حوار: عبد النبي العكري
الرباط
لقاء مع السيد محمد الصبار – نائب رئيس المنتدى العربي للحقيقة والإنصاف
في بداية عام 1999 توفي الملك الحسن الثاني الذي حكم المغرب، مطلقاً منذ 1961، أي طوال 37 عاما. و يقول العديد من السياسيين المغاربة أن الحسن الثاني، كان يعلم في السنوات الأخيرة أنه مريض من مرض لا شفاء منه و أنه يمكن أن يموت في أي لحظة.
لذلك فقد عمد قبل سنتين من وفاته إلى تعديل الدستور و إجراء الاستفتاء عليه، بحيث يتيح التناوب على الحكومة و هذا ما أتاح لحزب المعارضة الرئيسي (الاتحاد الاشتراكي) الذي فاز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان (51 معقداً من 320) أن يشكل الحكومة برئاسة عبد الرحمن اليوسفي بالتحالف مع أحزاب أخرى. كما عمد إلى خطوات إنفراجية أخرى مثل السماح لمن تبقى من المعارضة بالرجوع إلى المغرب، و إطلاق سراح من تبقى في السجون من السياسيين، و إعطائهم حرية العمل السياسي و السماح بهامش أكبر للتعبير و العمل السياسي. و مع إستلام الملك الشاب محمد السادس مقاليد الحكم، فقد بدأت مرحلة نوعية جديدة في المغرب، إتسمت ليس بتعميق التحولات التي بدأت في أواخر عهد أبيه و لكن محاولة تصفية التركة الثقيلة للعهد السابق.
عمد أولاً إلى إزاحة رمز القمع وزير الداخلية محمد البصري. رجل النظام القوي على امتداد ثلاثة عقود، و الطاقم المحيط به، و تسريح عدد كبير من الضباط المتورطين في الجرائم الرجعية طوال عقود و تبع ذلك عدداً من الإجراءات التي شكلت قطيعة مع العهد السابق و تعزيزاً لنهج التحول الديمقراطي.
لكن ما سنعالجه هنا المبادرة الشعبية لكشف حقيقة ما جرى من جرائم ضد البشرية على التراب المغربي. و كان هذا للقاء مع السيد محمد الصبار نائب رئيس المنتدى المغربي للحقيقة و الإنصاف، عضو الهيئة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان:
س: ما هي خصوصيات التجربة المغربية؟
الصبار: من خصوصياتها أولاً العثور على أحياء ممن إختظفوا و افتقدوا لسنوات حيث طويلة، مما فتح هذا الملف في فترة الانتقال من مرحلة الدكتاتورية على مرحلة الديمقراطية حيث يكون الحكم لصناديق الاقتراع و التي لم يبلغها المغرب حتى الآن فقد جرى تغيير في القمة و لكن لم يجرى التغيير الشامل في القاعدة.
و ثانياً تشكيل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في العهد السابق و يضم ممثلين لأغلب الأحزاب و الاتحادات النقابية و الجمعيات، الحقوقية ( عدى الجمعية المغربية، و عدد من الوزراء). و رغم ذلك فالمجلس غير مستقل تماماً عن الدولة و يرفع توصياته إلى الملك الذي يتخذ القرار بشأنها.
تعاطى المجلس مع 112 ملف لمخطوفين فيما تتوفر لدى منظمات حقوق الإنسان أكثر من 500 ملف، في حين تقول منظمة العفو الدولية أن لديها ما يقارب 500 ملف من اصل صحراوي.
س: كيف تشكل المنتدى؟
الصبار: للتعاطي مع الوضع جرى تشكيل المنتدى المغربي للحقيقة و الإنصاف عام 1999 من الضحايا (التعذيب و الاختطاف)، و أقارب الضحايا و بعض الحقوقيين. وقد أصدار المنتدى (وثيقة الحقيقة) و التي طرحت ما يلي:
(1) تشكيل هيئة مستقلة للكشف عن حقيقة ما جرى و المسؤولين عن ضحاياه و يشمل التعذيب و الاختطاف و المحاكمات غير العادلة. لا يمكن طي صفحة الماضي إلا بالاعتماد على مرجعية دولية. يتوجب أن تتم الخطوات التالية:
- كشف حقيقة ما جرى.
- حصر الضحايا.
- تحديد أماكن الاعتقال السري.
- تحديد كافة الملابسات التي أحاطت بالأحداث السياسية و التي ترافقها اختطافات و اعتقالات و محاكمات.
- تحديد مسؤولية الدولة.
- تحديد المسؤولية الفردية و الجماعية.
