|
الأحفاد الطيّبون
جميل السلحوت
روائي
(Jamil Salhut)
الحوار المتمدن-العدد: 5062 - 2016 / 2 / 1 - 20:08
المحور:
الادب والفن
جميل السلحوت: الأحفادُ الطّيّبون قصّة لليافعين اعتاد عمرُ أن يحملَ زجاجةَ الماءِ لجدّته وجدّه، يمشي بجانب أبيه الذي يحملُ الطّعامَ لوالديه، لا يذكر عمرُ التّلميذُ الذّكيُّ الخلوقُ منذُ متى بدأ عادتَه تلك، فقد بدأها في سنٍّ مبكّرَةٍ، وهو الآنّ في الصّفّ السّادس، ووالداهُ يشجّعانَهُ على ذلك. جدّا عمر يحبّانَه كثيرًا، فما أن يرياه حتّى يتسابقان على احتضانِه، يضُمُّه كلُّ واحدٍ منهما إلى صدرِه، ويُشبعُه تقبيلا. يطرحُ أبو عمر تحيّةَ الصّباح على والديه، وعمرُ يطرحُ التّحيّةَ أيضًا، يضعُ أبو عمر الطّعامَ أمامَ والديه، يصبُّ لهما قهوةَ الصّباحِ أوّلا، يستأذنُ منهما أن يذهبَ إلى عمله، بعد أن يسألَهما إن كانا يريدان شيئًا من المدينةِ حيثُ يعمل في البناء، فيردّان عليه: شكرًا لك يا بنيّ...نسأل الله لك التّوفيقَ والسّلامةَ في كلِّ خطوةٍ تخطوها. قبلَ أن يخرجَ أبو عمر من بيتِه، يوصي زوجتَه أنْ تُعِدَّ طعامَ الغداءِ وتُقدِّمَه لوالديه بعد صلاةِ الظّهرِ مباشرةً...ويوصيها أيضًا أنْ تمرَّ عليهما مرّةً كلَّ ساعتين، تسألهما إنْ كانا يريدان شيئا؟ ويطلبُ منها أيضا أن تجالِسَهما في أوقاتِ فراغِها. أمُّ عمر امرأةٌ طيّبةٌ تحبُّ حمويها...وتتعاملُ معهما كأنّهما والداها، وهما يحبّانها أيضًا. ما أن يعودَ عمرُ واخوته من مدرستِهم بعد انتهاءِ الدّوامِ المدرسيِّ، حتّى تضعَ والدتُهم طعامَ الغداءِ على الطّاولة، قبلَ أن يمدَّ عمرُ يدَهُ إلى الطّعامِ يسألُ والدتَه: هل تغدّى جدّاي؟ فتجيبه والدتُه: نعم لقد تغدّيا قبلنا، فقد انتهيتُ من اعدادِ الطّعامِ باكرًا. يبتسم عمرُ ويقول: الحمدُ للهِ...شكرًا لك يا أمّي. ينهي عمرُ طعامَه، يغسلُ يديه...يحملُ حقيبتَه وزجاجةَ ماءٍ باردٍ، يركضُ إلى جدّيه في الشّقّةِ المجاورةِ؛ ليحلَّ وظائفَه البيتيّة...شقيقُه يوسف وشقيقتاه وردةُ وبثينةُ يعملون الشّيءَ نفسَه...يقبّلون أيدي جدّيهم...الجدّان يقبّلانِ وجنتي كلٍّ منهم...يسألُ عمرُ جدّيه: هل تريدان شيئا لأحضرَهُ لكما؟ يجيب الجدّان: شكرًا لك يا بنيّ، لا ينقصُنا شيء. تسألُ وردةُ ابنة العاشرة: هل تريدان قهوةً أو شايًا؟ يضحكُ الجدّان وتسألُ الجدّةُ مازحةً: مَن سَيُعِدُّ الشّايَ والقهوةَ لنا؟ تجيبُ وردة: أنا. يضحكُ الجدُّ ويقول: من يديكِ يطيبُ لنا احتساءُ كوبَ شاي. تركضُ وردةُ لإعداد الشّايِ لجدّيها. يسألُ يوسفُ جدّيه: هل أُحْضرُ لكما ماءً. يبتسمُ الجدُّ ويقولُ: لقد سبقك عمرُ وأحضرَ الماءَ قبلَك. يلتفتُ يوسفُ لعمرَ ويقولُ: لا تحضر الماءَ يا عمرُ لجدّيّ، فأنا سأحضرُه لهما. يخرجُ عمرُ مكسوفًا دون استئذان، يحملُ سلّةً صغيرةً، يذهب إلى شجرةِ التّين...يتسلّقُها...يقطفُ بعضًا من ثمارِها النّاضجةِ حتّى تمتلئَ السّلّةُ...يعودُ إلى البيت...يضعُها في صحنٍ نظيف ويغسلُها، ثُمّ يضعُها فرحًا أمامَ جدّيه وهو يقول لهما: تفضّلا...تبدو السّعادةُ على وجهِ الجدّين وهما يقولان: سَلِمَتْ يداك يا عمر. يجلسُ عمرُ على الكرسيّ...