|
العالم الإسلامي في إنتظار خلاص الحداثة..
زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)
الحوار المتمدن-العدد: 5062 - 2016 / 2 / 1 - 21:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعتقد كثيرون أنه بفضل تعاظم الإرهاب الفكري التسلطي والشُمولي للاسلام الوهابي المتطرف (الداعشي ) تستيقظ في مجتمعات الغرب شيئاً فشيئاً ، قيم اليمين السياسي المتطرف .. من نبذٍ وتطرُف وإقصاء.. وبات العالم بأكمله يتخوف من إنتعاش قيم التمييز العنصري وتعاظم العنف ضد الغرباء .. وهي قيم مُتهالكة، ومُؤذية، تنتمي إلى عصور ماقبل الحداثة ، وهي القيم ذاتها التي حاربت لأجل إقصائها الشعوب الأوربية سنين طوال ، ودفعت من أجل القضاء عليها الكثير من دماء إنسانها وخراب بنيانها .. لكن هناك من يؤمن أن الصراع مع هذا النوع من الإرهاب الديني الوحشي، الذي يُعادي قيم الحضارة الإنسانية الحديثة ، إنما هو صراعٌ فكري في الأساس ، ويتطلب فكر حازم ،وقيم صارمة تتصدى له وتهزمه من الداخل ، وليس تتفاهم معه أو تحتويه بالمفهوم السياسي .. منذ أحداث 11 سبتمبر الإرهابية وحتى غزوة باريس - حسب التعبير الداعشي -، يبدو أن الغرب ومعه قوى الحضارة الانسانية جمعاء، بات يُدرك أكثر فأكثر، أن محاربة فكر الاسلام السياسي وإرهابه المتعاظم ، لايتم عبر قيم التسامح والإنفتاح على ثقافة الآخر ، التي تتمتع بها المجتمعات الغربية ، ولا من خلال الفكر التصالحي والمُهادن لما بعد الحداثة ، الذي يعيش على البحث عن نقاط الإلتقاء مع المختلف مهما كان متخلفاً وبدائياً.. وهو الأمر الذي أظهر – ومازال - المجتمع الدولي مُجتمعاً هشاً ، أمام جلافة فكر البداوة الذي يُبشر به الإسلام الوهابي.. وضعيفاً أمام عقيدة النفاق والتَقيَّة التي يمارسها الداعشيون بكل مهارة وإتقان .. مُتخفين ببراعة ، وراء شعارات الغرب المدنية حول الكرامة الإنسانية وإحترام الحياة ، ومُستغلين لمستوى التسامح وتطبيقاتها المتقدمة في مجال حقوق الأنسان ،الذي وصلت إليه هذه المجتمعات الإنسانية بشكل عام .. لقد بدأت بالفعل تتعالى بعض الأصوات الفاعلة في المشهد الثقافى العالمي مُتسائلة: هل يا تُرى سيستلهم الحلف العالمي، أثناء معركته القاسية والطويلة ضد فكر تنظيم دولة الاسلام وأشباهه .. قيم وعقيدة الحداثة الحازمة ، أم سيبقى حالماً في رخاوة تهويمات ما بعد الحداثة وانفلاشاتها ..؟ والتي كثيراً ما كان يُؤخذ عليها ، أنها قد تخلت عن النضال في سبيل التغيير السياسي لصالح التسليم بالظروف الاجتماعية والثقافية الحالية.. و فيما يبدو إجابة مسبقة على سؤال مُتأخر، كتبَ الناقد والباحث تيري إيغلتون في كتابه: معنى الحياة.. ( انه وفي خضم الصراع بين الرأسمالية والاسلام الأصولي المعادي للثقافة الغربية، يعمل هذا المُعتقد سيء الذكر، على إذكاء الصراع وتأجيجه، حيث يَجد الغرب نفسه في مواجهة انقضاض ميتافيزيقي دموي مُتوحش، في اللحظة التاريخية ذاتها التي ألقى فيها ، إذا صح القول ، أسلحته الفلسفية ).. ويتنادى بعض المفكرين ، من أن هناك أسلحة فكرية جدّية واكثر فاعلية ،ينبغي اللجوء إليها في المعركة الفاصلة الحالية ، ضد الفكر القروسطي للاسلام السياسي بشكل عام، وانه يجب العودة الى مخازن الحداثة، واستحضار منهج القطع الحاسم والحقائق الصادمة، للتصدي لهذا الفكر الاسطوري والخرافي المُتفشي في بُنية الدين نفسه .. ويرى هؤلاء أن الحقبة الفكرية لما بعد الحداثة، بالرغم أنها تضم مُعتقدات كثيرة، لكنها بالتأكيد ، تفتقر إلى العقيدة الحازمة والجلية .. والتي أضْحَت ضرورية جداً ، لمحاربة فكر وقيم هذا العدو