"شرف البنت زي عود الكبريت مايولعش غير مرة واحده بس"، جملة طالما سمعناها في الأفلام المصرية التي عندما يتزوج فيها البطل الدون جوان الفلاني البلاي بوي ويكتشف في ليلة الدخلة أن عود الكبريت ولّع، أقصد غشاء البكارة غير موجود فيجلس على طرف السرير مكروباً محزوناً وفي نفس الوقت "متغاظ" كيف ضحكت عليه إمرأة وهو الذي قطع السمكة وديلها ويظل يردد وهو منكس الرأس سؤاله الخالد "مين اللي عملها؟" وبالطبع يحمد الرجل الشرقيّ الله على نعمته بأن خلقه بدون غشاء بكارة وإلا كانت فضيحة كل رجال الشرق بجلاجل !!
وغشاء البكارة هو رمز الشرف المقدس عند المرأة وأيضاً هو شرف العيلة ، وهنا في مجتمعنا يعني "شرفها" معنى واحداً هو ذلك الغشاء الذي تعيّن منذ ولادتها حارساً وديدباناً عليه لا همّ لها إلاّ رفع راية "ممنوع اللمس" ... فمن الممكن أن تسرق المرأة وتكون شريفة .. ومن الممكن أن تقتل وأيضاً تظل شريفة، أما هذا الغشاء فدونه الموت وبدونه تفقد نعمة الشرف وتمتليء صفحات الجرائد والمجلات بأسئلة عن ذلك الرقيق المفزع هل يؤثّر عليه ركوب العَجَل "الدراجة الهوائية"؟ وهل من الممكن أن يفضّ عند التشطيف في الحمّام؟ إلى آخر هذه الأسئلة التي تظل هاجساً وكابوساً يومياً لن يعالج إلا بإبن الحلال الفارس صاحب التوكيل الوحيد لفضّ الغشاء والذي للأسف ليست له قطع غيار !!
وقد ناقش د.يوسف إدريس في قصته الرائعة "حادثة شرف" مفهوم الشرف المرتبط بالغشاء في قصة فاطمة التي إتهموها بإرتكاب الفاحشة مع غريب في غيط الدره وظلت القرية تستحثّ أخيها فرج بأن يتأكد من أنها لم تفقد شرفها، أي غشاءها، وطلب فرج جارتهم أم جورج لكي تفحص أخته التي كانت مضرب مثل القرية في الجمال وأيضاً في الخجل وتتأكد من عفتها. ويصف يوسف إدريس مشهد الإطمئنان على العفّة فيقول: "تسمّرت فاطمة في مكانها على العتبة ولكن النسوة دفعنها دفعاً لا مجاملة فيه حتى سقط الشاش من فوق رأسها وتولّت أم جورج طرد جورج من البيت وإغلاق الباب الخارجي وباب الحجرة الداخلي وشيش النوافذ وزجاجها، وكانت مقاومة فاطمة مقاومة الخجل الفطري ولكنهن تكاثرن عليها وأرقدنها على السرير بالضغط والجذب وتولت إحداهن تقييد يديها ، وأمسكت إمرأتان كلّ بساقٍ من ساقيها وأمتدت أيد كثيرة .. أيدٍ معروقة وجافة ..حتى بقايا الملوخية التي عليها جافة ، وإمتدت عشرات العيون الصادقة في بحثها عن الشرف والمحافظة عليه ، إمتدت كلها .. إنغرزت وقلبت وتفحصت حتى وهي لا تدرى عمّ تبحث. وأم جورج وقد تولاها إرتباك عظيم وكأنها المكشوف عليها لاالكاشفة، تنهر النسوة بلا فائدة وتطمئن فاطمة بلا فائدة أيضاً ، والشدّ والجذب والصرخات المكتومة تدور في صمت وفي همس مروّع ، وسكون الترقب قد خيم على الحجرة وامتدّ منها إلى البيت وإلى الخارج وإلى العزبة وإلى الكون كله فصمت .. وفجأة إنطلقت زغرودة من الحجرة الداخلية ترددت على أثرها الزغاريد في المنزل ثم في الخارج ، والألسنة تردد :
ـ سليمة إنشاء الله والشرف منصان " ..