يُخْرِجُ دفترَ وكتابَ الرّياضيّات، قبلَ أن يبدأَ حلَّ وظيفتِه البيتيّةِ يقول لشقيقيه يوسف ووردة: ليجلسْ كلٌّ منكما على كرسيٍّ ويحلّ وظائفَه البيتيّة. يشعرُ يوسفُ بالرّضا على نفسِه؛ لأنّه قدّم شيئًا لجدّيه...يجلسُ على كرسيٍّ بجانبِ شقيقِه عمر، ويبدأُ بحلِّ وظائفِهِ المدرسيّة سعيدًا. تركضُ بثينةُ ابنة السّنواتِ الخمسةِ إلى حضنِ جدِّها وفي يدِها تفّاحةٌ، ترفعُ التّفّاحةَ إلى فمِ جدِّها وتقولُ له: كُلْ يا جدّي...يُقبِّلُ الجدُّ يدَها ويقولُ: شكرًا لك يا بنيّتي، لقد أكلتُ تفّاحةً قبلَ قليلٍ، تقفزُ مِنْ حضنِه، وتذهبُ إلى حضنِ جدَّتِها وتفعلُ الشّيءَ نفسَه، وتلقى نفسَ الجواب، فتعودُ إلى حضنِ جدِّها باسمةً...يشمُّ الجدُّ رائحةَ شَعْرِ بثينة فيستطيبُها...يُقَبِّلُ رأسَها مرّاتٍ كثيرةً، تغفو بثينةُ في حضنِ جدِّها...يطوّقُها بيديه سعيدًا بوجودِها. تعودُ وردةُ بصينيّة عليها كوبا شاي...تقدِّمُ واحدًا لجدّتِها والثّاني لجدِّها...ترشفُ الجدَّةُ رشفةً من كوبِها وتقول: هذا أطيبُ شايٍ ذقتُه في حياتي! تضحكُ وردةُ وتسألُ فرحةً: هل حقّا ما تقولينه يا جدّتي؟ تُجيبُ الجدّةُ: نعم... لم أقلْ إلّا حقّا...هذا الشّايُ لذيذٌ، لأنّكِ أنتِ أعددتِه يا وردةُ، فرائحتُك الطّيّبةُ تفوحُ منه. تجلسُ وردةُ بجانبِ جدّتِها سعيدةً...تطلبُ من جدّتِها أنُ تحكي لها حكايةً مُسلّيةً. تتنهّدُ الجدّةُ ... وتقول: " كان يا ما كان، في قديم الزّمان، رجلٌ فقيرٌ، يدعو الله ليلَ نهارَ أنْ يُحَقِّقَ له ثلاثَ أمنياتٍ يستطيعُ مِنْ خلالِها أنْ يحصلَ على ما يريد، واستجابَ اللهُ دُعاءَهُ، فجاءتْ زوجتُه وابنُه الوحيدُ وطلبا منه أن يمنحَ كلَّ واحدٍ منهما أمنيةً من أمنياتِه، وأن يكتفيَ بأمنيةٍ واحدةٍ لنفسِه، فوافق… وبينما هم جلوسٌ وإذ بالزّوجةِ تغضبُ من ابنِها وتقولُ لهُ: " أسألُ اللهَ أنْ يمسخَكَ قِردًا. فردّ عليها بقوله: بل يمسخُكِ أنتِ، وإذ بالزّوجةِ وابنها يصيران قردينِ، لأنّ اللهَ سمع دعاءَهما، وهكذا بقيت الأمنيةُ الثّالثةُ الّتي هي مُلْكُ الزّوْج – الأب- فقال: يا ربّي أعدْنا كما كنّا، فعاد الابنُ والزّوجةُ إلى حالتِهما الأولى. وتوته توته خلصت الحدّوثة." ضَحِكَ الأطفالُ من الحكايةِ، وضحكَ الجدّانِ فَرحًا بأحفادهم. قال يوسف: نريد أن نسمع كلَّ يومٍ حكايةً أو قصّةً من جدِّنا أو من جدَّتِنا. قال الجدُّ: بعد صلاةِ المغرب...سأحكي لكم حكايةً بحضورِ والديكم. عاد أبو عمر من عملِه مرهقا...استحمّ...ونام ساعةً كما اعتاد كلَّ يومٍ....استيقظ وذهبَ إلى والديه...شعرَ بسعادةٍ غامرةٍ عندما رأى أبناءَهُ بصحبةِ جدّيهم. طرحَ السّلامَ وجلسَ قبالةَ والديهِ، بعد أن سألَهما إن كانا يريدان شيئًا ما؟ بعدَ صلاةِ المغربِ أحضرتْ أمُّ عمر طعامَ العشاءِ، ساعدَها بذلك عمرُ ويوسف. بعد أن تناولوا طعامَ العشاءِ سألَ يوسفُ جدَّهُ: متى ستحكي لنا حكايةً يا جدّي؟ ابتسمَ الجدُّ وقال: الآنَ سأحكي لكُم يا يوسف حكايةَ الابنِ العاقّ. دُهِشَ يوسف ممّا سمعَ وسأل: هل هناكَ أبناءٌ عاقّون يا جدّي؟ فقال الجدُّ نعم يا ولدي...هناك أبناءٌ عاقّون...لأنّهم تربّوا على العقوق.... والآن استمعوا لهذه الحكاية: " يحكى أنّ ابنًا حملَ والدَهُ العجوزَ تحتَ ضغوطاتٍ مِنْ زوجتِه؛ ليضعَه في كهفٍ بعيدٍ عن البيتِ، وحملَ معه عباءةً سميكةً؛ لتكونَ فراشًا وغطاءً للأبِ العجوز. وفي المغارةِ قال الابنُ لأبيه: لا تخفْ يا أبي...