|
الدولار ومعيار الذهب
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 5065 - 2016 / 2 / 4 - 23:13
المحور:
الادارة و الاقتصاد
قبل ان يتبع معيار الذهب كمقياس لقيمة الدولار، كان معيار المعادن الثنائي او الـ bimetallic Standard هو المعيار السائد لتحديد قيمة النقود منذ سنة 1792 وقد استمر الى غاية سنة 1900 حيث استخدم معيار الذهب Gold Standard واستمر العمل وفق هذا المعيار الى سنة 1971 عندما تخلى ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة رسميا عنه نهائيا. يجدر الاشارة الى انه قد تم التخلي عن معيار الذهب بصورة مؤقتة اثناء الحرب الامريكية الاهلية واثناء الحرب العالمية الاولى وكذلك اثناء فترة الكساد الكبير او ما يعرف بـ Great Depression التي بدأت في سنة 1929 واستمرت خلال الثلاثينات وقد اسميت ايضا بـ الازمة الرأسمالية الكبرى. ففي محاولة للتغلب على الكساد الكبير، وفي مواجهة تصاعد البطالة وتصاعد الانكماش في 1930، وجدت حكومة الولايات المتحدة أنها لا بد ان تفعل شيئا من اجل منع البنوك في الخارج من تفريغ احتياطات البلاد من الذهب ذلك انه كان الخيار الاكثر جدارة بالاعتماد والثقة، وكذلك محاولة منها لتحفيز الاقتصاد ولردع الناس من صرف الودائع واستنزاف امدادات الذهب، كان على حكومات الولايات المتحدة الابقاء على معدلات فائدة مرتفعة، الامر الذي جعل الاقتراض بالنسبة للأشخاص والشركات امرا مكلفا للغاية، لذلك في عام 1933، قطع الرئيس فرانكلين روزفلت علاقة الدولار بالذهب، وسمح للحكومة بضخ الأموال في الاقتصاد واخفاض أسعار الفائدة. ان التخلي عن معيار الذهب قد ساهم بانشاء نوع جديد من العلاقة بين العملة والسلعة، حيث قد تحررا كليهما، العملة والسلعة من القيود التي فرضت على سعر الذهب من قبل السياسات المالية الهادفة الى إبقاء العملات تحت السيطرة، ليلعبا دورا جديدا في الاقتصاد العالمي. لقد اصبح الدولار العملة الورقية او ما يعرف بـ Fiat Currency والتي تعني بانها خالية من قيمة داخلية ، لكنها تستعمل كوسيلة للتبادل على العكس مما كان يعرف بالتبادل السلعي حيث يجري التداول بـالسلع مقابل سلع اخرى مثل التبغ والرز والذهب والفضة، فهذه السلع لها قيمة تبادلية خارجية ولها قيمة داخلية لا تحتاج الى موافقة الحكومة ليتم التداول بها. وان حافظ الذهب على استقرار العملة، لكن، وهو غالبا ما يحدث، عندما تتذبذب العملة، وكما اسلفنا، كان يجري التخلي عن هذا المعيار للحفاظ على احتياطات الذهب. واذا كان تحرير الدولار الامريكي من معيار الذهب قد سمح له بالتذبذب والتقلب على نطاق واسع، فانه قد مكن قيمة الذهب من البقاء مستقرة، مما جعله ان يكون ملاذا آمنا للمستثمرين يلجأون اليه في أوقات الاضطرابات الاقتصادية والمالية، كوسيلة للتحوط ضد التضخم والركود. لقد بقيت قيمة الذهب مستقرة مقارنة بالعملات، لكن سعره يتغير بتغير قيمها. فتقلبات سعر الذهب بالدولار الأمريكي يعكس مدى الثقة بالعملة، ان ذلك يتطلب مراجعة مستمرة لقيمة الدولار. بمعنى ان سعر الذهب يسير على عكس اتجاه قيمة الدولار. فارتفاع سعر الذهب هو ايضا مؤشر على انخفاض قيمة الدولار. فلو اراد احد المستثمرين شراء كمية من الذهب باليورو، فان سعر الذهب في هذه الحالة يعتمد على فرق سعر الصرف بين اليورو والدولار. ان سعر الصرف يعطينا صورة عن قوة الاقتصاد الوطني في الولايات المتحدة الامريكية وكذلك في منطقة