أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد-8- قراءة في البوذية















المزيد.....

عهد قديم وعهد جديد-8- قراءة في البوذية


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5068 - 2016 / 2 / 7 - 02:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"السلام يفيض من الداخل، لا تبحث عنه خارجا...ثلاثة أمور لا يمكن أن تبقى مخفية لوقت طويل: الشمس، القمر، والحقيقة...عندما تمسك بالغضب تكون كمن يقبض على الجمر كيما يقذف به الآخر، عندها لا بد وأن تحترق بناره." (بودا)

قراءة سريعة في حياة بودا وتعاليمه تظهر قيما أخلاقية راقية نادرا ما نجدها في الأديان القديمة والحديثة. ولد المستنير (تفسير كلمة بودا) فيما يعرف اليوم بالنبال: كانت مهامايا الملكة الام نتتظر مولودها الاول. وكما كانت عادة تلك البلاد، استعدت للعودة الى بيت ابيها كيما تضع الطفل. وفيما كانت الملكة في منتصف الطريق شعرت بآلام الولادة. توقفت تحت شجرة وقامت وصيفاتها بتوليدها. انحنت لها إحدى الاشجار كيما تسمح للملكة بالامساك بواحد من أغصانها لتساعدها بالتخلص من آلامها. ما ان تمت الولادة حتى امطرت السماء كيما تنظف الامير وأمه من الدماء. عندما ولد الطفل ابتدأ بالكلام والسير في الاتجاهات الاربعة. كانت أزهار اللوتس تنمو حيث تطأ أقدامه الأرض. أخبر الطفل والدته أنه جاء كيما ينجي الجنس البشري من آلامه. أطلق عليه تسمية سيدارتا ما معناه "الذي حقق مبتغاه". للأسف توفيت الوالدة سريعا واهتمت خالته بتربيته.

نما سيدارتا في كنف والده الذي أراد أن يجنبه آلام الدنيا. عاش داخل جدران القصر ولم ير في حياته شيخا أو مريضا أو مشردا. لما بلغ السادسة عشرة من عمره، زوجه والده من أميرة بعدما تغلب الامير الشاب على جميع منافسيه بألعاب المهارة الرياضية. ذات يوم، رغب الامير برؤية مملكته ورعيته. خضع الوالد لرغبته لكنه أمر جنوده بآزالة كل مؤشرات الفقر والمرض والعجز والموت من الطرقات. سار الامير في موكبه وكان كل ما يراه ممتعا... الى أن لمح شيخين مسنين كانا على مقربة من الطريق. أوقف الامير الموكب ولاحقهما. لم يمض وقت طويل حتى رأى مجموعة من المرضى... ومن ثم رأى ما لم يكن بالحسبان: نعشا ومراسيم الوفاة.

عاد الأمير الى القصر. اختلطت عليه الامور. أنجبت له الاميرة طفلا، لكن ذهنه بقي مشوشا. ذات ليلة، طبع الامير الشاب قبلة على خد زوجته النائمة وعلى جبين ابنه ورحل سرا من القصر. عاش الامير حياة التقشف باحثا عن أجوبة لمعضلة الألم. أكثر من الصيام حتى قارب الموت. وجدته فلاحة شابة. أطعمته وروته حتى عادت روحه إليه. أدرك أنه لن يحصل على الجواب لأسئلته الكثيرة من خلال التقشف حتى مقاربة الموت. حاولت الشياطين محاربته وحاول مارا الشرير إغراءه بعرض بناته عليه، لكن الراهب الامير صمد أمام هجمات الشر وإغراء الجنس. زاعت شهرة الراهب ولم يمض وقت طويل حتى أصبح والده من أتباعه، كما أن زوجته وعمته أصبحتا أولى الراهبات في مذهبه الجديد. كذلك صارابنه من أبرز الرهبان التابعين له. علّم السيداراتا أن باستطاعة جميع الناس الحصول على الاستنارة على الرغم من اختلاف دياناتهم وأعراقهم وألوانهم.

توفي البودا المستنير عن عمر يقارب الخمسة وثمانين عاما. تأثر الكثيرون بتعاليمه شرقا وغربا حاضرا وماضيا. ترك للبشرية إرثا أخلاقيا رفيعا.