والمدهش أن فاطمة ذات الشرف المنصان أصبحت بعد هذه التجربة وفي نهاية القصة شبه داعرة لا تعرف الحياء ولكنها تعرف غريب وتشتهيه ...
**
ومن قصة يوسف إدريس إلى قصة غشاء البكارة نفسه وتاريخه، فتاريخه هو تاريخ الإنسانية والخوف عليه هو المعيار والدافع وأيضاً التسلية التي تمنحهم إياها الدُمية التي يسمونها "المرأة"، فمن حزام العفّة حتى الختان نستطيع أن نلخص تاريخ هذا العالم الذي كتبت حروفه على جلد المرأة وروحها وليس كما يقال على أوراق البردي أو جلود الغزلان !! فماذا يقول التاريخ عن هذا الغشاء وماذا يحكي عن العذرية ؟
يحكي كتاب ويستر مارك "تاريخ الزواج" عن إختلاف نظرة المجتمعات قديماً وحديثاً ... شمالاً وجنوباً بالنسبة للعذرية فالبعض لا يحفل بها بل يفضّل المرأة التي فضّت بكارتها على المرأة التي لم تفضّ ، والبعض الآخر يقتل من أجله بل ويحتفي بفضّهِ في ليلة الدخلة كما يحدث في بعض قرانا المصرية حين يلوّح الزوج بالمنديل الغارق في الدم والذي سرعان ما ينتقل إلى أيدي أقارب العروس لكي يتفاخروا أمام البلد بأن بنتهم عذراء "واتأخد وشها"..وبين الطرفين المتناقضين ألوان طيف كثيرة،ففي بعض الشعوب تمارس البنات الجنس قبل الزواج للحصول على مهورهن! وعند بعض قبائل أفريقيا يفضّون بكارة البنات وهن صغار وتتولى الأم تلك المهمة أو يتولاها رجل مسنّ . .وعند قبائل أخرى يقوم الأب نفسه بفضّ بكارة إبنته قبل زفافها كما كان فى بلاد السنغال حتى القرن السابع عشر لأنه من وجهة نظره أنه من حقه أن يجني ثمرة النبتة التي غرسها ...
ويحكي الكاتب السوري عبد السلام الترمانيني في كتابه "الزواج عند العرب " عن أن بعض نصرانيات الشرق قديماً كانت تفضّ بكارتها بواسطة الرهبان المخصيين وكان الزوج وقتها يرافق الزوجة إلى الدير ليتأكد بنفسه من أن الراهب هو الذي قام بهذه الفعلة، وقد كانت هذه العادة سارية أيضاً في أوروبا حتى القرن السابع عشر. ومن العادات التي كانت تتبعها بعض الشعوب في مسألة فض البكارة هي أن يتعهد رجل غريب بهذه المهمة قبل الزفاف، ويرجع ذلك إلى الإعتقاد بأن دم البكارة نجس كدم الحيض وأن فيه خطراً على الزوج .. وقد كان في بابل قديماً تقليد روتيني وهو أن تذهب المرأة البِكر إلى المعبد ، فإذا ألقى رجل غريب في حِجْرها قطعة نقود فعليها أن تتبعه ليفضّ بكارتها فى مكان خارج المعبد. ومن الشعوب مَن يعهد بهذه المهمة إلى السَحَرة لأنهم مقدّسون ويحوّلون النجس إلى طاهر ، وكان من سعادة النساء أن يحملنَ من هؤلاء البركة ضماناً للطهارة والمستقبل المشرق !!
