|
استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(11)
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 5061 - 2016 / 1 / 31 - 14:10
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره(الميزان)الحلقة(11) المبحث العاشر: الكلام الكلام لغة : قالوا: هونطق مفهم كما ذكره ابن فارس في كتابه ( معجم مقاييس اللغة) 5/131 قال: الكلام لغة يدل على نطق مفهم ، فقولهم : كلمته أكلمه تكليما ، وهو كليمي اذا كلمك أو كلمته. ومنهم من قال الكلام لغة : عبارة عما تحصل بسببه فائدة ، سواء أكان لفظا ، أم لم يكن كالخط والكتابة والاشارة. وهذا التعريف ليس بصحيح ، وانما أتى به بعض المبتدعة ليتوصلوا به الى نفي الصوت والحرف عن كلام ربنا جل شأنه. اصطلاحا: فهو ما اجتمع فيه أربعة امور : الأول أن يكون لفظا ، والثاني ان يكون مركبا ، والثالث ان يكون مفيدا ، والرابع أن يكون موضوعا بالوضع العربي . وقال الطباطبائي: ذكرالحماء: أنّ ما يسمّى عند الناس قولاً وكلاماً وهو نقل الإنسان لمتكلّم ما في ذهنه من المعنى بواسطة أصوات مؤلّفة موضوعة لمعنى فإذا قرع سمع المخاطّب أو السامع نقل المعنى الموضوع له الّذي في ذهن المتكلّم إلى ذهن المخاطّب أو السامع، فحصل بذلك الغرض منه وهو التفهيم والتفهّم، قالوا: وحقيقة الكلام متقوّمة بما يدلّ على معنى خفيّ مضمر، وأمّا بقيّة الخصوصيّات ككونه بالصوت الحادث في صدر الإنسان ومروره من طريق الحنجرة واعتماده على مقاطع الفم وكونه بحيث يقبل أن يقع مسموعاً لاأزيد عدداً أو أقلّ ممّا ركّبت عليه أسماعنا فهذه خصوصيّات تابعة للمصاديق وليست بدخيلة في حقيقة المعنى الّذي يتقوّم بها الكلام. فالكلام اللفظيّ الموضوع الدالّ على ما في الضمير كلام، وكذا الإشارة الوافية لإرائه المعنى كلام كما ان إشارتك بيدك: أن اقعد أو تعال ونحو ذلك أمر وقول، وكذا الوجودات الخارجيّة لمّا كانت معلولة لعللها، ووجود المعلول لمسانخته وجود علّته وكونه رابطاً متنزّلاً له يحكي بوجوده وجود علّته، ويدلّ بذاته على خصوصيّات ذات علّته الكاملة في نفسها لو لا دلالة المعلول عليها. فكلّ معلول بخصوصيّات وجوده كلام لعلّته تتكلّم به عن نفسها وكمالاتها، ومجموع تلك الخصوصيّات بطور اللفّ كلمة من كلمات علّته، فكلّ واحد من الموجودات بما ان وجوده مثال لكمال علّته الفيّاضة، وكلّ مجموع منها، ومجموع العالم الإمكانيّ كلام الله سبحانه يتكلّم به فيظهر المكنون من كمال أسمائه وصفاته، فكما أنّه تعالى خالق للعالم والعالم مخلوقه كذلك هو تعالى متكلّم بالعالم مظهر به خبايا الأسماء والصفات والعالم كلامه. بل الدقّة في معنى الدلالة على المعنى يوجب القول بكون الذات بنفسه دالّاً على نفسه فإنّ الدلالة بالأخرة شأن وجوديّ ليس ولا يكون لشئ بنحو الأصالة إلّا لله وبالله سبحانه، فكلّ شئ دلالته على بارئه وموجده فرع دلالة ما منه على نفسه ودلالته لله سبحانه هو الدالّ على نفس هذا الشئ الدالّ، وعلى دلالته لغيره. فهو سبحانه هو الدالّ على ذاته بذاته وهو الدالّ على جميع مصنوعاته فيصدق على مرتبة الذات الكلام كما يصدق على مرتبة الفعل الكلام بالتقريب المتقدّم، فقد تحصّل بهذا البيان أنّ من الكلام ما هو صفة وهو الذات وهو الذات من حيث دلالته على الذات، ومنه ما هو صفة الفعل، وهو الخلق والإيجاد من حيث دلالة الموجود على ما عند موجده من الكمال. ويوضح الطباطبائي: ما نقلنا على تقدير صحّته لا يساعد عليه اللفظ اللغويّ، فإنّ الّذي أثبته الكتاب والسنّة هو أمثال قوله تعالى: منهم من كلّم الله، وقوله: وكلّم الله موسى تكليماً، وقوله: قال الله يا عيسى، وقوله: وقلنا يا آدم، وقوله: إنّا أوحينا إليك، وقوله: نبّأني العليم الخبير، ومن المعلوم أنّ الكلام والقول بمعنى عين الذات لا ينطبق على شئ من هذه الموارد. واعلم أنّ بحث الكلام من أقدم الأبحاث العلميّة الّتي اشتغلت به الباحثون من المسلمين (وبذلك سمّي علم الكلام به) وهي أنّ كلام الله سبحانه هل هو قديم أو حادث؟ ذهبت الأشاعرة إلى القدم غير أنّهم فسّروا الكلام بأنّ المراد بالكلام هو المعاني الذهنيّة الّتي يدلّ عليه الكلام اللّفظيّ، وتلك المعاني علوم الله سبحانه قائمة بذاته قديمة بقدمها، وأمّا الكلام اللّفظيّ وهو الأصوات والنغمات فهي حادثة زائدة على الذات بالضرورة. وذهبت المعتزلة إلى الحدوث غير أنّهم فسّروا الكلام بالألفاظ الدالّة على المعنى التامّ دلالة وضعيّة فهذا هو الكلام عند العرف، قالوا: وأمّا المعاني النفسيّة الّتي تسمّيه الأشاعرة كلاماً نفسيّاً فهي صور علميّة وليست بالكلام. وبعبارة اُخرى: إنّا لا نجد في نفوسنا عند التكلّم بكلام غير المفاهيم الذهنيّة الّتي هي صور علميّة فإنّ اُريد بالكلام النفسيّ ذلك كان علماً لا كلاماً، وإن اُريد به أمر آخر وراء الصورة العلميّة فإنّا لا نجد ورائها شيئاً بالوجدان، هذا. وربّما أمكن أن يورد عليه بجواز أن يكون شئ واحد بجهتين أو باعتبارين مصداقاً لصفتين أو أزيد وهو ظاهر، فلم لا يجوز أن تكون الصورة الذهنيّة علماً من جهة كونه انكشافاً للواقع، وكلاماً من جهة كونه علماً يمكن إفاضته للغير؟ ويبين الطباطبائي بقوله: والّذي يحسم مادّة هذا النزاع من أصله أنّ وصف العلم في الله سبحانه بأيّ معنى أخذناه أي سواء اُخذ علماً تفصيليّاً بالذات وإجماليّاً بالغير، أو اُخذ علماً تفصيليّاً بالذات وبالغير في مقام الذات، وهذان المعنيان من العلم الّذي هو عين الذات، أو اُخذ علماً تفصيليّاً قبل الإيجاد بعد الذات أو اُخذ علماً تفصيليّاً بعد الإيجاد وبعد الذات جميعاً، فالعلم الواجبيّ على جميع تصاويره علم حضوريّ غير حصوليّ. والّذي ذكروه وتنازعوا عليه إنّما هو من قبيل العلم الحصوليّ الّذي يرجع إلى وجود مفاهيم ذهنيّة مأخوذة من الخارج بحيث لا يترتّب عليها آثارها الخارجيّة فقد أقمنا البرهان في محلّه: أنّ المفاهيم والمهيّات لاتتحقّق إلّا في ذهن الإنسان أو ما قاربه جنساً من أنواع الحيوان الّتي تعمل الأعمال الحيويّة بالحواسّ الظاهرة والإحساسات الباطنة. وبالجملة فالله سبحانه أجلّ من أن يكون له ذهن يذهن به المفاهيم والمهيّات الاعتباريّة ممّا لاملاك لتحقيقه إلّا الوهم فقط نظير مفهوم العدم والمفاهيم الاعتباريّة في ظرف الاجتماع، ولو كان كذلك لكان ذاته المقدّسة محلّا للتركيب، ومعرضاً لحدوث الحوادث، وكلامه محتملاً للصدق والكذب إلى غير ذلك من وجوه الفساد تعالى عنها وتقدّس. ويختم الطباطبائي كلامه بالقول: وأمّا معنى علمه بهذه المفاهيم الواقعة تحت الألفاظ فسيجئ إنشاء الله بيانه في موضع يليق به.(راجع: الميزان ج2325- 327)
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(10)
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(9)
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(8)
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية؛ الحلقة(7)
-
الجلبي ما قتلوا وما صلبوه ولكن شبه لهم
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية الحلقة(6)
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(5)
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(4)
-
صخم وجهك وكول آني حداد
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان)الحلقة(3)
-
حسقيل قوجمان صوت يهودي عراقي مدوي
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(1)
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(2)
-
ميزانية مصابة بالشلل
-
حششوا حتى يأتيكم اليقين
-
الا يتدبرون العراق ام على...؟
-
حكومة مظرطة
-
سبع سنوات غير كافية ايها القضاء
-
اعطوني وزيراً مثل حسقيل؟ !
-
تزوير العملة...وماذا بعد؟
المزيد.....
-
رغم الحذر السائد قبيل قرار ترامب مؤشر أسهم أوروبا يقفز لمستو
...
-
قراءة الإعلام المصري لصورة السيسي في -جيروزاليم بوست- الإسرا
...
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 119 مقذوفا في غضون 24 ساعة
...
-
وزير الخارجية الأمريكي ونظيره السعودي يناقشان مستقبل غزة وال
...
-
فوتشيتش يصف الاحتجاجات في صربيا بأنها محاولة لتدمير البلاد م
...
-
أنباء أولية عن سقوط قتلى في تحطم طائرة في فيلادلفيا الأمريكي
...
-
إعلام أوكراني: سماع دوي انفجارات في كييف ومقاطعتها
-
المبعوث الأمريكي الخاص: إنهاء الصراع في أوكرانيا يصب في مصلح
...
-
تاكر كارلسون: زيلينسكي باع أوكرانيا وتحول إلى خادم للغرب
-
-إم 23- تواصل زحفها شرق الكونغو الديمقراطية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|