"لن يستطيع المرء أن يتمتع بنعم الصحة، ولا أن يهب السعادة لعائلته، أو أن يقدم السلام لبني جنسه، ما لم يروض ذاته وفكره أولا. إخضاع الذات والفكر هو ممر الانسان للاستنارة التي من هي أم الفضائل والقيم." (بودا)

يصح القول ان البوذية هي نظام أخلاقي وفكري وفلسفي أكثر منه دينيا بالمعنى الورائي المفهوم للدين. فالبوذية لم تقدم للإنسانية دينا جديدا بقدر ما قدمت له قيما أخلاقية وفكرية وفلسفية. لم تتطرق البوذية لمفهوم الإله الخالق كما عرّفت به الأديان الابراهيمية أو لمفهوم رئيس مجمع الآلهة كما عرّفت به حضارات بلاد ما بين النهرين ومصر واليونان والرومان القديمة. تفتقر البوذية لمفهوم المخلص الذي بشرّت به اليهودية بمفهوم المسيا والذي بنت عليه المسيحية بشخص المسيح. وبالتالي ليس في البوذية يوم الدين او يوم العقاب الذي يقف فيه كل انسان أمام الخالق كيما يحاسبه عن شروره. ومع انتفاء يوم العقاب في البوذية لا نرى وجودا لجهنم، بل بالتالي نجد الانسان يواجه شروره من خلال ولاداته المتعاقبة كما ينص عليها مبدأ التقمص أو تناسخ الارواح المعروف بالنرفانا. فشرور الانسان تدفع به الى ولادة في عالم أدنى فيما أعماله الخيرة ترفعه درجة أسمى في طبقات الوجود. بقي البودا في نظر أتباعه المعلم. فهو لم يرتق للألوهة كما أنه لم يعلم يوما أنه مرسل من إله أو أنه إله متجسد. لا يسعى البوذي للجنة في الحياة الاخرى بقدر ما يسعى للاستنارة في هذه الحياة. فالبوذا (أي المستنير) هي حالة يرقى إليها الانسان من خلال التأمل والاستنارة.

لا مكان في البوذية للجهاد المقدس. فالقتل من أجل الدين وبهدف القتل مرفوض جملة وتفصيلا. كذلك لا تعطي البوذية مكانا للخطيئة بشكل عام والخطيئة الاصلية بشكل خاص في معتقداتها. لكن ذلك لا ينفي وجود الخير الشر. لا نجد في البوذية تفسيرا لبدايات الخلق كما هو الحال في باقي الاديان القديمة والحديثة. كما أن البوذية لا تعلّم أو تؤمن بالتركيبة المتعارف عليها للانسان، ألا وهي الروح والنفس والجسد. إنما تقتصر التركيبة البشرية، بحسب البوذية، على الجسد والاحاسيس والافكار. فالانسان مجموعة من الافكار التي تتناسخ لتستقر في الحياة الأسمى في الذات الالهية. إن كان الالم هو حجر الزاوية في البوذية، إلا أن التأمل هو الماكنة التي تأخذ الانسان الى عوالم الاستنارة. وفي النهاية، إن كنا لا نجد في البوذية العالم الآخر كما بشرت به الديانات التوحيدية، إلا ان الحياة في البوذية لا تقتصر على عالم واحد مرئي إنما تتجاوزه الى عوالم غير مرئية لا متناهية تتواجد جميعها في الذات الالهية الواحدة.