ولكن المشكلة أن رجال الدين والسحرة والكهان لم يكونوا هم الوحيدين الذين نالوا هذا الشرف وحصلوا على هذه الحظوة وإنما شاركهم فيها أصحاب السلطة السياسية من الملوك القدامى والرؤساء وكأنهم لم يكتفوا بفضّ بكارة أحلام شعوبهم وإغتصاب حقوقهم فقرروا أن يحولوا الإغتصاب الجُملة إلى قطّاعي والإنتقال به إلى مرحلة الخصخصة .. فكان من حقّ هؤلاء أن يمضوا الليلة الأولى مع كلّ عروس تزفّ إلى زوجها، ويسمى هذا الحق "حقّ الليلة الأولى" أو "حقّ التفخيذ" droit de cuissage، وكان من الملوك الذين مارسوا هذا الحق الملك مالكوم الثالث ملك إيقوسيا الذي أصدر قانوناً ينصّ على حقه وحقّ أخلافه بفضّ كلّ عروس قبل أن تزفّ إلى زوجها، وقد ظلّ هذا القانون سارياً حتى ألغاه الملك مالكوم الرابع بتأثير زوجته وإستبدل بهذا الحق مبلغاً يدفعه الزوج إلى الملك. وقد إستغل أمراء الإقطاع هذا القرار أسوأ إستغلال إذ أخذوا يتنازلون عن حقهم في الليلة الأولى مقابل هدية أو مبلغ يدفعه الزوج إليهم. وفي روسيا كان للسادة الإقطاعيين حقّ فضّ عرائس أتباعهم ،وظل هذا الحق قائماً حتى القرن التاسع عشر ..
ويذكر الأستاذ الترمانيني أنّ عادة فض بكارة العذارى بواسطة الملوك والرؤساء كانت معروفة عند العرب القدامى، ومنهم طسم وجديس وقد قيل أن ملك طسم المسمى "عمليق" في إحدى المرات إعتدى على حق ملك جديس ففضّ بكارة أخته ليلة زفافها ومن أجل ذلك قامت حروب بين القبيلتين أبادتهما فعرفوا بالعرب البائدة ويؤكد ذلك ما روي عن أبرهة الأشرم حين أراد أن يكافيء جنديّه "أرنجده " على إنقاذه لحياته حين إحتلّ اليمن وترك له حرية إختيار نوع المكافأة فقال أرنجدة :"أريد ألا تدخل إمرأة بكر على زوجها قبل أن تبدأ بي فأفترعها"، فقال أبرهة :"لك ذلك !". فلولا أنّ عادة إفتراع الأبكار أو فضّ بكارتهن من قبل الرؤساء والملوك لم تكن قائمة حينذاك ما كان لأبرهة أن يقرّ أو يأذن لهذا الجندي بهذا الحق الموقوف على الملوك والرؤساء .. وكذلك يروي فى أخبار الزمان للمسعودي أن زعيم اليهود في يثرب، والذي كان يدعى "القيطون" كان من حقه أن يفترش المرأة قبل دخول زوجها عليها فلما قدم الأوس والخزرج من اليمن إلى يثرب قتل مالك بن العجلان ذلك القيطون وذلك لأن القيطون فضّ بكارة أخت مالك قبل زفافها ..
والغريب أنه في بعض الشعوب،كما يذكر كتاب "قصة الزواج والعزوبة" تكون البكارة فضيحة كما فى عشائر الواديجو والباكونجو وفي معظم مناطق أفريقيا الإستوائية .. ولدى عشائر الأنجامي ناجاس تقليد حيث يعد تقصير الضفائر دليل على البكارة وتخجل الفتيات هناك من أن تقصّر ضفائرها !! .. وهكذا يثار تساؤل : هل الحفاظ على البكارة إختراع حديث فرضته ظروف معينة أم هو إحساس فطريّ وغريزي ؟
كان هذا هو التاريخ والجغرافيا فماذا عن التشريح والفسيولوجي ..؟
غشاء البكارة هو غشاء رقيق من الأنسجة بين الشفرين الصغيرين والكبيرين وتوجد فيه فتحة لتسمح بنزول دم الدورة الشهرية وهذه الفتحة تختلف في الشكل من إمرأة لأخرى فقد تكون هلالية أو مستديرة أو ذو فتحات متعددة ويسمى "الغشاء الغربالي"، وأحياناً لا توجد فتحة على الإطلاق مما يستدعى تدخّل الطبيب لعمل فتحة جراحياً وإعطاء شهادة تثبت ذلك ... وأخيراً يوجد النوع الكارثة وأطلقُ أنا عليه هذا الإسم لما يجرّه على فتياتنا الشرقيات من مصائب وإتهامات وأحياناً إغتيالات وهذا النوع هو "النوع المطاطي" الذي ينتظر معه العريس تدفق الدم ليلة الدخلة ولكن بلا جدوى فيرمي باللوم على المسكينة المظلومة وعلى أهلها اللي ما عرفوش يربوها وهي في الحقيقة تمتلك هذا النوع "اللي جاب لها الكلام" والذي له حكايات وقصص كثيرة ..
