابراهيم ـ رواية وردة والمسكوت عنه
- الى المتماوت رعد عبد القادر ـ مات طائر بغداد المغرد
- الشاعر الشيلي بابلو نيرودا ـ تعالوا انظروا الدم في الشوارع
- الشاعر ولتر تونيتو ـ كفن لبلاد الرافدين
- الروائي الالماني هرمان هيسه ـ اذا ما إستمرت الحرب
- الشاعر عباس خضير ـ الحرب والاعتقال والمنفى والذهول
- الشاعرة اليزابث. ر . كري ـ عشية الحرب
- الشاعر ديفد ري،David Ray ـ الى طفل في بغداد
- الشعر الاجنبي والحرب ـ موسم قتل العراقيين
- القاص مهدي جبر ـ وداعا طائر التم
- الروائي نوري المرادي ـ خضرمة ـ الموسم الخامس.
- إحتفالية بالروائي عبد الخالق الركابي ـ سابع ايام الخلق
- الروائي مهدي عيسى الصقر..و.. ـ أشواق طائر الليل
- الروائي الطاهر بن جلون و ـ تلك العتمة الباهرة
- الروائي المغربي محمد شكري و ـ زمن الاخطاء
- عبد الله القصيمي، المتمرد القادم من الصحراء
- الشاعر أمين جياد و ـ لمن أقول وداعا؟
- الشاعر حسين عبد اللطيف في- نار القطرب-


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - الروائي صدام حسين ـ مسخ الكائنات