كما أشرنا آنفا، تنفرد البوذية في العالم القديم بمنظومة أخلاقية فريدة تجعل منها محط أنظار الكثيرين الباحثين عن مستوى من الوجود الراقي الذي يحكم علاقة الانسان بالانسان وعلاقة الانسان بمحيطه بما فيه الحيوان والجماد. لكن يبقى ان البوذية، وبحسب وجهة نظر الكاتب، تنتهي حيث ابتدأت، فهي ولدت كيما تنظم حياة الانسان على الارض وعلى الارض فقط. لا شك ان البوذية منظومة أخلاقية متماسكة، لكنها لا تعطي جوابا للكثيرمن الاسئلة المصيرية التي يطرحها الانسان: الخطيئة وعبودية الانسان لها، حاجة الانسان، على الاقل الكثير من الناس، للخلاص من نار عقدة الذنب او ما تسميه المسيحية بالخطيئة الاصلية. قد يعترض البعض انهم لا يشعرون بعقدة الذنب هذه، ولا شك ان ذلك حقهم، لكن الاطباء النفسيين يجمعون على ان الكثير من الامراض النفسية مرجعها شعور الانسان بعقدة الذنب. لا تجيب البوذية بشكل واضح عن تساؤلات الانسان بخصوص الحياة الاخرى. هل تنتهي الحياة بموت الانسان؟ ما هو شكل الحياة في الآخرة؟ هل يحافظ الانسان على خصوصيته في الحياة الاخرى ام تراه يذوب في الذات الالهية؟ كيف يكفر الانسان عن إساءاته للآخرين من خلال التوالد المتتالي او التناسخ الذي يعرف بالنرفانا أي الحالة الأسمى في الوجود؟ ما هي صفات الالوهة؟ ما علاقتها بخلق الانسان؟ هل نستطيع الجزم بعدم وجود الروح؟ وإن جزمنا بأن الانسان ليس سوى بتركيبة فكرية بحتة، فكيف لهذه التركيبة ان تحيا مجددا بعد ان يموت الجسد وفي غياب الروح؟ ما اللذي ا يشكل عندها المرجعية الرسمية للفكر وأين تراه يسكن خارج إطار الروح والجسد؟

"من الافضل جدا ان تغلب نفسك على ان تربح ألف معركة. عندها سوف تكون الغلبة من نصيبك ولن يستطيع أحد انتزاعها منك، لا ملائكة أو شياطين، لا سماء أو جحيم... أنت وحدك، ووحدك فقط دون كل الناس، تستحق حبك لنفسك وعطفك على ذاتك." وفي النهاية يضيف المستنير "من الافضل ان تسافر وانت في حال جيدة على ان تصل."تفسر هذه المقولة الفلسفة البوذية بكل تفاصيلها: فالبودا رسم لأتباعه خارطة الطريق للسفر الجيد في هذه الحياة. لكن خارطة الطريق هذه عجزت عن النفاذ الى العالم الآخر إذ توقفت عند منظومة النرفانا او التناسخ دون أن تعطي الكثير من الاجابات على الكثير من الاسئلة المصيرية.

إن كانت البوذية لم تجب على الكثير من أسئلة الكاتب، إلا أنه ينحني إجلالا لسمو الكثير من تعاليمها بما فيها رفض القتل بالمطلق، رفض السرقة، رفض الكذب واحترام الكائنات بما فيها الانسان والحيوان والنبات والجماد.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كافر أنا
- عهد قديم وعهد جديد -7-جولةعلى آلهة حوض البحر الابيض المتوسط
- رأيت يسوع- قصة خيالية
- منطق آلهة سادية أم بشاعة وسادية القدماء؟ رد على مقال الاستاذ ...
- عهد قديم وعهد جديد -6-الحرب على كنعان، إبادة جماعية أم دينون ...
- حسناء باريس... وردة ذبلت أم أشواك دامية؟
- عندما يكون الدم ثمن الحرية
- إنسان يموت وكلب يعيش
- عهد قديم وعهد جديد -5- إسمع ما يقوله إيل الثور الإله، سيّدك
- عهد قديم وعهد جديد -4- وسمع الإله دعائي وباركني
- إنها الحياة-6- ومن الحب ما قتل
- عهد قديم وعهد جديد -3- مبروك للعروسين
- عهد قديم وعهد جديد -2- بين الطائرة والمدرسة
- عهد قديم وعهد جديد -1- البداية
- يسوع الثائر 10 - الخاتمة
- إنها الحياة-6- كلب على لائحة الشرف
- يسوع الثائر-9- يسوع والانسان
- يسوع الثائر-8- الرياء وازدواجية المعايير
- يسوع الثائر-7- نقد للتقاليد
- يسوع الثائر-6- رجال الدين


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد-8- قراءة في البوذية