يذكر "سيدني سميث " مجلة الأمن العام عدد يناير عام 1972حالة مومس بعد الممارسة لمدة ثلاثة شهور وكذلك حالة إمرأة حامل وجد غشاء البكارة فيهما سليماً ..كما يذكر" تيلور" في نفس العدد ثلاث حالات لمومسات زاولن مهمة البغاء لمدة سبع وثمان سنوات ووجد غشاء البكارة في كل حالة سليماً ..وأكثر من ذلك فإن سهولة تمدّد فتحة غشاء البكارة قد تسمح ليس فقط بالإيلاج الكلي بل أيضاً بإخراج الأجنّة في حالات الإجهاض دون أن يتمزق الغشاء، أما فى حالة الحمل الكامل فقد إختلفت الآراء.. هل يسمح بمرور الجنين أم لا؟ ويرى معظم العلماء أنه يتعذر مرور جنين كامل دون أن يتمزق الغشاء، ويقولون جملة طريفة يصفون بها هذا الفضّ يقولون : "يرجع الفضل في إزالة البكارة للإبن وليس للأب" ..
وهذا الغشاء لم يختص به الإنسان بل شاركته فيه بعض إناث ذوات الأربع وخاصة القِرَدة ولكن المجتمع الإنساني هو الذي تفرّد بالأساطير المنسوجة حول هذا الغشاء وعن ربطه بالشرف، وأيضاً هو الذي إخترع عملية جراحية لتزييفه وهي عملية "الترقيع" والتي إنتشرت إنتشاراً كبيراً فى الآونة الأخيرة لدرجة تخصّص بعض أطباء النساء في هذه العملية فقط والتي تدرّ عليهم أرباحاً كبيرة نتيجة للمتاجرة بفوبيا الشرف .. إنه بإختصار أغلى مقلب يشربه الرجل الشرقيّ. و بالرغم من أنه هو الذي خلقه وهو الذي صنعه إلا أن هذه الخيوط الجراحية التي تلحم الغشاء تلحم معها كرامته حتى ولو كان متأكداً من أنها مزيفة ...
وحكايات "الترقيع" كثيرة لن يكفيها صفحات هذا المقال ونلتقط من كتاب "الإنفجار الجنسي" لياسر أيوب بعض أقوال العاهرات مثل "العمليات اللي بتتعمل للنسوان علشان ترجع لهم شرفهم على أفا مين يشيل"، وقال:"بيقولوا الشرف لو راح مايرجعش !؟". وحكاية القوادة أم شطة التي طلب منها توفير فتاة بكر لأحد الأثرياء العرب فلم تنشغل أم شطة بالبحث عن بِكر فذهبت إلى الطبيب بعاهرة محترفة فأعادها بنت بنوت، وهكذا ظهرت للغشاء فوائد إقتصادية جمة فهو قد حلّ مشكلة بطالة الأطباء وأيضاً العاهرات ..!
وبرغم رقّة هذا الغشاء ودقته إلا أنه غليظ في مشاكله ومعقّد في الأساطير المنسوجة حوله وسيظلّ عود الكبريت مولعاً لا نعرف هل هو يضيء لنا أم يحرق أيدينا؟ هل هو نور أم لهب؟ وسنظل نحن أيضاً نردد طول العمر :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبهِ الدمُ
نرددها دون أن نعرف على وجه التأكيد ما هو الشرف وأيضاً ما هو الدم !؟