- مناهضة الإفلات من العقاب و تشمل ذلك مساءلة المسؤولين.
- وضع التدابير و الإجراءات و الإصلاحات ذات الطابع السياسي و التشريعي و الدستوري و المؤسساتي و التربوي من أجل القطيعة مع الماضي.
- تشكيل هيئة مستقلة لهذا الغرض بقرار ملكي أو من رئيس الوزراء أو البرلمان من أصحاب الكفاءة و الاستقلالية. تختص هذه الهيئة بالبحث في كافة الانتهاكات الجسيمة منذ الاستقلال حتى 1999 و لتحقيق ذلك تقوم الهيئة بالاستماع على كافة الأطراف من ضحايا و شهود و الموظفين العموميين و الضباط و أفراد و مباحث و شرطة و ادعاء عام و قضاة. و تقوم هذه الهيئة بتقديم توصيات تهتم بالدرجة الأولي بمساءلة المسؤوليين و تعويض الضحايا و وضع ضمانات للمستقبل بعدم تكرار ما حدث في الماضي من انتهاكات.
س: ما هي النشاطات التي قام بها المنتدى؟
الصبار: قام أعضاء و أصدقاء المنتدى بوقفات اعتصام أما م المتعقلات السرية مثل "أزمارت" و الذي اعتقل فيها المتورطون في انقلاب الصخيرات عام 1971 و قلعة مدكونه المخصصة للمعتقلين الصحراويين، مطالبين بالتحفظ على هذه الأماكن حتى معاينتها من قبل هيئة الحقيقة المطلوب تشكليها.
س: ما هي مسؤولية المجتمع المدني و الاحزاب و الجمعيات و غيرها؟
الصبار: المسؤولية مسؤولية المجتمع كله من أحزاب و جمعيات و نقابات. لقد نظم المنتدى مؤخراً المناظرة الوطنية حول انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب "شاركت فيها الأحزاب و جمعيات الحقوقيين و المحامين و جمعيات نسائية و خلصت إلى توصيات من أهمها:
- إنشاء هيئة مستقلة لبحث عن الحقيقة.
- تقديم اعتذار علني من الدولة للضحايا و المجتمع.
- برز خلاف بين اتجاهين الأول يؤيد المصالحة غير المشروطة و الثاني يؤيد المصالحة بعد المساءلة و سوف تنظم ندوة أخرى حول ذلك.
أما المطالب المستعجلة التي طرحتها الندوة فهي:
- الكشف عن باقي المختطفين.
- تسليم رفات المتوفيين.
- تعويض الضحايا و عائلاتهم.
- تقديم الرعاية الطبية للضحايا.
- الاندماج الاجتماعي للضحايا.
س: كيف تعاطت الحكومة مع توصيات المؤتمر؟
الصبار: إثر ذلك جرى تشكيل هيئة تحكم بظهير ملكي (مرسوم ملكي) حيث كلفت تسلمها طلبات الضحايا مع الالتزام بعدم الطعن بقرار الهيئة. هذا و قد استقبلت الهيئة أكثر من ستة آلاف طلب و جرى التعاطي معها بالتعويض بحد أدني قدره 360 ألف درهم (36 الف دولار) لكل ضحية.
من ناحيتنا اعتبرنا الهيئة غير قانونية و أن التحكيم من طرف واحد غير قابل للاستئناف كما أجرينا مفاوضات غير رسمية معها للاستمزاج و سلمناها مذكرة المنتدى و التي تتضمن اقتراحات بشأن القضايا المستعجلة و قد تمت الاستجابة الجزئية فيما يتعلق بعلاج ضحايا التعذيب حيث جرى افتتاح مركز لتأهيل ضحايا التعذيب بالدار البيضاء يتوفر على أطباء فيزيائيين و نفسانيين، كما فتحت أقسام في بعض المستشفيات العمومية. بالنسبة للإدماج الاجتماعي فإنه جار منذ 1990. لقد جرى إرجاع المطرودين إلي أعماله في قطاع الوظيفة العمومية، و هناك معالجة لمسائل الفئات الأخرى من طلاب و فلاحون و موظفون خاصون و مصابون عاجزون عن العمل.
س: كيف يتعاطى الرأي العام مع هذه القضية؟
الصبار: فتحت العديد من الصحف صفحاتها لشهادات الضحايا، و نشر بعضهم كتباً و تغطي القناة الثانية نشاطات المنتدى.
س: هل اتخذت الحكومة إجراءات بحق الجلادين؟
الصبار: نعم فقد جرى عزل موظفين عموميين متهمين بالتعذيب و إحالة البعض الآخر على المعاش، وإقالة مدير المباحث.