اليورو. فانخفاض سعر صرف الدولار بالنسبة لليورو يشير الى ضعف الاقتصاد الوطني الامريكي مقارنة بالنشاط الاقتصادي لمنطقة اليورو. وعندما يستقر الاقتصاد الامريكي ويستعيد عافيته، فان الدولار سترتفع قيمته. لا يزال للذهب تاثيرا نفسيا كبيرا على المستثمريين وكذلك على سياسات العديد من البنوك العالمية. فعندما يتعرض الدولار الامريكي الى مشاكل ومصاعب، فان البنوك العالمية والمستثمرون يلجأون الى الابتعاد عن الدولار لصالح الذهب، والعكس صحيح ايضا، فعندما يتعافي الدولار ويعاد تثمينه، تبدأ البنوك بتحويل احتياطياتها من الذهب إلى الدولار، رافعين بذلك قيمته بالنسبة الى الذهب. لكن العلاقة العكسية بين الدولار وبين سعر الذهب ليس دائما دقيقة، فبعض الاحيان لا يشي سعر الدولار بارتباط سلبي مع سعر الذهب، فمثلا، اذا ما تعرضت عملة دولة ما الى مشاكل ومصاعب، وبقي الدولار مستقرا، فان الذهب والدولار سيكونان اثنيهما مرفئان آمنان للمستثمرين الاجانب الذين يلجئون الى تحويل تلك العملة الى الذهب او الى الدولار فيرتفع حينها سعر الذهب وسعر الدولار ايضا. كما ان الدولار الأمريكي هو عملة عالمية رائدة لتسهيل النشاطات التجارية الدولية. ولما كانت الثقة بالعملات المحلية في كثير من البلدان النامية ضعيفة جدا، لذلك تتم نشاطات التداول بالدولار. هل يمكن لمعيار الذهب من العودة مرة اخرى؟ ان ذلك امر مستبعد جدا، آخر لجنة نظرت في اعادة استخدام معيار الذهب، هي تلك التي أنشأها الرئيس رونالد ريغان، حيث جاء التصويت بفارق كبير ضد اعادته. كما ان حجم وتعقيد الاقتصاد الأمريكي يجعل من الصعب للغاية العودة اليه مرة اخرى، ذلك ان العودة اليه تتطلب مقادير هائلة من الذهب وهو ما يجعل سعر الذهب يقفز الى درجات مرتفعة مما يرفع معدلات التضخم بشكل لم يسبق له مثيل ويسبب اضرارا جسيمة للاقتصاد الامريكي.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماركسية وحمالو الاسفار
-
قتل بسيف الشريعة
-
بوابات الجحيم
-
قراءة في الدولة والدين والقومية
-
ارهاب عدو وارهاب صديق
-
الديمقراطي لا يُلدغ من نفس الجحر مرتين
-
العراق: ثلاثة اشكال للفساد
-
هل الارهاب اسلامي النزعة؟ 22
-
هل الارهاب اسلامي النزعة؟ 1-2
-
البنية الطائفية للارهاب
-
صناعة الاله عند ضياء الشكرجي 2-2
-
صناعة الاله عند ضياء الشكرجي.. 1-2
-
ارفعوا الوصاية عن الله فانه غير قاصر
-
جدلية البناء التحتي والبناء الفوقي والدين
-
نفي الاله
-
الدور السلبي للاسلام على العرب
-
العراق: لماذا لم تنجح الحكومة في حل الازمة الطائفية؟
-
ايران والقضية الفلسطينية
-
ذهنية تقسيم العراق
-
العراق: القتال ضد مجهول
المزيد.....
-
المغرب والصين يسعيان لعلاقات اقتصادية وتجارية متطورة
-
سعر الذهب صباح اليوم السبت 23 نوفمبر 2024
-
أكبر محنة منذ 87 عاما.. -فولكس فاغن- تتمسك بخطط إغلاق مصانعه
...
-
صادرات روسيا إلى الاتحاد الأوروبي تجاوز 3 مليارات يورو لشهر
...
-
ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة
-
عمل لدى جورج سوروس.. ترامب يكشف عن مرشحه لمنصب وزير الخزانة
...
-
وكالة موديز ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع
...
-
موديز ترفع تصنيف السعودية وتحذر من -خطر-
-
ارتفاع جديد.. بتكوين تقترب من 100 ألف دولار
-
-سيتي بنك- يحصل على رخصة لتأسيس مكتب إقليمي له في السعودية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|