سآتيكَ بالطّعامِ والماءِ كلَّ يومٍ. فقال الأبُ: انتظرْ...خُذْ نصفَ هذه العباءةِ واحتفظْ بها لنفسِكَ، لأنَّ أبناءَك عندما تشيخُ لن يوفِّروا لك فراشًا ولا غطاءً! "فمثلما تُدينُ تُدانُ" يا ولدي. انتبه الابنُ لما قالَهُ والدُهُ فبكى حزنًا على نفسِهِ، حملَ والدَه على ظهرِهِ وعاد إلى بيتِه غاضبّا على زوجته، وقال لها: كيفَ سأطردُ أبي من بيتِهِ؟ أبي سيبقى تحتَ رعايتي حتّى يقضيَ الله أمرًا كانَ مكتوبا...ولن أُضحّي بأبي مِنْ أجلِكِ، ولا مِنْ أجلِ غيرِكِ...فسكتتِ الزّوجةُ؛ لأنّها تأكّدت أنَّ زوجَها لن يُفرِّطَ بأبيه...ووعدتْه أن ترعى والدَه في غيابه وفي حضورِه كما ترعى أبناءَها. سألَ عمرُ: ماذا كان سيحدُثُ للجدِّ لو تركه ابنُه في المغارة؟ أبو عمرُ: سيعاني كثيرًا لأنَّه لن يجدَ من يساعدُه. عمر: أينَ أحفادُ ذلكَ الرّجل؟ الجدّ: تزوّجوا وسكنوا بعيدًا عن والديهم وعن جدّهم. عمر ويوسف: لن نتركَ جدّينا ووالدينا ما دمنا أحياء...ومن هذه الليلةِ سننقلُ فراشَنا؛ لننامَ في الغرفةِ المجاورةِ لجدّينا؛ كي نخدمَهُما ونلبّيَ طلباتِهما. الجدّان: باركَ اللهُ بكما وبوالديكما اللذين ربّياكما تربيةً حسنةً. أبو عمر: هذا بفضلِكما يا أبي. والله تعالى يقول: " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا، وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا، حَتَّىٰ-;- إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ-;- وَالِدَيَّ، وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي، إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ." قالت وردةُ: أنا سأعمل الشّايَ لجدّيّ، سأكنسُ شقّتَهما كلَّ يوم...سأرتّب سريرَهما يوميًّا، وسآخذُ ملابسَهما للغسيل كلّما اقتضتِ الحاجةُ. أمّا بثينةُ فقد قالتْ ضاحكةً: سأنامُ أنا في حضنِ جدّتي كي تستأنسَ بي....ضحكَ الجميعُ ممّا قالته بثينةُ. قال الجدُّ: أنا سعيدٌ بابني وبزوجتِه، وبأحفادي...وأحمدُ اللهَ على ما نحنُ فيه، وصدقَ مَنْ قالَ: "مثلما تزرع تحصد."
#جميل_السلحوت (هاشتاغ)
Jamil_Salhut#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بدون مؤاخذة- الدّين لله والوطن للجميع
-
رواية البلاد العجيبة في اليوم السابع
-
اليتيم
-
أمّي في رحاب الله
-
رواية -الهروب- في اليوم السابع
-
ظبي المستحيل لبكر زواهرة في اليوم السابع
-
رواية -فانتازيا- في ندوة اليوم السّابع
-
رواية -فانتازيا-والربيع العربي
-
كيف ترى ديمة السمان القدس من برج اللقلق؟
-
فراشة عمر حمّش تبوح في اليوم السابع
-
بدون مؤاخذة- احتجاز الجثامين وهدم البيوت
-
رواية -رولا- لجميل السلحوت في اليوم السابع
-
رواية الخطّ الأخضر في اليوم السّابع
-
بدون مؤاخذة- ارهابهم وارهابنا
-
رواية-يقظة حالمة-في ندوة اليوم السابع
-
بدون مؤاخذة- السّقوط إلى الهاوية
-
حضرت الأحلام وغابت الرّواية
-
الموقف العقلاني من التراث
-
دمعة احسان أبو غوش تخدع ظلها في اليوم السّابع
-
يوميّات الحزن الدّامي- أنتم السّابقون...
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|