المنادي بتطبيق حكم شريعة تعود في حدودها إلى أربعة عشر قرن مضت.. ويعتقدون أن القيم الحالية لما بعد الحداثة – للاسف – هي أعطت المنابر لها وأوسَعت لها حيزاً في الإهتمام ، بالرغم من البدائية الواضحة والتخلف الجاهل الذي يكللها .. لكن من الجدير بالذكر ، أن الحداثة – كما أعتقد - هي قطعٌ ومعاكسةٌ مع الماضي وانقطاع فكري حاسم عنه، كما هي ثورة على كل قديم سواء كان مقدساً أو غير مقدس. . فهي تستند على العلم الوضعي والعقل الانساني في معالجة المشاكل الإنسانية والطبيعية ، وتقوم على المنهج التجريبي والحسي المباشر مقابل المنهج القياسي والفلسفي .. وهي تعتمد في مرجعيتها على الواقع المعلوم، متناقضة بذلك مع العقائد الدينية، الذي تعتمد على واقع فكري موهوم ، يزدحم بالأساطير والخرافات .. .. وهي أي الحداثة ، تختلف عن نسق أفكار ما بعد الحداثة ، التي تسعى دائماً إلى التصالح مع فاعليات هذا الواقع، من خلال رفضها للحدود المرسومة ، أو التحديد الواضح للموجود الواقعي ، و تميل دائماً إلى تمييع الفوارق، بدعوى أن هناك حقائق تقبع دائماً في الزوايا المهملة أو اللامفكر فيها.. وتسعى دائماً إلى جعل الفكر يعتمد على تخمين وتأكيد فلسفيين، بدلاً من اعتماده على دراسة تجريبية وأدلة .. وهناك من اعتبر أن طريقة التفكير في ما بعد الحداثة تلك ، هيأت البيئة المناسبة لنمو الكثير من الأمراض الفكرية المعاصرة مثل العقلانوية والنسبوية ، وشَكّلت الحاضنة الأم لتكاثر ورعاية ايديولوجيات خطرة كالاسلام السياسي المتطرف .. الذي يرغب في تأكيد دوغمائياته اللاهوتية التي يروّج لها،بشكل مستميت، ويسعى لفرضها على العالم بالعنف .. مهما اختلفت عما يقول فيه العقل العلمي او يؤكده المنهج التجريبي .. و لا يجب أن ننسى أن محاولة فكر مابعد الحداثة بشكلٍ مُستمرٍ، زرع الشك في أي محاولة لتحديد ماهية الأشياء نهائياً وعلى نحو حاسم.. والإعتماد على قيم كثيرة منها : اللاحتمية في حدوث هذا السلوك أو النتيجة أو الأمر ... الخ وهو ما بالضبط ما استغلته الأديان والعقائد الخرافية وكثير من الترَّهات الدوغمائية الفكرية في التمسك بإمكانية البقاء على قيد الحياة الفكرية للبشر. .. أخيراً : لقد قيلَ في الماضي، أن الحداثة هي التي أعادت للإنسان كرامته المُستلَبة من قبلِ الأوهام الدينية، والمُكبلة من قبل التفسير الخرافي الأسطوري لأحداث الطبيعة وصروفها. وسياسياً دافعت الحداثة عن الحقوق الطبيعية الإنسانية بواسطة الدولة وحكم القانون... وهذا بالضبط ما تنتظره شعوب الشرق الاسلامي من خلاص على يد شعوب الحداثة ، كي تخرج من كهف القرون الوسطى المقدس ، ولتعيش إنسانيتها المسلوبة من قبل طاعون الداعشية...وإلا فالوباء سينتشر أكثر فأكثر وسيتجه بالجميع نحو الفناء المحتوم ..
#زكريا_كردي (هاشتاغ)
Zakaria_Kurdi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة العُلَماءْ لا ثورة العُدَمَاء ..
-
أفكار حولَ مَفهوم التسّْوِية
-
هلوسات فكرية ..(!)
-
ملاحظات أولية حولَ التعصّب الديني
-
القتل الحلال ..
-
لا سياسة في شرق العبيد
-
هل العقلاء جبناء حقاً ..؟!!
-
أسئلة مُقلقة حول الإسلام الكوردي
-
خواطر في العبودية
-
الإنفعال مقتلةٌ للعقل ..
-
خرافة الإعتدال في الإسلام..
-
داعش منا ونحن منها ..
-
انتظروا القيامة ..
-
من هو عدو المرأة ..؟ّ
-
الإنهيار المدوّي للعقد الإجتماعي السوري
-
فيينا (1) بداية النهاية
-
أفكار في الحب
-
أسافل القوم..
-
أفواه مريضة .. تكشف عن أن للجهل أكثر من عنوان
-
رسالة من رجل شرقي ..
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|